الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين سماء لا زنزانة

سالم جبران

2006 / 10 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل الدين عقبة في طريق التقدم الديمقراطي العصري واللحاق بركب الإنسانية المندفع إلى الأمام كالعاصفة؟
الجواب نعم ولا!
وهذا الجواب ليس فذلكة، بل هو جواب حقيقي ولا تناقُض فيه. القضية هي كيف نتعامل مع الدين، هل نأخذ روح الدين أم نأخذ المظاهر والشكليات. هل نتعامل مع الدين قِيَماً روحية واجتماعية وأخلاقية ومسلكية، أم نُحَوِّل الدين إلى زنزانة أو إلى مقصلة.
كل الأديان، عندما قامت، كانت حركات روحية وثقافية وسياسية وأخلاقية تهدف إلى نقل المجتمع إلى مرحلة جديدة، أرقى وجعل الناس إنسانيين أكثر.
اليهودية كانت أول الديانات، تاريخياً، التي قالت بالإله الواحد، وحاربت عبادة الأوثان. وبالإضافة إلى الجانب الديني الروحي لهذه النقلة العظيمة، فإن فكرة وحدانية الله عكست تقدم المجتمع نحو قِيَم مشتركة ورؤية مشتركة وانتماء اجتماعي مشترك.
ثُمَّ جاءت المسيحية نَقْلة نوعية إلى الأمام بالمقارنة مع اليهودية. ورغم المعارضة، بل المقاومة الضارية التي أبدتها المؤسسة اليهودية لظهور المسيحية في أول طريقها، فقد انتصرت وانتشرت المسيحية صيغة دينية واجتماعية جديدة.
بعد ذلك جاء الإسلام، للوهلة الأولى، ديناً وجواباً على الواقع العربي في شبه الجزيرة العربية حيث انتشرت عبادة الأوثان فيما عدا جزر مسيحية ويهودية في المراكز المدينية في الأساس في يثرب والمدن اليمنية.
ولكن الإسلام حمل معه قِيَماً روحية جديدة وبالأساس نواميس اجتماعية عدلية، كما حمل معه توحيداً للشعب الذي كان ممزقاً إلى قبائل متناحرة متقاتلة بالمعنى الحرفي للكلمة، كما حمل أهدافاً اجتماعية من أبرزها رفض العبودية ورفض التعصب القبلي.
وعندما انتشر الإسلام أقام دولة كبيرة في دمشق، دولة الأمويين، وفيما بعد دولة عظيمة في بغداد، دولة العباسيين، ودولة عظيمة في الأندلس. كل مَن يدرس تطور الحضارة الإسلامية يجد أنها تفاعلت تفاعلاً نشيطاً مع الحضارات التي التقت بها، في دمشق وبغداد والأندلس، كما صهرت عِدّة أُمم معاً، في كيان سياسي واحد، مما جعل الحضارة العربية- الإسلامية نتاج حضارات كثيرة. إنَّ الأعمى فقط، هو مَن لا يرى مساهمة الشعوب التي في دخلت الإسلام، حضاريا واقتصادياً ومعمارياً وأدبياً وثقافياً في صياغة الهوية الحضارية للدولة العربية –الإسلامية.
ولكن الدين، كل دين، ليس حقيقة، روحية مُجَرَّدَة ومُطْلَقة، بل هو يزدهر وينتشر ويكون مرناً ومنفتحاً، وقسرياً، في مراحل التخلف والانحطاط.
خذوا الفرق بين المسيحية، في مرحلة محاكم التفتيش والإرهاب الإجرامي ضد حرية الفكر وحرية إبداع العلماء وبين المسيحية في مرحلة النهضة الأوروبية حيث تأقلمت مع العاصفة وأعطتها غطاءً روحياً. إن الصراع الدموي، فعلاً، بين الكاثوليكية التي كانت متجانسة مع النظام الإقطاعي والبروتستانتية التي جاءت متناسقة مع الثورة الصناعية الجديدة والنظام الجديد، كان في شكله، في غلافه، صراعاً دينياً، وهو في الحقيقة صراع اجتماعي. إن مرحلة معينة كان يجب أن تموت، ومرحلة جديدة كان يجب أن تولد. ولكن هذا لا يتم بدون مخاض، وبدون صراع. فهذه هي سُنَّة الحياة.
لذلك ليس هناك دين متطرف ودين مُعتدل. نفس الدين يكون متطرفاً في مرحلة تاريخية معينة ويكون معتدلاً في مرحلة أُخرى، مع العلم أن القِيَم العامة الروحية والأخلاقية للدين هي هي.
إننا نلاحظ الآن أن العالم الإسلامي يعيش مِحْنة قاسية أو أزمة قاسية، في جوهرها مِحْنة حضارية بالأساس لا محنة دينية. هل يريد العالم الإسلامي أن ينتقل إلى مرحلة الثورة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية أم يريد أن يظَّل متخندقاً في الماضي؟ هل يتكيف ويتأقلم مع العالم المتغيِّر أم ينغلق على تفسه ويرفض كل الرياح والعواصف من حوله؟
كلما زاد رعب الطبقات الحاكمة، سياسياً ودينياً، اندفعت إلى الانغلاق وإلى التمسك الشكلي بالدين. وهذه الطبقات تُعْطي قُدسية "دينية" للانغلاق والتحجر والنصوص الشكلية ورفض التفاعل مع رياح العصر.
إننا نتذكر الحضارة العربية الإسلامية في عصر المأمون في بغداد، نتذكر الانفتاح على العصر والاستعداد للاستفادة من كل الحضارات القديمة والمعاصرة، نتذكر التحالف العظيم بين الحضارة القديمة والمعاصرة، نتذكر التحالف العظيم بين الحضارة الإسلامية وبين علوم العصر، في مرحلة لاحقة، نلاحظ الإسهام العربي الإسلامي في مختلف العلوم، الاقتصادية والفلكية والفلسفية وغيرها. ونقارن تلك الحقبة العظيمة المجيدة بحضارة "طالبان" في أفغانستان وحضارة الزرقاوي في بغداد. ونسأل : هل حضارة طالبان ومشايخ ايران اليوم هي الحضارة الإسلامية حقاً، أم الحضارة الرائعة المدهشة للعرب في العصور الذهبية، في دمشق وبغداد والأندلس؟
كلما تعمقّت الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي كلما ازدادت وتعمقت نزعة التطرف بالتمسك بالشكليات والعجز عن استنباط القِيَم الروحية والاجتماعية الجديدة، بل الخوف من كل جديد وكأنه كُفْر وزندقة.
إن الأنظمة الدكتاتورية في العالمين العربي والإسلامي كانت لها مصلحة في تفسير الدين تفسيراً شكلياً ومحافظاً كأنما هو يُخْتَزَل بالطاعة المُطلقة للسلطان لا بقول كلمة حق أمام سلطان جائر، وبالخنوع لا بالثورة، وبالخُزَعبلات والشعوذات لا بشجاعة البحث عن الحقيقة عملاً بقول فيلسوف الشعراء وشاعر الفلاسفة أبي العلاء المعري:
كذب الظّنُّ، لا إمام سوى العقل،
مشيراً في صُبْحِه والمساء
إننا نعيش، في هذه المرحلة مأزقاً مزدوجاً، فمن ناحية تسيطر الأنظمة الدكتاتورية الانكشارية المفسودة والظالمة ومن ناحية ثانية يسيطر الانغلاق والتحجر والعجز عن الاجتهاد، في المجال الديني أيضاً. السلطان الظالم يريد من الدين أن يُقدِم له فتوى بالشرعية وعدم جواز الثورة على السلطان، لا أكثر ولا أقل.
إن المأزق السياسي- الاجتماعي في المجتمعات العربية والإسلامية مترابط مع غياب الاجتهاد الروحي والفكري والفلسفي والاجتماعي في الأوساط الدينية، بل غياب العقل.
وهذا ما يجعل أزمتنا مضاعفة، دنيوية وروحية، سياسية ودينية. وهذا ما يجعل مجتمعاتنا العربية والإسلامية تقف مكانها أو تزحف زحف السلحفاة إلى الأمام، وفي حالات كثيرة تتدهور إلى الوراء، بينما العالم من حولنا يتقدم إلى الأمام بوتيرة عاصفة.
إن قوى التقدم والعلمانية والانفتاح على العصر والتقدم العلمي والاقتصادي والاجتماعي يجب أن لا تعادي الدين، بل أن تصارع الصيغة الشكلية المحافظة والرجعية لفهم الدين، يجب أن نكشف عظمة المرحلة وإنجازاتها عندما تحالف التقدم مع الدين، عندما كان الدين يُسْراُ لا عُسْراً، منطقاُ لا صراخاً، رحمة لا نقمة، ودليلاً للتفكير وللأخلاق، لا قيداً ولا خنقاً.
إن قوى الثورة الديمقراطية والاجتماعية والثقافية العربية تُخْطِىء خطأ رهيباً إذا سمحت للقوى الظلامية أن تمارس الاحتكار للدين وللحياة الروحية عموماً. يجب تحرير الدين من تجار الدين ومن الانكشارية الاجتماعية التي تسيء للدين وتسيء للمجتمع.
الدين ليس عدو التقدم الاجتماعي وليس عدو الثورة العلمية والنهضة الاجتماعية. ولكننا يجب أن نصارع حتّى يكون الدين ما هو أصلاً وفعلاً- يُسْراً لا عُسْراً، يًبقي مساحة واسعة للاجتهاد والتفكير والمرونة والأخلاقية العاقلة والمُتَجدّدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah