الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف الطائفي

جمال الهنداوي

2023 / 3 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قطعت صورة السيد علي شمخاني والمستشار مساعد بن محمد العيبان، وبينهما الوزير الصيني ووانغ يي قول كل خطيب..وأنهى الإعلان عن التوصل لاتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية السعودية الإيرانية، سنوات من التعليقات الحذرة التي ملأت وسائل الإعلام العربية في محاولة لمقاربة المآلات التي ستنتهي عندها جولات التفاوض الماراثونية التي رعى العراق العديد منها وبذل فيها جهوداً كبيرة ومضنية، ولكن ككل الأشياء التي من حولنا الآن ، كان من المحتم أن يمهر الاتفاق بعبارة (صنع في الصين) .
ورغم الترحيب الكبير بهذا الاتفاق في العديد من العواصم ومراكز القرار في العالم، إلا إننا لا يمكننا تجاهل الأسئلة الشائكة المعلقة حول المدى الذي من الممكن أن يصل إليه هذا الاتفاق على الأرض ، والأهم هو غرابة مدى اليسر الذي أعلن من خلاله الاعتراف بأن جل التعقيدات التي ترزح تحت أثقالها شعوب المنطقة، لم تكن سوى خلافات جيو سياسية يمكن حلها بجلسات حوار وعدد من فناجين القهوة ، ولم تكن تلك المشكلة التي حملت بإفراط بشحنات فوق سياسية عضال مموهة بإطار ملتبس من الخلافات المذهبية والمعتقدية والتي كان-وما فتئ-للبلدين اليد الطولى في إذكائها وتسعيرها وتحميل وزرها، ووزر من اكتوى بنارها، لشعوب المنطقة دماً وأرواحاً ومقدرات..
وهنا قد ندع الخرائط والخطوط الملونة التي من المؤكد أنها رسمت هنا أو في مسقط وحتى بكين، ونعود إلى السؤال حول موقف العديد من النخب المثقفة التي كان لها دور مباشر في إذكاء هذا الصراع من خلال تقديم أطر نظرية مدلسة لمرجعيات فلسفية ومذهبية بهدف شرعنة اللبوس الديني الزائف الذي لطالما تقنعت به التقاطعات السياسية ما بين طهران والرياض..
فعلى الرغم من الدور التاريخي العضوي الذي كان للمثقف في مواجهة كل اختلالات المنظومة الفكرية والقيمية للمجتمع، ودفاعه الأصيل عن إعلاء قيم العدالة والحرية وسعيه إلى ترسيخ الوحدة الوطنية، إلا إننا رأينا أن هناك العديد من العناوين الثقافية " المهمة" قد تصدت لقيادة النزعة الطائفية وحملوا لواءها ونشروا قيمها وأفكارها ونافحوا عنها ودعوا إليها؟
فلقد ملأت الدنيا، وشغلت الناس لعقود ، أفواج من ( المثقفين) الذين يكاد يحار المرء في قدرتهم العجيبة في تسميم السلم الأهلي والوشائج المجتمعية من خلال العواء المستمر بعبارات الإقصاء والنبذ والتكفير والتهميش والتبخيس مستثمرين ومسعرين من الخلاف الناشب ما بين ضفتي الخليج استدرارا لرضا هذا الطرف أو استجداءً لما في يد الآخر ، دون النظر للتأثير المدمر لزيتهم الذي يصب بإسراف على نار الفتنة الطائفية ومدى الضرر الذي من الممكن أن يسفك اللحمة الوطنية ويفتض آمال وتطلعات شعوب المنطقة بالأمن والاستقرار والكرامة..
أسماء لامعة، وأقلام لافتة وأساتذة وأكاديميون، مفكرون (مدنيون) كبار، رجال دين لهم حضور طاغٍ ، شعراء، أدباء، صحفيون .. تنكبوا طريق الانتماء الإنساني والوطني والأخلاقي وتسابقوا في حمأة معركة التعصب والانغلاق متمترسين معلين من الطائفة والعرق والدين و الانتماءات العشائرية والمناطقية الضيقة، متمددين على طول وعرض الأثير الإعلامي في اقترافات تخادمية مسبقة الدفع مع السياسي منحدرين إلى الدرك الأسفل من السّلوك الغرائزي النزوي القطيعي حد تفسير التاريخ والأرض حسب المثابات الطائفية وإضفاء قدسية ملتبسة على النزاع بإعادته إلى مرجعيات تاريخية ودينية ملفقة.
والمثال الأسوأ كان ذلك المثقف الدبق الملصق الذي لا يحس بأدنى وخزة خجل من التقافز من الدعوة إلى الديمقراطية إلى نقيضها ومن التقنع باليسارية إلى أقصى اليمين وبالعكس مقابل إقامة ذهبية هنا أو أجازات مدفوعة هناك.وقد يكون الاتفاق الأخير، إن صمد، فرصة لهم لتجربة الدعوة للسلام والأخاء التي قد تكون مصدر السحت الجديد تبعا للتغيرات السياسية في المنطقة.
نرى أن الانعطافات المفصلية التي تعيشها مجتمعاتنا بحاجة الى فرز مثقفين حقيقيين قادرين لإعادة الثقافة الى دورها الرسالي الانساني النهضوي في مواجهة التحديات الوجودية والعمل على ترسيخ وإعلاء القيم الإنسانية العليا، وتحقيق أعلى درجات التلاحم والتماسك المجتمعي ، والذي لن يتحقق إلا بأولية محاربة العنف والتطرف والعصبية والانتقال بالبلد إلى حالة السلام والتسامح والإيمان بالإنسان والمواطنة ورفض العنف والتقاطع والانقسام.
كلنا نعرف مقولة لينين الخالدة: (المثقفون هم أكثر الناس قدرة على الخيانة، لأنهم أكثرهم قدرة على تبريرها) . وأنا أشهد- بكل ألم - أن العديد من مثقفينا قد خانوا المسؤولية الاخلاقية والوطنية التي يفرضها عليهم الوعي والحس السليم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المطلوب المثقف الحر الخالي من العصبيات
منير كريم ( 2023 / 3 / 18 - 20:12 )
الاستاذ المحترم جمال الهنداوي
شكرا على مقالك حيث يطرق بابا جديدة
لكل فكرة مثقيها فوجد عند البلاشفة من برر تصفية الطبقات المعارضة وعند الفاشية من برر الحروب واضطهاد الاقليات وكذلك عند الحركات الدينية من برر تكفير الاخرين وهكذا
حتى بول بوت كان مثقفا وعنده مثقفون
وكلهم مثقفون
المثقف الحر هو الخالي من العصبيات الايديولوجيات والدينية وهذا لايوجد للاسف في ديارنا الا ما ندر
المثقف الحر هو الذي يصنع الحداثة فيؤسس النظام العلماني ودولة المواطنة والقانون
شكرا


2 - لينين بين السنة والشيعة
د. لبيب سلطان ( 2023 / 3 / 19 - 05:24 )
سيدي الكريم
اشك كثيرا ان هذا العدد الكبير من المثقفين من الاسماء اللامعة والاقلام اللافتة وكبار الاكاديميين والمفكرين المدنيين والشعراء والفنانين وقف الى جانب اية الله او ال سعود كما يأتي في روايتكم وان جاء فهو من نفر قليل من الصف العاشر ربما في سلم الثقافة
ولكن ماجاء على استشهادك بقول لينين نهاية المقالة ارى ان الاية تنعكس فمن السهولة بمكان ايجاد العدد الكبير ممن عددتهم اسماء لامعة واقلام مبدعة ومفكرين ومدنيين يدعون انهم تلامذة لينين وبنفس الوقت وقفوا يبررون ويناصرون عدوان بوتين ضاربين عرض الحائط مانادى به من مبادئ مثل حق الامم في تقرير المصير والوقوف بوجه الحروب الامبراطورية الامبريالية واكاد لا اشك ان لينين يعرف اتباعه ..فهم في غلوهم من المنافقين..ابعد الله عنكم شبهتهم وتأثيرهموعسى ان تكونوا للينين فاهمين وتدينوا هذه الحرب التي بها فضح اتباعه كونهم مبررين ومنافقين


3 - لولا السطرين والنصف الاخيره لكانت مقالتك جيده بحاج
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 3 / 19 - 16:46 )
بحاجة لبعض النقاش والتوضيح
ن الاستشهاد بابو العنصرية الروسية الفاشية لنين الذي قلب الدنيا لمنع روسيا الدخول الى اوربا لتتمدن وتتصنع لتتحضر لتتثقف-واصر هذا المريض الارعن مستفيدا من القومية الشوفينية الروسية المعروفه فضيع على روسيا اكثر من 100سنه ولا زالت متخلفه وادنى من العالم الثالث -حتى عتاة شيوعيي الشرق الاوسط وهم حشع تركوا اللينينية منذ قرابة الثلاثين سنه بعد ان اصبحت جرائمها كالستالينية تفقاء العيون-لينين لايستشهد به لتقييم المثقفين انه يردد خياتنه لروسيا واجبارها ان تبقى همجيه وطليعتها اللصوص والقتله-اما هذا التعميم المتشدد لخيانة مثقفينا ففيه ظلم كبير والتعميم وبلا اسماء خطر في النقاش رغم ان الفترة الزمنية الحاليه ومنذ قرابة نصف قرن ظلامية وفوضوية خاصة وقد تقاربت اايديولوجيات الثلاث لبعضها الاسلامية والعربجية والطبقجية ووصلت الفوضى الى اوربا نفسها فالمواقف الساقطه اخذ بها اخيرا اتحاداليسار واليمين واصبح لافرق بينهما والحركات -الشعبية-الان في اوربا وقد تتوسع هدفها اسقاظ اللبرالية والدمقراطية واليسار الغبي واليمين الاهوج من اششد عشاقها-اننا نعيش فترة معقده وهابطه في التاريخ

اخر الافلام

.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع


.. الأوقاف الإسلامية: 900 مستوطن ومتطرف اقتحموا المسجد الأقصى ف




.. الاحتلال يغلق المسجد الإبراهيمي في الخليل بالضفة الغربية