الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة الملاك هيبل زيوا الى عالم الظلام في الديانة المندائية

سنان نافل والي

2023 / 3 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لم تكن رحلة الاثرا ( ملاك) " هيبل زيوا " الى عالم الظلام لمرة واحدة فقط كما هو الحال مع الأثرا " مندادهيي " إنما تكررت لأكثر من مرة حيث كان الهدف هو أيضا منع وإفشال التمرد أو الثورة التي كان ملك العالم السفلي أور على وشك القيام بها:
" وإذ طغت سينياويس أرض الظلام ، فأجفل الكون ، وأختل النظام " (1)
، لذا يدعو الأثرا " مندادهيي " إبنه " هيبل زيوا"(2) للذهاب الى هناك ومحاربة عالم الظلام وإفشال المخطط بغزو عالم النور من قبل أور . ويبدي " هيبل زيوا " موافقته واستعداده للذهاب وتأدية المهمة
" بقوتكم يا آبائي وبالسر العظيم الذي يحرسكم ، وبقوة أبي مندادهيي .. سأذهب الى البلد الذي إليه ترسلونني ، وسأفعل ما تأمرونني " (3)
خلال رحلاته (هيبل زيوا) إلى عالم الظلام، نشهد أحداثا كثيرة وصراعــات عديدة مع أكثر من شخصيـــة ظلامية مثل " كرون " ملك الظلام و " أور " وكذلك " الروها" وأيضا عبوره متخفيا عوالم الظلام السبعة ونجاحه في النهاية، ليس فقط بالتغلب عليهم جميعا إنما بالحصول كذلك على " سر الظلام " وهو ينبوع وفيه " مرآة " والذي يمثل قوة الظلام وسر ثباته:
" كان نبعا واحدا لا يعرفه أحد . فيه مرآة الى وجوههم فيها ينظرون . فإذا نظروا ، عرفوا ما كان وما سيكون " (4)
(نلاحظ أنه في رحلة الإله " مردوخ " الى العالم السفلي ، لم يكن الهدف أيضا هو القضاء فقط على " تيامت " بما تمثله من خطر وشيك على بقية الآلهة وذلك في مسعاها الى محاربتهم والقضاء عليهم ، إنما كان الهدف الآخر كذلك هو الحصول على " لوح الأقدار " وهو الأمر الذي نجح فيه أيضا الإله الشاب) وكما هو الحال في القصة البابلية فإن خلق الإنسان يأتي كمرحلة لاحقة بعد هزيمة عالم الظلام ودحر كائناته الشريرة (5) كما نقرأ في النص الآتي :
" ومبجل جبرائيل الرسول ، الذي بقوته ، وبمعونة هيبـل وشيتـل وآنـوش ، نفذ أمر الحي العظيم فبسطت الأرض ورفعت السماء وعلقت فيها النجوم وحملت الأرض أشجارها وحملت الأشجار ثمارها وتبعت كل نجمة مدارها ومنحت الشمس ضياءا والقمر بهاءا وخلق آدم ووهب حواء زوجا له فحلت فيهما بركة الحي وامتدت جذورهما في هذا العالم حتى منتاه " (6)
إلا أن الهدف لم يكن في الديانة المندائية أن يقوم الإنسان بخدمة الآلهة ، إنما كان الإنسان هنا يمثل مرحلة تكميلية للصراع الدائر بين النور والظلام ، بين الخير والشر ، بين الحق والباطل . بخلق الإنسان ، لم ينتهي الصراع بين عالم النور والظلام ، إنما انتقل الى صراع يدور رحاه داخل الإنسان نفسه ، بين النشمثا الآتية من عالم النور وبين الرغبات والشهوات التي تمثلها الروح ( الروها ) المنتمية الى عالم الظلام ، كان صراعا حادا على كسب الإنسان ، كل الى طرفه . نقرأ في أحد النصوص كلاما للروها وهي تعلن المواجهة مع الطرف الآخر في المعادلة الكونية :
" قالت : لأغرقن آدم وحواء في الآثام ، ولأجعلنَّهما يقترفان الحرام . ولتكن أيام وشهور ، ينجبون عددا من الإناث والذكور، لا أحد منهم يصعد الى النور " (7) وأيضا نص آخر ، تتحدى فيه الروها عالم النور :
" قالت : سأفعل ما لا ينتظرون، ما يجعل آدم وأولاده في الظلام يدخلون ، وعن مندادهيي ينحرفون، ومن بلده يخرجون" (8)
بينما يرد عليها عالم النور بالنص الآتي :
" يا أصفيائي الذين سمعوا كلامي . مدوا يد الكشطا أمامي . لتصعدوا الى بلد النور . لا تخافوا الروها ولا سحرها الأعمى. فالحي منهما أجل وأسمى. وهو أمضى سيفا، وأنفذ سهما " (9)
هنا ولأول مرة ، نرى أن الإنسان بدأ يمتلك الحرية والإرادة الكاملة في الاختيار ومن ثم تحمل نتائج اختياره هذا وهو الأمر الذي كان مفقودا بالكامل لدى الإنسان في الديانة البابلية . إضافة الى ذلك ، فإن القصة البابلية لم تذكر ماذا سيحدث في نهاية الأمر ، أي نهاية الحياة على الأرض أو نهاية الإنسان عليها وكيف ستكون ، بينما نقرأ في قصة الخليقة المندائية وصفا رائعا ومؤثرا لما ستكون عليه الأمور في نهاية المطاف:
"حين يكتمل العالم، تسقط الأرض في الظلمات ، والسماء تلتف مثل القصب . الشمس تنطفي ، والقمر يختفي ، وتتناثر الكواكب كأوراق التين . تذهب النار الى كنها ، والمياه الى مقرها، والرياح الأربع تطوي أجنحتها وتتوقف عن الهبوب. أما الأشرار، فسينادي بعضهم بعضا، ويمسك بعضهم بعضا، مقيدين يرمون مثل رمان الرصاص، فيسقطون في غياهب الجحيم " (10)
ونص آخر أيضا :
" يومها الأرض والسماء تتهدمان . وليس لكم بينهما مكان . الكواكب تتساقط ويلفها الدخان ، والشمس والقمر يتبعثران ، فأين تذهبون ؟ " (11)
عموما ، بعد تحقيق الانتصار ، كان إعلان " هيبل زيوا " الفرحة والبشرى بهذا الإنجاز :
" أعلنوا أفراحكم ، أيتها الأكوان والأجيال التي معي . لقد كان عظيما ما فعلناه ، وسنعود الى آبائنا ، الى مانا وهيأته ، والنطفة العظيمة التي منها صرنا " (12)
في الجانب البابلي نرى أيضا أن الآلهة البابلية توصي مردوخ بأن يحمل إليها أخبار الانتصار على تيامت
" إذهب وأقض على تيامت !
ولتحمل الريح دماءها لنا أخبارا سارة !
.... و حطم جمجمتها بقضيبه الشائك عديم الرحمة ،
وقطع شرايين دمائها ، وجعل الريح الشمالية تحملها أنباء سارة" (13)
وبسبب انتصار" هيبل زيوا " هذا ، فقد أنعم عليه بمكانة وأسماء لم يحصل عليها أحد سواه :
"قالت : الآن اخرج ، وتنعم بالأسماء التي ذكرتهـا عليك والتي لم تذكر على أحد سواك . أخرج الى أبيك الواقف في يردنا ينتظرك " (14)
و في ملحمة الخليقة البابلية نقرأ نصا تتحدث
فيه الآلهة الى " مردوخ " بعد أن أعلن موافقته للذهاب والقضاء على " تيامت " :
أنت مكرم بين كبار الآلهة .
قدرك لا يقارن ، ولكلمتك ( سلطة ) آنو !
آه يا مردوخ ، أنت مكرم بين كبار الآلهة .
قدرك لا يقارن ، ولكلمتك ( سلطة ) آنو !
منذ اليوم فصاعدا أوامرك لن تعصى .
سلطتك هي التي تحلل وتحرم .
وليكن كلامك شرعا ، وكلمتك لن تدحض أبدا .
ولن يتخطى حدودك أي من الآلهة . (15)
عند الانتهاء من تلك الحروب النورانية (في المفهوم المندائي)، عندها فقط بدأ خلق الكون وبدأ خلق الإنسان :
" بعدما الأرض بسطت ، والسماء رفعت . بعدما ضوء الشمس انتشر ، وتجلى القمر ، أمرت الملائكة أن تجبل آدم " (16)

المصادر والهوامش
(1) كنزا ربا . يمين : الكتاب الثالث . التسبيح الأول . ص70.
(2) كنزا ربا . يمين : الكتاب الخامس . ص93
(3) تعني الأبوة هنا روحانية وليست مادية كما هو الحال لدى الإنسان، وإنما عن طريق النطق والتكوين ، وكذلك يمكن أن تعني الأسبقية في الوجود وليس بالمعني الحرفي لها.
(4) كنزا ربا . يمين : الكتاب الخامس .ص95 .
(5) كنزا ربا . يمين : الكتاب الخامس .ص101.
(6) إن خلق الإنسان من دم الإله " كينكو " قائد جيوش الظلام ، يشير الى أن الإنسان في الديانة البابلية هو الآخر فيه جزء من عالم الظلام أو أن عالم الظلام قد شارك في خلقه كما هو الحال في المندائية.
(7) كنزا ربا . يمين : الكتاب الخامس عشر . ص246
(8) كنزا ربا .يمين : الكتاب التاسع .ص172
(9) كنزا ربا . يمين : الكتاب التاسع . ص173
(10) كنزا ربا . يمين : الكتاب العاشر . ص174
(11) كنزا ربا . يمين : الكتاب السابع .ص149
(12) كنزا ربا . يمين : الكتاب الثالث عشر . ص199
(13) كنزا ربا .يمين : الكتاب الخامس .ص102
(14) ستيفان دالي : أساطير من بلاد ما بين النهرين . ص299-302
(15) ستيفان دالي . " أساطير من بلاد ما بين النهرين ". ص297
(16) كنزا ربا . يمين : الكتاب الخامس .ص103








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا