الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافات المتأسلمين 45 - خرافة مذبحة بني قريظة

زهير جمعة المالكي
باحث وناشط حقوقي

(Zuhair Al-maliki)

2023 / 3 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الحوادث المرعبة التي كتبها المتأسلمين في كتبهم والأكثر همجية حادثة ( مذبحة بني قريضة ) والتي اسموها بغزوة بني قريضة والتي جعلوها من مفاخرهم التي يتغنون بها بالرغم من صور الهمجية والفظاعة التي تحتويها تلك الحادثة . واليوم سنحاول ان نلقي الضوء على حقيقة تلك الحادثة وهل فعلا حصلت كما ترويها كتب ( المتأسلمين ) .
هذه الحادثة وردت في كتب السير والمغازي التي كان اشهر كتابها محمد ابن إسحاق وابن هشام صاحب سيرة ابن هشام ، فقد قال ابن إسحق: (فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتواثبت الأوس، فقالوا: يا رسول الله، إنهم موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت ـ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع، وكانوا حلفاء الخزرج، فنزلوا على حكمه، فسأله إياهم عبد الله بن أبي بن سلول، فوهبهم له ـ فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فذاك إلى سعد بن معاذ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم، يقال لها رفيدة، في مسجده، كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم بالخندق: اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب. فلما حكمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بني قريظة، أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطئوا له بوسادة من أدم، وكان رجلا جسيما جميلا، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم يقولون: يا أبا عمرو، أحسن في مواليك، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم، فلما أكثروا عليه قال: لقد أنى لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل، فنعى لهم رجال بني قريظة، قبل أن يصل إليهم سعد، عن كلمته التي سمع منه. فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قوموا إلى سيدكم- فأما المهاجرون من قريش، فيقولون: إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأنصار، وأما الأنصار، فيقولون: قد عم بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقاموا إليه، فقالوا: يا أبا عمرو، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ولاك أمر مواليك لتحكم فيهم، فقال سعد بن معاذ: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه، أن الحكم فيهم لما حكمت؟ قالوا: نعم: وعلى من ها هنا؟ في الناحية التي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إجلالا له، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: نعم، قال سعد: (فإني أحكم فيهم أن تقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتسبى الذراري والنساء) كما ورد ذكرها في كتب الاحاديث التي يطلق عليها اسم الصحاح حيث يروي البخاري في الحديث رقم 4122 عن عائشة قالت "أُصِيبَ سَعْدٌ يَومَ الخَنْدَقِ؛ رَمَاهُ رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ يُقَالُ له: حِبَّانُ بنُ العَرِقَةِ، رَمَاهُ في الأكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خَيْمَةً في المَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِن قَرِيبٍ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ الخَنْدَقِ وضَعَ السِّلَاحَ واغْتَسَلَ، فأتَاهُ جِبْرِيلُ عليه السَّلَامُ وهو يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الغُبَارِ، فَقَالَ: قدْ وضَعْتَ السِّلَاحَ؟ واللَّهِ ما وضَعْتُهُ، اخْرُجْ إليهِم، قَالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فأيْنَ؟ فأشَارَ إلى بَنِي قُرَيْظَةَ، فأتَاهُمْ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَنَزَلُوا علَى حُكْمِهِ، فَرَدَّ الحُكْمَ إلى سَعْدٍ، قَالَ: فإنِّي أحْكُمُ فيهم: أنْ تُقْتَلَ المُقَاتِلَةُ، وأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ والذُّرِّيَّةُ، وأَنْ تُقْسَمَ أمْوَالُهُمْ. [وفي رِوايةٍ]: أنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إنَّكَ تَعْلَمُ أنَّه ليسَ أحَدٌ أحَبَّ إلَيَّ أنْ أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، مِن قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسولَكَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَخْرَجُوهُ، اللَّهُمَّ فإنِّي أظُنُّ أنَّكَ قدْ وضَعْتَ الحَرْبَ بيْنَنَا وبيْنَهُمْ، فإنْ كانَ بَقِيَ مِن حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيءٌ فأبْقِنِي له؛ حتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ، وإنْ كُنْتَ وضَعْتَ الحَرْبَ، فَافْجُرْهَا واجْعَلْ مَوْتَتي فِيهَا، فَانْفَجَرَتْ مِن لَبَّتِهِ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ -وفي المَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِن بَنِي غِفَارٍ- إلَّا الدَّمُ يَسِيلُ إليهِم، فَقالوا: يا أهْلَ الخَيْمَةِ، ما هذا الذي يَأْتِينَا مِن قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا، فَمَاتَ منها رَضِيَ اللَّهُ عنْه".
وقد ذكرنا ما رواه البخاري باعتباره بالنسبة للمتأسلمين يعتبر ( اصح كتاب بعد كتاب الله ) كما يدعون والسبب في اختيار البخاري لمنع الأسلوب الذي يلجأون اليه دائما عندما تتم مواجهتهم بالمخازي التي تحويها كتبهم بالقول هذه احاديث ضعيفة وحوادث غير ثابته . ومن خلال رواية البخاري فهذه الحادثة وقعت بعد معركة الأحزاب والتي تسمى أيضا معركة الخندق بعد انسحاب جيوش قريش وحلفاءها من حصار المدينة . وبحسب البخاري ان بني قريضة استسلموا وانهم قبلوا بحكم سعد ابن معاذ سيد الاوس فيهم فحكم بقتل المقاتلة وسبي النساء والذراري بل ان الروايات الأخرى تشير الى قتل كل من نبت شعر عانته من الذكور وتراوحت اعداد القتلى مابين أربعين الى سبعمائة ذكر . هذا ما تقوله الروايات .
لو رجعنا الى القران نجد ان هذه الحادثة ذكرت في سورة الأحزاب ولكن بتفاصيل مختلفة جدا حيث تقول السورة "وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ۚ وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (25) وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَّمْ تَطَئُوهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا " . من الايات يتبين ان السورة تتحدث عن (الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَاب) فمظاهرتهم للذين كفروا على المسلمين وهم جيرانهم والتي أثبتتها الآية كانت السبب في الحرب ضدهم وتستمر السورة بالقول (وَأَنزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ) انزلهم الله للمقاتلة بعد أن أجهدهم الحصار بدلا من أن يستمروا في صياصيهم التي ظنوا في البداية أنها مانعتهم من الله ونبيه والمسلمين وحدثت المقاتلة وقلوبهم قد قذف الله فيها الرعب فانهزموا وظهر عليهم المسلمون فريقا يقتلون وآخرون استسلموا واستأسروا فيأخذوهم أسرى فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا ولو أنهم نزلوا مستسلمين على حكم مولاهم "سعد بن معاذ" كما تقول الروايات فالمستسلم لا يقاتل بل يؤسر . إن الآية صريحة تشمل الرجال فقط فقوله تعالي " فَريِقاً تقتُلوُنَ وَتَأسِروُنَ فَريِقاً " حيث أن مادة الأسر تُستَخدم للرجال دون النساء وأن السبي هو للنساء .
النظرة السريعه للايات تبين ان هذه الحادثة لا يمكن ان تكون وقعت بالشكل الذي ذكرته الروايات ومنها رواية البخاري , إن الآيات القرانية الخاصة بالأسرى تذكر خيارين للتعامل مع الاسرى المن أو الفداء، كما قال تعالى (َإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا)، وهو الحكم الذي اتبعه الرسول في كل معاركه فلم يتم قتل أي اسير حتى مع المشركين الذي كانت جريمتهم اكبر من جريمة بني قريضة وهو حكم أي حكم الاسرى لم ينسخ ولم يتم تغييره . وسورة الأحزاب تذكر صراحة ان رجال بني قريضة هم اسرى بقول القران (فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا) ، وبذلك فإن أولئك الأسرى، وبحسب النص القرآني لا يطبق عليهم حكم القتل، وهو خلاف ما تدعيه الرواية . وتقول الرواية من الأمور الغريبة التي اختصت بها الروايات المرتبطة بمجزرة بني قريظة ما يذكره علماء السيرة، أو من يحاولون تبرير المجزرة، بكون الحكم فيها لم يكن من القرآن الكريم، وإنما من التوراة، أو من الكتاب المقدس، كأن الرسول قبل فيها إلغاء حكم القرآن الكريم، ثم يتحاكم إلى غيره، مع ما ورد في القرآن الكريم من التصريحات بتحريف اليهود لكتبهم.
وهذه الروايات ان صحت فهي تتهم الرسول بانه خالف القران الذي يدعو الى ترك التحاكم إلى كتاب الله، واتباع الأهواء، فيقول(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ) ، بل إنه يعتبر التحاكم لغير القرآن الكريم من الجاهلية، قال تعالى تعقيبا على الآية السابقة (َفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ). لذلك فهذه الروايات تتهم الرسول بانه ترك وظيفته التي كلفه الله بها، والنزول على حكم سعد بن معاذ، مع العلم أنه بشر عادي غير مؤيد بالوحي وبهذا يفتح الباب لاقصاء رسول الله والتحاكم إلى غيره، وهو ما تنفيه الايات القرانية ، بل تتوعد من يفعل ذلك بالوعيد الشديد، قال تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). كذلك فان الرسول لم يعامل بنو قينقاع وبني النظير بنفس الطريقة بل عفا عنهم ، وتركهم يخرجون سالمين، بل بصحبة أموالهم، تركهم جميعا. بالإضافة إلى ذلك، فقد ورد في النصوص ما يدل على عرض الإسلام لكل من استحق القتل، ولا نرى ذلك في الروايات المرتبطة ببني قريظة، بل نراهم يذكرون أنهم عرضوا على السيف .وخيانتهم للرسول لاتقل عن خيانة بني قريظة كما ان الرسول لم يعامل قريش عدوه الأساس بهذه الوحشية بل اكتفى بان قال لهم اذهبوا فانتم الطلقاء .
بالإضافة الى الطعن بشخص الرسول فان هذه الروايات تطعن في القران الكريم حيث جعلت الحكم في هذه الحادثة غير موجود في القران وموجود في الكتاب المقدس عند اليهود بالرغم من الله وصف القران بان فيه تبيان كل شيء وعلى المسلمين الرجوع اليه في الاحكام الشرعية (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)، فهذه الآيات الكريمة تخبر عن هيمنة القرآن الكريم على سائر الكتب، وأنه أصبح هو المرجع الذي لا يصح الرجوع إلى غيره، ولهذا نهى الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتبع أهواء أهل الكتاب وغيرهم، ويترك التحاكم للقرآن الكريم. بل إن الله تعالى أمر بإعلام الخائنين قبل القيام بأي إجراء ضدهم، فقال (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ) ولكن في الروايات هذا لم يحصل وكان حكم سعد مفاجئا للجميع وخصوصا لبني قريضة وقومه من الاوس .
كذلك فان الشخص الذي منحه الرسول بحسب الروايات سلطة الحكم على بني قريضة لم يبين ما الدليل الذي اعتمد عليه في اصدار حكمه فهو لم يذكر أي مستند لما حكم به وعلى ماذا اعتمد وخصوصا ان الذي اختاره بحسب الروايات هم زعماء بني قريضة وليس جميعهم . وسعد لم يستشر أحدا قبل النطق بالحكم . كما أن سعدا لم يسمع حجج بني قريظة، وكان الأصل أن يستقدم كل واحد منهم، ثم يسأله عن حجته، ويحقق معه، فقد يكون في الوقت الذي حصلت فيه الخيانة مريضا أو لم يشارك فيها ـ ولكن ذلك لم يحدث، بل ذكرت الرواية أنه حكم فيهم حكما عاما من غير أن يستشير أحدا، أو يسمع لأحد. وهذا خلاف ما ذكره القرآن الكريم الذي أخبر عن سماع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لحجج الذين يريدون محاكمتهم، قال تعالى عن داود عليه السلام: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 21 - 24]، وهذه الآيات الكريمة تشير إلى ضرورة سماع كل الخصوم حتى يتبين الحق من الباطل، وعدم الاستعجال بالحكم . كذلك كان سعد من جرحى الأحزاب أي كان متضررا بصورة شخصية من خيانة بني قريضة فقد روى ابن إسحاق (رمى يوم الأحزاب سعد بن معاذ، فقطعوا أكحله، فحسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنار، فانتفخت يده، فحسمه أخرى، فانتفخت يده، فنزفه، فلما رأى ذلك، قال: (اللهم لا تخرج نفسى حتى تقر عينى من بنى قريظة)، فاستمسك عرقه، فما قطر قطرة، حتى نزلوا على حكم سعد، فأرسل إليه، فحكم أن تقتل رجالهم، ويستحى نساؤهم وذراريهم، ليستعين بهم المسلمون، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (أصبت حكم الله فيهم)، وكانوا أربعمائة، فلما فرغ من قتلهم، انفتق عرقه فمات) ويبدو ان من روى هذه الحادثة نسي الحكم الشرعي الذي ورد في مثل هذه الحالات (وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) وثم قال (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .
بالإضافة الى اهمال احكام القران فقد اهمل حكم سعد ان صح ابسط قواعد العدالة وهي ارتباط العقوبات بمرتكبي الجرائم لا غيرهم، وقد نص عليها القرآن الكريم بصيغ مختلفة، بل اعتبرها من القيم المتفق عليها في جميع الأديان، كما قال تعالى (امْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ) ولكن الروايات جعلت جميع شباب بني قريظة في كفة واحدة مع العتاة المجرمين المستكبرين الذين قاموا بالخيانة . بل ان الروايات جعلت الرسول يتنازل عن تطبيق ما وصفه هو بانه (حكم الله ) من اجل توسط بعض الناس كما ورد في سيرة ابن هشام، (2/ 242)، فقال: (وقد كان ثابت بن قيس بن الشماس، كما ذكر لي ابن شهاب الزهري، أتى الزبير بن باطا القرظي، وكان يكنى أبا عبد الرحمن ـ وكان الزبير قد من على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان من عليه يوم بعاث، أخذه فجز ناصيته، ثم خلى سبيله ـ فجاءه ثابت وهو شيخ كبير، فقال: يا أبا عبد الرحمن، هل تعرفني؟ قال: وهل يجهل مثلي مثلك، قال: إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي، قال: إن الكريم يجزي الكريم، ثم أتى ثابت بن قيس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله إنه قد كانت للزبير علي منة، وقد أحببت أن أجزيه بها، فهب لي دمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هو لك، فأتاه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وهب لي دمك، فهو لك، قال: شيخ كبير لا أهل له ولا ولد، فما يصنع بالحياة؟ قال: فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، هب لي امرأته وولده، قال: هم لك، قال: فأتاه فقال: قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهلك وولدك، فهم لك، قال: أهل بيت بالحجاز لا مال لهم، فما بقاؤهم على ذلك؟ فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا رسول الله، ما له، قال: هو لك، فأتاه ثابت فقال: قد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مالك، فهو لك، قال: أي ثابت، ما فعل الذي كأن وجهه مرآة صينية يتراءى فيها عذارى الحي، كعب بن أسد؟ قال: قتل، قال: فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب؟ قال: قتل، قال: فما فعل مقدمتنا إذا شددنا، وحاميتنا إذا فررنا، عزال بن سموأل؟ قال: قتل، قال: فما فعل المجلسان؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة، قال: ذهبوا قتلوا؟ قال: (فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتنى بالقوم، فو الله ما في العيش بعد هؤلاء من خير، فما أنا بصابر لله فتلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة)، فقدمه ثابت، فضرب عنقه) . ومثلها ما ذكره ابن إسحاق من (أن سلمى بنت قيس، أم المنذر، أخت سليط بن أخت سليط بن قيس ـ وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قد صلت معه القبلتين، وبايعته بيعة النساء ـ سألته رفاعة بن سموأل القرظي، وكان رجلا قد بلغ، فلاذ بها، وكان يعرفهم قبل ذلك، فقالت: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، هب لي رفاعة، فإنه قد زعم أنه سيصلي، ويأكل لحم الجمل، قال: فوهبه لها، فاستحيته)
وهاتان الرويتان كافيتان لهدم كل ما روي حول بني قريظة، ذلك أن من القوانين الشرعية المرتبطة بالجزاء، تساوي الناس فيه، فلا يحق للعادل أن يعاقب قوما في الوقت الذي يعفو فيه عن آخرين ارتكبوا نفس الجرم، بل ربما أقل منه.
من خلال ما تقدم يتضح ان ما اسموه (مذبحة بني قريظة ) انما هي خرافة من خرافات المتاسلمين التي حاولوا الصاقها بالإسلام من اجل تبرير الجرائم التي ارتكبها من استولوا على الحكم بعد مقتل الرسول فالحكم الشرعي القرأني الذي ينطبق على ما فعله بني قريظه هو الجلاء، وهو حكم إلهي نطق به القرآن الكريم، كما قال تعالى (وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ). وبحسب الايات القرانية لم يقتل الا الذي قاتلوا من بني قريظة ، لأن الآية التي يوردون أنها نزلت في بني قريظة، وهي قوله تعالى (وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (26) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) كما ان حكم الأسرى في الشريعة نص عليه قوله تعالى (حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا). ولا يمكن عقلا قبول تلك الروايات التي تصور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعاقب قوما دون قوم، مع كونهم ارتكبوا نفس الجريمة، ولا يقبل عاقل أن يتصور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهب قبيلة من اليهود للمنافقين، ويعفوا عنهم، في نفس الوقت الذي يهب فيه قبيلة أخرى لمسلم، فيحكم عليهم بالإعدام. ولا يمكن لعاقل يعرف رحمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتسامحه مع كل المخالفين له، بل مع كل الذين قضوا أعمارهم كلها في عداوته، أن يقتل شبابا أغرارا مراهقين، بسبب ما فعله رؤساء قومهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المحمديون يخجلون من مخازي دينهم البدوي فيدلّسون !
زكري ( 2023 / 3 / 21 - 12:39 )
في اللغة العربية ، دلّس الشيء ، أي زيّفه أو زوّره . و ذلك هو تحديدا ما يفعله بعض (المُسلمانيين) أو هم كما يسميهم القرآني أحمد صبحي منصور : (المحمديون) ، ونتفق معه في هذه الجزئية التوصيفية . فهؤلاء المتأسلمين أو المحمديين ، يتحرجون مما يكتظ به تاريخ دينهم من مخازي وفظائع وفضائح ، ولا يجدون تبريرا أخلاقيا لسلوكيات نبي الأسلمة (الذي يعبدونه أكثر مما يعبدون الله ربهم) ، فيعمدون إلى التدليس للتغطية على تلك المخازي ، التي اقترنت بغزوات محمد وأتباعه ، وذلك في محاولة بائسة للوي أعناق النصوص القرآنية (التي يسمونها : آيات) ، بإعطائها معاني لم تخطر على بال المؤلف (أو المؤلفين) ، كما نجده في هذه المقالة . بينما هم يتجاهلون - عمدا - وجود نصوص قرآنية أخرى تكذّبهم وتكشف تزييفهم . بل إن التذاكي يذهب بالكاتب إلى اعتماد مصطلح (المتأسلمين) ، لينفي عن نفسه صفة التأسلم ، بينما محتوى المقالة يقول بأن كاتبها هو - أيديولوجيّا - من غلاة المتأسلمين .
و للتوضيح ، فإننا نجد الكاتب يلف ويدور ليستنتج من (آية الصياصي) أن محمدا لم يرتكب مذبحة بني قريظة ، رغم النص الصريح على ارتكابها ، في عبارة « فريقا تقتلون » !


2 - المحمديون يخجلون من مخازي دينهم البدوي فيدلّسون !
زكري ( 2023 / 3 / 21 - 12:42 )
هذا ، فضلا عن بقية تفاصيل المذبحة ونتائجها الهمجية ، التي يشير إليها المؤلف القرآني في قوله : « وفريقا تأسرون (بلا معركة !) ، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم » . (هكذا بكل بلطجة محمدية وراحة ضمير مُسلماني !) .
ويحاول الكاتب أن يغالط عقول القراء ، ليستنطق آية الصياصي ما ينفي به سبي نساء بني قريظة ، لا لشيء إلا لأن النص لم يشر حرفيا إلى (سبي) نساء قريظة ، واقتصر على ذكر (الأسْر) ، بإحالة معنى الأسْر إلى الدلالة على الرجال (أي المحاربين) ، بالرغم من أن قريظة التزمت الحياد ولم تحارب محمدا ، بل زودته بأدوات حفر الخندق !
وفي مرافعته التأسلمية نفيا لتهمة سبي نساء بني قريظة ، ودون أن يخبرنا ماذا فعل محمد بهن (بعد أن قتل أزواجهن وأولادهن وآباءهن وإخوانهن) ؛ فإن الكاتب يتناسى أن نبيه السفّاح المِنكاح قد أصطفى لنفسه السبية اليهودية (صفية بنت حُيي) بعد أن قتل زوجها وأباها وأخاها ، في غزوة خيبر التي ارتكبها افتئاتا وعدوانا . وأنه في غزوة المريسيع سبا نساء بني المصطلق ، واستباح لنفسه السبية (جويرية بنت الحارث) بعد أن قتل زوجها ، وأنه في غزوة أوطاس سبا نساء هوازن وثقيف واستباحهن ملك يمين لأصحابه !

اخر الافلام

.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah


.. 104-Al-Baqarah




.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في