الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إما أن تكون مسلما سلفيا أيديولوجيا إرهابيا أو إسلامك مزوّر ومغشوش وكيوت!

راكان علي
Adel Ahmed

2023 / 4 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لا تزال العقلية الشمولية الأحادية المغلقة على ذاتها ذات اللون الواحد والنسق الواحد والشكل الواحد، التي إما تقبل بكل شيء أو ترفض كل شيء، هي المسيطر على طرائق التفكير في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، إما خير مطلق أو شر مطلق، إما نأخذ بكل ما في التراث بغثّه وسمينه أو نتركه ونلعن كل ما جاء به وفيه، إما أن تقبل بالإسلام ومعه تاريخ المسلمين بكل ما في ذلك التاريخ من جرائم وانتهاكات أو ترفض الإسلام كدين وسبيل نحو الحق سبحانه، إما تصدق وتقدس كل شيء رُويَ عن النبي أو قام به وتقبل به أو ترفضه بكل ما فيه وكل ما صدر عنه، إما تقدس القرآن ونصوصه أو ترفضه بالكامل، إما أن تكون مسلما سلفيا أيديولوجيا إرهابيا أو إسلامك مزوّر ومغشوش وكيوت.. إلخ.

لا زالت هذه العقلية المتعصّبة هي المسيطر على عقولنا وحتى لدى اللادينيين والملحدين، فإما ترفض كل شيء في التراث الديني وتكفر بالدين ذاته وإلا فأنت متخلف رجعي ظلامي، وإما تنكر وجود الحق تعالى وتهزأ به وبمن آمن به وإلا فلا علاقة لك بالعقل والمنطق ولن يحدث بك وأمثالك أي تغيير يذكر … إلخ.

لا أعرف لماذا تعجزون عن التفريق بين الإسلام كدين، كثقافة، كخلفية، كطريقة من بين الطرق الكثيرة المختلفة والمتنوعة لوصل الحق، وبين تاريخ الإسلام وأحكامه وشرائعه ومن استغله في حروبه ومعاركه وغزواته وجرائمه! قد تقولون وهل الإسلام سوى تاريخه وشرائعه؟

الإسلام في أوروبا ليس هو ذاته في نجد، وفي أمريكا ليس هو ذاته في أفغانستان، وفي تصوري له ليس هو نفسه تصورك له. إذن للإسلام تجليات كثيرة، متنوعة، عديدة، لا تعد ولا تحصى، ومن ضمن تلك التجليات أحكامه وشرائعه التي جاءت في عصور ماضية وفق سياقات مختلفة تخص تلك العصور والأزمنة. إذًا، تجليات الإسلام مختلفة، لكن أقربها لجوهره أكثرها توافقا مع مفهوم الدين باعتباره كما قال عبدالجبار الرفاعي: ".. يشتغل على إرواء الظمأ الأنطولوجي وإشباع حاجاتٍ لا يمكن أن يشبعها العقلُ والخبرة البشرية، إنه يهتم بأزمة المعنى وسبل معالجتها، إنه يعالج فقدان معنى الحياة في عالم اليوم، وكيفية إنتاج هذا المعنى."

كما يقول الدكتور العراقي عبد الجبار الرفاعي في كتابه [الدين والظمأ الأنطولوجي]: "لا أنكر أن تمثّلاتِ الدين الأرضية طالما كانت منبعاً، للتمويه والخداع والتزوير والاستغلال والظلم والتعسّف والتنويم، لكني أشير هنا إلى ما هو أبعد وأعمق من تلك التمثّلات، وهي ما تشي بالمحتوى العميق للدين، وهذا المحتوى هو الذي ينزع الكائن للتشبّث به، وهو ما يمنح حياته معناها. ‏ذلك أن الحياة لا تُطاق من دون معنى لها، اللامعنى يفضي إلى الغثيان والقنوط والضياع، ولا أحسب أن هناك منبعاً تستقي منه الروحُ البشرية المعنى أخصب من الدين. الدين هو المنهل لإرواء الظمأ الأنطولوجي، وهو المنبع لإثراء الحياة الروحية."

لا خلاف أن الدين اُستُغِل أبشع استغلال وحُشِر فيما لا علاقة له به، غير أنه لا يعني أن ذلك الاستغلال هو جوهر الدين ومجاله. الدين كما ذكر الدكتور عبدالجبار الرفاعي "منبع المعنى والمنهل لإرواء الظمأ الوجودي للإنسان".

يكفي ازدراء للدين بما هو منبع المعنى وسبيل وصال الحق تبارك وتعالى، يكفي إمعانا في ربطه بتاريخ الدم والاستغلال والحروب والدمار والانتهاكات التي اُرتُكِبت باسمه. إلى متى نساهم في حشر الدين في مجال غيره مجاله؟ إلى متى سنستمر في إطالة أمد عملية ترحيل الدين من مجاله الحقيقي والأساسي [المجال الأنطولوجي] إلى مجال الأيديولوجيا؟

مؤسف أن يصرّ البعض على وضعي ومن مثلي في دائرة الاتهام فقط لكوني مسلم رغم رفضي لكل ما في تاريخ المسلمين من انتهاكات وغزوات ومجازر، ورغم عدم تقديسي للتراث بما في ذلك أحكامه وشريعته والفقه وشخص النبي وأقواله، بل وحتى النص القرآني ذاته!

قال لي أحدهم إما تقبل بكل ما في القرآن وإما ترفضه كله، مستندا على آية [أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض].

أكرر أني لا أقدس نصوص القرآن باعتباره نصا بشريا، من كتبه بشر، مخلوق، والمخلوق ناقص، والناقص لا يُقدّس. لا مقدس لديّ سوى الله سبحانه وتعالى هذا أولا.

ثانيا: بما أنك استندت على نص قرآني، فلي الحق لأرد عليك بنص قرآني آخر [الذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب]، وهذا ما فعلته بالضبط أن اتبعت أحسن ما في القرآن والمرويات وكل التراث، أخذت أحسنه وتركت ما لا علاقة له بالدين باعتباره منبعا للمعنى والطمأنينة الوجودية، وما لم يعد مقبولا به في هذا العصر. تلك هي الحكاية ببساطة. أنا مسلم أسلّم بوجود الله أعمل الصالحات أمارس الشعائر والطقوس الدينية الإسلامية بروحانية ودفء، من صلاة وصيام ودعاء وغيره، لا أحمّل الإسلام أكثر مما يحتمل ولا أزيحه من مجاله الأساسي الأنطولوجي [بتعبير عبدالجبار الرفاعي]، وأكتفي بما يضفي على وجودي وروحي وحياتي من معنى وطمأنينة وسلام وتقبل لكافة البشر بشتى اختلافاتهم وتنوعاتهم. كما لا أحمّل القرآن أكثر مما يحتمل هو الآخر فلا وظيفة له بالنسبة لي غير ما ذكره المفكر المغربي سعيد ناشيد في كتابه [الحداثة والقرآن] حينا وصف القرآن بأنه: ".. ترجمة بشرية للصور الوحيانيّة، التي لها مصدر إلهي وربّاني بالفعل، غير أنها ترجمة أنجزها الرّسول نفسه في خطاب وجّهه إلى الناس في تلك العصور القديمة الماضية وفق ثقافتهم وظروفهم ومدركاتهم. لهذا السبب، لا يجوز لنا بأي حال من الأحوال أن نقيِّم القرآن بمقاييس الحداثة السياسية والثورة العلمية وحقوق الإنسان، ولا يجوز لنا أن نتعامل معه كنصّ في العلم أو السياسة أو الأخلاق. وإذا فعلنا ذلك فإنّنا سنقترف جرماً كبيراً، وسنظلم القرآن ظلماً عظيماً. ‏كما يحاول أن يفعل بعض الذين يقدّمون تفسيرات لبعض الاكتشافات العلمية عن طريق ربطها بالقرآن، مثل الحديث عن الذرّة والكواكب والاكتشافات الطبّية.. وغير ذلك. ‏وهي اكتشافات معرّضة للتجاوز عن طريق اكتشافات جديدة تُخطّئها أو تنفيها، وتجعل القرآن الكريم الذي هو خطاب تعبّدي عرضة لتأويلات متهافتة تدّعي لنفسها العلم في حين أنها لا تتسق أبداً مع شروط العلم. ‏بل هي تأويلات تضع القرآن في مواضع تقلّل من قيمته مدّعية تأكيد ما جاء فيه، وهو عمل لا يطلبه الخطاب القرآني نفسه. ‏القرآن الكريم خطاب تعبّدي خالص. وهذا يكفي لمن يملك إيماناً سوياً وحسّاً سليماً."

كما ذكر كذلك وظيفته الأخرى المتمثّلة في استلهام ما فيه من قيم وجدانية كـ[والكاظمين الغيظ]، [والعافين عن الناس]، [وقولوا للناس حسنا]، [ادفع بالتي هي أحسن] وغيرها من القيم الراقية والباقية.

وأختم بما قاله عبدالجبار الرفاعي -الذي أعده كنزا حقيقيا في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية- حينما أكّد على أنه: ".. ما دام هناك إنسان على الأرض هناك موت، الموت هو الحقيقة الوجودية العميقة الصادقة، التي يكفّ فيها الكائن البشري عن الكذب. ما دام هناك موت هناك دين. الدين هو الجواب الوحيد لتحدي الموت. ‏الموت هو نهاية الحياة الدنيا، وذوبان وجود الكائن البشري، الذي له وجودٌ هو الأغنى، مقارنة بسواه من الموجودات الممكنة، ولا يمكن أن ينصاع هذا الوجود لنهاية ينعدم فيها، ذلك أن هذا النوع من الوجود لا يطلب إلّا الأبدية."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اقتباس
Adel ( 2023 / 4 / 4 - 16:23 )
تجليات الإسلام مختلفة، لكن أقربها لجوهره أكثرها توافقا مع مفهوم الدين باعتباره كما قال عبدالجبار الرفاعي: -.. يشتغل على إرواء الظمأ الأنطولوجي وإشباع حاجاتٍ لا يمكن أن يشبعها العقلُ والخبرة البشرية، إنه يهتم بأزمة المعنى وسبل معالجتها، إنه يعالج فقدان معنى الحياة في عالم اليوم، وكيفية إنتاج هذا المعنى.-


2 - الاسلام المحمدي والاسلام الراكاني
سمير أل طوق البحراني ( 2023 / 4 / 5 - 01:27 )
الاسلام المحمدي هو شهادة ان لا الاه الا الله وان محمدا عبده ورسوله وان القرآن وحي وانه مؤلف من الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه وان احكامه سارية المفعول الى يوم القيامة لان العبرة في العموم وليس في خصوص النزول ـ اي اي آية تدعو للجهاد فهي سارية المفعول الى يوم البعث ـ وهذا ما هو متفق عليه من جميع المسلمين بكل مشاربهم. فاذا كنت حقا مسلما فعيك التقيد بهذه العقأئد. اما ما سطرته اناملك الشريفة في هذا المقال والمقال السابق فهو مختص بك وبمن يواافقك الراي ويجب ان يسمى الاسلام الراكاني. انت حر فيما تعتقد ولكن لا يجوز تحريف الحقائق.اما ما ذكرته من التعاليم الانسانية في القرآن فلا احد ينكره ولكنه نسخ بآية السيف . لا تنسى ايها الاخ الكريم ان التعاليم الانسانية ليس مقتصره على القرآن بل كل الدينات تحتوي على امثالها بل ربما احسن منها . اخي الكريم انا لا احب الأسآءة اليك لان كل انسان حر فيما يعتقد ولكن نور الشمس لا يغطى بالمنخل. كن صادق مع نفسك ولك كامل الحرية في اي دين تعتنق مع تمنياتي لك بالتوفيق والسداد واعلم ايها الاخ انا لا ادعي ان رايي هو الصواب ورايك هو الخطا ولكننا نتكلم عن حقآئق لا رأي فيها

اخر الافلام

.. 96-Ali-Imran


.. 97-Ali-Imran




.. 98-Ali-Imran


.. 99-Ali-Imran




.. 100-Ali-Imran