الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا مهديا بعد كتاب الله ورسوله. ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 3 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وجود هذه الحجج التافهة وإن كان البعض ممن يؤمنون بالمهدي لا يتعاملون بها ولا يضعونها في حساباتهم، لكنهم بالتأكيد لم يحاولوا مرة واحدة التكلم عنها أو نقضها بأعتبارها ليست من أهداف الفكرة المهدوية، وهنا هؤلاء إنما يغطون ويرضون بصمتهم عما يتداول من اشويه وتزيف وأنحراف عقائدي خطير، وكأن الخوف والخشية من الأخر المتحجر على الأفكار الضالة مبرر لهم أو تفسيرا لصمتهم عن إدانة الفكر المنحرف، إذا علينا أن نذهب للحجج الكلية أو الكبرى التي يسوقها هذا الطرف وتعتبر من المشتركات الأساسية في الفكرة المهدوية، وهما حجتين تنضوي تحتهما عشرات المقالات بل وعشرات العناوين الفرعية التي تمس أصلا الوجدان البشري نتيجة خيبته من حصاد الدين في الوجود، وفشل كل الأديان والعقائد في أن تقدم حلا عقلانيا ممكنا وجادا وواقعيا لجعل الإنسان أكثر قدرة للتعامل مع الواقع والوجود بصورة إيجابية، هاتين الحجتين تتركزان على قضية إحياء ما مات من دين الله، والثانية تحقيق العدل المطلق مع تعاظم طاهرة الظلم المطلق، ولكل حجة الكثير من المصادر النصية التي تشير لها وتروج بأعتبارها قضايا محورية في عالم الإنسان.
ما يرد في ثقافة أنصار المهدوية من تعبير عن القضية الأولى أو الحجة الأولى المتعلقة بإحياء الدين، سواء أكان المقصود به دين محمد ص أو مفهوم الدين عموما فهو بشير كما يرد في النص التالي المأخوذ من موقع شبكة المعارف الإسلامية الثقافية وهي من توابع ما تسمى بالعتبة الحسينية بقلم (إحياء الدِّين وبعث الإسلام من جديد وتعميمه على العالَم، لذلك نقرأ في دعاء الندبة "أين محيي معالم الدِّين وأهله"، فالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف سيُحيي هذا الدِّين بعد أن مات في قلوب العباد، أنّ ما هو مذكور في روايات أهل البيت عليهم السلام هو أنّ الإمام يأتي بالإسلام الّذي دُثر وترك، ويكون على يديه إحياؤه وإحياء قيمِهِ بعد محاولة بعض الناس تشويه صورته وإبعاده عن حياة الناس.)، فالهدف الكبير والحجة الأولى تتعلق بموت الدين وأندثاره، وهذا الأمر عظيم جدا ومبارك من قبل الرب ويقبله العقل بشرط نفي أن الله نفسه قد ذكر في محكم الكتاب أن الدين باق ومحفوظ ولا يمكن أن يموت ولا يندثر، مع الإقرار من الله أن المسلمون سوف يختلفون ويتقاتلون ويكفر بعضهم بعضا، ولكن الدين من حيث هو مكنون ومضمون بوجود كتاب الله ووجود "في كل قوم هاد" سوف لن نشهد ما يبشر به هؤلاء الأفاكون، أما أن نؤمن بنص الكتاب أو نؤمن بما في الروايات المؤولة والمحرفة والمفسرة أعتبطا وأتباعا للهوى، فقد ورد أيضا عن رسول الله في حديث طويل نقطع منه المراد المطلوب، ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة).
فقضية إحياء الدين بعد موته مخالف لعقيدة القرآن التي تنص على أن كتاب الله محفوظ وأن المؤمنون موجودون في كل عصر وأوان بين قوة وضعف، لكن لا يمكن أن يموت الدين ولا يتصور له ذلك، فكثرة وجود المؤمنون في زمن ما ليست دلالة على أن الدين قوي ولا قلة عددهم يعني أن الدين يحتضر، ولم يخلو زمان عبر التاريخ من وجود الدين أما بشكله الرسالي حتى في أشد حالات الشرك والكفر يبقى جانب الدين مضيء لا ينطفئ، فكيف مع وعد الله بالحفظ وأن كلمة الإسلام باقية مع بقاء الليل والنهار نجد هناك من يزعم بأن الدين سيمون ويندثر حتى يكون ذلك مبررا وحجة لله أن يخرج لنا مصلحا أقصى ما يمكن أن يحكم بدين الله خمس أو سبع أو تسع سنين ليعود الهرج والمرج والكفر والشرك والإلحاد مرة أخرى، أي عقول مريضة قاصرة تؤمن بهذا المنطق الضلالي على أنه منطق الله وإرادته، متناسين أيضا قول الله في تحصيص وحصر الهداية بعد رسول الله في الكتاب الباق في حفظ الله وأمره، وانه لا شيء يهدي بعد كتاب الله فيه آيات بينات ومنها (إِنَّ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)، وكما قال تعالى :(وما أنـزلنا عليك الكتاب إلا بيانًا للناس فيما اختلفوا فيه هدى ورحمة).
في القضية الأخرى مسألة العدل المطلق وكما روي عن النبي محمد صلی الله عليه وآله وسلم أنّه قال «أبشركم بالمهدي، يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، ويقسم المال صحاحا»، وبالرغم من أن هذا الحلم والمشروع الكوني كان مرادفا للدين ومنهجه الإصلاحي، وعلى أمتداد مساحة العقيدة وتاريخ الأنبياء ومحاولاتهم تجسد العدل المطلق كواقع، نجد أن كل ذلك يذهب بذهاب الرسول والنبي، وحتى فيهم من المؤمنين من يشكك أصلا في عدالة الأنبياء ومنهجهم العدلي، المنطق السيروري الوجودية والطبيعة البشرية التي أختصرها النص القرآني ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً )، فالإنسان ذلك الكائن المكيف والمتشكل في هذه الوضعية الأبدية العصية على الإصلاح النهائي ليتحول إلى كائن مخالفا لطبعه، لا يمكن أن يخضع بشكل أو بأخر للعدل المطلق، فالحتمية التكوينية التي شير إلى عدم أستواء التكوين العادل للبشر ومباشرته للظلم كأحدى إفرزات وجوده، لن يصلحه رجل واحد يأت في زمن محدد بعدد من السنين ليغير نظام الكون، هذه مغالطة عقيدية منها ما متعلق بتشوية قيمة الأنبياء والرسل، ومنها ما متعلق بعدم تحقق السنن الشمولية الوجودية، وكأن هذا الكون مجرد عبث إلهي يسخر من البشر أو حتى يسخر من نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa