الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناهج وفلسفات: منهج الدرس الثقافي الحر/ القيمي

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 3 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا طرح شخص ما أو جماعة علمية ما منهجا علميا وذيلوه أو وصفوه بكلمة "الحر"، فمعنى ذلك أن هناك نقيضه "المُقيَّد" أو المحدود بقيد ما! فلو قلنا أننا نطرح منهجا جديدا بعنوان "الدرس الثقافي الحر" فمعناه المنطقي والعقلي المضمر والكامن أنه ربما كان هناك "درسا ثقافيا مقيدا"..
وهذا هو المدخل الذي أنوى الولوج منه إلى تصوري للمنهج العلمي الجديد الذي أسميه "الدرس الثقافي الحر"، فالمعرف أن "الدرس الثقافي" الذي اتبعته مدرسة الدراسات الثقافية الغربية/ البريطانية، قام على البحث عن النسق الثقافي والقيمي الكامن والحامل للظواهر البشرية، لكنه كان يقوم على مذهب الانتصار للهوامش يعد عملية التحليل والرصد والمتابعة.

استعادة الظاهرة البشرية
والذات العربية من الأيديولوجيا الخفية إلى حرية العلم
من ثم كان منهجا "مقيدا" منهجا أقرب للأيديولوجيا منه إلى "البحث الحر"، فهو لديه اختيار مسبق وجاهز يقوم على الانتصار للهوامش والعوامل الفرعية في الظاهرة الإنسانية على تنوعها، ويعتبر أن كل المتون عدو يجب الدخول معه في معركة حدية حتى الموت، ظهر هذا في الفلسفات النسوية المتشددة وصراعها مع الرجل ووجوده المجتمعي، وفي الانتصار للآداب التي تعادي القيم المركزية في المجتمعات، والتشدد في الترويج لـ"الأنساق غير المعتمدة" والأشكال غير المعيارية للأدب وقيمه وانتصاره للأنساق الفرعية والكتابات غير المعيارية (السير- الحكي- التدوين- ...)، وكذلك ظهر في مجال الترجمة عبر الترويج للترجمة من خلال اللهجات المحلية وليس من خلال اللغة الأم المعيارية والمعتمدة، كان منهج "الدرس الثقافي" البريطاني/ الأوربي في حقيقة الأمر أيديولوجيا جديدة ونسق جديد لبقايا اليسار التاريخي الأوربي (ومن بعده العالمي)، بعد فشله في مواجهة المتون المركزية للأيديولوجيا الليبرالية الديمقراطية في الغرب، ثم تعزز هذا المنهج بعد سقوط امبراطورية الشيوعية في الغرب.

تطبيق الدرس الثقافي الحر/ القيمي
على واقع الذات العربية واستشراف مستقبلها
من هنا جاء طرحي وتصوري للمنهج العلمي الجديد الذي أسميه "الدرس الثقافي الحر" أو القيمي، فهو حر لأنه غير مقيد بالانتصار للهوامش وعُقدتها، وهو قيمي لأنه يبحث عن القيم الإنسانية العليا في الظاهرة البشرية قيد البحث وينتصر لها، متجاوزا عُقد المسألة الأوربية ومتلازماتها الثقافية، وهذا المنهج يصلح للتطبيق في مجال "الدراسات الثقافية العربية المقارنة" الذي قدمنا فيه حتى الآن ثلاثة مشاريع تطبيقة عن المشترك الثقافي بين كل من: "مصر والسودان"، و"مصر وتونس"، و"مصر واليمن"... وفي الوقت نفسه يصلح للتطبيق العام بوصفه "منهجا معتمدا" للتعاطي مع معظم تمثلات الظاهرة البشرية، في علم الاجتماع ودراسة ظواهره، وفي الأدب ودراسة ظواهره، وفي علم النفس وضبط معاييره بعيدا عن مناهج التبرير والتفسير، ألخ...

كيف أنتج منهج الدرس الثقافي الحر
مفهوم المتون العربية نفسه؟
والحقيقة أن هذا المنهج الثقافي وفلسفته الجديدة يأتي في ظل البحث عن مسارات لبناء "متن عربي" جديد وسردية عربية جديدة في القرن الحادي والعشرين، بل يمكن القول من زاوية ما إن مفهوم "المتون العربية" نفسه نتج عبر "درس ثقافي" متعمق في أزمة الذات العربية، من خلال البحث عن النسق الثقافي/ القيمي الكامن والمضمر الذي يحكمها ويسيطر عليها بشكل مسبق، وهو ما تمثل في لحظة الوعي والكشف بالانتصار للهوامش وتهميش الأنساق والأفكار الكبرى التي تحكمها..

القيمية/ الحرية
وما بعد ثنائية النسق السائد والنسق المهمش
من ثم كان تقديم هذا المفهوم ونحته انتصارا قيميا لفكرة استعادة المتن وعمود الخيمة الذي تهرب منه ومن مسئوليته الثقافية الجميع، وقدموا لذلك المبررات والتأويلات والرطانات الثقافية المتعددة واتفقوا جميعا عليها، وهنا كانت قوة العلم والإرادة الحقيقية في الخروج على المجموعة أو النسق السائد في الظل وغوايته، والبحث عن نسق جديد يرصف الطريق للمستقبل بمسئوليته الثقافية الثقيلة، وعدم الاكتفاء بالتمرد والتندر على حال النسق العربي الراهن وغوايته.

النسق القيمي وتجاوز غواية دور الضحية
في واقع الأمر يأتي منهج "الدرس الثقافي الحر" بحثا عن النسق القيمي الذي تحمله الظواهر الإنسانية؛ إلا أنه لا يقع في غواية تبرير الهامش وتسويغ انحرافه بحجة الظروف وتقديمه في دور الضحية مثلما حدث كثيرا في الحالة العربية وتطبيقاتها الثقافية! بل ينتصر هذا المنهج في بحثه عن النسق القيمي الغائب والمفترض لفكرة "المتن" والقيم العليا التي يجب أن يرتبط بها، بالاستناد إلى "المشترك المجتمعي" التاريخي ومكونات "مستودع الهوية" المتعايش والمتجاور، وإلى منظومة القيم الإنسانية العليا التي يجب أن تسود فيه...

منهج مثالي وما بعد الثنائية الحدية
لخرافة المثالية المطلقة (الهيجليون الطبقيون ) والمادية المطلقة (الماركسيون اللاطبقيون)
فهو من وجهة ما منهج مثالي يبحث عن المثال والنموذج ويتجاوز خرافات يسار ما بعد الحرب العالمية الثانية وما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ويتجاوز في الوقت نفسه الثنائية الحدية والصراع الصفري بين الشيوعية والرأسمالية، ليؤكد على أن المسألة الأوربية وفكرة النظرية المطلقة عند هيجل المثالي المطلق (الأب الروحي للرأسمالية والطبقية المطلقة) وعند ماركس المادي المطلق (الأب المعتمد للشيوعية واللاطبقية المطلقة)... ليست نهاية التاريخ، وأن التاريخ مستمر وسيتجاوز خرافة النظرية المطلقة التي قدمتها المسألة الأوربية، وربما ذلك هو الدور الحقيقي الذي خرجت به الذات العربية وثوراتها في القرن الحادي والعشرين دون أن يجد "الحامل الثقافي بعد والرافع المعبر عنه.
من هنا يمكن القول إن "الدرس الثقافي الحر" هو ذلك المنهج العام الذي يتناول الظواهر الإنسانية والاجتماعية المختلفة بحثا عن النسق القيمي الذي تحمله في ظاهرها وفي كامنها، لكنه لا ينتصر لفلسفة الهوامش تجاه تلك الظواهر التي يتناولها، إنما ينتصر لفكرة النسق القيمي الإنساني الأعلى أو الحر العام، الذي يضع النسق القيمي الخاص بالظاهرة في مقارنة من النسق القيم الإنساني العام في حاضره وفي أشكاله التاريخية، انطلاقا من فكرة الانتصار لـ"القيم الإنسانية العليا" قدر الاستطاعة ووفق الإمكان، مقارنة بالأنماط التاريخية التي سارت عليها الظاهرة البشرية.

منهج يبحث عن جدل الذات العربية مع نفسها
ودراسات ما بعد الاستقلال
مع الإشارة إلى أن مجال الدراسات الثقافية العربية المقارنة وفلسفة المشترك الثقافي ومذهب الدرس الثقافي الحر/ القيمي، يأتي في سياق أوسع لما يمكن تسميته بدراسات ما بعد الاستقلال(1) التي تختلف عن دراسات ما بعد الاستعمار، في أنها -تطبيقا على الحالة العربية تحديدا- تركز على علاقة الذات العربية المحررة بنفسها وأزمة مساراتها الثقافية والمعرفية والسياسية في مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاحتلال الأجنبي في منصف القرن الماضي، في حين ركزت دراسات ما بعد الاستعمار على علاقة الذات المحررة في العموم بالذات الاستعمارية في العموم.
ليكون كل ما سبق هو النسق المعرفي الشامل الذي يطرح مفصلية ثقافية جديدة والتي أنتجت مفهوم "المتون العربية"، سعيا إلى إعادة تأسيس متن عربي جامع، يستطيع أن يواجه اللحظة التاريخية شديدة التدافع في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، في ظل أزمة ما بعد كورونا وملف السد الأثيوبي وصفقة القرن وتبعاتها، وأخيرا محاولة إعادة إنتاج "المسألة الأوربية" وأشكال جديدة من المركزية الثقافية وتمثلاتها، مع صعود الأوراسية الجديدة من جانب روسيا وتوسع حلف الأطلسي من جانب آخر وحرب أوكرانيا، وصعود طريق الحرير الصيني الجديد.



هوامش:
- للمزيد حول دراسات ما بعد الاستقلال، انظر حاتم الجوهري: دراسات ما بعد الاستقلال: الذات العربية ومواجهة الكولونيالية الجديدة، مجلة أدب ونقد (مصر)، العدد 407، فبراير لسننة 2022م.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمريكا تزود أوكرانيا بسلاح قوي سرًا لمواجهة روسيا.. هل يغير


.. مصادر طبية: مقتل 66 وإصابة 138 آخرين في غزة خلال الساعات الـ




.. السلطات الروسية تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة | #


.. مراسلنا: غارات جوية إسرائيلية على بلدتي مارون الراس وطيرحرفا




.. جهود دولية وإقليمية حثيثة لوقف إطلاق النار في غزة | #رادار