الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيلسوف يكتب عن (حرارة الإيمان)

رواء محمود حسين

2023 / 3 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عادة حين نقرأ في كتب الفلسفة، نجد أن الفيلسوف يكتب حول العقل والمنطق واللغة والواقع وما شابه من هذه الموضوعات لكن أن يتحدث فيلسوف عن (حرارة الإيمان) فهذا أمر نادر في لغة البحث الفلسفي والكتابة الفلسفية.
في مقال قديم نشر في مجلة الرسالة في أواخر الثلاثينات في القرن العشرين الماضي، وبالتحديد عام 1939 م، نجد الفيلسوف الدكتور إبراهيم بيومي مدكور يكتب مقالاً بعنوان (حرارة الإيمان).
في بداية المقال يذكر الدكتور إبراهيم مدكور ما أروع تلك الرؤوس العارية والأجساد شبه العارية المتجمعة على مستوى واحد مسبحة الله ودعوته دون خوف من الحر أو البرودة، ولا تتألم من الإصابة أو البرد! يا له من مدهش ذلك الناسك الذي حرم نفسه من الأكل والشرب، يحب الثياب الخشنة السميكة، وكان جسمه مشعًا من الركوع والسجود، فيما عينيه محمرة من البكاء والسهر. كل هؤلاء استولت عليهم فكرة وامتلكتهم عقيدة، فتبعوها مطيعين، وأطاعوا أمرها طواعية وليسوا مكرهين (ينظر: الدّكتور إبراهيم بيومي مدكور: "حرارة الإيمان"، مجلة الرسالة/العدد 297/حرارة الأيمان، من خلال الرابط الاتي: https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF_297/%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86).
ويضيف الدكتور إبراهيم بيومي مدكور كم عدد الأفكار التي نقبلها والآراء التي نتفق معها والدعوات التي نستمع إليها، لكن القليل منها فقط يخترق قلوبنا ويختلط بأرواحنا، فنصبح خاضعين لإرادتهم وتابعين لإرادتهم. ومنهم من يهدف إلى هدف مادي، ومن يأمل في الإسهام بنصيب يتمسك به، ويطمئن عليه بتفضيل العاجل على المستقبل. بعضها مبني على الجدل والبرهان والبحث والاستدلال، ولغة المنطق لا تناسب الناس بغض النظر عن اختلافاتهم، ولا يرتقي إليها جمهورهم وعامة الناس. لذلك فإن الدعوات الأكثر حظاً بالنجاح كانت مرتبطة بالقلب والأقرب إلى العاطفة، وبقدر ما يختلف المتصلون في القدرة على تحريك العواطف وإثارة المشاعر، تختلف آثارها، ويزيد عدد أتباعهم أو ينقص. ومن هذا الشعور تنبعث حرارة الإيمان الملتهبة، ومن تلك المشاعر يولد الإخلاص المبهر للعقيدة، ويبعث في القلب قوة. أسرار غير عادية وفي النفس أسرار تلين الحديد وتهب الجبال ولا تهتم بالصعوبات (ينظر: الدّكتور إبراهيم بيومي مدكور: "حرارة الإيمان").
وطبقاً للدكتور مدكور، هناك نوعان من الإيمان لا يمكن الخلط بينهما أو إنكارهما: إيمان العقل وإيمان العاطفة، أو قل إن شئت: إيمان الإثبات، والعقل، والحجة، والدليل. ثم إيمان الشعور والشعور والقلب والروح. في إحداها هدوء التفكير ورصانة المنطق، وفي الأخرى حماسة الضمير ونشاط العاطفة. وبينما كانت الأولى مستنيرة بنور الجدل وكانت قوية في محاربة الخصوم وصد الغموض، فإن الثانية تنبثق من أعماق القلب وأعماق العاطفة ولا ترى نفسها بحاجة إلى برهان واستدلال. ولا يهتم إطلاقا بالخصوم أو المعارضين. الدعوات، سواء كانت سياسية أو دينية، تقوم على أتباع يتجهون إليهم بقلوبهم وتفرغ لهم بأرواحهم. كم مرة سمعنا أن زعيمًا تسلق الجبال مع جنوده، وعبر البحار، وخاض في بحار الشرق والغرب دون أن يترك وراءه، أو توقف أتباعه ومساعديه لدعمه. وكم أخبرنا التاريخ عن الزعماء السياسيين أو الدينيين الذين كانت إشاراتهم إلهاماً وكلمتهم كانت أمرًا، إذا تحركوا، وإذا اتصلوا بالجميع، تحرك الآلاف من أتباعهم، عندما تضعف الدعوة، يضعف الإيمان، وتهدأ الحماسة الأولية للإيمان، يبدأ الناس في مناقشة معتقداتهم، وعقلهم، ومناقشتها، ومعارضتها (ينظر: الدّكتور إبراهيم بيومي مدكور: "حرارة الإيمان").
هذا هو السبب، كما يرى الدكتور مدكور، في أن كل معتقد يجب أن يتغذى، وكل نقاش يحتوي على مواد تلهب المشاعر وتنمي العاطفة. إن الشعائر الدينية، والصلوات الواجبة، والدعاء المتواضع، والأذكار الدائمة، والأدعية المتكررة ليست سوى وسيلة من وسائل جذب النفوس نحو عالم النور والإله والإيمان والعقيدة. ولعل الشيء الأكثر فائدة لتنمية الإيمان والمعتقد هو أن يشعر المؤمن بأنه فرد من أسرة وجزء من المجتمع ، وأن يشعر الإيمان بأن إيمانه هو السيادة الشاملة والسلطة العامة. وما نراه من التعصب الأعمى أحيانًا والمبالغة في الدين تارة أخرى، لكن أصله هو هيمنة العاطفة على العقل والرغبة في جعل الناس يتبنون كل الأفكار التي نؤمن بها (ينظر: الدّكتور إبراهيم بيومي مدكور: "حرارة الإيمان").
ويقول الدكتور إبراهيم بيومي مدكور أخيراً: "ولا يضير الاعتقاد في شيء أن يُدْفِئه القلب بحرارته، وتمده الروح بأسرارها. والعواطف كانت ولا تزال، من أهم بواعث التفكير ودواعي العمل. والجماهير أخضع عادة للغة القلوب منهم للغة العقل والمنطق، ورب عاطفة قوية أعون على تحقيق غايات سامية من تفكير عميق" (ينظر: الدّكتور إبراهيم بيومي مدكور: "حرارة الإيمان").








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الايمان بالله ليس القيام بالفروض
د. لبيب سلطان ( 2023 / 3 / 27 - 10:08 )
عزيزتي السيدة رواء
اسمحي لي ان اختلف معك بطريقة طرحك للعلاقة بين العقل والعاطفة ودور الفروض الدينية في الايمان بالله والسير وفق ارادته الرحيمة الخيرة التي ربما تختلف عما طرحته الاديان التي تحدثت باسمه وقالت انها كلماته وارادته وتعاليمه.
اني ارى اننا ربما لانختلف في الارادة الخيرة الطيبة و الرحيمة ل لله ووضعها في اعمق مشاعرنا وضمائرنا كبشر، وعقلنا يرشدنا لذلك وكذلك هي مشاعرنامعه، وعليه فالتجانس بينهما هو جوهر الايمان الحقيقي، والتجانس معناه ان لايقوم العقل بفعل يتناقض مع الضمير والمشاعر التي وضعها الله فينا، وهذا التجانس يتجلى في الحياة والممارسة اليومية وهو قرار داخلي للانسان وثقافة داخلية عميقة تخلق مؤمنا حقيقيا لايقوم بها خوفا من عقاب ولا طمعا في جنة كما يقول علي ابن ابي طالب
عكس الفروض الوظيفيةكالصلاة والصوم والحج وغيرها فهي تفقد معناها في حالة الخوف والطمع ومنه الخزعبلات الدينية - ان لم تقبل فلن يقبل سواها- و كأن الله بحاجة لها او بحاجة للانسان عموما، ومنه فما اريد بها اخضاع الناس للعمائم وليس للضمير الكائن داخل الانسان الحر بنفسه الذي يفهم الله وينبذ العمائم ال
مع افضل التحيات

اخر الافلام

.. الحوثيون ينشرون زوارق مفخخة في البحر الأحمر بمساعدة فيلق الق


.. صرخة في وداع طفل استشهد بصحبة شقيقته




.. كيف يؤثر قرار وقف توريد أموال المقاصة على القدرة المالية وال


.. إسرائيليون ينظمون مسيرة باتجاه الكنسيت الإسرائيلي في القدس ض




.. إخلاء عاجل لسكان رويدوسو بولاية نيو مكسيكو الأميركية بسبب حر