الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدكتور إبراهيم بيومي مدكور ونظرية المصادر الإغريقية للفلسفة الإسلامية (1)

رواء محمود حسين

2023 / 3 / 29
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"لا يستطيع باحث أن يفهم الفلسفة الإسلامية فهماً صحيحاً دون أن يدرسها على ضوء الفكر الإغريقي ومنتجاته، ولا نبالغ مطلقاً إذا قلنا إنه تعذر علينا أحياناً فهم مسألة لدى (الفارابي) أو (ابن سينا) قبل أن نقرأ مصدرها في كتب (أرسطو) أو (أفلاطون)" بهذه العبارة يبدأ أحد أبرز المتخصصين في الفلسفة الإسلامية في العصر الحديث، الأستاذ الدكتور إبراهيم بيومي مدكور، مقاله المنشور عام 1935م في مجلة "الرسالة" ليفتح المجال من خلاله لآفاق التفكير في الأصول الإغريقية للفلسفة الإسلامية وحجم العلاقة الممتدة بين الفلسفتين (ينظر: الدكتور إبراهيم بيومي مدكور: "المصادر الإغريقية للفلسفة الإسلامية"، مجلة الرسالة/العدد 95، بتاريخ: 29 - 04 – 1935، على الرابط الاتي: https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF_95/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%BA%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9_%D9%84%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9).
يقترب الأستاذ يوسف كرم، وهو أيضاً أحد أبرز مؤرخي الفلسفة العرب في العصر الحديث، من رأي الأستاذ الدكتور إبراهيم بيومي مدكور السابق، فيقول: "لسنا بحاجة إلى كثير شرح لنبني خطر الفلسفة اليونانية في تاريخ الفكر؛ فقد يكفي أن نذكر أنها فلسفة الشرق الأدنى منذ فتوح الإسكندر، وأنها فلسفة الغرب منذ استولى الرومان على بلاد اليونان في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، فعرفوا نبوغ المغلوبين وأخذوا عنهم أسباب الحضارة المادية والعقلية ومنها الفلسفة، واصطنع المفكرون المسيحيون هذه الفلسفة ثم اصطنعها المفكرون المسلمون، ودخلت المدارس في الشرق والغرب فكونت العقول وهيمنت على وضع العلوم" (ينظر: يوسف كرم: "تاريخ الفلسفة اليونانية"، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، 2014م، ص 7).
ويضيف الدكتور إبراهيم مدكور ولعل أفضل ما كتب في تاريخ الفلسفة الإسلامية حتى الآن هو عمل رجال قارنوا القديم بالحديث، وجعلوا فلاسفة الإسلام أقرب إلى معلميهم اليونانيين. على العكس من ذلك، فإن الخلل العام في معظم ما كتب في هذا الصدد يرجع تقريبًا إلى حقيقة أن مؤلفيها قد نسوا أو أغفلوا الصلة بين الفلسفة العربية والفلسفة اليونانية. نسبوا آراء الناس ونظرياتهم التي لم تكن نتيجة بحثهم وتفكيرهم المستقل، وهي جريمة ضد الحقيقة والتاريخ أن ينسب إلى عالم أو فيلسوف ما لم يأت به في البداية وما لم يفعله. الابتكار بشكل أصيل، وأصل هذا الإسناد الخاطئ هو الجهل بالتاريخ وإهمال العلاقات الراسخة بين مختلف مراحل التفكير البشري. فكرة بدت إبداعية مع إرشاد القدماء إليها من قبل وأظهروها في شكلها الحالي، أو في صورة أخرى بعيدة عن ذلك. الغريب أن هناك مجموعة من المؤرخين يميلون إلى اعتبار أبطالهم وأولئك الذين يكتبون عنهم مصدر كل شيء جديد. ينسبون إليهم شخصياً كل ما جاء في كتبهم أو ورد عنهم. في هذا، بلا شك، هناك احترام كبير لمن يترجمون من أجلهم، ولأولئك الذين يدرسون حياتهم. قد يبدو من المضحك أن نقول إن نظرية كذا وكذا اخترعها كذا وكذا بمفرده، لكن أليس من المضحك أكثر من هذا البحث الأعمق أن يُظهر المؤلفون المقدمات التاريخية التي مهدت الطريق لهذه النظرية؟ قضى الناس وقتًا في تكرار أن (ديكارت)، على سبيل المثال، اخترع نظرية الشك الفلسفي دون أن يتأثر برأي سابق. وها هم اليوم يعلنون أنها سبقته بأشكال مصغرة أخرى، وهم يثبتون ذلك بطرق دقيقة وملفتة للنظر في مواجهة كل هذه الظروف (ينظر: الدكتور إبراهيم بيومي مدكور: "المصادر الإغريقية للفلسفة الإسلامية"، نفس المقال).
ويمكن أن نقارن النظريات المتقدمة حول نشأة الفلسفة اليونانية، وبواكير الفلسفة عموماً، بما قاله الأستاذ أحمد أمين والدكتور زكي نجيب محمود في مقدمة كتابهما (قصة الفلسفة اليونانية) إذا قالا: "إن كانت الفلسفة — كما قال بحق أفلاطون — تُبنى على المعارف العلمية الصحيحة، مهما تكن قليلة ضئيلة، فلا شك في أن بلاد اليونان كانت مهدها" (أحمد أمين وزكي نجيب محمود: "قصة الفلسفة اليونانية"، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، 2018م، ص 18).
يحاول الدكتور إبراهيم بيومي مدكور في هذا الخطاب إلقاء نظرة عامة على المصادر اليونانية التي كان لها تأثير واضح على تشكيل الفلسفة الإسلامية، وفي معرفة هذه المصادر بما يساعدنا. من أجل التحديد الدقيق لما توصل إليه العرب، وما الذي سبقهم القدماء، عرف المسلمون الفلاسفة الذين سبقهم سقراط ونصف السقراطيين، والسفسطائيون، والملحدون، والرواقيون، والأبيقوريون. علماء الدين المسلمون. وكان للعقيدة المادية للرواقيين تأثير لا يمكن إنكاره على جماعة المعتزلة، ونذكرهم بشكل خاص (النظام) الذين احتضنوا نظريات ذات أصل رواقي واضح، ومن قرأ آرائه في (الكمون) لا شك. على الإطلاق أنه تأثر بما جلبه الرواقيون من قبل. أخذ علماء اللاهوت بشكل عام العديد من أفكارهم من اللا أدرية اليونانية، وخاصة تلك المتعلقة بنقد (أرسطو) ونظرياته. ونرى في كتب الترجمات العربية ملخصات قصيرة لحياة (تاليس) و (فيثاغورس) و (أبخزاجور) و (أمييدوقل) وفي كتاب الملال والنحل (للشهرستاني) خير مثال على ذلك. هذه الملخصات. ومع ذلك، فإن هذه المعلومات، ككل، غير كاملة وغير صحيحة في بعض الأحيان. لا يبدو أن مفكري الإسلام قد شكلوا رأيًا ناضجًا حول هذه المذاهب الفلسفية المختلفة. يخلط (الشهرستاني) نفسه مذهب (فيثاغورس) مع عقيدة (أفلاطون)، وينسب لأصحاب الرواق بعض نظريات المدرسة الإسكندرية. وإذا استثنينا (أفلاطون) و (أرسطو)، نجد أن المسلمين لم يعرفوا الفلاسفة اليونانيين إلا بشكل غير مباشر، وفي ثنايا الكتب التاريخية لـ (بلوتارخ) و (جالينوس) و (بورفيد) (ينظر: الدكتور إبراهيم بيومي مدكور: "المصادر الإغريقية للفلسفة الإسلامية"، نفس المقال).
ولو عدنا إلى كتاب الملل والنحل للشهرستاني لوجدناه يقول عن (الواصلية) وهم أصحاب واصل بن عطاء المعتزلي: "إنما شرعت أصحابه فيها بعد مطالعة كتب الفلاسفة، وانتهى نظرهم فيها إلى رد جميع الصفات إلى كونه: عالما، قادرا. ثم الحكم بأنهما صفتان ذاتيتان هما: اعتباران للذات القديمة كما قال الجبائي، أو حالان كما قال أبو هاشم..." (ينظر: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (ت ٥٤٨هـ): "الملل والنحل"، الناشر: مؤسسة الحلبي، بدون تاريخ، 1/ 46).
يبين الدكتور إبراهيم بيومي مدكور أن العرب في الحقيقة لم يترجموا الكتب الفلسفية لليونانيين باستثناء أعمال (أفلاطون) و (أرسطو) ومفسري الأخير وطلابه. أما أفلاطون فقد تمت ترجمة حواراته المهمة وفي مقدمتها: الجمهورية والنواميس وطبماوس والسوفيسط وبوليطيقي وفادن ودفاع سقراط. ويثبت الواقع، على العكس من ذلك، أن (مؤسس الأكاديمية) استطاع بفضل نظرياته وعقيدته الروحية أن يخترق قلوب الصوفيين وعلماء الدين والفلاسفة بين علماء الإسلام. في أربع حوارات مهمة من كتب الأول: فادن، بوليطقي، الجمهورية، وطيماوس، فقد خرج منها واستشهد ببعض ما جاء فيها بطريقة لا تدع مجالاً للشك أنه قرأها عمداً وتأملياً. وفي هذا ما يدعم فلاسفة الإسلام، فقد درسوا (أفلاطون) بشكل مباشر وفي كتبه التي نقلت إلى اللغة العربية، لكن هؤلاء الفلاسفة لم يولوا (مؤسس الأكاديمية) ذات العناية التي منحوها ل (أستاذ الليسيه)، و (أفلاطون) لم يتخذ الخطوة التي اتخذها تلميذه (أرسطو). وكان (رينان) قد أبدى سابقًا مدى إعجاب فلاسفة الإسلام بهذا الأخير، وتعلقهم به في مكانة خاصة، وتعلقهم بتعاليمه، واعتبارهم له حجة في العلوم النظرية، لذلك كان من الطبيعي أن يبحث العرب عن كتاباته وترجمتها بدقة وأمانة. كان عدد قليل منهم متاحًا في الاقتصاد والأخلاق والطبيعة والمنطق والميتافيزيقا (ينظر: الدكتور إبراهيم بيومي مدكور: "المصادر الإغريقية للفلسفة الإسلامية"، نفس المقال) (ولا تزال ترجمات أفلاطون إلى العربية اليوم، كما نلاحظ في: أفلاطون: "جمهورية أفلاطون"، ترجمة حنا خباز، مؤسسة هنداوي، 2017م).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -