الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
العلاقات العربية الأفريقية والتركية الإفريقية
ابراهيم محمد جبريل
الشاعر والكاتب والباحث
(Ibrahim Mahmat)
2023 / 3 / 29
السياسة والعلاقات الدولية
العلاقات العربية الأفريقية عريقة كونها بدأت منذ العصور القديمة تقوم على أسس متعددة متينة، وبين أن جامعة الدول العربية لعبت دورًا مهمًا في توثيق العلاقات مع أفريقيا خاصة في المشاورات مع حركات التحرر لتصفية الاستعمار. كما اشترك العرب والأفارقة في مؤتمرات قمة عدم الانحياز والحياد الإيجابي وتعاونوا في تنسيق مواقفهم في الأمم المتحدة والمنظمات المختلفة، من جانب آخر، والتنافس الدولي على القارة الأفريقية باتت واضحة في ظل تراجع اهتمام عربي في تنمية أطر العلاقات المتعددة مع أفريقيا.
أسباب تراجع العلاقات العربية الأفريقية بعد توقيع معاهدات السلام من قبل بعض الدول العربية والوقوف على المعوقات الأخرى التي باتت تعترض تقدم هذه العلاقات، والتحديات التي تواجه هذه العلاقات مستعرضًا تراجع التعاون التجاري والاقتصادي العربي الأفريقي عمومًا نتيجة التنافس الأمريكي الفرنسي، والأثر السلبي للعلاقات الإسرائيلية الأفريقية على تفعيل أوجه التعاون العربي الأفريقي ووضع الاستراتيجيات القادرة على مواجهة المخططات الخارجية خاصة الأمريكية والإسرائيلية تجاه القارة الأفريقية والعالم العربي.
التحديات الراهنة التي تواجه العلاقات العربية الأفريقية: في فترة بات فيها التنافس الدولي الخارجي والتغلغل الإسرائيلي في القارة الأفريقية قويًا من جهة، وغياب الرؤية السياسية العربية لوضع الاستراتيجيات اللازمة من جهة أخرى. وأخيرًا، السعي لتقديم الأسس النظرية والعملية لتقوية أواصر التعاون العربي الأفريقي.
تطور العلاقات العربية الأفريقية: تؤكد الدراسات التاريخية التي تهتم بتشخيص العلاقة بين العرب والقارة الأفريقية، أن جذور العلاقة تاريخية؛ ارتبطت بروابط ثقافية وحضارية، عززها الحراك الاجتماعي والتفاعل بين الشعوب العربية والأفريقية. فبظهور الإسلام في القرن السابع ازداد الاتصال العربي الأفريقي نتيجة نشر الإسلام في أجزاء كثيرة من القارة الأفريقية مما مهد للعرب بسط نفوذهم السياسي والثقافي خاصة في شمال وغرب القارة والساحل الشرقي لأفريقيا. حيث –في هذه المناطق- انتشر الإسلام على يد العرب الذين اشتركوا في موجة الفتوحات الإسلامية، ومن هناك توغلت المؤثرات العربية الإسلامية إلى منطقة البحيرات الاستوائية (أوغندا، كينيا، رواندا، تنزانيا، بوروندي، الكونغو) وإلى غالبية مناطق القارة، وبشكل عام يمكن وصف هذه المرحلة بأنها اتسمت بإزدهار العلاقات بين الطرفين، وأما في العهد الاستعماري فقد ظهرت الآثار السلبية للاستعمار على العلاقات العربية الأفريقية عن طريق محاربة مراكز الثقافة الإسلامية، والمراكز التعليمية العربية، ودمج واقع العلاقات العربية)( المقداد ، 2009ص 6 )1
تعد تجربة التعاون العربي الأفريقي من أقدم تجارب التعاون الإقليمية إذ يمتد إلى أبعد وأعمق من مظاهر الجوار الجغرافي ليشمل أيضا الروابط الثقافية والبشرية والحضارية التي نسجتها قرون طويلة من الحراك الاجتماعي والتفاعل الحضاري بين الشعوب العربية والأفريقية، أدى ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي إلى ازدياد الاتصال العربي الأفريقي, فقد أمد الإسلام العرب بسياج ديني وفكري ساعدهم على خلق وحدة وطنية وعلى ازدهار النهضة الثقافية، ترجع الجذور التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية إلى ما قبل ظهور الإسلام حيث كان المجتمع العربي الجاهلي يزخر ببعض المجموعات الأفريقية التي استقرت بين العرب وانصهرت في بوتقة القبائل العربية عن طريق الولاء والانتماء الكامل)2
فبالإضافة إلى دعم التعامل التجاري والهجرات البشرية، قام العرب بدور إيجابي في نشر العقيدة الإسلامية وبسط نفوذهم السياسي في أفريقيا. وساعد انتشار الإسلام على رواج كثير من مظاهر الثقافة العربية في القارة السمراء)3
وبصفة عامة يمكن الحديث عن ثلاث ركائز إقليمية في القارة الأفريقية تواصلت فيها العلاقات العربية الأفريقية في هذه المرحلة:
1- الحبشة وشرق أفريقيا:
فقد كانت هجرة المسلمين للحبشة أول اتصال رسمي للإسلام بأفريقيا حيث وجد المسلمون الحماية والرعاية في كنف ملك الحبشة المسيحية، وكانت العلاقات السلمية سائدة بين الطرفين، وأنشأ العرب مراكز تجارية في تلك المنطقة، وكثر عدد الوافدين العرب إليها سواء لأسباب اقتصادية (عمال الزراعة باليمن وتجار حضرموت وعمان والحجاز الخ)4
وفى الشرق الأفريقي تردد العرب على الساحل الشرقي للقارة (الذي أطلقوا عليه ساحل الزنج- بقصد الاتجار بالعاج والذهب والرقيق، أو هروبا بمعتقداتهم الدينية التي تجد معارضة من بعض الحكومات. وقد أدى توافد العرب من جنوب الجزيرة ومنطقة الخليج العربي إلى اختلاطهم بالوطنيين وقيام عدد من المراكز التجارية العربية في زنجبار وكلوه وممباسا. وبين القرنين الثاني عشر والخامس عشر شهد الساحل الأفريقي ازدهار ثقافة عربية إسلامية عرفت بالثقافة السواحلية التي ظهرت منذ القرن الثامن الميلادي)5
وقد ازدهرت تجارة الرقيق في فترتين مهمتين أولاهما بين القرن الثامن والعاشر الميلاديين ونقل خلالهما عدد كبير من الأفارقة لاستصلاح الأرض في المنطقة الجنوبية من العراق, وأدى ذلك الوجود الأفريقي إلى ثورة الزنج المشهورة. وارتبطت الفترة الثانية بالتوسع العماني في شرق أفريقيا حيث جلب عدد كبير من الزنوج للعمل في المزارع الكبرى التي يمتلكها العرب على الساحل الشرقي)6
ومن الساحل الشرقي لأفريقيا توغلت المؤثرات العربية الإسلامية إلى منطقة البحيرات الاستوائية التي تضم تنجانيقا (تنزانيا حاليا) وكينيا وأوغندا ورواندا وبوروندي والكونغو, وحققت نفوذا كبيرا خاصة في منطقتي تنجانيقا وزنجبار حتى إن الأوروبيين بصفة عامة والبلجيكيين بصفة خاصة استفادوا من جهود العرب في إنشاء محطات تجارية، كما استفادوا من معرفتهم بالمنطقة لإكمال عمليات الكشوف الجغرافية التي قادها الأوروبيون, حيث استعان البرتغاليون بالملاحين العرب في القرن الخامس عشر الميلادي للإبحار في المحيط الهندي)7
كانت مصر من أول الأقطار الأفريقية تمثلا للعقيدة الإسلامية والثقافة العربية، ومنها تسربت كثير من المؤثرات العربية، وكان لصلاتها التجارية الواسعة بالأقطار الأفريقية أثر كبير في دعم العلاقات العربية الأفريقية
2- مصر والسودان: فقد كانت مصر من أول الأقطار الأفريقية تمثلا للعقيدة الإسلامية والثقافة العربية، ومنها تسربت كثير من المؤثرات العربية، وجعلها موقعها الجغرافي ترتبط ارتباطا وثيقا بالكيان الأفريقي تؤثر فيه وتتأثر به. وكان لصلاتها التجارية الواسعة بالأقطار الأفريقية أثر كبير في دعم العلاقات العربية الأفريقية. فعن طريق مصر وعبر البحر الأحمر تدفقت المؤثرات العربية الإسلامية بقوة إلى سودان وادي النيل)8
وقد أدى دخول العرب في أعداد كبيرة إلى نتيجتين مهمتين:
أولاهما: غلبة الثقافة العربية واللسان العربي على أجزاء كبيرة من البلاد.
وثانيهما: انتشار الإسلام بين الوطنيين الذين كانوا يؤمنون بالمسيحية وبعض المعتقدات الأفريقية. وصار الإسلام عامل ربط مهم بين شعوب سودان وادي النيل ذات الجذور العرقية المتباينة والثقافات المتنوعة)9
وقد ساعدت تلك المؤثرات على إعطاء الجزء الشمالي من السودان درجة كبيرة من التجانس الثقافي والاجتماعي. وهيأ هذا التطور سودان وادي النيل ليكون مركز إشعاع للثقافة العربية الإسلامية في قلب القارة الأفريقية. أما الجزء الجنوبي من السودان الذي لحق بالبلاد إبان العهد التركي المصري في منتصف القرن التاسع عشر فكان يعيش في شبه عزلة عن الإقليم الشمالي, وعندما فتحت الإدارة التركية المصرية تلك المنطقة للتجارة المنظمة بدأ العرب والمسلمون في التوغل إليها والعمل على نشر الإسلام إلى أن خضعت للسيطرة البريطانية)10
3- الغرب والشمال الأفريقي:
انتشر الإسلام والثقافة العربية في بلاد المغرب على يد المسلمين العرب الذين اشتركوا في موجة الفتوحات الإسلامية. واختلط العرب مع البربر مما أدى إلى ظهور جيل من البربر المستعربين. وحمل العرب والبربر مشعل الإسلام والثقافة العربية عبر أربع طرق تجارية من شمال أفريقيا إلى غربها ووسطها، أولها ربط ليبيا وتونس بمنطقة بحيرة تشاد، وثانيها ربط تونس ببلاد الهوسا، وثالثها ربط الجزائر بأواسط نهر النيجر، ورابعها ربط المغرب الأقصى بأعالي نهر النيجر)11
ويمكن تقسيم توغل النفوذ الإسلامي العربي إلى غرب أفريقيا وأواسط بلاد السودان إلى ثلاث مراحل:
الأولى: يغلب عليها الاحتكاك السلمي وكان تجار العرب والبربر دعامته.
والثانية: يغلب عليها جهاد المرابطين الذين أعطوا النفوذ الإسلامي المتنامي اقتصاديا وثقافيا سندا سياسيا.
والثالثة: تجمع بين السلم والجهاد، وترتبط بالدعوة للعقيدة الإسلامية وتعميق مفاهيمها بين المواطنين.
وقد اقترنت المرحلة الأخيرة بقيام عدد من الممالك الإسلامية تعاقبت على حكم المنطقة بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر، ومنها مملكة مالي وصنغاي وإمارات الهوسا التي تأثرت بالتدهور العام الذي حل بحوض النيل الأبيض المتوسط مع بداية القرن السادس عشر نتيجة سيطرة البرتغاليين على مصادر التجارة الشرقية)12
أثر العهد الاستعماري في العلاقات العربية الأفريقية: ظهرت الآثار السلبية للاستعمار على العلاقات العربية الأفريقية عن طريق مشكلة اللاتعريب في جنوب السودان, في إطار ما يسمى بالسياسة الجنوبية التي ابتدعتها بريطانيا لفصل الجنوب السوداني عن شماله ومحاولة تغيير الهوية الثقافية للجنوب ، إذا كانت المرحلة السابقة على العهد الاستعماري قد اتسمت بازدهار العلاقات العربية الأفريقية فإن القارة السمراء دخلت منذ السنوات الأخيرة من القرن الخامس عشر الميلادي مرحلة جديدة ارتبطت بنجاح البرتغاليين في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح والسيطرة على السواحل الأفريقية, وبدأت منذ ذلك الحين السيطرة الاستعمارية على القارة والتي استمرت حتى منتصف القرن العشرين. وتركت هذه السيطرة آثارا سلبية في مجال العلاقات العربية الأفريقية بطريقة مباشرة وغير مباشرة. ويمكن رصد أهم هذه الآثار فيما يلي:
1- ضعفت منطقة حوض البحر المتوسط حضاريا وثقافيا واقتصاديا، وتحول مركز الثقل الحضاري والاقتصادي إلى سواحل المحيط الأطلنطي، واستمر هذا الوضع حتى القرن التاسع عشر. وفى شرق أفريقيا وقع صدام عنيف بين البرتغاليين والمراكز التجارية والمدن والإمارات التي أسسها العرب. وخاض العرب والأفارقة كفاحا مشتركا لتحرير تلك الشواطئ في منطقة شرق القارة من الغزو البرتغالي.
2- عملت القوى الاستعمارية البريطانية والألمانية على تفكيك سلطنة زنجبار العربية عندما احتدم التنافس البريطاني الألماني على شرق أفريقيا، والذي انتهى بفرض الحماية البريطانية على هذه السلطنة، وبعد انتهاء الحماية البريطانية قامت جمهورية تنزانيا من تنجانيقا وبقايا سلطنة زنجبار العربية.
3- في منطقة الكونغو وقع قتال عنيف بين الاستعمار البلجيكي من جانب والمعارضين له من العرب القادمين من شرق أفريقيا والوطنيين من جانب آخر. وأراد ليوبولد الثاني القضاء على العرب في الكونغو حيث كانوا القوة المنظمة التي تستطيع مقاومته، ولأنه أراد تنفيذ هذا الهدف دون إثارة العالم لجأ إلى تشويه صورة العرب على أساس أنهم تجار رقيق يعملون على نشر الهوان بين شعوب الكونغو. وكان ذلك سببا في النزاع البلجيكي العربي الذي نشب مع أواخر القرن التاسع عشر وصوره البلجيكيون على أنه حملة لمناهضة تجارة الرقيق مما أدى إلى انتهاء الوجود العربي في الكونغو، إلا أن أثر الحضارة العربية لم ينته باعتراف البلجيكيين أنفسهم.
4- عمل الاستعمار على تحجيم الامتداد المصري إلى الجنوب في عهد محمد علي والخديوي إسماعيل حتى عادت مصر إلى حدودها التقليدية عند وادي حلفا. فقد كانت هذه الأراضي التي امتدت إليها السيطرة المصرية مطمعا للقوى الاستعمارية الأوروبية خاصة أن مصر في اختيارها لمناطق عمقها كانت تهتم بالمواقع الإستراتيجية في البحر الأحمر والمحيط الهندي. كما أن مصر قامت إبان فترات امتدادها بإعداد مناطق وجودها حضاريا وعمرانيا على نحو أغرى القوى الاستعمارية بإرث تلك المناطق)13
الاستعمار على اختلاف مصادره وأشكاله حاول إضعاف الروابط العربية الأفريقية وطمس معالم تاريخ العرب في أفريقيا, إلا أنه في الوقت ذاته عزز من شعور العالم العربي والقارة الأفريقية بأنهما يواجهان مصيرا مشتركا وتهديدا واحدا،
5- ظهرت الآثار السلبية للاستعمار على العلاقات العربية الأفريقية عن طريق مشكلة اللاتعريب في جنوب السودان في إطار ما يسمى بالسياسة الجنوبية التي ابتدعتها بريطانيا لفصل الجنوب السوداني عن شماله ومحاولة تغيير الهوية الثقافية للجنوب عن طريق عدة وسائل منها: إضعاف الوجود الشمالي في الجنوب بمنع العرب المسلمين من الشمال من دخول الجنوب، وإضعاف انتشار الإسلام في الجنوب سواء بإحلال الإنجليزية محل العربية أو بتشجيع اللغات المحلية أو دور الإرساليات التبشيرية، والعمل على التخلص من الموظفين والتجار الشماليين وإبعادهم عن الجنوب. وكان هدف هذه السياسة في النهاية أفرقة جنوب السودان أو لاتعريبه.
6- حاول الاستعمار الإيطالي وقف المد العربي الإسلامي إلى داخل القارة الأفريقية إذ تمكنت إيطاليا من مناطق كانت جزءا من رقعة إسلامية يمثلها المصريون أو العثمانيون أو العمانيون. وسد الإيطاليون باستعمارهم لمناطق شرق أفريقيا المنافذ التي كان يستخدمها التجار العرب الذين كانوا يتوغلون داخل القارة حاملين معهم الإسلام والحضارة واللغة العربية.
7- حاولت السياسة الفرنسية في شمال أفريقيا تحطيم مراكز الثقافة الإسلامية وركزت على التعليم, وسعت إلى دمج شمال أفريقيا في الميدان الحضاري الأوروبي المسيحي، وحاولت إقامة الحواجز أمام بلدان الشرق الأدنى وقطع كل صلة مع المراكز التعليمية العربية الإسلامية، وتعليم اللغة الفرنسية. واتبعت في مناطق غرب أفريقيا التي سيطرت عليها سياسة مشابهة حيث أنفقت على المدارس التبشيرية، واعتمد المبشرون الغربيون -وأغلبهم فرنسيون- على الأعمال الاجتماعية لتنصير بعض الأفراد من بين المسلمين ثم الهرب بهم أو عزلهم عن المناطق الإسلامية بقدر الإمكان حتى لا يعودوا للإسلام، وحاول إضعاف الروابط العربية الأفريقية وطمس معالم تاريخ العرب في أفريقيا, لكنه في الوقت ذاته عزز من شعور العالم العربي والقارة الأفريقية بأنهما يواجهان مصيرا مشتركا وتهديدا واحدا, مما كان له أثر في تدعيم العلاقات في فترة الخمسينيات مع حصول الدول العربية على استقلالها)14
شهدت الخمسينيات درجة عالية من التنسيق والتضامن بين الدول العربية وأفريقيا في العديد من القضايا من أهمها مكافحة الاستعمار والتخلص من الاحتلال والدعم السياسي الذي قدمته الدول العربية لحركات الاستقلال في أفريقيا، نمت العلاقات العربية الأفريقية في الخمسينيات بعد حصول الدول العربية على استقلالها, وشهدت هذه المرحلة درجة عالية من التنسيق والتضامن في العديد من القضايا من أهمها مكافحة الاستعمار والتخلص من الاحتلال والدعم السياسي الذي قدمته الدول العربية لحركات الاستقلال في أفريقيا، وكانت مصر أول دولة تساند حركات التحرر الأفريقية ماديا وعسكريا ودبلوماسيا وإعلاميا في إطار تصاعد الدور المصري في أفريقيا بعد قيام ثورة يوليو/تموز 1952.
كما شمل هذا التنسيق والتضامن دعم القضايا العربية والأفريقية في أروقة الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز، فقد كافحت الدول العربية والأفريقية معا ضد الاستعمار الاستيطاني في جنوب أفريقيا وروديسيا وفلسطين، وتجلت مساعدة الدول العربية للدول الإفريقية في الموقف الإيجابي لوفود دولها لدى الأمم المتحدة من قضايا تحرير البلاد المستعمرة، وقضية مناهضة الدول العنصرية في جنوب أفريقيا وروديسيا وما أدى إليه هذا الموقف من إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 1514 في سبتمبر/أيلول 1960 والخاص بمنح الاستقلال للبلاد والشعوب المستعمرة.
وفي حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 أعربت حكومات الدول الأفريقية المستقلة ومنظمة الوحدة الأفريقية عن تضامنها مع الشعوب العربية، وقد ترجم ذلك في شكل إجراءات قطع جماعي للعلاقات مع إسرائيل. وبانتهاء حرب أكتوبر/تشرين الأول بلغ عدد الدول الأفريقية التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل 29 دولة ولم يتبق من الدول الأفريقية الأعضاء في المنظمة سوى أربع دول لها علاقات مع إسرائيل هي ملاوي وموريشيوس وليسوتو وسوازيلاند.
وشهدت الفترة التالية لشهر أكتوبر/تشرين الأول مباشرة مرحلة جديدة في تاريخ العلاقات العربية الأفريقية كان من أبرز سماتها الاتصالات والمشاورات بين الأمانة العامة لكل من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية. وبادر الجانب الأفريقي بإصدار المجلس الوزاري لمنظمة الوحدة الأفريقية قرارا خاصا بالتعاون العربي الأفريقي نص على إنشاء لجنة سباعية لإجراء اتصالات مع الدول العربية عن طريق الجامعة العربية لدراسة آثار حظر البترول على الدول الأفريقية، وأوصى المجلس بإقامة تعاون اقتصادي عربي أفريقي وشكلت لجنة خاصة بهذا الموضوع عقدت أول اجتماع لها في أديس أبابا عام 1973.
كما قامت الدول الأفريقية في تلك الفترة بتأييد النضال العربي وطالبت بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة، كما ربطت الدول الأفريقية بين حركة التحرر الفلسطينية وحركات التحرر الأفريقية واعتبرت قضية فلسطين قضية عربية أفريقية.
•إعلان برنامج عمل التعاون العربي الأفريقي: وأهم ما جاء فيه تعهد البلدان العربية والأفريقية بتنمية علاقاتها على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف في الميادين المختلفة، وإنشاء لجنة وزارية مشتركة دائمة لمتابعة التعاون بين الطرفين.
•إعلان التعاون الاقتصادي والمالي العربي الأفريقي: وضع خطة للتعاون الاقتصادي والمالي المشترك تتضمن عدة بنود أهمها: تشجيع التعاون الفني بين الدول العربية والأفريقية، وزيادة المساعدات المالية الثنائية، وتشجيع توظيف رؤوس الأموال العربية في الدول الأفريقية وغيرها، وتنظيم طريقة العمل لتحقيق التعاون العربي الأفريقي. وتضمنت الوثيقة الأجهزة والمؤسسات المسؤولة عن وضع إعلان وبرنامج العمل للتعاون العربي الأفريقي موضع التنفيذ وهي: مؤتمر القمة ومجلس الوزراء المشتركان، واللجنة الدائمة، ومجموعات العمل واللجان المتخصصة، ولجنة التنسيق، والمحكمة الأفريقية العربية أو لجنة التوثيق والتحكيم)15
أزمة التعاون العربي الأفريقي: ظهرت العديد من السلبيات في التعاون العربي الأفريقي مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات حيث شابت العلاقات في تلك الفترة أزمات ثقة وشكوك متبادلة في نوايا كل طرف تجاه الآخر بسبب آثار ونتائج اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية
مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ظهرت العديد من السلبيات في التعاون العربي الأفريقي حيث شابت العلاقات في تلك الفترة أزمات ثقة وشكوك متبادلة في نوايا كل طرف تجاه الآخر, ذلك أن تلك الفترة قد شهدت آثار ونتائج اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية, وانتشر الارتباك والتشتت في علاقات النظام العربي وامتد ذلك إلى تفاعلات النظامين العربي والأفريقي، كما حدث ذلك نتيجة تأثر دور القلب المنظم للتفاعلات العربية الأفريقية حتى إن قضية عضوية مصر في منظمة الوحدة الأفريقية وفي اللجنة الدائمة للتعاون العربي الأفريقي أثارت كثيرا من الجدل وحدث توقف في اجتماعاتها بين عامي 1978 و1982.
ومن أبرز صور الارتباك في العلاقات العربية الأفريقية في تلك الفترة اتهام الأفارقة للعرب بمحاولة تصدير خلافاتهم إلى الاجتماعات العربية الأفريقية بل إلى اجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية أيضا. وقد طلبت المنظمة في اجتماعاتها وقراراتها المعلنة عدم تدخل السياسات العربية في شؤون القارة الأفريقية، ومن أمثلة ذلك قرار المنظمة عام 1978 الذي يطلب عدم التدخل العربي في النزاع بالقرن الأفريقي.
وقد استفادت إسرائيل من نتائج الأزمة التي أصابت التعاون العربي الأفريقي وبدأت في متابعة ما يحدث من انكسار وشروخ في العلاقات العربية الأفريقية وعملت على تعميقها واستغلالها لصالحها كي تحل محل الدول العربية في القارة الأفريقية على المستوى التجاري والاقتصادي والعسكري، فتزايدت صادراتها إلى أفريقيا وتزايدت وارداتها منها ومارست نشاطا في حوالي 22 دولة أفريقية في ميادين إنشاء المشروعات المشتركة والتدريب العسكري والمعونة الفنية. كما بدأت إسرائيل بإرسال بعثاتها الزائرة إلى القارة في صورة سرية وعلنية مع تسريب الأخبار بشكل متعمد, وتمكنت إسرائيل من إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأفريقية تباعا بداية من زائير (الكونغو الديمقراطية حاليا) عام 1982 وليبيريا وأفريقيا الوسطى عام 1983.
ومع بداية التسعينيات وفى ظل النظام العالمي الجديد الأحادي القطبية وما ارتبط به من اتساع دور الدول المانحة الأوروبية والأميركية في ميدان القروض والمنح والمساعدات، ودور البنك وصندوق النقد الدوليين في دعم اقتصاديات العديد من الدول الأفريقية، انعكست تلك الظروف في مجملها سلبا على حجم المساعدات العربية المقدمة للدول الأفريقية مما دفع العديد من تلك الدول إلى التشكيك في أهداف التعاون وفى مدى مصداقيته ومدى حماس الجانب العربي للتعاون مع الدول الأفريقية.
وقد أدت تلك الظروف إلى تعثر مسيرة التعاون العربي الأفريقي وانعكس ذلك بشكل سلبي على اجتماعات أجهزة التعاون واَلياته وعلى مدى انتظامها, حيث اجتمعت اللجنة الدائمة في آخر دورة عادية عام 1989 ولم تعقد أية اجتماعات طيلة التسعينيات.
وبذلك شهدت الفترة منذ أواخر السبعينيات تراجعا للعلاقات العربية الأفريقية على المستوى الجماعي, وطرحت العديد من الدراسات إشكالية غياب الرؤية الإستراتيجية في التخطيط لهذه العلاقات, وتخلى الجانب العربي عن الأساس الإستراتيجي والأيدولوجي الصحيح الذي يقضي بأن التعاون العربي الأفريقي هو أمر تحتمه ضرورات الأمن المشترك والمصلحة المشتركة.
في ظل المستجدات الدولية وما يرتبط بها من دور متنام للتكتلات والتجمعات الاقتصادية, تبرز أهمية تدعيم التعاون العربي الأفريقي على المستوى الحضاري استغلالا للمشتركات الحضارية والبشرية والتاريخية بين المجموعتين. وقد شهدت الأعوام الأولى من القرن الحادي والعشرين تطورات إيجابية تبعث الأمل في مستقبل التعاون العربي الأفريقي, حيث طرحت القمة العربية بعمان في مارس/آذار 2001 فكرة إحياء التعاون العربي الأفريقي. كما عقدت اللجنة الدائمة للتعاون العربي الأفريقي دورتها الثانية عشرة في الجزائر في أبريل/نيسان من العام نفسه بعد انقطاع استمر أكثر من عشر سنوات. وأصدرت اللجنة في ختام أعمالها بيانا يعكس مدى حرص الجانبين العربي والأفريقي على تفعيل التعاون بينهما في مجالاته المختلفة, والارتقاء بمستوى العمل العربي الأفريقي المشترك للوصول به إلى الشراكة الكاملة. وتعكس هذه التطورات إدراك الجانبين للتحديات والمخاطر المرتبطة بالنظام العالمي الجديد وضرورة مواءمة التعاون العربي الأفريقي مع المستجدات الدولية الراهنة. ولكن ما زال الفيصل في دعم التعاون المشترك هو وضع هذه التطلعات موضع التنفيذ، وهو ما ستكشف عنه السنوات القادمة)16
العلاقات الأفريقية التركية: تشكّل العلاقة التركية الأفريقية جانبًا جديدًا ومهمًا في السياسة الخارجية التركية، ويعد اهتمام تركيا للقارة الأفريقية مؤشرًا على رغبتها في أن تصبح فاعلًا نشطًا فيها، عبر الجهود الحكومية وغير الحكومية، وبالنسبة للجذر الدبلوماسي التركي مع إفريقيا، افتتاح سفارة تركية في إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك خلال عام 1926م، أي بعد إعلان قيام الجمهورية التركية عام 1923م، بثلاث سنوات فقط، على انقاض الخلافة العثمانية التي ألغيت خلال ذلك العام من قبل الضابط التركي العلماني كمال آتاتورك، الذي حوّل تركيا إلى جمهورية علمانية على النمط الأوروبي، قاطعًا بذلك صلات هذه الجمهورية، الثقافية بماضيها الإسلامي ذي الامتداد العربي والإفريقي
وبدأ ظهور النفوذ التركي في إفريقيا عام 1998م، حين أصدرت تركيا عن توجهها نحو القارة السمراء باسم السياسة الإفريقية، والتي تهدف إلى تدعيم وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بين تركيا ودول إفريقيا، وبعد مجيء حكومة العدالة والتنمية إلى حكم تركيا في 18 تشرين الثاني/نوفمبر2002م، زاد الاهتمام بالقارة الإفريقية في إطار سياستها الخارجية المتعددة الأبعاد)17
أهمية الوجود التركي بإفريقيا للعالمين العربي والإسلامي: في إطار سعي تركيا لاستعادة نفوذها السابق في محيطها الإقليمي وفي العالم؛ فإن تركيا تستخدم أدوات لذلك، منها منظمة المؤتمر الإسلامي التي تريد تركيا أن تعظّّم من دورها, وأن تكون مظلة للعمل المشترك مع دول العالم الإسلامي البالغ عددها 57 دولة, منها عدة دول من جنوب الصحراء الإفريقية، منها أوغندا وبنين وبوركينافاسو وتوجو وتشاد وجيبوتي والسنغال والصومال والجابون وجامبيا وغينيا وغينيا بيساو وجزر القمر والكاميرون وكوت ديفوار ومالي وموريتانيا وموزمبيق والنيجر ونيجيريا، وحرصت تركيا على أن يكون رئيس هذه المنظمة تركياً، وهو أكمل الدين إحسان أوغلو منذ عام 2005م، والشراكة التركية مع دول إفريقيا تعد نتيجة لكلٍّ من التحولات الداخلية التركية والتغيرات في الاقتصاد السياسي العالمي، فالتحولات الداخلية التركية مثّلت تحدياً للشركاء التقليديين لتركيا في الاقتصاد؛ لذا هدفت تركيا إلى تنويع بدائلها التجاريين تماشياً مع التغير في محددات القوة الاقتصادية والسياسية العالمية، )18
أهداف تركيا في إفريقيا: ذهبت بعض التحليلات السياسية العربية بالقول أن انفتاح السياسة الخارجية التركية نحو إفريقيا، جاء بالأساس، لتعويض خسارتها الجيوسياسية في سوريا إثر اندلاع الانتفاضة السورية في 15 آذار/مارس2011م، والتي لا تزال تداعياتها مستمرة واحتمالاتها مفتوحة على كل المسارات. وتعويض خسارتها أيضًا في مصر خاصة بعد عزل الرئيس محمد مرسي عن الحكم في تموز/يوليو2013م. ونرى في هذه التحليلات ما يجانبها الصواب لأمرين: أولهما، أن الاهتمام التركي المتزايد بإفريقيا جاء بعد قدوم حزب العدالة والتنمية للحكم في18 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2002م.وعليه فإن هذا الاهتمام سابق على وقوع الانتفاضة السورية وعزل الرئيس محمد مرسي. لكن هذا لا يعني أن السياسة الخارجية التركية لم تتعرض لخسائر في تلك الدولتين. ثانيهما، أن حكومة العدالة والتنمية في تركيا والتي تتطلع في عام 2023م، وهو العام الذي يصادف الذكرى المئوية لقيام الدولة التركية المعاصرة، في أن تصبح عاشر اقتصاد على المستوى العالمي، وبناتج قومي يقارب 2 تريليون دولار أمريكي، لذا تبني سياساتها الخارجية وفق رؤى اقتصادية ودبلوماسية واضحة المعالم، ولا تبنى على رد الفعل فهي تختلف عن مثيلاتها العربية، ولعل أهم التحديات التي تواجه تركيا في القارة الإفريقية تتمثل في التنافس الإقليمي والدولي عليها، فإيران وإسرائيل والهند والصين وغيرهما من الدول الكبرى لن تسمح لتركيا بأن تحقق أكبر قدر ممكن من المكاسب الاستراتيجية دون تعطيلها أو تقاسمها أو على أقل تقدير تقسيم مناطق النفوذ فيها، فالقارة الإفريقية ليست طريق يفرش بالورود، كي تسير عليه بيسر السياسة الخارجية التركية، وإنما مليء بالأشواك المرتقبة التي تحتاج لإزالتها وهو التحدي الحقيقي لها هناك)19
انقسام الدراسة حول دوافع تركيا في توجيه سياستها الخارجية نحو إفريقيا على النحو الآتي:
أولًا- البعد الدبلوماسي التركي تجاه القارة الإفريقية: في إطار السياسة الخارجية المتعددة الأبعاد التي تتبعها الحكومة العدالة والتنمية في تركيا، جاء انفتاح تركيا نحو إفريقيا ضمن أهداف السياسة الخارجية التركية في العقود الأخيرة، التي بدأت تستشعر روحها القيادية القديمة، باعتماد المشاركة الفعالة في القضايا العالمية. ومما ساعد على ذلك إحساس تركيا المتفاقم بالبحث عن شركاء إقليميين من خلال التعنت الأوروبي في انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي. وعليه، يمكن تقسيم تطور الدبلوماسية التركية تجاه القارة الأفريقية إلى مرحلتين:
1-المرحلة الأولى (2005م-2011م): ففي هذه المرحلة، عملت تركيا على تقوية علاقاتها بإفريقيا على المستويات كافة، وحصلت على منصب مراقب في الاتحاد الإفريقي في 12نيسان/ ابريل عام 2005، وانضمت الى البنك الإفريقي للتنمية في 15 أيار /مايو عام 2005م، كما عملت على تقوية علاقاتها بهيئة المنظمات الحـكومية الدولية للتنــمية في شرق إفريقيا، والتجمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا، ما ساهم في إعطاء هذه العلاقة شكلاً مؤسسياً. وفي سبيل تدعيم العلاقات التركية الإفريقية، استضافت تركيا في آب/ أغسطس عام 2008م، قمة التعاون التركي الإفريقي، ليعلن الاتحاد الإفريقي بعدها مباشرة أن تركيا هي شريكه الاستراتيجي
ومن أجل تقييم المرحلة التي وصلت إليها العلاقات بين تركيا والدول الإفريقية وتحديد الطرق والوسائل الكفيلة بتعزيز هذه العلاقات، عقد في إسطنبول قمة التعاون التركية الإفريقية الأولى في الفترة ما بين 18 – 21 آب/أغسطس 2008 بمشاركة 49 دولة إفريقية وممثلو 11 منظمة إقليمية ودولية من ضمنها الاتحاد الإفريقي، وقد تم في هذه القمة اعتماد الوثائق التالية بالإجماع: إعلان إسطنبول للتعاون التركي الأفريقي: التعاون والتضامن من أجل مستقبل مشترك وإطار التعاون للشراكة التركية الأفريقية.
وقد أثمر تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين دول الإفريقية وتركيا في انجاح مرشح الأخيرة أكمل الدين إحسان أوغلو في تولي منصب الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي العام 2005م، ونيل تركيا مقعد العضو غير دائم في مجلس الأمن في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2008م، حيث صوتت 51 دولة من إجمالي 53 دولة لصالح تركيا قبل أن يصبح عدد دول القارة 54 بعد استقلال جنوب السودان في يوليو/تموز2011م، فإن البعد الدبلوماسي المبني على فتح السفارات بين تركيا والدول الأفريقية والزيارات المتبادلة بينهما كان مدخلا لتعزيز مصالح تركيا العليا في إفريقيا)20
ونظرًا لتناقض وصراع المصالح بين الدول الكبرى في بيئة إقليمية ما، كالبيئة الإفريقية، لفت الاهتمام التركي بالجانب الإفريقي، انتباه فاعلين دوليين، أبدوا رغبتهم في التعاون مع تركيا في هذا الصدد، إذ عقد مسؤولون أتراك مشاورات مع مسؤولين من الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا والمملكة المتحدة والسويد والاتحاد الأوروبي بشأن التعاون في القارة الإفريقية، وقد اقترح بعض الدول مثل فرنسا، أن تنفذ تركيا بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، بعثات تجارية مشتركة في إفريقيا لمواجهة نجاح الصين في الاستحواذ على جانب كبير من الصفقات التجارية مع الدول الأفريقية)21
ثانيًا- الدوافع والأهداف في التوجه التركي نحو إفريقيا
تسير السياسة الخارجية التركية صوب إفريقيا مدفوعة بعدد من الدوافع، منها دافع التوازن الحضاري بين إرث الماضي ومعطيات الحاضر، حيث تعطي أنقرة أولوية قصوى لتحقيق مصالحة تاريخية مع محيطها العربي والإسلامي والإفريقي وإقامة شراكة استراتيجية مع هذه الدول. أما الدافع الاستراتيجي، فلدى حكومة العدالة والتنمية قناعة بأن أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية مرتبط أكثر بمحيطها العربي والإسلامي، ما يدفعها إلى إقامة شراكة استراتيجية مع الدول العربية والإسلامية والإفريقية.
وعلى الجانب الإفريقي لقى التحرك التركي نحو إفريقيا استجابة إيجابية، لاعتبارات عدة، منها: سعي إفريقيا لإقامة علاقة إيجابية مع تركيا وخاصة أن الأخيرة الحديثة ليس لديها ماض احتلالي أو استعماري مع القارة، والاستفادة من التجربة التركية لاسيما في مجال الاستثمار بالبنية التحتية التي تحتاج إليها معظم الدول الإفريقية وخاصة الخارجية من صراعات وحروب، والحصول على الدعم الإنساني والاقتصادي، لاسيما بعد أن استجابت تركيا لبعض النداءات الإفريقية لتوفير المساعدات التنموية والإنسانية لبعض الدول المنكوبة بالصراعات والحروب الأهلية والكوارث الطبيعية من خلال مؤسسة تيكا. وسعيها أيضًا – أي- إفريقيا لنيل الدعم السياسي والأمني، للاستفادة من الدعم التركي في خدمة القضايا الأفريقية في المحافل الدولية خاصة في إطار الأمم المتحدة وكذا الاستفادة من المساعدات التركية وخاصة في المجال الإنساني.
وبهذا التلاقي الإيجابي بين الدول الإفريقية وتركيا، يمكن للأخيرة أن تحقق أهدافها في القارة الإفريقية وهي على النحو الآتي:
– الدفاع عن بقاء مصالح تركيا في بيئتها الإقليمية المتنوعة وذلك من خلال فك طوق العزلة الأوروبية المفروضة عليها سياسيا واقتصاديا، كي تتمكن من الخروج من هذه العزلة المفروضة عليها إقليميا لتتجاوز المسرح الإقليمي إلى ما وراءه إفريقيا، والحصول على أكبر تأييد دولي لوجودها وسياساتها من جانب، فضلا عن السعي لخلق تيار مناهض لمنافسيها في إفريقيا من جانب ثان.
– خلق مجال حيوي لطاقاتها وإمكانياتها الإنتاجية والفنية، على نحو يؤدي إلى تحقيق مكاسب اقتصادية من زيادة التبادل التجاري وخلق سوق واسعة للصادرات الصناعية التركية وضمان مورد هام للخامات، وخلق مجالات عمل جديدة للخبرات الفائضة لدى تركيا)22
استفادة إفريقيا من الشراكة التركية: اقتصادياً يستفيد الطرفان من زيادة التجارة بين تركيا وإفريقيا، فهي تزيد الوظائف والاستثمارات، بل إن إفريقيا شهدت زيادة مضطردة في نشاطات التنمية والمساعدات التركية ومشروعاتها، فوكالة التعاون الدولي التركية وسّعت من نطاق عملياتها بعد 2003م، فالوكالة لديها الآن ثلاثة مكاتب في إفريقيا، في إثيوبيا والسودان والسنغال، ومكاتبها تدعم مشروعات التنمية في تلك المناطق، ومن خلال تلك الدول الثلاثة تعمل في 37 دولة أخرى في إفريقيا، ومع افتتاح سفارات تركية جديدة في القارة فمن المتوقع أن تزداد مكاتب الوكالة, ومن ثم يزداد تدفق المساعدات والشراكة التجارية والاقتصادية مع القارة السمراء.
اكتسب القارة الإفريقية أهمية كبرى لدى السياسة الخارجية التركية، والتي تسعى إلى تمديد نفوذها واستعادة مجدها القديم... فالقارة السمراء لا تزال حتى الآن قارة بكراً بالرغم من سنوات الاستعمار الطويلة، من حيث المصادر الطبيعية والمعادن ومصادر المياه والأرض القابلة للزراعة، وكذلك من حيث النفوذ والهيمنة والتوسّع؛ حيث إن القارة في منطقة جنوب الصحراء لا تزال تتكون من عدة دول فقيرة ومهمّشة, استغلتها القوى الإمبراطورية في السابق، وتطحنها الرأسمالية الطاغية والديون والاتفاقات الدولية في الوقت الراهن، ويمكن أن تمثل زخماً كبيراً للسياسة الخارجية التركية لممارسة قوتها الناعمة، بالاستفادة من كسب أصوات تلك الدول في المنظمات الدولية, وفي عقد شراكات معها لتسويق البضائع التركية، وكذلك لاستيراد المصادر الطبيعية منها؛ بعد أن ظهرت كذلك الكثير من احتياطيات النفط واليورانيوم والذهب والبوكسيت في عدة دول إفريقية.
ويعود الاهتمام التركي بإفريقيا إلى نهاية التسعينيات؛ حيث إنها أرادت أن تعيد أمجاد إمبراطوريتها العثمانية، والبحث عن دور إقليمي فعّال في القارة السمراء, ففي عام 1998م أصدرت تركيا وثيقة عن توجهها الجديد تجاه إفريقيا, أطلقت عليها اسم «السياسة الإفريقية»، وتسعى هذه السياسة إلى تدعيم الروابط الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية التركية مع الدول الإفريقية.
ولكي نرصد الدور التركي في إفريقيا يجب علينا أولاً أن نعرض أهم محدّدات السياسة الخارجية التركية الجديدة، والتي يديرها البروفيسور أحمد داود أوغلو باقتدار، منذ أن كان مستشاراً لرئيس الوزراء رجب طيب أردوجان منذ عام 2002م، وحتى تقلّده منصب وزير الخارجية بدءاً من عام 2009م، حيث حدّد أهم مرتكزات السياسة الخارجية التركية الجديدة في النقاط الآتية:
1 - سياسة «تصفير المشكلات»: بحيث تستطيع تركيا أن تتمدد في جوارها القريب أو البعيد، والذي يجب ألا يكون معادياً أو به مشكلات تعوق انتقال الأموال والبضائع، ومن ثم تستطيع عقد اتفاقيات شراكة أمنية واقتصادية وفي مجالات الطاقة مع تلك الدول التي تُعد الفناء الخلفي لتركيا جنوباً؛ بدءاً من العراق وسوريا, ومروراً بالشرق الأوسط, وانتهاء بإفريقيا.
2 -سياسة البيوت الخشبية: وتعني أنه إذا شبّ حريق في أي بلد مجاور فبالضرورة سوف يمتد إلى تركيا والبلدان المجاورة بسبب طبيعة تلك الدول المتلاصقة، والتي تتشابك مصالحها بعضها ببعض عن طريق الروابط التجارية والثقافية والتاريخية، ومن هنا تبرز مشكلات مثل تقسيم المياه بين دول حوض النيل, وكذلك القرصنة في القرن الإفريقي، بوصفها تهديدات محتملة للنفوذ التركي الناشئ في القارة السمراء، حتى لو كانت تهديدات بعيدة الأمد.
3 - العمق الاستراتيجي: حيث يرى أحمد داود أوغلو أن تركيا يجب أن تتمع بعمق استراتيجي لكي تتمدد تمددها الطبيعي في جوارها, وذلك بالتخلص من كل المشكلات، حيث قال في كتابه: «الفرضية الأساسية لنظرية العمق الاستراتيجي؛ هي أن قيمة الدولة في السياسات الدولية تعتمد على موقعها الجيواستراتيجي وعمقها التاريخي، وتركيا تتمتع بكلٍّ من المكان الذي يعطيها نفوذاً على المناطق الجيوبوليتيكية عن طريق تحكّمها في مضيق البسفور, وتركتها التاريخية للإمبراطورية العثمانية
كما تساهم تركيا في مهام السلام والاستقرار في إفريقيا، حيث إن تركيا تشارك في مهمة الأمم المتحدة لحفظ السلام المنتشرة في القارة، حيث تقدّم تركيا مساعدات مالية وبشرية لست مهام من المهام الثمانية التي تشارك فيها الأمم المتحدة بإفريقيا، كما شاركت تركيا مع مصر في رئاسة «المؤتمر الدولي للمانحين لإعادة إعمار وتنمية دارفور» الذي عُقد في القاهرة في 21 مارس 2010م، وفي أثناء المؤتمر أعلنت تركيا عن منحة قدرها ما بين 65 إلى 70 مليون دولار للمساعدات الإنسانية في مجالات الصحة والزراعة والتعليم في دارفور)25
المصادر والمراجع
1. محمد أحمد المقداد دراسات، العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجّلد 36 ، (ملحق)، 2009ص 6
2.راوية توفيق، الجذور التاريخية للعلاقات العربية الأفريقية ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، الجزيرة.نت
3. نفس المرجع
4 . نفس المرجع
5. نفس المرجع
6. نفس المرجع
7. نفس المرجع
8 . نفس المرجع
9 . نفس المرجع
10. نفس المرجع
11. نفس المرجع
13 . نفس المرجع
14. نفس المرجع
15. نفس المرجع
16. نفس المرجع
17 معمر فيصل خولي مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
19.معمر فيصل خولي ، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية
20. نفس المرجع
21. نفس المرجع
22. نفس المرجع
23 قراءا إفريقية
24.نفس المرجع
25. نفس المرجع
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. لهذا السبب.. روسيا تحذر من اتساع نطاق الصراع في الشرق الأوسط
.. العميد إلياس حنا يتحدث عن ملامح معركة جباليا الجديدة وخطة ال
.. الفلسطيني محمد شوحة يروي تفاصيل نجاته من مجزرة ارتكبها الاحت
.. قصف إسرائيلي على بيروت يخلف دمارا في منطقة سكنية
.. مدير مستشفى كمال عدوان من غزة: أناشد العالم عدم إخراجنا من ا