الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإيمان الطوعي والإيمان المتغلب

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 4 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقول النص {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ } آل عمران144، السؤال هنا في معرض الآية هل أنقلب المسلمون لأن محمد قد ما أو قتل ؟ أم لأن الانقلاب أصلا طبيعة متأصلة في الذات البشرية لا بد لها من علامة أو أشارة؟ فإن كان الجواب الأول يعني أن الانقلابين كان هدفهم الأستحواذ فقط على سلطة محمد وتنازعوا وتصارعوا عليها، وأما إن كان الجواب الثاني فهذا يعني أن الأديان في جميع الأحوال إن لم تكن مسندة بالعقل فيكون مصيرها العجز عن تهذيب الطبع البشري، وفطمه عن الميل الحيواني القائم على التمرد الفوضوي لوجود الأنا المتضخمة المستعصية على الأنسنة السليمة، هناك الكثير من التفسيرات التي تؤكد أن الدين دوما يتعرض للإنقلاب والنكوص مع تجربة طويلة لا تستثني دين ولا عقيدة حسب إقرار النصوص الدينية نفسها، يأت سؤال مشاكس أخر وربما في أعلى درجات المنطقية، لماذا هذه الظاهرة تصاحب الأديان وترافقها وبالتالي يتحمل الإنسان أثرها ويصبح عرضة للعقاب الرباني؟.
سؤال أخر هل الأديان فقط هي من تتعرض للتحريف والأنقلاب أم هذا يحصل مع كل الأفكار التي تأت بالمنافع والمكاسب السياسية والأجتماعية ومنها الأفكار والفلسفات الأيديولوجية والسياسية؟، من قراءة معمقة للتاريخ الفكري الإنساني أجزم، أن قلق الإنسان وشكه المتأصل ورغبته الطبيعية للتمرد على القيود والحدود عوامل ساهمت بشكل كبير في هذه الإنقلابات أو التحولات التي لا تتفق مع سيرورة وصيرورة الفكر، البعض من المفكرين وتفسيرا وتبريرا ينسب هذه التغيرات والتبدلات كون الدين بشري وليس إلاهيا حقيقيا، ولو كان كذلك كان لا بد أن يتمتع بقدر عال من الثبات ليؤدي دوره كما يريد الله وليس بهذا الضعف الا طبيعي خاصة لو نظرنا لترتيب التكوين الشمولي للوجود الذي لا شك أنه صنع الله وتدبيره، هذه المقارنة والنتيجة لا أنفيها وإن كنت أفهمها بحدودها الخاصة، لكن يبقى السؤال الأساسي هنا وطالما أن المؤمن عندما يؤمن بقضية عن قناعة ويقين لماذا يحاول لاحقا التمرد عليها؟.
بالتأكيد أن الإيمان الراسخ اليقيني الثابت سيعصم الإيمان بالفكرة من الانقلاب كما يعصم الإنسان حتى من القبول بظن ما عليها أوفيها، لذا نجد النصوص الدينية هنا تفرق بين الناس على أساس مقدار اليقين الحقيقي الذي يحميهم ويحمي الدين من أثار التبدل والتغير على أساس صحة الإيمان (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) الحج (11)، بخلاف ذلك عندما يصف نص أخر المؤمنون الحقيقيون ويكشف حقيقة إيمانهم متصفين بأنهم أهل الخشية، فلا يعد هذا ذم في نظري كما يزعم البعض بأن الإيمان يسلب الحرية، لكن على الأقل يجعل منه ذا مبدأ وقضية (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) الأنفال (2)، هنا نجد الداع الحقيقي لليقين الثابت هو أن الإيمان بالدين يزداد ولا ينقص عند المؤمن الحقيقي وليس المؤمن الذي ألجأته الظروف أو المعطيات أو المصالح له.
إذا القضية ليست مرتبطة بالدين كفكر ولا مرتبطة بكونه بشريا أو إلاهيا بقدر ما هو مرتبط بطبيعة الإنسان الميالة في الغالب للبحث عن المصالح والمنافع، وهذا برأي حق طبيعي ولا يعد مستغربا البتة طالما أن الله خلقنا بهذه الطبيعة التكوينية، التقصير أيضا يعود إلى طبيعة الدين أيضا والذي لم يجعل منه ومن خطابه بمعزل عن حاجات الناس وقضاياهم ذات الأحتكاك بالمنفعة، أي أن الرسل والأنبياء عندما بشروا بأديانهم كان ولو نظريا أن يجعلوه روحيا صافيا وأن لا يكون سببا للوصول إلى السلطة أو القوة أو المال أو الجنس، هذه العوامل دوافع نفسية بالتأكيد تدفع الباحث عنها لأستغلال غياب الرسل والأنبياء ليدلوا دلوه، ليس حبا في الدين ولكن بحثا عما يطعمه الدين منها والرسل والأنبياء الذين لهم الحق وحدهم في الأعتراض أو التصديق قد غابوا، لذلك جاء في النص الأفتتاحي مفهوم الغياب بكل أشكاله (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ).
من النتائج التي يمكن لنا أن نفرعها من مقصد النص ودلالاته البعيدة وليست القريبة التي تقدح وتذم المسلمين الذين أنقلبوا على إرث محمد وما ترك لهم، بالنهاية أن لكل إنسان الحق في ان يقول ما يؤمن به ويؤمن جديا بما يقوله لأنه أختار وقرر أن يحتمل نتائج هذا الخيار بغض النظر عن كونه خيار صحيح أو خاطئ، لأن النهاية والعبرة قد ذكرها النص بنهايته (فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً) وربط بين الإيمان والجزاء شكلا بشكل (وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ)، هنا الإنسان حتى لو كان مناصرا لإبليس وإشكاليته مع الوجود لن يضر الله ولن يضر الدين لكن ما ينتج أن سيحرم نفسه من الشكر المتوقع بالجزاء المذكور في الإخلاص بالإيمان، ولأنه أي البشر عموما عندما يتبنى قضية ويدافع عنها كحق طبيعي فإنه من جانب أخر سيكون صادقا إذا كان بنيانه على يقين عقلي مؤكد، وهذا أفضل بكثير من الذي ليس له منهج في الحياة إلا التلون والتبدل والتملق والنفاق (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) النساء (145) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa