الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتون العربية الجديدة بين دوري الثقافة والحضارة

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2023 / 3 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إذا اعتبرنا أن الثقافة هي القوة الناعمة والفكرة الرافعة التي تخلق الزخم النفسي الجماعي لمشروع النهضة والتحديث في جماعة إنسانية ما، وإذا اعتبرنا أن الحضارة هي ذلك التراكم التقني والإنجاز العلمي في كافة المجالات...؛ لوجدنا العديد من النظريات التي تثير التساؤل والجدل حول أولوية كل منهما في القيام بعملية التحديث والنهضة في الجماعات البشرية، البعض يقول بإن الحضارة الرفيعة والمتقدمة والمتحققة تخلق الثقافة الرفيعة وتضبط القوة الناعمة، والبعض يقول بأولوية وجود فكرة ثقافية أو مفصلية ثقافية تعمل كمحطة انطلاق أو مفصل ناعم لبناء تراكم حضاري.
وعلّ هذا الموضوع جدير بالبحث ونحن في لحظة تاريخية شديدة التدافع بين الجماعات الإنسانية وتمثلاتها في نهايات الربع الأول من القرن العشرين، حيث تبحث الذات العربية عن متن جديد حامل لها في ظل تنافس وتدافع مع المتون الإقليمية التقليدية، وفي ظل تنافس وتدافع داخلي بين المتون التاريخية العربية ومراكزها القديمة وبين صعود متون جديدة ومراكز ناشئة بقوة، وفي الوقت رنفسه في ظل استقطاب عالمي بين المتن الغربي الرئيسي ومشروع الليبرالية الديمقراطية وبين صعود متون شرقية جديدة تتمثل في مشروع "الأوراسية الجديدة" الروسي، ومشروع "الحزام والطريق" الصيني.
وفي هذا التدافع وبعد عدة قراءات يمكن الانتصار لوجهة النظر التي تقول بأهمية وجود "مفصلية ثقافية" رافعة لدى الجماعة الإنسانية تعمل كمحفز لها لبناء التراكم الحضاري والتحديث العام، وبالأخص في سبيل بناء بناء متن عربي جديد واستعادته؛ وهي رؤية ترى في أسبقية وجود الدافع الثقافي الذي يؤدي لقيام عملية تحديث وبناء تراكم حضاري جديد، أي أن بناء المتون الحاملة للجماعات البشرية والجماعة العربية تحديدا، يجب أن يقوم على وجود نسق قيمي/ ثقافي جديد ورافع، يؤدي إلى وجود الدافع النفسي/ الروحي/ الناعم لبناء الحضارة الخشنة والمادية والتقنية ومتطلباتها، وفي الوقت نفسه الدفاع عن ثوابت "مستودع الهوية" التاريخي الحامل لهذا المتن.
ومن وجهة نظر تتجاوز الاستقطابات الكثيرة التي جرت في العقد الماضي، نرى أن شرط أسبقية الثقافة للحضارة في الحالة العربية تحقق في القرن الحادي والعشرين ولحظته التاريخية الراهنة... وهو ما تمثل في روح الثورات العربية الجديدة – رغم أنه تم تفكيكها مرحليا عبر تفجير التناقضات وتوظيف اليمين واليسار العربيين.
حيث قدمت تلك الثورات مفصلية ثقافية كامنة رافعة تعتمد على تجاوز النسقين القيميين لليمين واليسار ودولة ما بعد الاستقلال إرث القرن العشرين (وهو ما نجد رمزيته في شعار الثورة اللبنانية "كلن يعني كلن")، وهذه المفصلية الثقافية الكامنة حققت شرط وجود الدافع الثقافي القادر على بناء دافع نفسي جماعي للقيام بعملية التحديث وبناء الحضارة وتراكمها.
لكنها تنتظر الشرط الموضوعي بالتصالح المجتمعي العام مع مشروع الثورات العربية واعتبارها اضافة للأمن القومي العربي ورافدا للذات العربية واستعادة متونها، والتوقف عن توظيف التناقضات السياسية لتفكيكها كما حدث بشكل أساسي مع اليمين العربي وفرق الدين السياسي، ومع اليسار العربي بدرجة أقل أو على قدر الحاجة لوجوده.
بصياغة أخرى يمكن القول: "بأسبقية ظهور "مفصلية ثقافية" لحدوث أي "تراكم حضاري" مادي وخشن وملموس، كما في الحالة العربية الراهنة في نهايات الربع الأول من القرن الحادي والعشرين. وفي هذا السياق أيضا يمكن تقديم فرضية أكثر تعبيرا عن الراهن الإنساني من فرضية "الدورات الحضارية" عند أرنولد توينبي، وربما أبرزتها الظرفية المعاصرة وتدافعاتها.. تقول هذه الفرضية بوجود "دورات ثورية" يكون لكل منها "مفصلية ثقافة" تعمل كرافعة لإنتاج "تراكم حضاري جديد، بما يخلق صراعا بين المفصليات الثقافية الخاصة بانتقال "الدورة الثورية" لجماعة بشرية جديدة، كما تحاول المفصلية الثقافية الأوربية بتمثلاتها الحضارية الخشنة والثقافية الناعمة، أن تفكك "المفصلية الثقافية" العربية الثورية وتأخر عملها كرافعة تنتج "تراكما حضاريا" جديدا، كي لا تنتقل لها "الدورة الثورية"."(1)


هوامش:
1- حاتم الجوهري، ما بعد المسألة الأوربية: كورونا كـ"مفصلية ثقافية" للذات العربية، مجلة الثقافة العربية التابعة لمنظة الألكسو، العدد 66، سنة 2020م، ص 189 بتصرف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان