الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مندائيو إيران والعراق خلال المئة سنة الاخيرة

سنان نافل والي

2023 / 3 / 24
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لم يختلف كثيرا وضع المندائيين خلال المئة سنة الأخيرة ، سواء في العراق أو في إيران عن تلك الظروف التي عاشوها من قبل خلال الألفين سنة الماضية والتي كان العنوان الأبرز لها هو التهديد الوجودي والاضطهادات العنيفة التي واجهتها المندائية طوال تأريخها الطويل في المنطقة . ففي إيران ، مازال الدستور الإيراني يرفض الاعتراف بهم كديانة رسمية معترف بها وبحقوقها الدينية والتشريعية حتى يومنا هذا حيث تذكر المادة 13 من الدستور - القسم الأول ، أن الأقليات الدينية المعترف بها في الجمهورية الإسلامية هي : الزرادشتية واليهودية والمسيحية (1)، وبناءً على هذا الاعتراف يمكن لأصحاب هذه الديانات التمتع بحرية كبيرة في ممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية بحرية وكذلك ممارسة حقهم في التعليم الديني وأيضا فيما يتعلق بالميراث والأمور الأخرى حسب ما تنص عليها شرائعهم الدينية . أما المندائية والبهائية والإيزيدية وأهل الحق، فهم أقليات دينية غير معترف بها في إيران وبالتالي هم لا يملكون تلك الحقوق التي تملكها باقي الأقليات الدينية هناك (2) إن عدم الاعتراف الرسمي بالديانة المندائية في إيران قد ترتب عليه العديد من المضايقات والتضييق والتهميش بحق المندائيين، ليس فقط بما يتعلق بممارسة طقوسهم ومراسيمهم الدينية فحسب إنما وصل الأمر الى عدم قدرتهم حتى على تسمية أبنائهم بأسماء مندائية ، مستمدة من دينهم ولغتهم الخاصة بل يجبرون على أن يختاروا في شهادة الميلاد اسما من قوائم الأسماء المخصصة للطوائف الدينية المعترف بها فقط ( الزرادشتية ، اليهودية والمسيحية ) (3) إضافة الى ذلك ، فإنه لا يسمح لهم بأي شكل من الأشكال اكمال التعليم الجامعي إلا إذا اختاروا إحدى الديانات الثلاث المعترف بها في استمارة القبول إضافة إلى الديانة الإسلامية ، وكذلك يمنع دخولهم إلى دور التعليم العالية ليكونوا معلمين ، كذلك يمنعون من تولي أي مناصب في مؤسسات الدولة وكذلك بالطبع غياب أي تمثيل سياسي لهم ، سواء في البرلمان أو في الحكومة (4) وغيرها من الأمور التي تشير الى إنكار تام للهوية المندائية على المستوى الديني أو حتى الاجتماعي . إضافة الى ذلك فإن قطاعا واسعا من الإيرانيين ( كما أشارت الى ذلك دائرة الهجرة الكندية في تقريرها الصادر في 11 مارس عام 2004 ) ينظرون الى المندائيين باعتبارهم " كفارا " وبالتالي فإن ممارسة العنف بأشكاله المختلفة ضدهم ، يعتبر شكلا مبررا من أشكال التطهير الديني وعلى هذا الأساس ، ليس مستغربا بالمرة على سبيل المثال أن يجبر الأطفال المندائيون في المدارس على حفظ القران وأداء الامتحان النهائي به كمادة اجباريـة ضمن المواد التي يدرسونهـا لغرض النجاح والعبور الى المراحل الدراسية الأخرى . (5) ساعدت هذه الأوضاع من التمييز والتهميش وعدم المساواة بين المندائيين الإيرانيين وبين باقي شرائح المجتمع الإيراني ، إضافة الى ظروف الحرب الطويلة بين العراق وإيران (1980-1988) وانعكاساتها الاقتصادية والسياسية على المندائيين في كلا البلدين، على هجرة العديد منهم الى مختلف دول العالم في أوروبا وأستراليا وكذلك الولايات المتحدة الأميركية التي استقطبت العديد من المندائيين الإيرانيين وذلك من خلال التعديل على قانون" لوتينبيرغ "الذي أقره الكونغرس الأميركي سنة عام 1990 والذي كان موجها بالأساس نحو الأقليات الدينية المضطهدة في الإتحاد السوفيتي السابق ولكنه شمل في عام 2004 الأقليات الدينية المضطهدة في إيران أيضا وكان معدل وصول المندائيين الى أمريكا بنحو 100 فرد خلال السنة ولكن هذا العدد تراجع بنسبة كبيرة عند وصول الرئيس" دونالد ترامب " الى البيت الأبيض ليصل الى ثلاثة مندائيين فقط في عام 2018 (6) بالنسبة للعدد الإجمالي للمندائيين في إيران وحسب تقرير نشره مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين عام 2004 ، فإن العدد الإجمالي لهم يتراوح بين 5000 و 10000 مندائي ، بعد إن كانوا بحدود الـ 20000 ألف مندائي .(7) والذين مازالوا حتى يومنا هذا يعيشون في أوضاع لا تختلف كثيرا عما كانوا يعيشونه أيام الدولة المشعشعية أو الدولة القاجارية في إيران .
أما في العراق ، فإن ظروف المندائيون كانت أفضل حالا مقارنة بنظرائهم في إيران على الرغم من التضحيات التي قدمها العديد من الشهداء المندائيين في العراق بسبب إيمانهم وانضمامهم الى الحركات الوطنية التحررية وقمع السلطة لهم وللآخرين من أبناء الشعب العراقي في هذا المجال ، إلا أن ذلك لا ينفي الجو العام من هامش الحرية النسبية التي حصلوا عليها قبل مجيء نظام البعث الى السلطة وبعده أيضا (8) حيث برز العديد منهم في مجال التعليم والصحة والقضاء وبرزت منهم أسماء كبيرة في المجال العلمي والأدبي ، استطاعت أن تترك بصمة واضحة ومميزة في حياة وثقافة المجتمع العراقي ومنهم على سبيل المثال العالم " عبد الجبار عبد الله " والشاعر " عبد الرزاق عبد الواحد " وآخرين ممن تبوأوا مناصب علمية وأكاديمية مرموقة ، فكان منهم الطبيب والمحامي وأستاذ الجامعة . إضافة الى قدرتهم في منتصف التسعينيات على إنشاء مجالس إدارية ودينية داخل الطائفة نفسها لتنظيم وإدارة أمورهم الدينية والمدنية وكذلك إصدارهم مطبوعات مختلفة من مجلات وأيضا صحيفة تلقي الضوء على مجتمعهم وديانتهم وثقافتهم الخاصة كأقلية دينية ذات أصول تأريخية عراقية ضاربة في القدم . مع بداية الحرب العراقية الإيرانية في بداية الثمانينيات، بدأت الأمور تتغير تدريجيا ، ليس فقط للمندائيين كأقلية دينية بل لعموم الشعب العراقي فابتدأت الهجرة حينها على شكل عوائل متفرقة هنا وهناك الى دول أوروبا وأمريكا حيث شكلت تلك الهجرة أولى الموجات التي وصل بعض منها الى السويد وألمانيا وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية . أما بعد سقوط النظام العراقي في 2003 ودخول القوات الأمريكية واحتلالها العراق فقد تغيرت الأمور بسرعة شديدة وبطريقة دراماتيكية وخصوصا بالنسبة للأقليات الدينية ومنها المندائية التي عانت الأمرين على أيدي الجماعات الدينية المتطرفة حيث تعرض أبناؤها للقتل والخطف والتعذيب والاغتصاب ومصادرة الممتلكات والختان القسري وتدمير المعابد الدينية كما يشير الى ذلك التقرير الصادر عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في أكتوبر عام 2005 . إضافة الى إجبارهم وبالقوة على تغيير دينهم واعتناق الديانة الإسلامية . وتشير تقارير دولية الى أن ما يقارب ال 2300 عائلة مندائية (بحدود 11000 مندائي) قد فروا من العراق بين عامي 2003 و2006 ، أما بحلول عام 2007 فقد انخفض عدد المندائيين في العراق الى 10000 مندائي ، بعد أن كان العدد حتى عام 2003 بحدود ال 50000 مندائي . (9) وفي مدينة الفلوجة وبعد سقوط النظام العراقي ، تمت مداهمة منازل 35 عائلة مندائية (بحدود 160-175 مندائيا) والذين عاشوا هناك لمئات السنين واقتيدوا الى الساحات العامة وأجبروا على اعتناق الدين الإسلامي وختان الذكور منهم وأجبرت الفتيات على الزواج من مسلمين أما الذين رفضوا الانصياع لهذا الأمر فقد تم ذبحهم علانية باعتبارهم كفارا (10) وبحسب التقرير الذي نشرته منظمة حقوق الإنسان المندائية لعام 2015 فإن عدد المندائيين المتبقي في العراق اليوم ، لا يتجاوز ال 6000 مندائي، أي أن نسبة الذين هاجروا من العراق بعد 2003، بلغت 90% (11). وفي عام 2011 نشرت أيضا منظمة حقوق الإنسان المندائية تقريرا مفصلا عن عدد حالات القتل والاختطاف والاغتصاب التي تعرض لها المندائيون بعد عام 2003 حيث جاء فيه :
1- حالات القتل : 159 قتيل .
2- حالات الخطف : 430 حالة خطف .
3- حالات الاغتصاب : 11 حالة اغتصاب .
4- حالات الاعتداء : 238 حالة اعتداء . (12)
أما أكثر الدول التي استقطبت المهاجرين المندائيين بعد 2003، فهي السويد في المرتبة الأولى وبواقع أكثر من 10000 مندائي وكذلك أستراليا بحدود 9000 الى 10000 مندائي إضافة الى بعض الدول الأخرى في أوروبا مثل المانيا - بريطانيا - فرنسا وكذلك أمريكا وكندا .
اليوم وفي ظل الظروف الجديدة التي يعيشها المندائيون في دول المهجر فإن تحديات جديدة باتت تطرق أبوابهم من جديد حيث لم يعد هناك اضطهاد ديني أو اجتماعي يمارس ضدهم الان في الدول الغربية بل على العكس تماما ، فالحرية الكبيرة التي يتمتعون بها كمواطنين من الدرجة الأولى في تلك المجتمعات وتمتعهم بكامل الحقوق والمكتسبات وبأجواء الحرية في ممارسة العقيدة والتعبير عنها للآخر ، كل ذلك جعلهم في تحد جديد من نوعه لم يألفوه من قبل وهو احتمالية الذوبان الكامل في تلك المجتمعات التي لا تضع خطوطا حمراء في ضم الآخرين إليها ، اجتماعيا وفكريا وبالطبع دينيا أيضا . لم تعد سياسة الجدار العازل هي الحل في ظل هذه الظروف والأوضاع الجديدة ولم يعد من الممكن التقوقع والاختباء خلف الستار الحديدي لمنع التأثيرات المتبادلة بينهم وبين الآخر في المجتمع إنما يكمن التحدي الان في قدرتهم على التكيف مع هذا الانفتاح الفكري والديني الواسع والكبير وبنفس الوقت ، الحفاظ على خصوصية الهوية وعدم الانزلاق في مجتمعات تتيح فيها للأفكار المختلفة أن تجد لها طريقا للنمو والحياة .


المصادر والهوامش
)1 ( تشكل الأقليات الدينية نسبة 1% فقط من مجموع السكان العام في إيران .
( 2 ) vorgelegt von:
Die Mandäer Irans
Kulturelle und religiöse Identität einer Minderheit
(36) vorgelegt von:
Die Mandäer Irans
Kulturelle und religiöse Identität einer Minderheit
(3) ملهم الملائكة : المندائيون في إيران من الإبادة الى تغييب الهوية . مقالة " موقع العرب الإلكتروني " .
(4) كريم شفيق : المندائيون : القوم المنسيون في ايران . مقالة " موقع: حفريات "

ــ (5)
Iran : mise à jour de IRN19941.E du 27 février 1995 et de IRN27724.E du 26 août 1997 sur la situation des mandéens, y compris le traitement que leur réservent le gouvernement et les autorités chargées de l application des lois, et les mentions d enlèvements et de conversions forcées à l islam d enfants mandéens
(6) Robyn Ross : Against the Current . February 17, 2020
( 7 ) Mehrdad Arabestani : The Mandaean identity chanllange. From religious symbolism to secular policies . P: 3
(8) تم الاعتراف بأعياد المندائيين عام 1936 في حكومة حكمت سليمان وألغت هذا الاعتراف الحكومة التي جاءت بعدها . ثم أعيد الاعتراف بها بعد ثورة تموز 1958 وبعد ثورة 17-30 تموز 1968 ، أعترف بالطائفة كطائفة لها كيانها الخاص وحقوقها كما أعترف بأعيادها الوطنية . الليدي دراور : الصابئة المندائيون في العراق وإيران . 107
(9)Shak Hanish, Ph.D. National University :
Christians, Yazidis, and Mandaeans in Iraq: A Survival Issue
(10) Shak Hanish, Ph.D. National University :
Christians, Yazidis, and Mandaeans in Iraq: A Survival Issue
( 11) Mandaean Human Rights Group The Mandaean Associations -union-
19 Ketch Rd. Morristown, NJ 07960 ,USA http://www.mandaean-union-.com/mhrg
Submission on behalf of the Mandaean Human Rights Group to the Human Rights Committee’s Periodic Review of Iraq in October 2015
(12) EXECUTIVE SUMMARY AND LEGAL DOCUMENTS
The Mnadaean Human Rights Group 201








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو