الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كانطيات : كانط ومحكمة العقل (1)

محمد بقوح

2023 / 3 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



1- النص الفلسفي بالنسبة لكانط، بمثابة فضاء المحكمة، تضم موقع القاضي الذي هو كانط نفسه كفيلسوف حامل لمطرقة الاحكام، والمتهم هنا هو العقل الفلسفي، الممثل في تاريخ الفلسفة و الفيلسوف، بنوعيه الدوغمائي و التجريبي. أما الضحية التي يزعم كانط انه يجب إنصافها أخلاقيا، بعيدا عن غرور العقل الفلسفي السائد، فترتبط بالعقل البشري، كمادة خام، وموضوع للتفكير الفلسفي.
2- في نقده العملي للعقل، كطبيعة تفكر تلقائيا، انتصر كانط للعقل البشري، بعد تشريحه من الداخل، والكشف عن آليات اشتغاله الأساسية، ضمنها آلية الاستعداد القبلي، وذلك ضدا على العقل الفلسفي المهيمن، كتاريخ للفيلسوف المنظر والمتأمل في ظاهرة العقل، وأيضا كذات بشرية معنية بالبحث عن حقيقة سؤال العقل، الذي وجد نفسه بالضرورة يحكم ويفكر بشكل دائم.
3- التفلسف أهم و أرقى من الفلسفة. لهذا، يفضل كانط تعلم الأول مقارنة مع الثانية، باعتبار أن التفلسف يحرر الإنسان، ويقرب صاحبه من سؤال الفلسفة، أكثر مما تفعله الفلسفة نفسها.
هكذا إذن، وبسبب رؤيته الفلسفية القاعدية، تميزت كتابات كانط بأربع مواصفات أساسية، تجمع بين النظري والعملي، وترتبط كل واحدة منها بمبحث فلسفي معين، نذكرها على الشكل التالي:
أ- خاصية العمق، مرتبطة بمبحث الحق
ب- خاصية الامتداد، مرتبطة بمبحث الانفتاح والتحديث
ج- خاصية الأصالة، مرتبطة بمبحث الواجب و الأخلاق
ه- خاصية الدقة، مرتبطة بمبحث العدل.
4- التفلسف الكانطي جوهر مجرد، عكس الجوهر السبينوزي، يبحث عن وهم المطلق داخل جاذبية الحدود، التي فرضها كانط كفيلسوف متعال و أخلاقي، على العقل البشري. يكون كانط هنا بذلك قد قام باغتيال العقل، كقدرة ممكنة منفتحة، لا نهائية، وطبيعة إنسانية هائلة، تحتاج بالضرورة إلى عنصر الحرية لتفكر، خارج إطار حدود وصاية رقابة المؤسسة، سواء بمعناها اللاهوتي او السياسي او الاجتماعي والثقافي. مهما قيل، عن قيمة كانط الفلسفية كمفكر تنويري وحداثي، يظل متنه الفلسفي المفارق، عملا فلسفيا صارما، يؤسس لسلطة التقليد ضد جرأة الابداع الحر، على الأقل في نظرنا، مطمئنا مهادنا، بل مصالحا إلى حد التماهي، مع روح التصور الفلسفي الأفلاطوني السائد، هو الذي جعل مدينته - أي كانط - كفضاء مكاني مغلق (كوينسبيرغ)، حيث عاش زمنه التاريخي الطويل (1724-1804)، شبيهة إلى حد بعيد بمدينته الفاضلة، يعني فلسفته المحضة، داخل أسوار العقل الباردة..
5- إن سوء الفهم عند الفلاسفة، سواء القدامى منهم كأفلاطون، أو المحدثين كديكارت وهيوم مثلا، هو الذي فرض عليهم، وفق كانط، أن يؤسسوا مغالطة نظرية فلسفية: ميتافيزيقا لاهوتية أو دوغمائية مفارقة للعيان الحسي، ومجانبة للصواب الأخلاقي والعملي، أي للواقع البشري، كوضع عام يجب أن يكون فيه الإنسان أسعد الكائنات الحية. لكن، سوء فهم.. ماذا ؟ هنا، يتدخل كانط بإعادة طرح نفس الإشكال الفلسفي المنهجي القديم، الذي سبق أن طرحه الفلاسفة ذاتهم، والذين انتقدهم صاحبنا في فلسفته، لكن، فعل ذلك من منظور مختلف، يسميه كانط، بمنظور الاستعمال المحض للعقل. أي، توجيه عمل العقل، بطريقة تجعله يشتغل ذاتيا انطلاقا من طاقته وقدراته القبلية، تلك الوجهة الخالصة التي يعتبرها كانط فعالة، وجذابة، وسليمة، وذات قيمة علمية ومصداقية أخلاقية عالية، من حيث التفكير في أمور المعرفة والميتافيزيقا.
6- لقد تفلسف كانط بتحفظ كبير، أضفى على فلسفته نوعا من التردد واللبس. نعني غموض موقفه الفلسفي من مسألة السلطة. يجوز لنا النظر إلى الرجل كقس في معطف فيلسوف، لأنه كان منشغلا أكثر بمشروعه الفلسفي، ذي المرجعية التنويرية المرتبطة بطبيعة عصره (القرن 18)، لكنه، في مسار حياته، عرف كشخص متدين. رغم أن هذا الجانب لا يبرر موقفه ذاك. إن إقتناعه الكبير بدور العلم والعقل، في تقدم المعارف وحياة الشعوب وتطور المجتمعات، لم يكن يشك فيه اثنان. كانت جميع كتبه تنطق بذلك. لهذا، تميزت الكانطية، كفلسفة عميقة، تعمل العقل والحرية، داخل أسوار الذهن الخالص وحدود الضرورة، بخضوعها الفكري في عمقها لسلطة الرقابة، سواء بمعناها السياسي أو اللاهوتي. و أوصح دليل على ما نذهب إليه، إهداءه كتابه التحفة (نقد العقل المحض) كخادم مطيع، إلى معالي وزير الدولة الملكي الألماني تسد ليتس البارون. في الواقع، كان كانط يجسد بفلسفته، عكس الطرح الفلسفي لصاحب مطرقة الفلسفة، نيتشه، الذي وصف الأول بقاضي المحكمة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو