الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كسوف الشمس في 27 يناير 632: في تاريخ القرآن وفي حياة محمد -1-

جدو جبريل
كاتب مهتم بالتاريخ المبكر الإسلامي والمنظومة الفكرية والمعرفية الإسلامية

(Jadou Jibril)

2023 / 3 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من المعلوم أننا تعرفنا على حياة النبي محمد من خلال النص القرآني والقصص المختلفة التي نقلها الموروث والسردية الإسلاميان. لكن لم نتوصل بشيء للتصديق على وجه اليقين على صحة هذه الأحداث ودقتها وتاريخها الدقيق. فالقرآن ، من جانبه ، يمنحنا القليل من التفاصيل عن الأحداث ، تاركًا الأبواب مفتوحة على مصراعيها للمفسرين والمؤرخين المسلمين لعرض أكثر التكهنات الجامحة حول كل أو كل الحقائق المتعلقة بحياة النبي.

وقد يمكن للتقدم في الحسابات الفلكية أن تتيح لنا اليوم ، المزيد من الإضاءات بخصوص حدث تم إبلاغنا عنه بغزارة من طرف السردية والموروث الإسلاميين ، إنه "كسوف الشمس في زمن النبي محمد". ارتبطت جملة من الأحداث المهمة في حياة النبي محمد بهذه الظاهرة الكونية. ومن شأن تحديد تاريخ هذه الظاهرة الكونية أن تفيدنا بخصوص تاريخ " نزول" بعض سور القرآن مثلا بشكل أفضل وأكثر دقة.

لكن...
ماذا تقول أدبيات السردية والموروث الإسلاميين عن هذه الظاهرة الطبيعية؟

إن كسوف الشمس أو خسوف القمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده؛ جاء في الحديث ابن عمر وحديث ابن مسعود عن النبي: ” إنَّ الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكنهما آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فصلوا” ( صحيح البخاري). وقال الحافظ ابن حجر : هما علامتان، من آيات الله الدالة على وحدانية الله، وعظيم قدرته، أو على تخويف العباد من بأس الله وسطوته. وهذا ما أكده حديث :” إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد، ولكن الله تعالى يُخوِّف بهما عباده”. فإن الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه، وعصوا رسله، وإنما يخاف الناس مما يضرهم فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويفًا. وقد أمر النبي محمد بما يزيل الخوف: أمر بالصلاة، والدعاء، والاستغفار، والصدقة، والعتق، حتى يُكشف ما بالناس، وصلى بالمسلمين صلاة الكسوف صلاة طويلة - أنظر مجموع فتاوى ابن تيمية). ومن بين فوائد الكسوف إزعاج القلوب الساكنة بالغفلة وإيقاظها، و ليرى الناس نموذج ما سيجري يوم القيامة، إخبار بأنه قد يؤخذ من لا ذنب له ليحذر من له ذنب.

ظن بعض الناس أن الظاهرة وقعت لموت إبراهيم، ابن النبي، الذي مات وهو رضيع.

هناك إجماع على أن الكسوف والخسوف للشمس والقمر يقعان تخويفا من الله لعباده، وحثا لهم على الخوف من الله والفزع إلى ذكره وطاعته. وأمر الرسول بالتكبير والعتاقة ( عتق رقبة) والصدقة، و الصلاة والذكر والاستغفار والخوف من الله والحذر من عذابه. يري الله الكسوف والخسوف في الدنيا، تذكيراً للناس بحال الشمس والقمر يوم القيامة . وهكذا يرى الإنسان في الدنيا اختفاء قرص الشمس أو جزء منه، فيذهب ضوء الشمس أو جزء منه؛ نتيجة للكسوف، وكذلك الحال في الخسوف، تذكرة من الله، ولذلك كان النبي محمد إذا حصل الكسوف خرج فزعاً يخشى أن تكون الساعة.

وذهب بعض العلماء إلى القول إن كون الفلكيين يعرفون أسباب الظاهرة في الغالب ويتوقعون حدوثها بدقة متناهية، ويعرفون منازل الشمس والقمر، ويعرفون المنزلة التي فيها الخسوف والكسوف، وهذا لا ينافي ما أمر الله به من الخوف منه الله ، فهذا من مصلحة العباد، حتى يخافوا ويحذروا ويستقيموا. وأصر بعضهم أنه من الأفضل أن لا يتم الإخبار بالظاهرة من طرف العلماء والإعلان عنها قبل حدوثها حتى يفجأ الناس الخسوف، ويكون ذلك أقرب إلى فزعهم وخوفهم واجتهادهم في طاعة الله . في حين رأى آخرون أن الإخبار حث على التهيؤ والاستعداد وعدم الغفلة؛ لأنه قد يأتي غفلة وهم لا يشعرون ولا ينتبهون، فإذا تم الإعلان عن الأمر مسبقا انتبه الناس لهذا الشيء وأعدوا له عدته.

الكسوف في عهد النبي

جاء في السردية الإسلامية أن وقوع الكسوف في العهد النبوي - على ما قيل- كان في السنة العاشرة من الهجرة، في ربيع أو في رمضان، قد قام النبي من قوة حسه وإيمانه بالآخرة فزعاً يخشى أن تكون الساعة، مع أن هناك علامات قبلها، لكن من قوة إيمانه وخوفه لربه قام يخشى أن تكون الساعة، وأمرنا بالصدقة إذا حصل الكسوف فهي سنة، أمر بأمور مرتبة بالصلاة، والصدقة، والذكر، والدعاء، وقدَّم الأهم فالأهم، وكذلك أمر خامس وهو التعوذ من عذاب القبر، خمسة أمور نفعلها إذا صار الكسوف أو الخسوف: الصلاة، والصدقة، والذكر، والدعاء، وبالذات التعوذ من عذاب القبر. علما لا يوجد نص شرعي يفيد بأن كسوف القمر أو كسوف الشمس هو من غضب الله ، إلا أن بعض الفقهاء يعتقدون أن سبب حدوثهما هو غضب الخالق.

كسوف للشمس حدد اليوم الذي توفي فيه ابن النبي محمد

هناك كسوف شهير لدى العرب والمسلمين منذ عشرات القرون، فبه أصبح ممكنا معرفة اليوم الذي توفي فيه ابن النبي محمد في المدينة المنورة قبل 1383 سنة، وهي وفاة احتار بتاريخها المؤرخون حين ذكرهم لوفاة إبراهيم بأنها كانت في السنة العاشرة للهجرة، الموافق آخر 3 أشهر منها فقط للعام 632 ميلادية، حيث حدث كسوف يوم وفاته، بحسب ما تجمع عليه كتب السيرة، ويؤكده "صحيح البخاري" المعتبر بإجماع العلماء " أصح الكتب بعد القرآن"، طبقاً لما يؤكدون.

وتجمع كتب السيرة أن النبي محمد عاين بنفسه في المدينة المنورة كسوفاً حدث في السنة العاشرة للهجرة، وصادف يوم وفاة ابنه إبراهيم ، ثم اختلف المؤرخون حول الشهر الذي كانت فيه الوفاة، علما أنهم يجمعون بأن السنة كانت العاشرة للهجرة، ويجمعون أن مولد إبراهيم في المدينة المنورة كان في شهر "ذي الحجة" من السنة الثامنة للهجرة، وهو تاريخ يوافق مارس 630 ميلادية.

وجاء عند الواقدي ( 130 - 207 هـ ، 747 – 823 م ): "مات إبراهيم بن رسول الله يوم الثلاثاء لعشرة خلون من ربيع الأول سنة عشر وهو ابن ثمانية عشر شهراً" وهذا التاريخ يصادف سنة 631 ميلادية. أما " بن مؤمل المخزومي"، قال أنه توفي بعمر 16 شهرا و8 أيام في أول شهر "صفر" وهو تاريخ يوافق 8 مايو 631 ميلادية ، في حين قال ابن حجر: "وقد ذكر جمهور أهل السير أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة، فقيل في ربيع الأول وقيل في رمضان وقيل في ذي الحجة والأكثر على أنها وقعت في عاشر الشهر وقيل في رابعه وقيل في رابع عشرة". كل هذه الأشهر التي ذكرها المخزومي والواقدي وابن حجر، توافق سنة 631 م، مع عدا شهر ذو الحجة، فهو يوافق سنة 632 ميلادية، لكن البيانات العلمية الحديثة تؤكد أن أي كسوف للشمس لم يحدث في ذلك الشهر، في حين شهد عام 631 ميلادية كسوفين: في 7 فبراير و3 غشت، لكن أيا منهما لم يكن مرئيا في المدينة المنورة، ولا في مكة أيضا.

الخسوفات الثلاثة

إن من أعظم ما يميز آخر الزمان، زمن اقتراب الساعة، ودنو أمرها، ظهور الأحداث العظام، المؤذنة باختلال العالم، وانفراط نظامه. ومن تلك الأحداث الخسوفات الثلاثة التي أخبر بها النبي أنها تكون علامة على قرب قيام الساعة حين قال : " إن الساعة لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى ابن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ". وتكون عقوبة ربانية على ظهور المعاصي وانتشارها، كما جاء في الحديث عن عائشة عن النبي قال: " يكون في آخر هذه الآمة خسف ومسخ وقذف، قالت: قلت يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم إذا ظهر الخبث " (رواه الترمذي وصححه الشيخ الألباني) . وقد أخبر النبي أن هذه الخسوفات ستقع في أماكن ثلاثة: جهة الشرق والمراد به مشرق المدينة - جزيرة العرب- جهة الغرب ، غرب المدينة.

فهذه الخسوفات الثلاثة من الأشراط الكبرى، التي لا تظهر إلا في آخر الزمان، وهي غير الخسوبات التي وقعت في الماضي، وفي أماكن متعددة؛ لأن هذه من أشراط الساعة الصغرى، أما هذه الخسوفات الثلاثة، فهي خسوفاتٌ عظيمة.
فماذا تقول الحسابات الفلكية الحديثة بهذا الخصوص؟
________________ يتبع _____________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 106-Al-Baqarah


.. 107-Al-Baqarah




.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال