الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكر إنما أنت مذكر... ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 3 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في معرض حديث القرآن عن سنن الله وسنن الإنسان نجده يثبت حالتين، الأولى أن الله بأعتباره الخالق والمتحكم في الكون له سنن ثابتة وقوانين كلية لا ينالها التغيير أو التحديث أو طلب الملائمة من خلال التجريب، لأن هذا الأمر يعني عدة أفكار.... منها أن الله لا يعرف تماما ألية ونتائج وميكانيكية تلك المعدلات والقوانين الوجودية، وهنا قد يكون في جزء منها خلل فيطيح هذا الخلل بكل المنظومة الوجودية لو صح وجوده، النقطة الأخرى لا يمكن بناء نظام كلي تمامي على أحتمال أو شك أو ظن، وإلا لا يصح أن نقول عنه أنه نظام وأنه كامل وتام، فالعالم القادر المتحكم الذي ما ترك جزئية الجزئية دون ربطها بالكلية الكلية في نسقية تفاعلية متقنة ر يبني عالمه على مبدأ الأحتمالية بين الصح الخطأ، أما سنن الإنسان ومنذ بدء الخليقة كانت تعكس قدرته على التفكر والتجريب والمحاولة في العبث في هذه المنظومة الشمولية كي تستجيب لبساطته أولا.
فهو إذا كائن شاك بطبعه غير متيقن من نتائجه ولا من الواقع الذي يراه بعين بصره لا بيقين لصيرته، جدلي ومتقلب المزاج لا يستقر على شيء وإن كان نتاج ما يجرب دائما في محل توقع ليعرف ويلاحظ ليفهم بالنتيجة، أي ليس له علم مسبق بما حاضنته ولا ما في نفسه وليس له القدرة على القراءة من خارج ما تطابه بأدواتها الطبيعية، فهو كائن فضولي لأنه لا يعرف ما يريد ولأنه لا يعرف ما موجود أصلا، هذا الوضع ليس ذما ولا إنتقاصا له بقدر ما يبرر ويوضح لنا لماذا منح الله الإنسان العقل، هذا ما لا يدركه رجال الكهنوت الذين يصرون دوما على أن الله منح العقل للإنسان حتى يعبده به فقط، وحتى في هذه النتيجة لا يريد للعقل مجردا أن يكون وسيلة العبادة، بل يحصرها دوما في عقله هو، الذي يرى فيه عقلا خارقا حتى ظن البعض أن عقله أكبر من عقل خالقه فراح يشرع ويعدل أما خارج أو في داخل التشريعات التي بدأ أصلا منها في ترتيب إيمانه.
العقل إذا ليس قدر الإنسان فقط حتى يكون ممن يلزم به التكليف الديني كما يشاع، بل لأن التمايز بين الصانع والمصنوع يحتاج إلى معادلة أخرة تظهر أن المصنوع مهما تطور لا يمكن أن يكون صانعا بشكل ما أصيلا لنفسه، لأن ذلك يلغي حقيقة الصنع منذ البداية، فوجود العقل كان في واحد من دلالاته أن يجعل الكائن المصنوع يدرك هذه الحقيقة، ومنها ينطلق لإدراك باقي قوانين الصانع حسب ما يسعه الوقت وتمنحه المقدمات من أسباب وما يبذله من جهد للمعرفة، إذا معرفة الكائن المصنوع ذات طبيعة تحصيلية بعدية تتدرج في كينونتها ولا شكل محدد لها ولا إطار يمكن أن يجمعها سوى الوصف المتقدم، أما معرفة الكائن الصانع قبلية أصيلة كلية تمامية لا تحتاج لتجريب ولا برهان.
العقل حالة تكيفية تكوينية مرفقة بالوجود البشري ليعطي للإنسان الحق في أن يتطور ويتكيف ويتغير من حال إلى حال تناسقا مع كونيته الكلية "الضعف الطبيعي" {وخلق الإنسان ضعيفا} (النساء:28)، ولفظ (الضعف) الذي وُصف به الإنسان في الآية جاء لفظاً عاماً يشمل الرجل والمرأة، ويشمل ضعف الإنسان تجاه وجوده المؤقت وشعوره بالهلع عندما ينظر للنهاية الحتمية له كفرد لا كوجود كلي، أيضا الإنسان ضعيفا مهما أمتلك من القوة لأن هذه القوة غير ثابتة ولا يمكن الحفاظ عليها أو تنميتها مقابل قوة الله مثلا، أو قوة الطبيعية والوجود التي هو مجبر على مجاراتها لأنها قوة كلية مرتبطة بديمومة القوة المطلقة، فالضعف هن لا يفسر مثلما يفسره الكهنوت الديني عندما يشرع في تفسير النص، فمثلا (قرر شيخ المفسرين الطبري هذا المعنى المراد من الآية، فيقول: "لأنكم خلقتم ضعفاء عجزة عن ترك جماع النساء، قليلي الصبر عنه، فأذن لكم في نكاح فتياتكم المؤمنات عند خوفكم العنت على أنفسكم؛ لئلا تزنوا، لقلة صبركم على ترك جماع النساء").
إذا ونعود للعنوان أستخدام العقل كأداة تذكير الهدف منه ليس فقط إعادة الإنسان لحضيرة الدين كما يفهم عامة الناس وخاصتهم، بل هي إحدى أهم وسائل الله لحث الإنسان لمعرفة نفسه ووجوده وكينونته وتكيفه ليكون أكثر قدرة على فهم الواقع ومن ثم التعامل الصح والصحيح معه، التذكير إذا بحقائق الوجود الكلية والجزئية وقوانين ومعادلات أمر الله وسننه في الخلق، هو الهدف الغائي من تسنين النص وجعله تكليفا عاما قبل تكاليف الإيمان الأخرى وخاصة الطقوس والمعتقدات، التي يركز فيه الجهد الفقهي ويحاول من جهة أخرى تغطية الدعوة الحقيقة من التذكر، لو قرأنا النص التالي "فذكر إن نفعت الذكرى" لا تعني ابدا أن تذكر الإنسان مثلا بمواعيد الصلاة أو الصيام أو محاولة عدم نسيانه لبعض الأحكام الدينية، هذا أختزال مهين لأمر الله الذي قال " لْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ. إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ. فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ " أليس هذا تذكير بما يجب أن يتذكر الإنسان، إذا عملية التذكير والذكرى والمذاكرة وإن شملت في جزئية منها أمور الدين، لكن الإرادة الإلهية الناصه هنا تستهدف موضوعا أكبر وأهم وأعظم، ألا وهو وجود الإنسان ذاته أو ما يقوله الفلاسفة ويسمونها بالبحث عن الحقيقة الكبرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جون مسيحة: مفيش حاجة اسمها إسلاموفوبيا.. هي كلمة من اختراع ا


.. كل يوم - اللواء قشقوش :- الفكر المذهبي الحوثي إختلف 180 درج




.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني