الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكفر والكافرين والعقل المتخشب في الدلالة والمقصد

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 4 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الكثير من مستخدمي العقل الديني المتخشب الذي لا يفرق بين المعاني والدلالات للكلمات ومقاصدها البعيدة والقريبة، يطلق لنفسه الحق أن يستخدم هذه الكلمات والمصطلحات القرآنية دون ضوابطها الدالة تحديدا عليها في الأستخدام النصي، فهو مثلا لا يتورع من أن يطلق لقب الكافر أو يوصم مخالفه بالكفر لمجرد أنه يرى ذلك أو يعجبه أن يماثل بالكفر ممن لا يتفق مع يقينه أو إيمانه، دون أن يعرف أن الكفر ليس مسألة من الهين أستخدامها ضد من لا يحمل السبب الذي بموجبه أستخدم في القرآن للدلالة على محدد لا يمكن تعميمه كما لا يمكن تقصيره، من هذه النصوص التي ورد فيها لفظ الكافرين هذه الآية التي تعطي مساحة واسعة من الرحمة للإنسان الذي تشير له الآية لعله يرجع أو يتراجع عن موقف الكفر {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}.
أولا من النص نسأل ببساطة من يقصد الله تحديدا بالكافرين؟ وهل هو وعد أو وعيد لنا أيضا؟ خاصة ونحن نصنف عند البعض من المؤمنين بالكافرين وننعتهم نحن أيضا بنفس الصفة، يا ترى هل الكافر هو من لا يؤمن بالله أم من لا يؤمن بالإنسان أنه هدف الله وغايته الكبرى، أم أن الكفر هو تغطية الحقيقة بغطاء الوهم أعتباطا وخارج مقياس الرحمة والمحبة والخير والحق والعدل، في اللغة ومنها لا بد أن نبدأ في البحث عن المعنى بأعتبار أن القرآن عربي، وما يرد فيه بالتأكيد لا بد أن نعود فيه
إلى اللغة لتبيان المعنى اللغوي أولا، ثم نعرج على دلالات النص الأستعمالية التي يجمعها القرآن لكونها تنظم تحت نسق واحد لا يمكن أن يكون خارج دلالة اللغة التي تتميز بتعدد الأستعمالات بتعدد الحاجات، فقد ورد اللفظ في معجك المعاني كالآتي {كَفَّرَ: (فعل) كفَّرَ / كفَّرَ عن يكفِّر ، تكفيرًا ، فهو مُكفِّر ، والمفعول مُكفَّر – للمتعدِّي، كَفَّرَ لسيِّده: انحنى ووضع يَدَهُ على صدره وطأْطأَ رأْسَهُ كالرّكوع تعظيمًا له، كَفَّرَ الشيءَ: غَطّاه وستره، كفَّر اللهُ عنه الذنبَ/ كفَّر اللهُ له الذّنْبَ: غفره له، محاه ولم يعاقبه عليه، كفَّر الشَّخصَ :حَمَله على الكُفْر، كَفَّرَ فلانًا: نسبه إِلى الكُفر، أَو قال له: كَفَرْت، كَفَّرَ عَنْ ذُنُوبِهِ : أَعْطَى الكَفَّارَةَ، كفَّر عن جريمته: خضَع لعقابٍ أو تأديب تعويضًا عن ذنب أو خطأ}.
من هذا نجد أن الكفر بالمعنى القصدي الإجمالي هو التغطية أو الستر، لذا قيل أن الله كفار الذنوب أي الساتر عليها والمغطي لها بهفوه ورحمته، فالله أول كافر وأخر كافر بهذا المعنى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر(53)، فهو يغفر الذنوب ويكفر عن السيئات برحمته وبما يشاء في يوم الكفران (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) التحريم 8، من هذا الربط البسيط والمنطقي يكون الكافر هو كل من بستر أو يغطي حقيقة ما واقعة لسبب خاص به أو بالحقيقة، فالكافر هنا من يغطي حقيقة يقينه الداخلي بما هو متيقن من أحقيته (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ) الحجر (2)، هذا تحديدا معنى الكفر والكافر هو من يخالف هواه ما في ضميره وعقله لذا وصفهم القرآن ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا) الفرقان 44، فهم إذا فقدوا إنسانيتهم حينما تركوا معيار التفريق بين الإنسان والأنعام.
لقد وردت كلمة الكفر والكافرين والتكفير وكل مشتقاتها في القرآن بهذا الكم الضخم لتبيان حقيقة ومعنى ودلالة وقصدية الكلمة، وكلها تدور في معنى واحد هو ما أسلفنا، ومع ذلك فبعض العقول تصرف المعنى إلى غير ما يريد الله ولا يطلب النص منا تحديدا، فقد أصبح مجرد الأختلاف في جزئية مع وجود حقيقة الإيمان كاملا عند الأخر سببا للتكفير بدون رادع وبدون منطق يتماشى مع ما يريده الله، فقد وردت كلمة كفر في (القرآن) 343 مرة، ووردت كلمة كافر في (القرآن) 136 مرة، ووردت كلمة كفار في (القرآن) 30 مرة، فيكون مجموع ما ورد من كلمة كفر ومشتقاتها 509 مرات، أي أن هناك 509 نص ديني يطرح فكرة الكفر على أنها تغطية أو ستر أو محاولة تغطية، أو محاولة ستر وحجب الحقيقة لسبب ما، بما فيها حقيقة أن الله أراد لنا أن نكون على بينة من أمرنا لا أن نكون متحجبين عنها بحجاب الغرور والغفلة والجحود والأستكبار، حتى أن الله الذي له الحق وحده ما وصف إبليس بالكفر إلا بعد أن أظهر مقدمات عملية تشير إلى غروره وحجبها عن عقله وإدراكه ليكون في زمر الكافرين "إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين"، نعم إنه أبى أن يقر بالحقيقة لأن عوامل الأستكبار منعته أن يراها، فكفر إبليس ليس مرده أنه لا يؤمن بالله وبأمرع، بل لأنه أبى أن يرى حقيقته وحقيقة آدم في المحاورة المشهورة بينهما.
إذا التكفير الديني الذي يمارسه الكثيرون اليوم وخاصة من أولئك الذين لا يرون في الحق أحق أن يتبع بل يتبعوا هواهم وأعتباراتهم الأعتباطية، دون الرجوع إلى مصدر التكفير من عدمه وهو القرآن الكريم، إنما يفعلون ذلك ليس عن إيمان ولا صدق وأخلاص فيه، بل من عقيم جهل عقولهم المسكونة بالكراهية والغرور وحب الذات المرضي التي لا تريد للأخر أن بفهم ما يدور سواء بالرجوع عن الخطأ أو الرجوع عن الستر والحجب الذي غطى عقولهم، فالله الذب بيده كل موازين الحق يمهل الكافرين إمهالا طويلا ليعطيهم المساحة التي يحتاجونها للمراجعة، أما المتخشبون لا يمنحون أنفسهم هم فسحة للمراجعة والقياس ومعايرة ما يوصمون بهم مخالفيهم من معاني لا ترضي الله ولا ترضي العقل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جون مسيحة: مفيش حاجة اسمها إسلاموفوبيا.. هي كلمة من اختراع ا


.. كل يوم - اللواء قشقوش :- الفكر المذهبي الحوثي إختلف 180 درج




.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني