الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المذاهب الدينية : هي احزاب العصور القديمة؟! ..... (1).الوجه السياسي للمذاهب الدينية!

خلف الناصر
(Khalaf Anasser)

2023 / 3 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المطلعون على بعض مفاصل التاريخ الحيوية المهمة، سيصادفهم الكثير والكثير من ضوضاء المغالطات التي أقحمها البشر على جوهر التاريخ وحقيقته، وسيصادفهم أيضاً عدم ثبوت أو عدم وجود كثير من الاحداث والحكايات التي تذكرها الأديان في صفحات التاريخ الحقيقية والكثير مما يخالف النظرة النمطية التقليدية الاجتماعية السائدة، التي ينظر بها اغلبية البشر إلى العقائد والحضارات والأديان والمذاهب الدينية، وحتى إلى بعض الشخصيات الدينية المؤسسة للأديان الكبرى.. وسيعرف المطلع على صفحات التاريخ الحقيقي ـ دون عناء كبير ـ أن (المذاهب الدينية) مثلاً: كانت تؤدي نفس الدور الذي تؤديه الاحزاب السياسية اليوم في الحياة العامة، أي، أن المذاهب الدينية كانت عبارة عن احزاب سياسية ـ بوجه ديني ـ في تلك المرحلة الدينية، والتي سادت الحياة الانسانية في العصور الوسطى وما قبلها!

ونحن المسلمون بوجه خاص ـ مع الاسف الشديد ـ قد حولنا ديننا ومذاهبنا الدينية ـ ليس في تلك العصور البعيدة وحدها ـ إنما في هذا العصر الحديث بالذات، قد حولناها إلى احزاب سياسية فعلاً: ("الاسلام السياسي" مثلاً) بالإضافة إلى أن بعض تلك المذاهب الدينية ـ كالوهابية مثلاً ـ قد حولت الدين إلى أدوات فتاكة واسلحة دمار شامل للقتل الجماعي: تقتل وتذبح وتفجر وتنحر وتنتحر....الخ باسم الدين!!
لكن كل هذا كان لأجل مطامح سياسية وأهداف سياسية غلفت بعبارات دينية، وكانت من أجل السلطة والسلطان في هذا العصر، وكان كل ذلك القتل والذبح الذي جرى بيننا نحن المسلمون لأسباب سياسية وليس للدين يد فيها، إنما اتخذ الدين (كورق سليفان) غلفت به كل تلك المطامح والاطماع السياسية!
وأنا ـ ومنذ زمن طويل ـ اعتقدت وما زلت على اعتقادي هذا، بأن ما اختلفنا عليه ـ أي الدين والمذهب والطائفة ـ وتقاتلنا من أجله بالأمس واليوم وربما حتى غدٍ، كانت مجرد أوهام خلقناها بأنفسنا وصدقناها وأصبحنا عبيداً لها (نضحي/وننتحر) من أجلها، بأنفسنا واولادنا ومصيرنا ووجودنا وشركائنا في الحياة والوطن والمصير والمستقبل كله!
****
فالمذاهب الدينية ـ ومع احترامي لكل عقائد البشر ـ وطوائفنا الاسلامية التي تكونت بفعل تلك المذاهب، هي صناعة بشرية وليست إلاهية مقدسة، وإذا كان الدين نفسه مقدساً ـ باعتباره وحياً من السماء ـ فليس للمذاهب الدينية أية قدسية ولا شيء فيها مقدس ـ لأنها من صنع البشر ـ ولا مقدس فيها، إلا ما أضفناه نحن اتباعها لها من قدسية وتقديس!
فالمذاهب الدينية ـ وجميع العقائد الدنيوية ـ صناعة بشرية، صنعها بعض البشر لتلبية احتياجاتهم الاجتماعية والسياسية والروحية، التي يحتاجها كل مجتمع أو سلطته السياسية في عصر من العصور، وفي كل عصر من عصور الحياة البشرية!
وبناءً على هذا، فإن المذاهب الدينية ـ في واحد من وجوهها الكثيرة ـ تمثل احزاباً سياسية، وأنها في الماضي كانت احزاباً سياسية كأحزاب العصور الحديثة، ولها ولاءات سياسية وعقدية مختلفة تتراوح بين الموالاة لأنظمة الحكم ـ ذات الطابع الديني ـ التي كانت قائمة انذك، أو معارضة لها ولمن يناصرها أنذك أيضاً، وامتد تأثيرها بيننا نحن أتباعاها إلى اليوم!!

لقد كانت مذاهب الامس كأحزاب اليوم :
فهناك (مذاهب/أحزاب) موالية للسلطة ومناصرة لها، وتنفذ لها كل ما تطلبه منها، وتبرر لها كل ما يصدر عنها من أوامر واجراءات، كما أنها كانت تقوم بمهمات تصنيع الحيثيات الدينية المبررة للإجراءات التي تتخذها السلطات في حينها أو التي تريد اتخاذها مستقبلاً، وكان من واجب تلك المذاهب (الاحزاب) الموالية للسلطة، إقناع العامة (أي الجماهير أو الجمهور) ـ كما نسميهم اليوم ـ بتلك الاجراءات السلطوية الحكومية وعدم معارضتها، لأن معارضتها ـ عند بعضهم ـ تعد كفراٌ!
وكانت اغلب تلك المذاهب الدينية (الموالية للسلطة) ـ ولا زال بعضها إلى اليوم ـ يحرم الثورات على الحكام ويعتبرها "فــتــن محرمة" ويعتبر الحاكم مقدساً ولا تجوز الثورة عليه لأنه "ولي أمر المسلمين"، والحاكم يحتفظ بصفته الاعتبارية هذه مهما فعل، وحتى إن كان فاسداً وفاسقاً وسفاحاً ومجرماً!
وكانت بعض تلك المذاهب الدينية ـ وأيضاً لا زال بعضها لحد الآن ـ تبرر للحاكم كل افعاله وأخطائه وجرائمه وتزكيها، مستخدمة قولاً منسوباً للرسول (ص) ـ حاشاه ـ "فمن اصاب فله اجران، ومن اخطأ فله أجر واحد" ، بمعنى أن له "أجران" على اعماله الصحيحة، وله "أجر واحد" على اخطائه وخطاياه وجرائمه!!
****
وكما كانت توجد (مذاهب/أحزاب) موالية للسلطة في كل عصر ، كانت توجد (مذاهب/أحزاب) معارضة للسلطة في كل العصور والازمنة والامكنة أيضاً!
و (المذاهب/الاحزاب) المعارضة للسلطة عكس الموالية لها، فهي دائماً تعارض كل الاجراءات والاوامر التي تصدرها السلطات السياسية الحاكمة في تلك العصور، أي في، تلك (المرحلة الدينية، وكانت دائماً تسفه وتؤول كل ما يصدر عنها السلطات الحاكمة، وتعارضها بالحق وبالباطل وحتى في الاجراءات التي يمكن أن تنفع الناس!
وكانت الجهتان: الموالية والمعارضة تفعل كل ما تفعله الاحزاب الموالية والمعارضة للسلطة اليوم ً!!

وهذه هي دائماً طبيعة الاحزاب الموالية، كما أنها دائماً طبيعة الاحزاب المعارضة لأنظمة الحكم، في كل العصور والازمنة والظروف والامكنة.. وكتب التاريخ مليئة بالحكايات والأحداث والشواهد التي لا تدحض، والتي تؤكد جميع هذه الحقائق الواضحة عن المذاهب الدينية في تلك العصور، وأحياناً حتى في هذا العصر الحديث الذي نعيش اليوم بين ظهرانيه، كما دلت تجربتنا الخاصة نحن المسلمون!
وكانت كل تلك الآراء والمواقف، هي نفس الآراء والمواقف التي رددتها وترددها دائماً القوى الموالية والمعارضة للسلطات في كل زمان ومكان، ولا زالت ترددها "الاحزاب الموالية للحاكم " أو للسلطة الحاكمة وكذلك المعارضة لها.. والفرق بين الامس واليوم في ترديدها بسيط جداً، وينحصر في الالفاظ المستخدمة في ترديدها فقط.. بالأمس كان ترديدها بألفاظ دينية وعبارات آخروية تناسب العصر الذي تقال فيه، وتحت سقف محدداته ومفاهيمه والفاظه المتداولة، والتي تختلف من عصر إلى عصر، وتختلف بالتأكيد عن الفاظ العصر هذا الذي نعيش فيه!

****
والمذاهب الدينية ـ بعكس الدين ـ تتشكل دائماً من مجموعة افكار بشرية، والفكر البشري ـ أي فكر ـ كالكائن الحي، إذا لم يتطور وفق حاجات المجتمعات ومتطلبات العصور المختلفة، فأنه يتجمد في مكانه ويكف عن العطاء، وبالتالي يتخلف مجتمعه عن المجتمعات الأخرى ويغط في سبات عميق، وبالنتيجة أنه أما أن يتجمد ويموت ويتلاشى، أو أنه ينفجر من الداخل ويفجر معه المجتمعات التي تدين به!
وهذا هو بالضبط الذي حدث لمذاهبنا الاسلامية ومجتمعاتنا الاسلامية، وما داعش والنصرة ومئات المسميات الأخرى المشابهة إلا علامات دموية على ذلك الطريق، طريق جمود المذاهب الاسلامية وتَفَجُرها من الداخل، وتَفَجْرْ المجتمعات الاسلامية معها!!

وقد يكون لهذا التفجر الداخلي للمجتمعات والمذاهب الدينية ـ وكذلك للمنظمات الدموية كداعش والقاعدة ـ ضرورات اجتماعية وتدق كجرس انذار، لكي تصحوا هذه المجتمعات من سباتها العميق وتصحح أوضاعها، وتضع قدمها على طريق النهضة والتقدم الشامل!
****
إن المذاهب الدينية بالعموم ـ هي كأي منتج آخر في الوجود ـ لا تنشأ من فراغ، إنما من بنية فكرية وسياسية واجتماعية لشعب أو لمجتمع من المجتمعات التي تعتنق نفس الدين، وإذا كان كل الذي عالجناه آنفاً هو الوجه السياسي للمذاهب الدينية، فهو ليس الوجه الوحيد أو المصدر الوحيد الذي خرجت من معطفه المذاهب الدينية كلها، إنما هناك وجوه ومصادر أخرى لوجود المذاهب الدينية ..........
وهذه سيكون حديثنا القادم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فلسطينيون يرحبون بخطة السداسية العربية لإقامة الدولة الفلسطي


.. الخارجية الأميركية: الرياض مستعدة للتطبيع إذا وافقت إسرائيل




.. بعد توقف قلبه.. فريق طبي ينقذ حياة مصاب في العراق


.. الاتحاد الأوروبي.. مليار يورو لدعم لبنان | #غرفة_الأخبار




.. هل تقف أوروبا أمام حقبة جديدة في العلاقات مع الصين؟