الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقارنة ألأديان - قصة ولادة المسيح

كامل علي

2023 / 3 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نتابع في هذه المقالة سلسلة مقالات مقارنة ألأديان، وسنقارن بين القصة التي وردت في سورة مريم من ألقرءان مع القصة التي وردت في إحدى الأناجيل المنحولة " إنجيل متى المنحول " حول معجزة أكل مريم ألتمر من ألنخلة، وسنتعرف على إحدى مصادر ألقرءان.
جاء في سورة مريم ألآيات 22 - 26 مايلي:
" فَحَمَلَتۡهُ فَٱنتَبَذَتۡ بِهِۦ مَكَانٗا قَصِيّٗا (22) فَأَجَآءَهَا ٱلۡمَخَاضُ إِلَىٰ جِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ قَالَتۡ يَٰلَيۡتَنِي مِتُّ قَبۡلَ هَٰذَا وَكُنتُ نَسۡيٗا مَّنسِيّٗا (23) فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا (24) وَهُزِّيٓ إِلَيۡكِ بِجِذۡعِ ٱلنَّخۡلَةِ تُسَٰقِطۡ عَلَيۡكِ رُطَبٗا جَنِيّٗا (25) فَكُلِي وَٱشۡرَبِي وَقَرِّي عَيۡنٗاۖ فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ ٱلۡبَشَرِ أَحَدٗا فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا فَلَنۡ أُكَلِّمَ ٱلۡيَوۡمَ إِنسِيّٗا (26)"
حول ماورد في الآيات 22 – 26 من سورة مريم يتبادر على العقل تساؤلين، ألأول: كيف أستطاعت مريم من هز جذع ألنخلة؟ كما هو معروف لا يتمكن الإنسان من هز الجذع لكي يتساقط الرطب. هل حصل ألأمر بمعجزة إلهية؟
ألتساؤل ألثاني: نعلم بأنّ رطب شجرة النخيل تحين قطافها في فصل ألصيف أي أنّ ولادة ألمسيح حدثت في فصل ألصيف حسب ألقرءان بينما يحتفل المسيحيون بولادته في بدااية السنة الميلادية أي في فصل ألشتاء. هل هذا ألأختلاف ناتج عن ألإختلاف بين التقويم ألشمسي (الميلادي) والتقويم القمري؟ أم أنّ هنالك تفسير آخر لهذا ألإختلاف في تاريخ الميلاد.
للإجابة على هذه ألتساؤلات ولأجل ألمقارنة بين ما ورد في ألقرءان مع ما ورد في إحدى ألأناجيل ألمنحولة " إنجيل متى المنحول " سنتطرق إلى كلتا الروايتين.

إنجيل متى المنحول:
لم يذكر في إنجيل متى المنحول ألتفاصيل المذكورة في ألآيات (22- 26) من سورة مريم حول قصة ولادة المسيح ولكن حادثة جذع النخلة وأكل مريم من الرطب وشربها الماء تمت حسب إنجيل متى المنحول أثناء هروب مريم مع يوسف النجار إلى مصر وليس أثناء ولادة ألمسيح كما تم ذكره في ألقرءان، وهذا يفسر سبب الإختلاف في تاريخ ميلاد المسيح أي أنّ حادثة أكل ألتمر حدثت أثناء الهروب إلى مصر أي في فصل الصيف وليس أثناء ولادة ألمسيح.
وإليكم تفاصيل ألحدث كما ورد في إنجيل متى المنحول:
أثناء سفرة الهروب إلى مصر ترى مريم شجرة نخيل وتحب أن تستريح تحتها، وعندما تتكيء في ظلها ترفع عينيها وترى ثمرها، فتقول ليوسف إنّها تشتهي لو تذوق من رطبها. يوسف يتذرع بإرتفاع ألشجرة ويقول إنّ ما يُشغل باله حقا هو قلة ألماء لديهم. يسوع الجالس في حضن أمه يأمر ألشجرة أن تدني رطبها من أمه، فتنحني ألشجرة حتى تصل أقدام مريم فتقطف منها وتأكل، ثم يأمر يسوع النخلة أن ترتفع فتفعل ذلك.
وبعد ذلك يأمرها أن تفتح مجرى للماء المخزون عند جذورها، فيتدفق من تحتها نبع صاف يشربون منه ويسقون حيواناتهم. يسوع يعد ألنخلة بأن يزرع أحد أغصانها في ألجنة، وملاك يهبط من ألسماء فيأخذ ألغصن ويطير به.

ألملاحظات وألإستنتاجات:
1- تفاصيل الحادثة المذكورة في إنجيل "متى المنحول" لم يتم ذكرها في ألأناجيل ألرسمية ( إنجيل متى، إنجيل مرقس، إنجيل لوقا وإنجيل يوحنا ).
2- أقتبس مؤلف ألقرءان ألقصة من إنجيل متى المنحول مع بعض ألتعديلات منها:
2.1- في ألقرءان القصة حدثت أثناء ولادة ألمسيح بينما في إنجيل متى المنحول حدثت أثناء ألسفر إلى مصر وبعد ولادة ألمسيح في ألمغارة في بيت لحم الذي وصله العائلة من أجل ألإحصاء.
3- في القصة القرءانية تهز مريم جذع النخلة وهذا غير منطقي بدون ذكر أية معجزة، بينما تم حل هذا ألإشكال بمعجزة ألمسيح.
4 - في القصة القرءانية لا توجد معجزة شرب الماء من جذور ألشجرة " وبعد ذلك يأمرها أن تفتح مجرى للماء المخزون عند جذورها، فيتدفق من تحتها نبع صاف يشربون منه ويسقون حيواناتهم".
في ألآ ية 24 من سورة مريم " فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا " اختلف المفسرون في المراد بكلمة (من تحتها) من هو ؟ فقال العوفي وغيره ، عن ابن عباس : فناداها من تحتها ) جبريل ، ولم يتكلم عيسى حتى أتت به قومها ، وكذا قال سعيد بن جبير ، والضحاك ، وعمرو بن ميمون ، والسدي ، وقتادة : إنه الملك جبريل عليه
الصلاة والسلام ، أي : ناداها من أسفل الوادي .
وقال مجاهد : فناداها من تحتها ، قال : عيسى ابن مريم ، وكذا قال عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة قال : قال الحسن : هو ابنها . وهو إحدى الروايتين عن سعيد بن جبير :
أنه ابنها.
كما أختلفوا في تفسير كلمة ( سريا ) ا ففي تفسير أبن كثير ورد مايلي:
" عن البراء بن عازب ( قد جعل ربك تحتك سريا ) قال : الجدول . وكذا قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : السري : النهر . وبه قال عمرو بن ميمون : نهر تشرب منه .
وقال مجاهد : هو النهر بالسريانية . وقال آخرون : المراد بالسري : عيسى ، عليه السلام ، وبه قال الحسن ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن عباد بن جعفر.
صدر في العام 2000 م كتاب للمستشرق الالماني (كريستوف لوكسنبرغ) يعرض فيه قراءة جديدة للمقاطع الغامضة الواردة في القرآن بعنوان " قراءة أرامية وسريانية - مساهمة في تفسير لغة القرآن " (دار الكتاب العربي - برلين 2000). يذكر (كريستوف لوكسنبرغ) ما يلي حول ألآية 24 من سورة مريم " فَنَادَىٰهَا مِن تَحۡتِهَآ أَلَّا تَحۡزَنِي قَدۡ جَعَلَ رَبُّكِ تَحۡتَكِ سَرِيّٗا " :
"وتمهيدا لقراءة الرسم القرآني (تحتها وتحتك) بمعنى البطن (أي الجنين) المنسوب إلى النبطية بحسب السيوطي نقلا عن أبي القاسم والكرماني ، ينفي لوكسنبرغ هذا المفهوم ، إلّا أنّه يرى له علاقة بالمقصود به إذا قرأنا بدلا من (تحتك) نحتك بلفظ نحاتك بمعنى وضعك أو توليدك بألسريانية.
ثم يردف لوكسنبرغ في شرحه لما أتهمت به مريم بأنّه لا يعقل أن يكون أول كلام وجهه إليها أبنها حال ولادته للتخفيف عن يأسها عبارة عن (جدول ماء) جعله ربها (تحتها). إنما المنتظر أن يكون في كلامه لها عزاء يناقض إتهامها بألحرام لإزالة هذا العار عنها.
ولما كان نقيض أبن ألحرام ( وفقا للكلام الذي مازال دارجا ) أبن الحلال ، يثبت لوكسنبرغ بالمراجع السريانية بأنّ الرسم القرآني (سريا) يلفظ سريانيا (شريا) من فعل شرا (أي حلّ) وتعني ألحلال. وعليه وجب قراءة ألآية كما يلي :
(( فناداها من نحاتها ألا تحزني قد جعل ربك نحاتك شريا )).
كما وجب فهمها وفقا للعربية ألمعاصرة كالتالي :
((( فناداها حال وضعها ألا تحزني قد جعل ربك وضعك حلالا )))".
5- لا توجد في ألقصة ألقرءانية وعد المسيح للنخلة بأن يزرع أحد أغصانها في ألجنة، وحكاية الملاك الذي يهبط من ألسماء فيأخذ ألغصن ويطير به.
6 – تعتبر ألأناجيل ألمنحولة إحدى مصادر ألقرآن إضافة للتوراة والتلمود وألأناجيل ألرسمية ألأربعة والزرادشتية وألعادات ألوثنية لعرب ألجزيرة ألعربية.

ألخلاصة:
في مطلع القرن السابع للميلاد، عند ظهور ألإسلام، كان العالم المسيحي غارقا في الأناجيل المنحولة، ولم تكن الكنيسة المركزية قد أفلحت تماما في تنميط المعتقد المسيحي والقضاء على ما اسمته بالهرطقات التي كانت تحمل أفكارا ورؤى لا تنسجم مع قرارات المجامع المسكونية المتتالية منذ مجمع نيقية عام 325.، أي أنّ ألقرءان قد أُنزل ( تم تأليفه) في مناخ ثقافي مشحون بالجدال بين المسيحيين واليهود من جهة، وبين المسيحية والوثنية من جهة ثانية، وبين الفرق المسيحية المتناحرة من جهة ثالثة. وقد أدلى ألقرءان بدلوه في خضم هذا الجدل السائد، وقدم روايته الخاصة ومنظوره ألأيديولوجي الخاص فيما يتعلق بطبيعة يسوع وميلاده وحياته وأقواله وتعاليمه.

نلتقيكم في مدارات تنويرية أخرى.

ألمصادر:
- ألإنجيل برواية ألقرءان.... فراس ألسواح
- تفسير الطبري للقرءان
- تفسير أبن كثير للقرءان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليل جيد
على سالم ( 2023 / 3 / 25 - 15:52 )
شكرا للسيد الكاتب الكريم وتحليله لهذه الايات المخربطه سواء فى القرأن او الاناجيل الغامضه , الحقيقه تتكشف قليلا قليلا , مازال القوم يغطوا فى نوم عميق ودجل متواصل وايمان اعمى

اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب