الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وطن المنفين

عماد ابو حطب

2023 / 4 / 3
الادب والفن


وجوه متعددة للوطن

1/

ماذا اخذ معي وانا لا أملك قاطا ولا رباطا
صررت ذكرياتي في بقجة صغيرة ..حملتها على ظهر واهن منحنى..
ودعت أياما لا أملك قوتها وعملا يوصل ليلي بنهاري...وفجرا لا يصاحبني فيه إلا المومسات والقوادين وسكارى الطرقات..
وقبيل الخطوة الأولى نظرت إلى الضفة الأخرى لأطمئن على أصدقائي الصعاليك
كانوا يرفلون في قصور وحرير
يتلاعبون بحسابات ومال وفير
ويحملون جوازات حمراء لا يوقفها حاجز أو غفير...
لم أكمل النظرة فقد شبعت ممن يعلبون نضالهم التافه ويبيعونه لنا كأنه اكسير عودة بينما قدماي الواهنة تبحث عن آخر المصير...

2/

ينهي عمله فجرا.انها الساعة السادسة والحاجة تحضر ركوة القهوة.يركض ابو السعيد ناسيا عمره الذي اقترب من الستين.كل صباح يقتطع من يوميته ثلاثة يوروات ثمنا لهذه البطاقة السخيفة المرسوم عليها صخرة الروشة.يدخل الأرقام في هاتفه الخلوي ويرتشف القهوة الصباحية من بين أنامل الحجة.

3/

منذ خمسة عشر عاما ، يعود الى البيت في الثالثة فجرا مرهقا من العمل . يتناول عشاءا فلسطينيا وكوبا من الشائ الخمير ،يتفرج على الاخبار في احدى القنوات العربية ويبكي منفاه القاتل مع صور القتلى المتناثرة في أرجاء الشاشة.

4/


في الثانية عشرة ليلا يحمل حقيبته على ظهره ويخرج ككل ليلة إلى العمل في الكشك الواقع في ذلك الحي المقيت المليء بالقوادين والمومسات والمدمنين.ثماني ساعات كاملة يبقى متأهبا خلف الزجاج المضاد للرصاص يخاطب الزبائن عبر فتحات صغيرة فيه تتيح للصوت فقط أن يتسلل بطيئا في الاتجاهين وعبر صندوق صغير تمر عبره النقود والمشتريات.ثلاثة يوروات يقبضها كل ساعة.في الصباح الباكر يفتح صاحب الكشك الباب المغلق باحكام من الخارج لينهض حامدا الله على بزوغ الفجر عليه . لقد حمته عين الله الزجاجية المضادة للرصاص من جديد.

5/

لا أحد يعلم أنه هنا.أشهر مرت وهو حبيس هذه الزنزانة الانفرادية تحت الأرض.لا أحد يسمع صرخاته أو أناته.أيام تمر دون حساب وهو لا يعلم ليله من نهاره.وحدها عجلة التعذيب لا وقت لها ولا تتوقف.هل تغير لون الشمس الآن؟هل أزهر الحنون؟هل وهل وهل؟لا بد أن من في الخارج قد نسيوه، فهو نفسه قد قارب أن ينسى اسمه ولم يعد قادرا إلا على الأنين.
نهض واقترب من الحائظ .و باظافره المدماة كتب إسمه...عمره...تاريخ اعتقاله...مدينته...اسم زوجته وكلمة أحبك...
تكور على أرض الزنزانة كالجنين وغفى إلى الأبد.

6/

بلحيته الطويلة وجلبابه القصير وقف وزير الصحة الجديد في قاعة البرلمان معلنا عن برنامجه الثوري الجديد لانقاذ الوزارة من ثقل الموازنة المرهق.برنامج يتلخص في جملتين وعلى جمهور المؤمنين الإلتزام به:"وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ"..... و"كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ".ما أن أنهى الوزير جملتيه حتى ارتفعت الحناجر بالتكبير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب


.. الدكتور حسام درويش يكيل الاتهامات لأطروحات جورج صليبا الفكري




.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس