الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبله فضيلة … صوتٌ صنع طفولتَنا

فاطمة ناعوت

2023 / 3 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


وداعًا للصوت الخالد الذي كان أكسجين الصباح لجميع أطفال جيلي في مصر والوطن العربي. كان صوتُها الدافئ ينسابُ إلى داخل أرواحنا وعقولنا مع نسمات الصبح، ننتظره بشغف، وتحرصُ أمهاتُنا عليه مثلنا، لأنهن يدركن أن ذلك الصوت لا يحكي حدوتة مُسلّية تتبعها أغنيةٌ موحيةٌ وفقط، بل يمنحُ أطفالَهن درسًا تربويًّا وأخلاقيًّا، سوف يساهم في العملية التربوية، ويترك أثره الطيبَ في نفوس الصغار، على نحو أعمق من تعليمات الأبوين الحاسمة والنصائح المشددة. رحل قبل أيام أهذا الصوتُ العذبُ الذي صنع طفولتنا ورسّخ داخلنا العديد من القيم النبيلة التي اختصرت مع الأمهات والآباء طريق التربية الشاقّ الطويل. وداعًا "أبله فضيلة"، صاحبة أشهر برامج الأطفال الإذاعية "غنوة وحدوتة"، التي كتب كلمات أغنياتها عملاقُ الكلمة "صلاح جاهين"، ولحّن موسيقاها "سيد مكاوي"، ورددها أطفالُ جيلي. “يا ولاد يا ولاد/ تعالوا معانا/ عشان نسمع أبله فضيلة/ راح تحكي لنا حكاية جميلة/ وتسليّنا وتهنينا/ وتذيع لينا كمان أسامينا/ أبله أبله فضيلة”. ثم يتبع ذلك صوتُها الآسرُ تستهلّ به الحدوتة قائلة: “حبايبي الحلوين".
الإعلامية الكبيرة "فضيلة توفيق عبد العزيز"، التي رفضت أن تمنح نفسها لقب "ماما"، على عادة ما يفعل مقدمو برامج الأطفال؛ إذ كانت ترى أن الأبَ والأمَّ مفردان فريدان، لا ينال مكانيهما أحدٌ، وفضّلت أن تكون "الأخت الكبرى"، التي تحكي الحواديت لأشقائها الصغار فيُقال لها: “أبله"؛ وهي كلمة تركية توارثناها نحن المصريين وتعني: “المعلمة"، أو "الأخت الكبرى". وُلِدت فى٤ أبريل ١٩٢٩ لأب مصري وأم تركية، هي الشقيقة الكبرى للفنانة الجميلة "محسنة توفيق"، وعاشت طفولتها في شارع الملكة نازلي، رمسيس حاليًّا، وتلّقت علومها في "مدرسة الأميرة فريال"، وجاورتها على مقاعد الدرس الطفلة التي سوف تغدو مع الأيام سيدة الشاشة "فاتن حمامة". نشأ شغفُها بالقصص منذ طفولتها حين كانت والدتها تجمعها مع أشقائها لتحكي لهم الحواديت الفلكلورية، وكذلك كان يفعل جدها. التحقت بكلية الحقوق جامعة القاهرة، وبعد تخرجها عملت في مكتب محاماة. وفي يومها الأول بالعمل غلبها شغفُها بالقيم وروح السلام، فحاولت الصلح بين الخصوم فى إحدى القضايا التي وردت للمكتب. فقال لها مديرها إن مهنة المحاماة تعتمد على الخلافات، وإنها بهذا لا تصلح للعمل بتلك المهنة. وقدمت أوراقها للإذاعة وتم تعيينها مذيعةً لنشرة الأخبار، وتدربت على يد الإذاعي الكبير "حسنى الحديدي"، أحد أشهر مذيعي نشرة الأخبار بالإذاعة المصرية. وكانت نقطة التحول في حياتها حين التقت بالإذاعي "محمد محمود شعبان"، الشهير بـ"بابا شارو" الذي كان يقدم برنامجًا شهيرًا للأطفال حتى منتصف الخمسينيات، وأخبرته عن حلمها بتقديم برنامج للأطفال مثله. ومع بدايات البث التلفزيوني وانتقال "بابا شارو" للعمل به في بداية الستينيات، اختارها لتحل محله في تقديم برنامج إذاعي للأطفال، فكان ميلاد برنامجها الأشهر: "غنوة وحدوتة". وكانت الأسرة المصرية والعربية تنتظر بشغف هذا البرنامج التربوي التثقيفي الترفيهي اليومي، الذي استضافت فيه أسماء بارزة ورموزًا مصرية خالدة مثل: العالم "فاروق الباز"، الأديب “نجيب محفوظ"، الموسيقار "محمد عبد الوهاب"، الكاتب "أنيس منصور"، الشاعر "كامل الشناوي"، الموسيقار "سيد مكاوي"، الفنان "عبد الحليم حافظ"، والدكتور "يحيى الرخاوي"، وغيرهم، ومن خلال البرنامج والأغنيات قدمت مجموعة من الأطفال الموهوبين الذين صاروا نجومًا في دنيا الغناء مثل: “هاني شاكر"، "مدحت صالح"، "صفاء أبو السعود”. تولت مناصبَ رفيعةً ومهامّ دقيقة خلال مشوارها الإذاعي، منها: مراقبة برامج الأطفال خلال الستينيات الماضية، ثم مديرًا عامًّا لبرامج الأطفال في السبعينيات، ثم نائبًا لرئيس الشبكة التجارية في الثمانينيات، وقدمت على مدار مشوارها الإذاعي عدة برامج إذاعية منها: “س، وج”، "مستقبلي"، ولكن يظلُّ "غنوة وحدوتة" درّة عقدها الأشهر.
ومن أشهر الحواديت والحكايا التي مازلتُ أذكرها لا تبرح ذاكرتي: "الفلاح الفقير"، "الأرنب الطماع"، “بنت الفلاحة”، "الكتكوت الصغير"، "أرنب وتعلب"، "المقشة الصغيرة"، "أبيض وأسود"، "شغل بابا"، "كراسة الرسم"، "القطة مشمشة"، “ياللا نسمع كلام ماما”، "كوب اللبن"، وغيرها مما هو عصيٌّ على الحصر، والنسيان.
حصدت أبله فضيلة العديد من الأوسمة والتكريمات باعتبارها صاحبة إحدى أجمل وأخلد وأشهر الرسالات التربوية المسموعة في عالم الطفولة منها: "وسام الاستحقاق من رئيس الجمهورية"، وشهادات تقدير من الاتحاد السوفيتي، ونقابة الصحفيين المصريين، والمركز الكاثوليكي للسينما. كما اختيرت "الأم المثالية للإعلاميين"، وضيفة الشرف في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام ٢٠١٦. تزوجت "أبله فضيلة" من كبير مهندسي الإذاعة المصرية "إبراهيم أبو سريع"، وأنجبت ابنتهما الوحيدة "ريم"، التي عاشت معها سنواتها الأخيرة في كندا، حتى رحلت عن عالمنا قبل أيام، لنردد معها: “توتة توتة، حلوة جدًّا كانت الحدوتة".


***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بورك بك استاذه فاطمه في تخليد ذكرى ابله فضيله-العظ
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 3 / 29 - 16:29 )
العظماء ليسوا فقط رجالات الدول الاعظم منهم المبدعين في مجالات العلم والتربيه والفنون والاداب والعمل الصالح لخير الانسانيه تحياتي ام الجميل عمر-مع سؤال هل حقا عاد الطفل شنوده لوالديه


2 - تهانيي استاذه فاطمه لك ولكل الطيبين شنوده عاد لوال
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 3 / 30 - 04:23 )
شنوده عاد اليوم 28مارس 2023 لوالديه فهنيئا لك ولي انا ايضا اشتركت في الحمله عبر التعليق على مقالاته-استاذه فاطمه بودي تقديم هديه بسيطه لشنوده-مثلا دراجه هوائيه-بايسكل بارسال ثمنه بواسطتك او باسهل طؤيقة اخرى بارسال مبلغ مثلا 200دولار اميركي قد يكون كافيا علما اني اسكن كندا -مدينة تورونتو وفيها مكاتب صيرفه اصحابها عرب الطيف او بابل وسمعت انهم يتعاملون مع مكاتب صيرفه بالقاهره-القضيه ست فاطمه رمزيه ونفسيه وانا رجل ختيار قريب ال90 من العمر ولكن قضية شنوده هزتني جدا انتظر جوابك هنا على مقالتك في الحوار المتمدن -تحياتي


3 - د. كحلاوي
سيد مدبولي ( 2023 / 3 / 30 - 12:18 )

د. كحلاوي
كل مودة وتقدير واحترام لك ولكل أنساني مثلك.
سيد مدبولي


4 - الاستاذ سيد مدبولي شكرا لكلمتك الطيبه لقد غمرتني ب
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 3 / 31 - 20:44 )
الفرح حتى انني بكيت واخذت اتساءل كطفل-شو يبقى في الشخص حينما يفقد انسانيته-ومما يحزنني حقا ان مجتمعاتنا الشرقاوسطيه وغالبية السكان انتزعت انسانيتها-تحياتي

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah