الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكارٌ حولَ مثَالية الفيلسوف -هيغل - ..

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2023 / 3 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ترجمة لمداخلتيْ الخاصة ، رداً على سؤالِ طُرحٍ في اجتماعِ الجمعيةِ الفلسفيةِ الهولنديةِ .
هلْ كان حقاً ، ينتمي هيغلْ إلى الفلاسفةِ المثاليينَ ..؟!!
Was het werkelijk Hegel die tot de idealistische filosofen behoorde?
- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - -
دأب دارسو الفلسفةِ ، والمهتمينَ بشؤونِ التفكيرِ الفلسفيِ ، على التفريقِ المدرسيِ البسيطِ لتياراتِ ونماذجِ التفكيرِ بشكلٍ عامٍ .
واصطلحوا بأكثريتهم ، على أنَ سبلَ الفلسفةِ برمتها، تنقسمُ إلى أنموذجينِ وحسبً ، هما : الماديةَ أوْ المثاليةِ .
منهمْ منْ قالَ " إنَ الواقعَ ليسَ سوى ما شيّدهُ أذهاننا لنا.. وأنَ الذهنَ هوَ الوعاءُ الأولُ والأخيرُ ، لفهمِ كلٍ منْ السببِ والنتيجةِ ، وهو المحضنُ الأساسُ لإدراكِ كلِ علاقاتِ الواقعِ .
وأنَ وجودَ الفكرِ ( الوعيُ ) يسبقُ كلُ شيءٍ آخرَ ، ولولاهُ لما أدركنا وجودُ ذاكَ الشيءِ الآخرِ ( المادةُ ) . وهؤلاءِ همْ روادُ جانب " المثاليةِ ".
ورأى آخرون أنَ المادةَ هي الاصل ، ومنها يتكونُ كلَ شيءٍ في الكونِ ، وبالطبع ،تتأتّى منها جميع غرائزَ البشرِ، وكلِ عملياتِ وعيهمْ و جذور عواطفهمْ ، بل هيَ أصلُ كافةِ مناحي نشاطاتهم وفعالياتِ أذهانهمْ .
وانهَ يجبُ أنْ يكونَ لها - أيْ " للمادةِ " - الأولويةُ والأهميةُ القصوى في الفهمِ والتفسيرِ . و هؤلاءِ همْ روادُ جانب " الماديةِ .
يرى بعضُ الفلاسفةِ منْ كلا الجانبينِ، أنَ فلسفةَ هيغلْ مثاليةً صرفةً ، لكونها تقومُ - في تقديرهمْ - على أساسِ المخيالْ الفكريَ المحضِ، أوْ الميدانِ النظريِ البحتِ . أوْ لأنَ صاحبها -في زعمهم - لا يرى في الواقعِ ، إلا تعبيرا عنْ العقلِ .
كما اعتبرَ كثيرُ منهمْ أنَ الفلسفةَ الهيغليةَ هيَ مثاليةٌ خالصةٌ ، لأنها حاءتْ ردا على مثاليةٍ " باركلي " التي - كما نعلمُ - ربطُ الوجودِ بشرطِ إدراكهِ أولاً .
لكنْ بحسبِ زعمي في فهمِ فلسفةِ هيغلْ ، وقراءتي المستمرةُ لأفكارهِ ، أقولُ :
- أنَ فلسفةَ هيغلْ ليستْ مثاليةً خالصةً حقا ، لأنهُ لا يعتقدُ أنَ الحقيقةَ عقليةً بحتةً أوْ ذاتيةٍ مستقلةٍ عنْ الوجودِ والواقعِ الموضوعيِ .
- بلْ ، كانَ يعتقدُ أنَ الواقعَ هوَ تعبيرٌ عنْ العقلِ المطلقِ الواعي بذاتهِ والعالمُ ، وأنَ العالمَ والتاريخَ يمرونَ بعمليةِ تطورٍ .
- إنَ الوعيَ عند هيغلْ رغمَ معانيهِ المتعددةِ ، إلا أنهُ - كما فهمتْ - ليسَ بمتعالْ عنْ الوجودِ العيانيِ ، بلْ هوَ محايثْ لهُ . بمعنى أنَ الوعيَ والوجودَ الماديَ الطبيعيَ هما في عروة لاتنفصمْ .
- وكما فهمتْ فإنَ النسقَ الدياليكتيكي الذي قدمهُ لنا ، يصالحَ الوعيُ على المادةِ ، بلا أسبقيةٍ وبلا تفاوتٍ . .
- وأفهمُ أنهُ كانَ يعتقدُ ، أنْ ليسَ هنالكَ تعارضا مطلقا في الطبيعةِ بينَ المادةِ وبينَ العقلِ ، والاختلافُ بينها ربما في الرتبةِ ، فالعقلُ أسمي شأنا منْ المادةِ فقطْ . . أما جوهرهما . . فواحدٌ ، ألا وهوَ " الحركةُ " .
وبناءً عليهِ لا يصحُ - في تقديري - القولُ إنَ فلسفةَ هيغلْ تنتمي إلى التصنيفِ المدرسيِ البسيطِ للأنساقِ الفلسفيةِ ، أيْ إما إلى " المثاليةِ " أوْ الماديةِ "
وهنا أزعمُ أيضا ، أنَ هذا القولِ ، هوَ مجردُ خطأِ شائعٍ كرستهُ بعضُ الإفهامِ الماركسيةِ ، التي استندتْ على الفهمِ القائلِ ، بأنَ منهجَ هيغلْ مقلوب ، وأنهُ يقفُ على رأسهِ ، لأنهُ قامَ على على اعتبارِ الوعيِ سابقا للمادةِ ..
- وهذا الفهم ببساطةِ غيرُ صحيحٍ . لأنَ الوعيَ عند هيغل سمةٌ لازمةٌ ، تتمثلَ في أنهُ - الوعيُ - الذي لا يبتعدُ في أيِ منْ معانيهِ عنْ الوجودِ ، بأيِ شكلِ منْ الأشكالِ ولا بأيِ حالِ منْ الأحوالِ .
- منْ المهمِ أنْ نذكّرَ هنا ، أنَ هيغلْ يعتبرُ أنَ كلَ ما في الوجودِ منْ نظمٍ فكريةٍ أوْ بشريةٍ أوْ ظواهرَ ماديةٍ أوْ طبيعيةٍ ، ما هيَ في النهايةِ ، إلا مظهرا منْ مظاهرِ تشكلاتِ الروحِ المطلقِ ، التي يحكمها قانونُ الجدلِ الذي قوامهُ سيرورةً دائمةً .
-وفي مفهوم المطلقَ عند هيغلْ، الواقعِ غيرِ المشروطِ الذي يتجاوزُ الوجودُ المحدودُ والمشروطُ ، وقدْ رأينا كيف وظفَ هيغلْ هذا المفهومِ ليفسرَ بهِ منطقيا هذا العالمِ .
-وأنَ الغايةَ لتلكَ الروحِ هيَ أنْ تعيَ نفسها ، ووسيلتها في بلوغِ هذا الوعيِ الدينِ والفنِ والفلسفةِ .
- بالإضافةِ إلى أنَ هذا الوجودِ الذي قصدهُ هيغلْ ليسَ بعيدا بالطبعِ عنْ مجموعِ أنواعِ الوجودِ الأرسطيةِ ( الوجودُ الماديُ - الوجودُ بالقوةِ - الوجودُ بالفعلِ - الوجودُ بالتصورِ .
لأنَ هيغلْ على - حدُ فهمي لنسقهِ الفلسفيِ - قدْ يعتقدُ بفكرةِ الكرسيِ التي قدْ تسبقُ وجودهُ بالفعلِ ، لكنْ أيضا يعي تماما ، أنهُ كانَ لهذهِ الفكرةِ أصلَ متساوقْ في الوجودِ الماديِ للشجرةِ .
وبحسبِ رأيِ هيغلْ ، فإنَ الوحدةَ التي يجبُ أنْ تضمَ كلُ شيءٍ ليستْ مجردَ حلقةٍ متوسطةٍ بينَ الروحِ والطبيعةِ ، وإنما هيَ وحدةٌ أعلى منْ الذاتِ والطبيعةِ على حدٍ سواءٍ ، فالطبيعةُ ذاتها هيَ جزءٌ منْ حياةِ العقلِ نفسهِ ، وليسَ لها وجودٌ مستقلٌ عنهُ ،
وهذه الفكرة تختلفُ عما تقومُ عليهِ النظريةُ الماركسيةُ - كما أفهمها - على اعتبارٍ أنَ المادةَ سابقةٌ للوعي ، أيْ على اعتبارٍ أنَ المادةَ هيَ فقطْ ، منْ تحددُ وتنتجُ وتعكسُ مداركُ الوعيِ ، وبالتالي يتطورُ الوعيُ بتطورِ المادةِ المحيطةِ بالانسانَ .
قصارى القولِ :
رغمَ أني لا أتفقُ معَ قولِ بعضِ المفكرينَ - أنَ هيغلْ فيلسوف مثاليٍ صرفٍ ، لكوني أوقن بعمقٍ ، أنهُ كانَ يعتقدُ أنَ الواقعَ والتاريخَ يخضعانِ لعمليةِ تطويرِ وإدراكِ معا . . .
إلا أني أوافقهمْ تماما ، على أهميةِ أنْ ندركَ جيداً ، أنَ الأشخاصَ بعامة مختلفينَ باستمرارِ في الفهمِ ، الذي يفرقهمْ ، على عكس العقل الذي يوحّدَهم ( على حدِ تعبيرِ هيغلْ )، ولذلكَ منْ الطبيعيِ أنْ يكونَ لديهمْ تفسيراتٌ مختلفةٌ ، لفيلسوفِ ما ، أوْ مفهومٍ فلسفيٍ معينٍ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو