الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فهم الله وألدين والعلمانية اولى خطوات الاصلاح العلماني العربي-2

لبيب سلطان
أستاذ جامعي متقاعد ، باحث ليبرالي مستقل

(Labib Sultan)

2023 / 3 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


2. فهم الدين علمانيا
تم في الجزء الاول طرح فهم " الله " علمانيا كرابط توازني يعمل داخل الانسان يوازن بين قوة العقل والارادة من جهة، وبين الضمير الاخلاقي والمشاعرالوجدانية الكامنة في الوعي الباطني للانسان ، كما طرحها العقاد وفرويد وعلي ابن ابي طالب وسقراط مثلا . ان هذا الرابط يخلق توازنا بينهما يتيح للانسان الوصول لحالة المصالحة بينهما، او مانسميه التجانس بين عقل الانسان الذي يمثل ال " أنا" في مصالحه الشخصية، وضميرالانسان أي " الله" الذي يمثل ال "هم " أي مصالح الجماعة، فكما العقل يرشد الانسان لمصالحه الخاصة ، فان "الله " ،اي الضمير الكائن داخله ، يمثل مصالح الجماعة، ومن توازنهما اي بين " العقل " و" الضمير" أي "الله" ، يخلق الانسان التوازن مع نفسه ، وبينه وبين المجتمع في محيطه ثانيا. انها حالة مثالية دون شك، فلو جرى وعيها داخل كل انسان ، نعم داخل كل انسان، وتمت مزاولتها على هذا النحو ، لحلت مشاكل الانسان نفسه، وربما معه مشاكل الانسانية جمعاء . ولكن المعضلة ان الناس بشرا وليسوا ملائكة ، ومنه ربما برزت الحاجة الى الاديان ،ربما هي خلقت اساسا كمحاولة لتحويل البشر الى ملائكة، او شبه ملائكة بريئة ، سواء بالنصيحة السلمية الغير عنفية بالوعد بالجنة والخلود، او ان تكون يد الله هي الطولى في الاقتصاص والعقاب الاليم وجحيم الاخرة ان وضع الانسان يوما "عقله " ،اي مصلحته، فوق "ضميره" ، أي مصلحة الجماعة. ربما هذه ببساطتها حقيقة بروز الحاجة للاديان عامة والسماوية خاصة ، كطريقة لتحويل الناس الى مؤمنين يخافون الله، والتهديد بعقابه للتوفيق بين مصلحة الجماعة وطمع الانا الشخصية ، ولأجله صكت الاديان على يد انبيائها الفروض بالطاعة لله وللالتصاق به يوميا وفي اي عمل او ممارسة ، والاتصال به من خلال الصلاة خمسة مرات في اليوم للتوقيع على التواجد مع الله سواء طمعا في الاخرة، أو لطلب رحمته المباشرة والغفران له في حياته ، اي وجوده المؤقت على الارض، لموبقة او زلة شيطانية للعقل جعلته يضع عقله ، او مصلحته ، او شيطانه كما يسميه المؤمنون ، فوق "ضميره " اي مصلحة متضرر اتت برجس من العقل " الشيطان " خلافا لارادة الله وتعاليمه، ومنه طالبا لعفوه ورحمته على ان لايعود لها ثانية، ولكنه يعرف ان رحمتة واسعة ، فلو اعادها لطلب رحمته وعفوه مجددا، وسينتظر لاخر لحظة حتى التوبة في فرض اخر. يمكن تأليف وقراءة مئات المجلدات في تاريخ واسباب نشأة الاديان ، ولكن في الاديان السماوية تحديدا يمكن تتبع هذا الخيط المنهجي في طرحها الله ملكا سماويا أعلى ، بيده الملك والموت والحياة ، والعقاب والثواب ، وطرح مفهوم الاخرة ومفهوم الشيطان ، واقامة الفروض اليومية على الانسان ليكون على صلة يومية بالله وتذكيره بعقابه او ثوابه. لقد كانت هذه الاديان تسعى دون شك الى خلق الرادع الالهي ليمثل مصالح الجماعة امام الغول الشيطاني العقلي الذي يفرضه العقل المصلحي له. من هنا فان الدعوة الدينية ليست سيئة اطلاقا لخلق هذا التوازن بين المصلحة الخاصة والعامة.
ولكن المشكلة الجديدة التي خلقتها الاديان امام الانسان والمجتمعات تنتمي لمجال اخر غير هدفها الصالح اعلاه، وتتمثل بما واجهه الانسان ، والبشرية عموما ، من كثرة المتحدثين والفارضين لارادة الله وتعاليمه على الناس. ولم يعد التبليغ بالله السماوي مقصورا على الانبياء ، مثل موسى وعيسى ومحمد ، وبضعة رجال صالحين يذكرون الناس بالله ويعظونهم ويذكرونهم بجدوى اتباع كلمته وندائه لنيل الراحة النفسية والتمتع برحمته. لقد تبناها بعد الانبياء والصالحين الحكام ، للحكم باسمه لاقامة كلمته، يشرعون ويقيمون الحد باسم الله ، مُبارَكين من رجال الدين ، مدعين " مصلحة الجماعة " التي اقرتها الاديان ، ومنها اصدرت الوفاً مؤلفة من التشريعات يرجمون ويسجنون ويجلدون ويقتلون ويسنون مايشاؤون ، جميعها باسم الله وحقوقه ومصلحة الجماعة مسنودة من نصوص دينية اريد بها اصلا الموازنة بين العقل والضمير ،ولكنها ترجمت لفرض طاعة الحاكم والخضوع لقوانينه المباركة من رجال الدين حوله ، وهكذا تحولت الاديان الى ممارسة السلطة باسم الله ، تبدأ من اخضاع الفرد لحكم الجماعة، ومنها لرجال الدين التي تقود الجماعة، ومنهم الى الحاكم الذي يخضع له الجميع لبسط حكمه من حكم الله ، اي ان الدين تحول من مقولة سامية تدعو لاخذ مصالح الجماعة في الحسبان عند ممارسة الفرد لمصالحه ، الى وسيلة للسيطرة والحكم على الفرد والمجتمع باسم الله، وهو مانسميه اليوم بادلجة الدين، من مصطلح " الأيديولوجيا " اي المقولة العقائدية الجمعية للسيطرة على الناس والمجتمع باسم فكرة سامية، وادلجة الفكرة الدينية السامية اعلاه خير مثال على ذلك . والدين ليس وحيدا ، بل تشاركه الافكار العقائدية الوضعية التي تطرح باسم مصالح الجماعة بفكر ينطلق من مفهوم جمعي يعبئ باسم مصلحة الجماعة. ان العلمانية ليست كما يروج لها ،انها ضد الله ، وضد الدين ، بل هي مع الله في فهمه الحقيقي الروحاني والضميري ، وضد مقولة الدين السلطوي التسلطي ، مع مقولة الدين الضميري الروحاني . ولكن الاهم انها ضد اي فكر ومنهج تسلطي يطرح باسم الجماعة ومصالحها ، ومن هنا لابد من فهم مصطلح "العلمانية" بشكله وجوهره الحقيقي كما ساناقشه ادناه.
3. الفرق بين الروحانية والتدين
نحن نعيش اليوم، وبفضل العلمانية في تحرير العقل والانسان والمجتمع والدولة، من تحرير فهم الله من سجن رجال الدين . وحتى مفاهيم الدين بدأت بالتطور حيث اصبحت الروحانية اساسا للمقولة والممارسة الدينية في اغلب المجتمعات اليوم، وليست المقولة الدينية القائمة على الترغيب والترهيب ، والتبرير للحاكم ، كما طرحها رجال الدين دوما عبر التاريخ.
ان المجتمعات الحديثة القائمة على العلمانية تعيش حياة روحانية للحاجة النفسية لها ، وليس تحت الترغيب بالثواب وتهديد بالعقاب، واصبحت ظاهرة شائعة ان يصنف الناس انفسهم انهم روحانيون Spiritual وليسوا متدينين Religious ، والفرق بين الاثنين واضح ، ان الاول يمارس حاجة روحانية له دون فرض او خوف ،والثاني يمارس طقوسا وظيفية مفروضة عليه اجتماعيا ، او دينيا خوفا من العقاب . ونجد اليوم ان الكثير من المعابد والكنائس غيرت مهنها لجذب الناس لها ، فهي طرحت نفسها مكانا للمارسة الروحانية والتغني بالله وبالضمير الانساني الوجداني الذي يوحد بينهم وهذه يؤمها الروحانيون، واخرى تبشر بالوعيد واليوم الاخر والنجاة من العقاب ويؤمها المتدينون. كلاهما متواجدان في دول اميركا واوربا واسيا ،وربما ستنتشر مستقبلا واسعا المعابد الروحانية لتطغي على المعابد التبشيرية. ويكفي لرصد هذه الحركة مثلا ان منظرا روحانيا مثل الفيلسوف الهندي "أوشو" قد وجدت كتبه بيع عشرة ملايين نسخة في اميركا وحدها خلال سنوات بداية القرن الحالي وهو رقم لم تحصد عشره كافة الكتب المقدسة فيها خلال ربع قرن. انها ربما قد وجدت في اوشو اقرب لها من روايات العقاب في الكتب المقدسة ، واستطاعت التمييز بين الروحاني في هذه الكتب ولقاءه مع اوشو عن مقولات التخويف والسطوة الدينية.
4. فهم العلمانية وعلاقتها بالله والدين والعقيدة
ان العلمانية في مفهومها الحقيقي تحمل ثلاثة مفاهيم مترابطة ،ولايمكن فصلها البعض عن البعض،في تشكيل الموقف العلماني، أولها تحرير العقل من سطوة المقولة المسبقة المقدسة والاخذ بالعلم وحياديته وموضوعيته في فهم الطبيعة والمجتمع ، وثانيها فصل الدولة عن الدين واي منهج عقائدي يقول بمصلحة الجماعة ويفرض فكره على الدولة والمجتمع ، وثالثها تمكين الحريات الفردية والفكرية للمجتمع وجعلها من اركان الدولة وحماية هذه الحقوق من الجماعات العقائدية ( أي المؤدلجة ) . ان هذه المكونات مجتمعة تشكل جوهر مفهوم العلمانية ، وليس اختصارها وفق الفهم الشائع ، الى مقولة واحدة "ان العلمانية هي فصل الدين عن الدولة " . انه هو طرح ناقص ولايمس جوهرها المنهجي الذي اذا اريد طرحه اختصارا ليكون " منهج فصل الدولة عن المقولة العقائدية المؤدلجة التي تفرض باسم مصلحة الجماعة". فالعلمانية ليست ضد الدين كممارسة روحانية ، بل ضد استغلاله للسيطرة على الدولة والمجتمع، وهي ضد استغلال اية افكار عقائدية وضعية تؤدي للسيطرة على الدولة والمجتمع وتسحق حرية الفرد والناس باسم مصلحة الجماعة . ان الطرح المختصر للعلمانية بشكلها الضيق واختصارها على الدين جاء لظروف نشأة هذا المصطلح منتصف القرن الثامن عشر ،في فترة كانت توجه العلمانية ضربتها القاضية لأنهاء سيطرة المقولة الدينية على المجتمعات الاوربية ودولها. انما مقولتها العامة فهو انهاء سيطرة اي فكر شمولي على الفرد والدولة والمجتمع سواء كان دينيا بأسم الله ، او وضعيا باسم البشر. ان أية قراءة لمفكري العلمانية وفلاسفتها ، وهم كثر ، تشير الى ذلك .
انه ليس مغالاة القول انه يمكن اعتبار العلمانية اعظم وأهم انجاز فكري على الاطلاق قدمته اوربا الى البشرية في القرن 18 كمنهج للحكم وادارة المجتمعات وتنظيم امورها وفق اسس تضمن حقوق الفرد والجماعة وتنظيم علاقاتهما ببعض ومع الدولة وبين الدولة والمجتمع ، دون التضحية باحدهما على حساب الاخر، وبالاخص بصيانة حقوق الفرد امام حقوق الجماعة التي تدعي تمثيلها المقولة الدينية او الوضعية للتسلط والسيطرة على كل من الانسان والدولة والمجتمع. والثاني ان العلمانية ومنذ ولادتها الرسمية نهاية القرن 18 ،ممثلة في نصوص دستوري الثورة الفرنسية والاميركية، وكلاهما تم في فترة واحدة تقريبا، قد مثلت نقطة تحول في تاريخ الحضارة والدول بين مرحلتين ماقبلها ، وما بعدها. حيث ما قبلها كان تاريخ الدول الدينية ، سمها ماشئت اشورية فرعونية رومانية خلافة اسلامية نمساوية او قيصرية او صفوية او عثمانية، جميعها دولا دينية تحكم بتفويض الهي تعددت اشكاله وجوهرها واحدا وهو الحكم باسم الله وبتفويض منه. وما بعدها مرحلة الدول العلمانية وقامت بارجاع الله الى المعبد ومنع الحكم والتسلط باسمه على الانسان والمجتمعات، واذ قامت بهدم قلعة كبيرة "الحكم باسم الله " التي سادت على مدى التاريخ ، سهل لها هدم قلاع الايديولوجيا " الحكم باسم مصلحة الجماعة " وفتحت المجال امام البشرية لتطور مفاهيمها العقلية وحقوقها وحرياتها . وربما يمكن نظريا وتاريخيا ارجاع ولادة كل المفاهيم الحديثة الى العلمانية ومنها مفاهيم الحريات والنظم الديمقراطية والليبرالية وتثبيت مفهوم المواطنة والحريات في الدساتير والقوانين وجعل شرعية الدولة والحكم تقوم على احترامها وصيانتها ، ومنها ولد ايضا تحرير عقل الانسان ، والعلم بتحرير ارادة الانسان وعقله ، وحقوق ممارسة النقد والاحتجاج والنشر ، وتطورت اليوم الى الحريات الشخصية والمدنية في المجتمعات المعاصرة. اي بشكل اعم ادت العلمانية الى اعمق واوسع نمو حضاري عرفته الانسانية خلال كل تاريخها .واهمها حررت الانسان والمجتمع من التسلط والسيطرة بكافة اشكالها بما فيها الدينية ، وحولت شكل ومهام الدولة الى مدنية محكومة بخدمته وحماية حقوقه وحرياته. انها مرحلة لم تعشها البشرية ابدا خلال كل تاريخها المعروف قبل العلمانية ، ولازالت تتطور لليوم وستبقى مكسبا للانسان والشعوب والمجتمعات ولن تتخلى عنها، لصالح سيطرة المقولة باسم مصالح الجماعة، سواء دينيا باسم الله، او وضعيا تحت هدف يقول بمصلحة الجماعة، لبسط سيطرتها وسطوتها ، كما رأيناه مطلع القرن الماضي في وصول الجماعات المؤدلجة للحكم في بلدان اوربا باسم الطبقة او القومية او العرق ادت الى قيام نظما ديكتاتورية قمعية للانسان باسم الجماعة ، ولكنها سرعان ماانهارت، كونها تراجعا عن العلمانية واسسها في ادارة الدولة والمجتمع وفق الحقوق والحريات العلمانية التي تمسكت بها المجتمعات كمكتسبات لا تتراجع بها للانظمة التي فرضت ايديولوجيتها باسم الجماعة على الدولة والمجتمع والانسان فيها،
فالعلمانية بجوهرها الحقيقي أوسع من الوقوف ضد التسلط الديني وفق المقولة المقدسة باسم الله، بل هي ضد كل مقولة وضعية تفرض على المجتمع ،ف"العلمانية ضد سيطرة الايديولوجيا " بأشكالها الدينية او الفكرية الوضعية. فكما ان الدين السياسي هو ايديولوجيا قائمة على المقولة الدينية لصالح الجماعة ، فالتيارات الايديولوجية الاخرى تقوم على طرح مقولات السيطرة مثل المقولة القومية ، او الطبقية ،او العرقية ،وغيرها ،جميعها تشترك بالسيطرة باسم حقوق ومصالح الجماعة ، ومنه تسحق حرية الفكر والنقد وحق الممارسة الفكرية، ومنه ترى ان جميع الديكتاتوريات المعاصرة نشأت على الايديولوجيات ، فهي تعتبر الحريات الفكرية تخريبا وتؤامرا عليها.
ان الدول العلمانية توفر الحريات لكل التيارات الفكرية لتشكيل الاحزاب لخوض الانتخابات، ولكن دساتيرها تمنع سيطرة اي فكر على الدولة نفسها ، حيث عليها حماية وصيانة حقوق الفرد وحرياته ، والمساواة بين المواطنين ، وجعلها فوق اية طروحات او برامج ايديولوجية،وحولت معارك المدارس الفكرية الى معارك بين برامج خدمية، وهذا اهم انجاز للدول العلمانية التي تسود مفاهيمها معظم دول العالم اليوم.
مما اعلاه يمكن فهم ان "العلمانية هي منهج فصل الدولة عن التدين العقائدي بكل اشكاله ، الديني والوضعي". فهي لاتعادي الدين ، ولا الماركسية ، ولا القومية مثلا ، قدر موقفها من منع سيطرتها على الدولة ومنها على الانسان المجتمع . ومنه فهي تسمح بتشكيل الاحزاب ضمن حق ممارسة الحريات الفكرية ،ولكن هذه الاحزاب لن يسمح لها السيطرة على الدولة لفرض فكرها ، بل بالفصل بين الدولة وبين تبني عقيدة فكرية . ومنه بات الناس يطالبون الاحزاب ببرامج تخدم مصالحهم وليست برامج للسيطرة عليهم . ومثلهما اصبحت الحكومات جهازا يعمل لخدمة مواطنيها بعيدا عن التمييز ، والدولة تبعد مؤسساتها عن الادلجة السياسية والعقائدية . ان كل مانشاهده اليوم من حضارة واستقرار اجتماعي ورفاه اقتصادي ونمو ثقافي ووعي اجتماعي وحريات يرجع بشكل وباخر لمفهوم العلمانية ونجاحها في تحرير عقل الانسان وتحرير الدولة والمجتمع من سطوة المقولة المؤدلجة دينيا او وضعيا.
5. معركة العلمانية في الوطن العربي
نحن نخوض معركة العلمانية في عالمنا العربي اليوم كما خاضتها اوربا منذ ثلاثة قرون ، ولكنها معركة لا اغالي انها ربما اصعب واعقد ، وذلك في اعتقادي يعود لسببين ، الاول ان العلمانيين العرب هم ليسوا علمانيين بالمعنى الدقيق لهذا المفهوم ، بل الاصح هم متأدلجون ، ويكفي ان نقرأ نقدهم للحضارة الاوربية والتشهير بها وتشويهها امام مجتمعاتنا لاغراض ايديولوجية ، رغم انهم يطرحون شعاراتها كمطالب وليس كمفاهيم اساسية في تطوير وبناء مجتمعاتنا وانظمة حكمها، بل لتمرير مقولاتهم المؤدلجة ، وسميت ذلك دجلا اجتماعيا ،في مقالة سابقة لي ، ان ترفع شعارات وبنفس الوقت تنتقد محتواها وتجاربها . مثلا هي ترفع شعار الديمقراطية والحريات وهي تقول بنفس ،وفق طروحات ايديولوجياتها ، انها مزيفة ومزورة في الدول العلمانية بدلا من طرحها كنماذج ناجحة امام شعوبنا ، او على الاقل نقدها موضوعيا وليس لغرض التشويش.والثاني عقدة الفشل الاجتماعية الناتجة من فشل المعركة العلمانية التي خاضتها دولنا الناشئة في النصف الاول من القرن العشرين وانتهت بنظم ديكتاتورية قمعية عسكرية على يد المتأدلجين بانواعهم وتحالفاتهم مدعين انهم علمانيين، ومنه ولدت العقدة من العلمانية والارتماء بحضن الاسلاموية الدينية في حركة الانكفاء على النفس. للخروج من المأزق العلماني الذي وجدت مجتمعاتنا اليوم نفسها فيه لابد من علمانيينا ، وخصوصا المثقفين ، خوض هذه المعركة من جديد. واولها التثقيف والنشر والاعلام والمتابعة اليومية لفضخ ممارسات الاسلامويين، فهي ضد الله وضد الدين الروحاني ، وفضح التستر بالله والاسلام للضرر بصالح الجماعة، فالعلمانيون احق بالله وتعاليمه الروحانية وانهاء استغلالها لاغراض دنيوية ومصالح شخصية وتخويف الناس بممارسة التسلط السياسي والاجتماعي ، فالاسلامويون في الممارسة هم الملحدون بالله ، كونهم استخدموه لمصالحهم ، والعلمانيون هم المؤمنون به ، كونه كائنا في ضميرهم وفي دعوتهم لتحرير الانسان والمجتمع من سطوة سراقه وتسلطهم. والامر حقيقة يتوقف على مصداقية العلمانيين في اعادة ثقة الناس بالعلمانية وتطابق طرحهم مع مايريده الله من الناس. ولعل اهم معركة اخرى يخوضونها هو طرح مفاهيم الحضارة الانسانية والاخاء الانساني على مجتمعاتنا دون تغريبها بل بتوضيح اسسها وفوائد تجارب الامم التي سبقتنا في تطوير حياتهم العملية والقتصادية والروحانية بان واحد. وطرح تمييز الدين الاسلامي الروحاني عن السياسي ، فتاريخنا مليئ بالشواهد والوقائع والمواقف والمناهج على لقى فكر العلمانية مع الاسلام الروحاني . انها معركة فكرية واجتماعية وسياسية لابد من خوضها ولابد من تطوير حركات واحزاب ليبرالية علمان تقوم بها وهو عبئ ثقيل حتما ولكنه الطريق لاعادة الثقة لمجتمعاتنا بانفسها وبالعلمانية بجوهرها الصحيح وربطه بمصالحها وعيشها اليوم وبمستقبلها . هل توجد امكانية لذلك ؟ اجيب نعم والدليل هو من كان يتوقع مثلا قبل ثلاثين عاما ان تتحول الامارات او السعودية الى الانفتاح حتى على بعض الحريات الصغيرة للمرأة ، فالطريق قد بدأ والعمل على توسيعه وتقوية مواقع الطرح العلماني والاصلاحات الاجتماعية والسياسية لتوسيعه انجاز نجاحات ولو بسيطة لتتوسع لمواجهة الفكرة السلفية والممارسة الديكتاتورية بكل اشكالها ومواقعها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ارتفاع حوادث معاداة الإسلام والكراهية ضد المسلمين في بريطاني


.. المؤسسات الدينية في إسرائيل تجيز قتل الفلسطينيين




.. 84-Al-Aanaam


.. الجالية اليهودية بنيويورك تدعم مطلب عائلات الرهائن لدى حماس




.. بابا الفاتيكان يدعو إلى وقف إطلاق النار في لبنان وغزة