الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حق تكافؤ الفرص في الجامعات المغربية في ميزان ثقافة الولاء(الجزءالأخير )

حكيمة لعلا
دكتورة باحثة في علم الاجتماع جامعة الحسن الثاني الدار البضاء المغرب

(Hakima Laala)

2023 / 3 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن أهم رابط فعلي بين العشيرة الممثلة والمؤطرة والمدبرة لعلاقات الولاء هي علاقة الصداقة أو بالتعبير المتداول والرمزي "الصحبة " والعشرة " ومنها النعت الشائع هو العشير "لشعير " أو "عشيري " أي الرفيق الحميم . إن علاقة العشرة التي تعني الحياة الطويلة والحميمة والدائمة والحاضرة في كل الأوقات هي اقوي إستراتيجية مستعملة للمشاركة في القرار كان صغيرا أو كبيرا وكذلك التداول بشكل مباشر وبدون حواجز لتدبر الأمور. إن علاقة العشرة تجعل العلاقة المهنية أو الوظيفية تنزلق من الفضاء المهني التي تحكمه وتقيده الأعراف والقوانين المنظمة للفعل المهني لفضاء الحميممية والعلاقات الشخصية ، ويكسوا طابع هاته العلاقة إستراتيجية المخادعة والكولسة وتدبر الأمور المهنية خارج الإطار المؤسساتي ، لتحتضن كل القرارات التي تأخذ في أول الأمر من المقاهي والمنازل "مكاتب" للاجتماعات المدبرة للشأن المؤسساتي ، لتأخذ صفة الرسمية لاحقا وفي في إطار هيئة تنظيمية طابعها رسمي وتطرح بشكل صوري وتدرج في التقارير على أساس أنها قرار مؤسساتي اجمع عليه جميع الحاضرين للاجتماع . إن نوع العلاقات الشخصية التي نتحدث عنها والتي لها الطابع العشائري لايمكن فكها أو إنهاءها ككل العلاقات الشخصية العادية ، بل لها طابع الإجبارية في اغلب الأحيان، فلا يمكن لاي فرد من العشيرة الانسلاخ منها خصوصا الأكثر حضورا وتدبيرا وقوة، أي من هم منخرطون بشكل قوي ولهم دراية بكل أو أكثر خبايا العشيرة المؤسساتية. أي أنهم لا يمكنهم مغادرة النسق بسهولة فقد يمثل ذلك خطرا على الآخرين . إن الانصياع للفعل إن كان قرارا أو تدبيرا خارج مظلة القانون لا يمكنهم من الانصراف بدون خلق نوع من الخطر على العشيرة. بل إن تورطهم في بعض المعاملات الغير المشروعة يخلق لهم علاقة وظيفية وجدلية تحكم عليهم بالامتثال بقوة للعشيرة ولثقافة الولاء. أحيانا، قد يغادر هؤلاء الدائرة الضيقة ولكن لا يمكنهم الانفصال عليها أو الحديث عنها بشكل حر ومستقل، ومن هنا نجد دائما النواة الصلبة قائمة وثابتة لضمان استمرار العشيرة المؤسساتية لكي تحمي نفسها بقوة شديدة . بل هي تنتقي أعضائها أو ورثها بعد اجتيازهم لطقوس المرور والتأكد من التزامهم بكل الأساسيات والضروريات الحافظة لسلامة العشيرة.


إن عملية «الاستقطاب" تبدأ في اللقاءات التفاعلية مع القادم الجديد والتي تكون لحظة قنص للجدد من طرف الكثير من المتواجدين قبليا في المؤسسة والذين ينتمون ويحتلون مواقع مختلفة في هرمية الإفراد المتحكمون في سلطة القرار.
إن التكتلات التي تخضع لنظام العشيرة القائمة على علاقات منفعية، والتي ذكرناها وشرحناها سابقا، تبنى على أساس التوافقات الشخصية كأساس للتكتل، تخلق لكي تضمن تواجدها واستمراريتها انساق فرعية أو موازية للنسق الأصلي أو المعتمد في إدارة الأمر في شكله المؤسساتي والقانوني. أهذاف هاته الأنساق الموازية أو الفرعية ليس ممارسة السلطة من طرف القائمين عليها في إطار القانون الإداري بل تدبير فعل التسلط والديكتاتورية في إطار السلطة التي يخولها لهم هذا القانون . و ترتكز إستراتيجيتها على أربعة أفعال.
أولهما فعل المخادعة والتربص بالإفراد لاستقطابهم وإدماجهم في التكتل الرئيسي، هاته المخادعة تستدعي العمل على الواجهة لاكتساب الصورة الشخصية الاجتماعية التي تجتمع فيها كل الصفات النمطية الكاريزماتية التي تنال احترام وثقة الجميع والتي تعتمد على المكونات الآتية ، اللطف وتقديم الخدمات واحترام المتعارف عليه والتوافقية في إبداء الآراء والمواقف، وغير ذلك من الصفات الاجتماعية التي تجعل الشخص يحظى باحترام وتقدير الجميع لحسن أخلاقه ورغبته في خدمة الجميع ومساعدتهم. ان هاته الواجهة المنمقة والمصنوعة اجتماعيا هي التي ستعمل على التفاعل بشكل مبطن مع المحيط المهني لاستقطاب الموالين للكتلة، ولاختبار من لهم قابلية الانضمام وخصوصا قابليتهم للانصياع لتنفيذ الطلبات بدون قيد أو شرط مقابل إكراميات تسهل عليهم القيام بمهامهم أو التساهل وغض الطرف عن عدم القيام بها، يتم وضعهم تحت الاختبار والطلب منهم تنفيذ مجموعة من المهام بدون أدنى تساؤل آو معارضة. بعد ضمان ولائهم اللامشروط، تكون مكافئة هؤلاء هي ضمهم لمؤسسات القرار إما بإدماجهم في مناصب دو مسؤولية أو في هيئات لها صلاحية القرار والتي تتم بعملية انتخابية ولكن الكتلة الرئيسية تستعمل نفوذها لكي يتم التصويت عليهم. إن هذه العملية التي هي في حقيقة الأمر ضمان تسيير أحادي الرأي و هي تخول للكتلة المهيمنة تقوية وجودها بالاستفادة من أصوات الموالين لها وموافقين على كل القرارات والإجراءات التي تأخذها هاته الأخيرة.
ثانيهما تقوم الكتلة المكونة للعشيرة المؤسساتية والتي تترأس هذا النظام الموازي للنظام الرئيسي المعتمد قانونيا لتقوية نفوذها بالتسلط وممارسة نوع من الديكتاتورية بالتضييق على كل شخص هو وضع تباعد أو رفض قراراتها والذي يحترم النسق القانوني المعتمد بشكل رسمي. الإستراتيجية الفرعية التي تنهج للتضييق تعمل على الضرب في أخلاقيات الفرد أو المجموعة التي تناهض بشكل واضح أو بصمت قرارات التسلط التي تمارسها الكتلة في قراراتها. إن الهدف من هذا التضييق هو الطعن في الكيان الشخصي أو الجماعي للمجموعة المعارضة لتبدوا كحالة نشاز لاتستجيب ولاتتوفر فيها متطلبات الشخص الاجتماعي الجيد والسلس والتوافقي. يتم كذلك التضييق عليها في مهامها المهنية وتحرم من أهم حقوقها في القيام بها، والتي تصبح ليس حقا قانونيا ولكن خدمة شخصية من لدن أصحاب القرار وان كانت هاته الحقوق تدخل في خانة المهمة أو الوظيفة التي يقوم بها الشخص او الجماعة المعارضة ، ويتم تفنيد هاته الإستراتيجية بشكل ممنهج ومستمر.
ثالثها هي إستراتيجية الترهيب والترغيب أي المساومة الفعلية والعلنية لتظهر للجميع قوتها في تقرير مصير ومسار الإفراد الذين يشتغلون في نفس المؤسسة . تظهر ذلك علنا عندما تسمح للمجموعة الموالية بمخالفات قانونية وليس للمجموعة التي تعمل في إطار القانون المعتمد. ومن هنا تصنع القرارات التدبيرية في إطار الهيئات المؤسساتية على مقاس كل حالة وكل فرد على حدا لتضرب في مصداقية كل غير موال لها وتزكي كل أفعال الموالين لها لتضمن لهم مسارا وارتقاء مهنيا سهل وبدون تكلفة العمل أو العناء لبلوغ هدفهم المهني. في حين قد يصل الترهيب في حق الرافضين أو المحايدين لحد شعورهم بالخطر المستمر والإزعاج النفسي والمهني والهدف من ذلك هو اراغمهم على الانصياع . في إطار هذا النسق الفرعي تسلط الكتلة القابضة على زمام أمور كل مواليها لتشويش وإزعاج أولئك الغير الراغبين للانضمام إليها لكي يدركوا عدم توازن فعلهم، بل في نهاية الأمر قد يتم عزلهم وتهميشهم والتصدي لهم بكل الطرق لإضعاف موقفهم وتلعب الدعاية التي تضرب في شخصهم كانسان "غير لائق" ذروتها وتحاكى ضدهم الكثير من المكائد.
رابعها تحويل الخلاف المؤسساتي لخلاف شخصي، أولا وأخيرا، يمس شخصية "الرافض للانصياع" في محاولة أخيرة للقضاء عليه . إن الكتلة الملتفة بالدرجة الأولى حول مصالحها الشخصية تستعمل دهاء الفعل الاجتماعي أو قواعد الفعل الاجتماعي لتأجيج الخلاف مع المعارضين ولا تعتمد في ذلك تدبير الشأن المهني على جودة الأداء المهني بعيدا عن العلاقات الاجتماعية التي تهيمن عليها أعراف بعيدة عن الفعل العقلاني، بل تعتمد كل آليات التشويش والمراقبة والاستفزاز . إن اعتماد النسق الاجتماعي العشائري كنسق موازي للنسق القانوني هو تفعيل مفكر فيه من طرف الكتلة المدبرة التي تعمل على تفعيل التسلط بمفاهيم أخلاقية وتلغي مفهوم الكفاءة المهنية وأسبقية القانون في التدبير المؤسساتي وبذلك تجعل الكفء مهنيا غير كفيء اجتماعيا وتجعله خارج المقاييس العرفية لتجعل منه الحالة الغير السوية اجتماعيا وإلغاء وضعه السوي مهنيا، بل تجعل منه السبب الرئيسي في كل الاختلالات التي تمس النسق المعتمد. إن قوة الأنساق الفرعية أو الموازية تكمن في قدرتها في ضرب النسق المعتمد أو المنظومة المؤطرة. إن ضرب المنظومة المهيكلة للمؤسسة لا يتم بشكل عشوائي بل هو يتمن ببناء استراتيجيات الولاء المقررة بان يصادر الجانب التنظيمي والقانوني في التسيير والتدبير المؤسساتي، فجوهر ثقافة الولاء هو الاعتماد و باستمرار المفاوضات الضامنة لمصالحها و التي تتم خارج القانون ، أي إنها ثقافة تلعب على الهامش لتجاوز المسطر والمقنن. أنها كذلك تعمل جاهدة على الاحتماء من إي اثر مكتوب أو قابل أن يكون دليلا أو مادة ملموس
إن تغييب الإطار التنظيمي والقانوني في بناء إستراتيجية الولاء يتضمن بعد احتمائي للجماعة المهيمنة ولذا تعتمد الخطاب المباشر الشفهي وتبتعد عن تدوين كل القرارات المقرر تنفيذها، بل إن الجماعة المستحوذة على القرار تعتمد على التفويض لتنفيذ الكثير من القرارات عبر الحكي المباشر أو عن طريق استعمال الهاتف. من هنا فكل مخالفة أو خلل قانوني محتمل يقع على عاتق من قام بتنفيذه ويصبح هذا الأخير هو المسؤول القانوني على الفعل. إن الاستراتيجيات المفعلة في ثقافة الولاء تلجئ أيضا للمؤامرة المعلنة أو خفية ومن أقوى أسلحة هذه هو التشهير والإشاعة والطعن في الجانب الأخلاقي للأشخاص كما ذكرنا سابقا مستغلة بذلك الأهمية القصوى التي يعطيها الإنسان المغربي لذلك، زيادة على ذلك الوثوق المهمين على العقل المغربي إذا كان القول صادر عن سلطة معينة.
إن بلوغ السلطة وممارسة القرار يبقى الهدف الأساسي في ثقافة الولاء. لان ثقافة الولاء تعتمد على الاستقواء والزج بكل من خالفها التفكير في وضع قلق ومتعب بالتضييق عليه في كل مهامه . إنها تسلك كذلك إستراتيجية تعتمد على ثنائية المحاباة والعقوبة لإضعاف المعارضين لها وتجعل الكثير يعيشون دائما في حالة خوف وترقب، والمبتغى من هاته الاستراتيجة هو تزكية قوة القساس وتهميش الشخص المعارض ووضعه في مأزق. إن ثقافة الولاء التي تستبعد في مهامها الفعل القانوني تعطي لنفسها مساحة كبيرة لممارسة الستر أو التستر على الكثير من الأفعال التي تهم مواليها أو عناصرها وتمكنها في نفس الوقت من ممارسات خارج الإطار القانوني المؤطر لمهنة التعليم العالي ولكل الضوابط البيداغوجية ، بل إنها تخلق الكثير من المغالطات في قراءتها لتأويل الإطار العلمي والقانوني لتجعله متماشيا مع أهدافها وطموحاتها الشخصية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل بات اجتياح رفح وشيكا؟ | الأخبار


.. عائلات غزية تغادر شرق رفح بعد تلقي أوامر إسرائيلية بالإخلاء




.. إخلاء رفح بدأ.. كيف ستكون نتيجة هذا القرار على المدنيين الفل


.. عودة التصعيد.. غارات جوية وقصف مدفعي إسرائيلي على مناطق في ج




.. القوات الإسرائيلية تقتحم عددا من المناطق في الخليل وطولكرم|