الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتون العربية وتفكيك غواية الأيديولوجيا المضادة

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 3 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا كانت أوربا/ الغرب قد قدمت في مرحلة الحداثة مجموعة من الأيديولوجيات التي اعتبرتها مقدسا جديدا، فهل يمكن القول إن أوربا/ الغرب قد قدمت في مرحلة ما بعد الحداثة "أيديولوجيا مضادة" واعتبرتها مقدسا أيضا و"قيمة مركزية" جديدة تروج لها المسارات الأكاديمية والثقافية ومجالات التبادل الثقافي عبر المتوسط وفي آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية!
وهل كانت ذروة "الأيديولوجيات المضادة" في مرحلة ما بعد الحداثة هي مدرسة الدراسات الثقافية التي نشأت في بريطانيا!

أيديولوجيا مضادة وفلسفة سالبة للذات العربية
بصيغة أخرى؛ هل كانت الدراسات الثقافية البريطانية/ الغربية "أيديولوجيا مضادة" وفلسفة سالبة للذات العربية ووجودها! عندما تم استقبال هذه المدرسة عربيا والسير في ركابها، فاعتمدت هذه المدرسة وتطبيقاتها عربياعلى تهميش قيم البطولة التقليدية عموما وقيم المراكز والأنساق الكبرى المرتبطة بـ"مستودع الهوية" والتزاماته، وفي الوقت نفسه قامت بجعل الهامش أو الهوامش متنا ومنحه "تقييما اتفاقيا" مرتفعا، فيما يشبه عملية "الهوس الجماعي" الثقافي دون وعي أو تدقيق أو تقييم للمردود والنظرية!

تمتين "الهامش" وتهميش "المتن"
من ثم كانت الدراسات الثقافية وتطبيقاتها "أيديولوجيا مضادة" تعتمد على "تهميش" صورة البطل التقليدي المرتبط بقيم الجماعة وحالتها ومشروعها، و"تمتين" قيم شخوص الظل وقيمهم وتحويلهم إلى "أبطال ضد" يتم الترويج لهم، في مشاريع مثل دعم الشذوذ ومنحه مفاهيما جديدة مثل "الكويرية" و"المثلية"، وفي دعم سياسات النسوية المتطرفة التي تدعو لتفكيك البنية الأسرية وخلق صراع حدي بين الرجل والمرأة، وعلى المستوى الأدبي والفني تفكيك الأشكال والمضامين التي ارتبطت بالمتون والترويج لكسر الأشكال الفنية المعتمدة والترويج للقيم المضادة للمتون والجماعات البشرية الكبرى وأنساقها الحاضرة والتاريخية...
وكذلك في خلق التناقض بين مجتمعات الحدود والأقليات ومجتمعات القلب والأغلبية، ودفع مجتمعات الحدود والأقليات نحو الصراع والتمرد على جماعتها الحاضنة... هل كان كل ذلك اتباعا ووقوعا في هيمنة "أيديولوجيا مضادة" تروج لفكرة "البطل المضاد" التي سادات في الثقافة الغربية في مرحلة ما بعد الحداثة، يأسا من خروج أبطال قيميين وتقليديين يواجهون سيادة الليبرالية الديمقراطية التي اعتقدت أنها "نهاية التاريخ" وذروته!

فشل جديد للعقائد السياسية بعد العقائد والمذاهب الكنسية
ربما جاء الالتفاف حول مشروع الهوامش في الحالة العربية تأثرا بالسياق الغربي في نهاية القرن الماضي، وفي سياق ما يمكن تسميته بـ"الأيديولوجيا المضادة" التي شاعت في الثقافية الغربية تأثرا بفكرة "البطل المضاد"، مع الإشارة إلى أن "مصطلح البطل المضاد هو ملفوظ عرف تطورا من خلال ما لقى من اهتمام الباحثين على اختلاف مناهجهم واتجاهتهم في العصر الحديث"(١)، ذلك العصر الحديث الذي حمل أفكار التفسخ والتحلل والتي ضربت الذات الغربية/ الأوربية شيئا فشيئا خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وما حملته لأوربا والعالم من دمار وخراب، وأكدت على فشل مرحلة الحداثة والعقل الأوربي والعقائد السياسية الجديدة التي اعتقدت أوربا أنها البديل المخلص لها من ظلامية العقائد المذهبية والكنسية في العصور الوسطى.. ليتجه العقل الأوربي في مرحلة ما بعد الحداثة إلى ما يشبه عملية جلد الذات والبحث عن تحقيق النفس في مسارات عدمية وهامشية، يأسا من أنساقه الكبرى التي هزمت ثقافيا لكنها تستند إلى منجز وتراكم حضاري يدراي عجزها، وينتظر النموذج الإنساني والثقافي البديل الذي يأكل عصاه حتى يسقط على الأرض جثة هامدة.

استقبال عربي وغواية نقل السياق
أو نقل الذات العربية إلى السياق العدمي
فهذه الأيديولوجيا المضادة كانت تنتصر لكل ما هو سلبي أو بعيد عن مراكز الظاهرة الأوربية السائدة ومتونها (أو يأسا من هذه المتون بشكل أوضح)، من ثم تأتي فكرة الهوامش والانتصار لها وكأنها تمثل آخر للبطل المضاد في الحضارة الغربية الآفلة، ثم وفي ظل تراجع مشروع الذات العربية في القرن العشرين تم تبني الفكرة ذاتها في العالم العربي بداية من خلال أفكار ما بعد الحداثة والعدمية عموما، ثم مع ظهور مدرسة الدراسات الثقافية في بريطانيا التي يمكن القول إنها حولت فكرة التجاور وإعطاء القيم الفرعية مساواة مع القيم المركزية (مثل جماليات القبح والأشكال غير التقليدية في عمارة ما بعد الحداثة) إلى تمثل واضح، من خلال فلسفة الانتصار للهوامش والتأكيد على اليأس من ظهور المتن العادل أو المتن المخلص او المتن الثوري أو المتن الإصلاحي..

ظواهر عالمية واستنساخها عربيا
مطاريد المتون القديمة دراويشا للهوامش الجديدة
فوجهت تلك النخب اهتمامها للهوامش بكل طاقتهم النفسية وما يمكن تسميته بـ"النضال" الجديد، ومنحوا ذلك أشكالا متعددة من العمل الثقافي، مع النساء ومع المهاجرين ومع الطوائف الأقل دمجا وتسكينا في النظام الاجتماعي الغربي/ الليبرالي عموما، مع الوضع في الاعتبار أن الكثير من مطاريد المتون التاريخية الغربية (الماركسية تحديدا وغير الليبرالية عموما)، أصبحوا من دراويش الهوامش ودعاتها باعتبارها أيديولوجية بديلة.

معايير مضادة لـ"الفرز الطبيعي"
أو "التنخيب الزائف" للطبقة الثقافية العربية
وهكذا تسربت أيديولوجيا الهوامش أو الأيديولوجيا المضادة إلى الحالة العربية، لتستقطب نخبها عبر "التنخيب الزائف" للأفراد الذين هم على أزمة ذاتية (الأشخاص أصحاب الطبيعة الخاصة التي لا تكترث لحالة المجتمع الكلية، وتهتم وتتمحور حول ذاتها أو ظرفها الخاص)، أو الأشخاص الذين هم على على أزمة موضوعية/ انطباعية تجاه الواقع (الذين هم رد فعل أو يعتبرون حالة غياب الجودة/ الكفاءة في المجتمع العربي مبررا لعدم الاهتمام به)، أو الأشخاص الذين هم على أزمة تاريخية مع الذات العربية ومشاريعها الجماعية في القرن العشرين بشكلها القومي (مثل دعاة المتون الماركسية أو المتون السياسية العربية عموما التي لم تتحقق).. أو يمكن اعتبار أن تبني الدراسات الثقافية لمذهب الانتصار للهوامش لم يكن ضمن فلسفة عامة او أيديولوجية كلية، بل كان ضمن نسق "البطل المضاد" و"الأيديولوجية المضادة" عموما، التي ظهرت نتيجة يأس اليسار الأوربي من مواجهة أيديولوجيا المتن الأوربي/ الغربي الرأسمالية المنتصرة بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي إبان نهاية القرن الماضي.

استعادة القيم الكبرى من "الأيديولوجيا المضادة"
والبحث عن متن عربي جديد
من ثم يأتي مفهوم المتون العربية ومشروعه الثقافي في سياق تجاوز المتلازمات الثقافية للمسألة الأوربية، التي من ضمنها مفهوم "البطل المضاد" وفلسفة "الأيديولوجيا المضادة" عموما والدرس الثقافي الغربي/ البريطاني ومذهبه خصوصا، واستعادة فلسفات البطولة والأفكار والأنساق الثقافية الكبرى القادرة على رفد الظاهرة البشرية عموما وليس الذات العربية فقط...

الذات العربية والعالم
وما بعد الأيديولوجيات التقليدية والأيديولوجيات المضادة
وباعتبار الذات العربية فرصة ثقافية بديلة كامنة للظاهرة الإنسانية والبشرية عموما؛ لتجاوز المسألة الأوربية ووهم مركزيتها ونظريتها المطلقة في مرحلة الحداثة و"أيديولوجياتها التقليدية"، أو مرحلة ما بعد الحداثة و"أيديولوجياتها المضادة"، وباعتبار الاحتمالات الممكنة في الظرفية التاريخية الكامنة للذات العربية في القرن الحادي والعشرين العشرين، وطموحها في ثوراتها الجديدة ونسقها القيمي والثقافي الممكن رغم ما تعرضت له من استقطابات مثبطة.. لكنها حاضرة في خلفية النسق الثقافي والطموح العام رغم كل تلك الاستقطابات.




هوامش
١








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!