الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحبّة هي محور الكتاب المقدس – الجزء الثالث - محبة الأنسان لله

نافع شابو

2023 / 3 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مقدمة
ذكرنا في المقالات السابقة طبيعة الله "محبة" ، وهي طبيعة جوهرية أزلية قبل أن يخلق (الله) العالم , فهي علاقة موجودة تربط الآب بالأبن ، والأبن بالآب بالروح القدس (أي الله الثالوث الجامع في وحدانية واحدة ) . عندما نقول الله " محبّة" ليست فقط محبّة لنا ، بل عاش المحبّة أقصى الحدود . هو العطاء المعطي للحياة ، وهو مصدر الحياة . في قانون ايماننا المسيحي نقول : نؤمن باله واحد ضابط الكُل خالق السماء والأرض وكُلِّ ما يُرى وما لايُرى ، وبربٍّ واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كُلِّ الدهور . اله من اله نورٌ من نور إله حقّ من إله حق مولود غير مخلوق مساوٍ للآب في الجهور ..ونومن بالروح القدس المنبثق من الآب والأبن ... ". الله ليس مجرّد او مركّب بل ثلاثة أقانيم (اشخاص) متميّزين في جوهر واحد ،أي الآب والأبن والروح القدس ، يشتركون في طبيعة واحدة يجمعهم الحب قبل أن يخلق الله بكلمته السماوات والأرض "كُلّ شيء خلق به وله". الله خلق الأنسان على صورته كمثاله" ليكون إبنا له ويبني هذه العلاقة بالمحبة . نحن صورة الله والمثال يسوع المسيح يمثلنا ،والروح القدس الذي يحقق فينا هذه الصورة لتصبح تشبه الصورة الأساسية .
نحنُ فينا كُلِّ إمكانية الله ولكن لازلنا لم نصبح الله بسبب الكبرياء الذي يتكلم عنها الكتاب المقدس عندما نزيح الله من حياتنا ونصبح نحن مكانه هذه هي الخطيئة الأصلية
خلقنا الله لنشاركه في ملكوته ونقيم علاقة مباشرة معه ، لانه هو الحياة والنور والفرح . وعندما نفقد هذا الحب فنحن سنعيش في انفصال مع خالقنا وعندها سنفقد هذا الحب ونعيش في جحيم . تجسّد الأبن " الكلمة " في شخص يسوع المسيح هو لأعادة هذه العلاقة المفقودة ليصالحنا مع أبيه السماوي ، "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يو 3: 16"
الرب إله يحبّ . وهو إله يُحبّهُ المؤمن ولا يكتفي بأن يخافه بل يريد الله من الأنسان أن يشاركه هذا الحب أيضا . طاعة المؤمن لله هي وليدة محبة لا مجرّد التزام في اطارالشريعة . يقول الرب يسوع المسيح : "اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي»."يو 14: 21"

*الوصيّة العظمى في الكتاب المقدس
يقول الله في سفر التثنية: "الربُّ الهنا ربٌّ واحد. فأحبوا الرب الهكم بكلِّ قلوبكم وكُلِّ نفوسكم وكُلِّ قدرتكم "تثنية 6 : 5".
هنا الله يريد أن نستغل جميع ملكاتنا الجسدية والروحية (الفكر، المشاعر ، المعرفة ، الحكمة ، القدرة.....الخ) من أجل تكريس حياتنا لتكون في كُلِّ لحظة في علاقة حب معه ، وها هو يسوع المسيح يُركّز على وصية المحبة في العهد الجديد ليقول لنا بأنّ المحبة (محبة الله ومحبة الأنسان) هي محور وخلاصة الكتاب المقدس . فعندما سأَلَ أحد الفريسيين يسوع المسيح ليجرّبه:"ماهي أعظم وصيّة في الشريعة؟ فأجابه يسوع :
"أحب الربَّ إلهُكَ بكلِّ قلبكَ، وبكلِّ نفسك َ، وبكل عقلك. هذه هي الوصية الأوُلى والعظمى. والوصيّة الثانية مثلها : "أحب قريبك مثلما تُحبُّ نفسك. على هاتين الوصيّتين تقوم الشريعة ُ كُلّها وتعاليم الأنبياء"متى22 : 37 - 40" .هاتان الوصيتان هما خلاصة وصايا الله العشرة وكلِّ الشرائع الأدبية في العهد القديم . يسوع المسيح ركّز الشريعة كُلّها في هاتين الوصيّتين.
"إذا قال أحدٌ "أنا أُحبُّ الله وهو يكره أخاهُ كان كاذبا"وصيّة المسيح لنا هي:"من أحبّ الله أحبّ أخاهُ أيضا"1يوحنا 4 : 20 ،21 "
هناك تقليد في تاريخ الكنيسة يقول : انّ يوحنا الرسول في شيخوخته كان يردّد كلام يسوع عن المحبة . وعندما سؤلَ لماذا تردّد كلام يسوع عن المحبّة أجاب : "الذي يُحبّ لايستطيع عمل سوء للآخرين بل يعمل كل ما هو خير للآخرين"
عندما نحب الله ونهتم بالآخرين فاننا نتمِّم الغرض من الوصايا العشرة وسائر شرائع العهد القديم. فمن الصعب أن نحب لو فكرنا في ذواتنا فقط . الخطيئة تجعل محبتنا لله وللآخرين تبرُد ، عندما نُحوِّل كُلِّ أهتماماتنا الى ذواتنا . نحنُ لن نستطيع أن نُحب عندما نُفكِّر فقط في أنفسنا .
من عرف محبة المسيح يعرف أنّ الحياة بدون المسيح الذي جسّد محبة الله لنا ليس لها معنى ، بل فيها فراغ وعطش وجوع وملل وخواء وعدم الراحة وفقدان السلام. لا يستطيع ايّ كائن أو أيُّة عقيدة أو أيُّ دين أو أيُّ فكر أو أيُّ حزب اشباع هذا العطش والجوع الروحي سوى الذي وهبنا الحياة ونفخ من روحهِ في أعماقنا وهو الإله الحي الذي يروي ويشبع حياتنا الروحية.
*يسوع السميح هو ينبوع الماء الحيّ
"كما يشتاق الأيلُ الى مجاري المياه ، كذلك تشتاقُ نفسي اليك يا اللهُ ، اليك ، الى الإله الحيّ عطشت نفسي"مزمور 42 : 1"
انَّ الذين عرفوا محبة الله وأقاموا علاقة حُب معه يعرفون حنين الأنسان الى خالقه. هذا ما غنّاه أحد المغنين الذي كان بين العائشين في هيكل الله ، فصار في المنفى(في بابل) ، وتحسّر على الأحتفالات المقدّسة ، ولاسيّما في وقت الأعياد ، وهو كان يرجو أن يعيده الرب الى خدمته . كما هو حنين الى حضور الله بشكل خاص في هيكله مركز حضوره .وكما هو حنين الخاطئ الى بيت الوالدي ، على مثال الأبن الظال (لوقا 15 : 12) :
كذلك ينشد داود النبي هذا النشيد عن اشتياقه لله في وقت الشدة فيقول:"يا الله ُ ، إلهي أنتَ ، وإليك أُبكرُ ، فإليكَ تعطشُ نفسي . جسدي يتوق اليك كارض قاحِلة يابسة لاماء فيها " مزمور 63 : 1 ،2" .
كما الأنسان لايستطيع ان يعيش بدون الماء والطعام هكذا الأنسان لامعنى لحياته بل هو ميت دون الماء الحي يسوع المسيح . كيان الأنسان كُلُّه تصرخ الى باريها لأنّها منه واليه ترجع . فكما أنّ الطفل يشتاق الى حنان ومحبة أمِّه وهو لا يستطيع الأستغناء عن هذا الحب والحنان هكذا في أعماق كُل انسان شوق وعطش وجوع وفراغ لا يُشبعهُ الاّ محبة الله وحنانه مهما بلغت معرفته وتعليمه وحكمته الأرضية . كم تكون مسرّة الأنسان وبهجته مع خالقه الذي هو غير محدود ومحبته لنا غير محدودة. فالمحبة هي الحياة ، فلا يمكن أن نفصل الحياة عن المحبة لأنّ الذي أحبنا أعطانا الحياة.
ألأنسان الذي يعيش في علاقة حبّ مع الرب ، صوّرها كاتب سفر التكوين ، كإنسان يعيش في الجنة مع الله وكشجرة لا تذبل . ويقول كاتب المزمور:"فيكون كشجرة مغروسةٍ على مجاري المياه ، تعطي ثمرها في أوانه " مزمور 1 : 3"
كشجرة لا تذبل"ارميا 17 : 8". تلك كانت أشجار الفردوس المغمورة بالمياه "ارميا 17 : 6-8" هي صورة البركة التي ينالها البار .
الكثيرون اليوم أصبحوا مثل الشعب الأسرائيلي في الماضي، عندما اختاروا لأنفسهم اباراً متشقٌقة بتحّولهم عن محبّة الله، ينبوع الماء الحي، ليختاروا محبّة الأصنام (المال السلطة الشهرة المركز....الخ) وهي الشهوات الزائلة .
يقول الله على لسان أرميا النبي: "تركوني أنا ينبوع المياه الحيّ وحفروا لهم ابارا مشقّقةً لاتُمسِكُ الماء"ارميا 2:13" .
إنّ محبة الله تملأ حياتنا وتمنحنا القوّة للوصول الى الآخرين، ومع محبة الله سينجذب الأنسان الى المحبة الكاملة للكيان الأنساني .
نعم عالمنا اليوم منشغلٌ بأمور الحياة المادية واصبح هم الأنسان اللهث وراء كُلِّ ما هو جديد وما هو مريح وماهو مُبهر ومغري ، وكأنّه في صحراء وهو عطشان فيلهث وراء السراب ظنّا منه أنه الماء . ونحن في عالم شديد العطش الى ماء الحياة . عالم فيه المادة (الحسيّات) طغت على الحياة الروحية ، ونسى الأنسان أنّ ينبوع الماء الحي هو يسوع المسيح وحده الذي يستطيع أن يروي عطشه وجوعه الأبدي الى المحبة الألهية . يقول الرب يسوع المسيح :" الروحُ هو الذي يُحيي ، أمّا الجسدُ فلا نفع منهُ والكلام الذي كلمتُكُم به هو روحٌ وحياةٌ"يوحنا6 : 63"
يقول الرسول بولس :" إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَقَدْ صِرْتُ نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ"كورنثوس 13 : 1"
لاقيمة للمواهب الروحية إن لم تنعشها المحبة التي هي حياة الله من الداخل. فالمحبة هي في قلب الأنجيل ، وموجز مشروع الله في العالم . لاقيمة للشرائع والوصايا الإلهية بدون ان تكون المحبَة على رأس هذه الوصايا، أي محبّة الله ومحبّة الآخر ، كما اكّد على ذلك يسوع المسيح . دون المحبة تبقى الحياة مثل بركة الماء الآسنة الراكدة ، بينما يسوع المسيح يقول عن نفسه أنّه ينبوع الماء الحي ، رمز الحياة الأبدية وعطيّة الروح القدس، وكُل انسان في عطش الى حبّ حقيقي ، الى ماء الحياة . وهذا ما كشفه يسوع المسيح في حديثه مع المرأة السامرية عندما قال :" كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ(ماء البئر) يَعْطَشُ أَيْضًا وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ"يوحنا 4 : 13 ، 14".
وفي عرس قانا يُخبرنا يوحنا الحبيب أنّ يسوع المسيح قال للخدَم "إملاْوا الأجران ّ بالماء" يوحنا 2 :7"
وهنا الماء ترمز الى ملء الحياة الأبدية بيسوع الحي . جاء يسوع ليملأ حياتنا فرحا وليحوّل حياتنا القديمة الى حياة متجددة . إنتهى العهد القديم ، اليوم العريس موجود معنا فنحتفل نحن مع العريس( ابن الله) ، الذي جاء ليشاركنا الأفراح والأتراح . وها هو يطلب منّا أن نمتلأ من محبّته حتى نفيضه على الآخرين "استقوا ألآن وناولوا رئيس الوليمة " يوحنا 2 :8 ".هذا هو الخمر الجديد رمز الحياة في العهد الجديد. هذا هو اليوم عرس الملك وهو مسرور أن يكون عروسه (الكنيسة) فرحة لان العريس موجود معها فيكمل فرحها . فكما هو ينبوع الحياة ولكنه يريد أيضا أن نبادله المحبّة . فهو كما قال للمرأة السامرية "اسقيني " يوحنا 4 : 7" .إنّه يريد أن نسقيه أيضا بحبنا . فالحب يجب ان يكون متبادلا وإلّا سيكون حبا انانيّا .
يسوع المسيح عندما كان على الصليب صاح "أنا عطشان" لمحبتكم ، فإذا بنا نسقيه خَلّاً ومرارة . فبدل ان نروي عطش محبّته لنا سقيناه خلّاً رمز الأسترخاص به .أمّا هو اعطانا خمرا جديدا رمز الحياة الجديدة .
"ثُمَّ أراني الملاك نهر ماءِ الحياة صافيا كالبلّور ، ينبع من عرش الله والحَمَل "رؤيا 22 : 1" . ماء الحياة يرمز الى الحياة الأبدية ، وهذا الماء ينبع من عرش الله ويسوع المسيح ابنه . إنّ حياتنا الأبدية نسقيها من الله وابنه يسوع المسيح (حمل الله الحامل خطايا العالم) .
*الحُبُّ أقوى من الموت
إنّ الحُبَّ الذي يربط الأنسان بيسوع المسيح هو حبٌّ سماوي عفيف ومقدّس ، وعندما تصل العلاقة الحميمية بين ألأنسان ويسوع المسيح الى القمة ، فعندها يستسلم الأنسان الى نشوة هذا الحبّ المتسامي ويسبح في سماء الكون ويشعر الأنسان انَّهُ قد قَهرَ الموت وأصبح خالدا ."لأنَّ الحُبّ اقوى كالموت "نشيد الاناشيد ٨ : ٦٧" . الحب قوي كالموت بل أقوى من الموت، نحن في الحب إذاً نحن في الله! . لذلك نحن أقوى من الموت! .يسوع قام وأقامنا معه، فأصبح الموت مهزوماً أمام هكذا حُبّ
كان أقوى شيء قبل المسيح هو الموت، فأخذ كمثال كأقوى شيء، فكل جبار مهما زادت عظمته وجبروته هُزِمَ أمام الموت. (بعد المسيح تَغَيَّر هذا فقيل "أين شوكتك يا موت"). والعروس في نشيد الأناشيد تود أن تقول أن محبة عريسها أقوى من الموت، وهذا ما إتضح على الصليب، وهي تعتمد على محبته القوية هذه ليعيد تشكيلها فتصبح على صورته. وهناك من أحب المسيح وصارت له نفس صورة هذه المحبة ونرى هذا في مواكب الشهداء الذين أحبوا الموت حبا في المسيح وفضلوه عن حياتهم. محبة المسيح كانت أقوى من الموت وظهر هذا على الصليب، ومحبة الذين أحبوه كانت أيضًا أقوى من الموت وظهر هذا في الاستشهاد.
للأسف في هذا الزمن فترت المحبة في قلوب الكثيرين بسبب ظهور أنبياء كذبة وأفكار ماديّة وتعلّق قلوب الناس بالشهوات الزائلة. صَدَقَ الرب يسوع المسيح عندما تنبّا عن المستقبل وفتور المحبة في قلوب الناس وحتّى المؤمنين عندما قال:
"ويرتد عن الأيمان كثيرٌ من الناس ، ويخون بعظهم بعضا ويبغض واحِدُهُم الآخر ، ويظهر أنبياء كذّابون كثيرون ويظلّلون الكثير من الناس، ويعم الفساد ، فتبرد المحبة في أكثر القلوب "متى 24 : 12و11 و10 " .
*يسوع المسيح هو خبز الحياة الأبدية
يسوع المسيح عندما عمل معجزة تكثير الخبز واطعام الجياع ، كما جاء في انجيل يوحنا الأصحاح 6 .اكتفى الجمع بأكل الخبز العادي ، فتحمّسوا من اجل ذاك الذي اطعمهم هذا الخبز ونسوا يسوع المسيح الذي يعطي الطعام الحقيقي ، يعطي الحياة الأبدية .
وهذه الحياة ننالها بالأيمان ، الذي هو تعلُّق بالرب في شخص يسوع .أهتم السامعون بأعمال الله ، امّا يسوع فطلب منهم أن يؤمنوا ويقبلوا ما يُقدّم لهم . طلبوا من يسوع آية (علامة من عند الله) تضاهي معجزة المَن (الذي طلبه موسى لشعب اسرائيل في البرية لانهم جاعوا ، كما ورد في سفر الخروج). وقابل الشعب ما عمله يسوع وما عمله موسى ، فرأوا أنّ موسى تفوّق على يسوع. اطعم يسوع خمسة آلاف . أمّا موسى فشعبا كاملا . اعطى يسوع خبزا مرة واحدة . امّا موسى فظل يعطي أربعين سنة . ولكن موسى يبقى الخادم في بيت الله ، وما هو الذي اعطى المَن ، بل الآب السماوي . لهذا كان يسوع ، ابن الله ، أعظم من موسى وهو يدعو شعبه الى الأيمان سواء رأى ام لم يرى.
رفع يسوع نظر اليهود الى خبز اهم من المَن ، الى خبز الله ، ووجّهم أبعد من العطيّة ، وجّههم الى من يعطي هذا الخبز والذي كان موسى صورة عنه . وللأسف اليوم العالم يريد الخبز الفاني ولايطلب خبز الحياة الأبدية. هناك من لا يزال على المستوى المادي ، وحين يحاول يسوع أن يرفعهم الى المستوى الروحي ، يستصعبون كلامه ويتركونه ، كما فعل الشعب اليهودي الذين كانوا يتبعون يسوع لأنه كان يعمل معجزات ومنها تكثير الخبز . ولكن عندما القي القبض عليه وصلبوه ، تركوه وانكروه . ولهذا قال يسوع للشعب اليهودي الذي كان يتبعه:
الحقَّ الحقَّ أقول لكم : أنتم تّطلبوني لا لأنّكم رأيتم الآيات ، بل لانّكم أكلتم الخُبز وشبعتم ، لاتعملوا للقوت الفاني ، بل أعملوا للقوت الباقي للحياة الأبدية".يوحنا 6 : 26 ،27"
يسوع المسيح هو الخبز النازل من السماء والذي يأكل هذا الخبز يحيا الى الأبد امّا الذين يكتفون بالخبز العادي فهم توقفوا عند هذا الخبز ونسوا يسوع الذي يعطي الطعام الحقيقي وهو " الحياة الأبدية".
يقول الرب يسوع المسيح :
" الحق الحق أقول لكم : من يؤمن بي فله حياة أبدية. أنا هو خبز الحياة. آباؤكم أكلوا المن في البرية وماتوا . هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت . أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم"يوحنا 6 :47 – 51"
يسوع أيضا واجه تجارب في حياته ، هو لن يُتم ّ مهمته بواسطة قوّى فائقة الطبيعة من اجل حاجاته الخاصة ولا بواسطة قوّته "السحرية" ومعجزاته ليبهر الجموع فيرافقونه لحظة (يصفّقون – يتعجّبون) ثم يتركونه في طريق الصليب .ولا بواسطة مساومة مع إبليس تتيح لهما اقتسام العالم . فعندما قاد الروحُ القدس يسوع الى البريّة ليجرّبه إبليس ، أمتُحن يسوع في "البرية" فدلَّ على انه يحيا من كل كلمة تخرج من فم الله . بل دلّ أنّه هو الكلمة . وحيث خان آدم(عندما اكل من شجرة معرفة الخير والشر) ، كان يسوع أمينا ، فصار مخلّص جميع الذين يتقبّلونه . جُرّب فعرف ضعفنا . لايشكّ إبليس ببنوة يسوع الإلهية ، بل ينطلق من هذه البنوّة لينتزع الأرتباط بالآب الذي أرسل ابنه الى العالم ليخلص العالم.
"فدنا منه المجرّب(إبليس) - بعد ان جاع يسوع بعد صيامه أربعين يوما - وقال له (ليسوع) :
"إن كنت ابن الله ، فقُل لهذه الحجارة أن تصير خُبزاً . فاجابه (يسوع) : "مكتوب : " ليس بالخبزِ وحدَهُ يحيا الأنسانُ ، بل بكل كلمةٍ تَخرُج من فم الله" متى 4 : 4"
فكما اعطى الله المنَّ طعاما جسديا لشعبه في البرية (راجع سفر الخروج) لكي يرتبط به ارتباطا روحيّا ، هكذا يرتبط يسوع بأبيه وينتظر منه كلّ شيء. إنّ معرفتنا بالكتاب المقدس وطاعتنا ومحبتنا ليسوع المسيح ابن الله يساعداننا على ان نتبع رغبات الله لا رغبات الشيطان . لقد جُرّب يسوع من الشيطان ولكنه لم يخطئ ابدا (هو منزه من الخطيئة حتى في كتاب القرآن ).
يسوع المسيح علّمنا كيف نُصلّي للآب السماوي لكي يعطينا خبز الحياة
*بماذا تتمييز المسيحية عن بقية الديانات والمعتقدات؟
الأجابة بكل بساطة لهذا السؤال هو" المحبة". فكلّ الديانات التي جاءت قبل المسيح وبعد المسيح لم تشفي غليل الأنسان المتعطّش, ليس الى شرائع وقوانين النهي وفرائض للعقاب والثواب, بل كان الأنسان ولازال متعطش الى شئ أسمى من الأوامر والشرائع , كان ولا يزال متعطشا الى من يحبُّه ويبادله المحبة وهذه كانت غاية جميع الشرائع الألهية, لأن الله زرع فينا هذا الشوق الى المحبة .
"المحبة" هي شريعة المسيحية "أي العلاقة بين الله والأنسان وبين الأنسان وأخيه الأنسان" ففي المسيح يسوع لا الختان ولا عدمهِ ينفع شيئا, بل الأيمان العامل بالمحبة"غلاطية 5:6".
الله في المسيحية ليس غايته تخويفنا ولكنه يُظهر لنا عبر التاريخ عظمته وقدرته لكي ننتبه ونتأمّل ونعيد مراجعة حياتنا معه ولا ننسى أنّه غيور على هذه المحبّة، ولا يقبل أن نخون هذه المحبة بل علينا أن نُبادله المحبة، فهو يريد أن نتبعه عن محبة لا عن خوف"1يوحنا 4 : 18" .
تقول رابعة العدويّة (التي لُقِّبت بأميرة الحب وكانت من المتصوفين ):
"ان أحببتُكَ طمعا في جنّتُكَ فأحرمني منها وان أحببتك خوفا من نارك فأطرحني فيها ، ولكني أحببتُ ذاتك ، فأسكني في جنتك وأبعدني من نارك".
هناك عبادة خوف في بعض الديانات أما في المسيحية ، المحبة تطرد الخوف"لا خوف في المحبة ، بل المحبة الكاملة تنفي كُلّ خوف"1يوحنا 4:18" بينما نجد في بعض المعتقدات والديانات الآخرى عدم ايمانها بهذه المحبة بين الله والأنسان وبين الأنسان وأخيه الأنسان ، فهناك حواجز بين الله كسيد الكون جالس على العرش بينما الخليقة ، ومنهم الأنسان ، هو عبد مطيع وما عليه الاّ أن يقوم بفرائض وأعمال لكي يكسب ودّ الله ويتجنب غضبه . أي انها علاقة بين سيد وعبد . بينما جاء المسيح ليعطينا الحق أن نصبح أبناء الله ويحررنا من العبودية "يوحنا 1:12" .
المحبّة "في مفهوم المسيحية" هي دين وأيمان ، والعبادة في المسيحية هي تعبير عن المحبة وليس خوفا والمسيح لايسمينا عبيدا بل أبناء الله ، سادة أحرار ، فقصْدْ الله من خلقنا لم يكن لكي نعبده( والا كان هذا الإله أناني وحاشى لله أن يكون كذلك) ، بل أنه لم يرى أجمل من صورته فخلقنا على صورته كشبهه ليحبنا . فنحن مخلوقين لنكون كاملين ولنشاركه في ملكوته الى الأبد . وما علينا الا أن نقيم علاقة محبة معه . فعلاقة الحب الذي يجمعنا مع الله هي من صميم هدف الحياة لتمجيد أسم الله والتمتع بملكوته ونحن في هذه الأرض.
يقول الأب هوفلان مرشد القديس شارل دي فوكو: لقد جعل (يقصد القديس شارل فوكو)الديانة حُبّا عندما يقول "الحب ديني وأيماني".
ويقول الرسول بولس في مكان آخر بما معناه أنّ شهوات هذا العالم أعمت عيون الأمم (أي غير المؤمنين بالمسيح) فلا يستطيعوا أن يميزوا بين الخير والشر بين المحبة والشهوة, فهناك المحبة الحقيقية الصافية النقية التي هي عطاء . وهناك الشهوة الشريرة التي هي الأمتلاك ، ألاولى سماوية والثانية هي من الشرير.
حياة المؤمنين لها أولويات ويجب أن يكون في مقدمة أولويات الحياة هي التمتع بمحبة يسوع المسيح الذي هو مصدر المحبة وواهب الحياة :"من يكون له ألأبن فله الحياة ُ، من لا يكون له أبن الله ، فلا تكون له الحياة"1يوحنا 5:12". وهو الذي يشغل قلوب العطاشى الى حنانه وحبه وعشرته ، وهو الخبز الحقيقي النازل من السماء الذي يعطي العالم الحياة . وهذا ما فعلته مريم ، أخت مرتا ولعازر ، عندما زارها يسوع المسيح في بيتها فجلست تحت أقدام يسوع المسيح وهي تستمتع بكلامه وتنظر الى وجهه المشرق وهي تذكر قول صاحب المزمور الذي يقول: "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" مزمور 34 :8"
نقرأ في بشارة لوقا ما قاله يسوع المسيح لمرتا عندما جاءت وقالت ليسوع :"يارب ، أما تُبالي أن تَترُكني أُختي (مريم) أخدُمُ وحدي؟ قُل لها أن تُساعدني !. " فأجابها الربُّ :"مرتا ، أنتِ تقلقين وتهتمين بأُمور كثيرة ، مع أنّ الحاجة الى شيء واحد. فمريم أختارت النصيب الأفضل ، ولن ينزعهُ أحدٌ منها"لوقا "10:40,41 .
*الهنا اله العائلة
الرب يسوع المسيح علّم تلاميذه الصلاة الربانية وقال : صَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ وَالْقُوَّةَ وَالْمَجْدَ إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ."
يسوع المسيح هو الذي علّمنا أن نخاطب الله كأب لنا لأنّه "خلقنا على صورته كمثاله" . ويسوع المسيح هو أخونا الأكبر ، ونحن أخوة له . فنحن ننتسب الى عائلة الله ، لأننا بالولادة الجديدة اصبحنا أبناء الله . ويسوع يعلّمنا ان نقدس اسم الله فينا بسر المعمودية ونعيش منذُ ألآن في ملكوت الله حيث يقول الرب يسوع :" ملكوت الله في داخلكم"لو 17: 21". . وعلَّمنا ان نطلب خبزنا كفافنا اليومي رمز الأفخارستية (الشكر) وهو ايضا خبزالحياة . فنحن هياكل الله ،لأنَّ الله ساكن في قلوبنا . فهذه الصلاة نموذجا حيّا عن علاقتنا بالله الآب وابنه يسوع المسيح .
يمكن تشبيه(مجازي) علاقة المحبة بين الله والأنسان وعلاقة الأنسان بأخيه الأنسان كعلاقة العائلة الواحدة ، فعندما تكون علاقة المحبة والحنان هي السائدة في العائلة الواحدة، عندما يحب الزوج زوجته ويضحي من أجلها كذلك الزوجة والأثنان يعكسوا هذا الحب لأبنائهم ، عندها يترعرع الأبناء ويرضعون بفيض المحبة والحنان الذي شبّوا عليه، وسوف تنعكس هذه العلاقة مع الناس الآخرين في المستقبل، فسيكون(في الغالب) هؤلاء الأبناء محبوبين ويحبّون الآخرين من الناس ، هذا مايقوله حتّى علم النفس الحديث. بينما العائلة المتفككة من الصعب(في الغالب) على الأولاد الذين شبّوا في كنف هذه العائلة أن يحبّوا وهم أصلا حُرموا من محبة الوالدين لهم، فكيف يستطيعوا أن يحبّوا الله والآخرين أذا كانت صورة العائلة، متمثّلة بالأب والأم، مشوّه ومشوشة في هذه العائلة( التي تمثل علاقة الله بالأنسان). يقول المثل(فاقد الشيء لا يعطيه). الله في العهد القديم يصوّر علاقته بشعبه كالعلاقة الزوجية(راجع سفر النبي هوشع) فعندما يعبد شعب اسرائيل آلهة الوثنيين ويخون الله المرتبط معهم بعهد مقدس ، فيشبّه الله هذا العمل كخيانة الزوجة (رمز للشعب ألأسرائيلي) لزوجها (رمز الله) ، أي الزنى، لأنّ الزواج هو عهد وسر مقدس ، وأحيانا يرمز لهذه العلاقة كالعرّيس والعروسة (راجع سفر نشيد الأنشاد).
انّ المؤمنين( الحقيقيين )الذين بنوا ايمانهم على صخرة المسيح وأختبروا محبة يسوع المسيح وعاشوا متمسكين وراسخين في محبتهم وايمانهم ،عندها لا تستطيع قوات الشر ولا الظروف الصعبة ولا الحروب ولا الضيقات ولا الموت أن يفصلهم عن محبة المسيح ، وهذا ما أختبره بولس الرسول فينقل لنا هذا الأختبار في أروع صورة اذ يقول:
"فمن يفصلنا عن محبة المسيح؟ أتفصلنا الشدّة أم الضيق أم الأضطهاد ُ أم الجوع ُ أم العُري أم الخطر أم السيف؟ فالكتاب يقول: "من أجلكَ نحنُ نعاني الموت طوال النهار، ونُحسب كغنم للذبح " روميا 8 : 35 ، 36"
إنّ تعزية المؤمنين هو يقينهم أنّ المسيح لن يتركهم ولن يتخلّى عنهم مهما كانت الظروف صعبة ، فلا شيء يمكن أن يمنع حضوره الدائم معهم ، وهكذا نرى المؤمنين وسط كُل هذه الضيقات يعيشون بسلام روحي وهدوء لا يستطيع العدو أن ينتزعهُ منهم أو يسلب ارادتهم ، لأنّهُم يتّكلون على الذي مات من أجلهم ، فمحبّته لا تُقهر فهي أقوى من الموت. فالآلام يجب أن لا تُبعدنا عن محبة الله ، بل تُساعدنا على الألتصاق أكثر بيسوع المسيح ، وأن تغمرنا محبّته وتُشفينا .
يسوع المسيح هو الشخص الوحيد به نستطيع أن نحصل على التمتع بمحبة الله وملكوته ، ويجب أن تكون محبّتنا ثابة مهما كانت الظروف وعلينا أن نراجع أنفسنا ونرجع الى مصدر المحبة ليغمرنا بمحبّته الغير المشروطة كما فعل الأبن الظال عندما ضاقت به الحياة وهو بعيدا عن أبيه، فقال في نفسه "أقوم وارجع الى أبي ". وكان الأب ينتظر رجوع ابنه وعندما رأهُ قادما من بعيد أشفق عليه وعانقه وقبّله "لوقا 15:20".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية


.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-




.. صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها