الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع بين الطبيعة التكوينية وضرورات السلام؟

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 4 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كثير من علماء النفس الأجتماعي وعلماء الأجتماع الوظيفي يشيرون إلى جانبية مهمة من طبيعة البشر، ألا وهي أنه نظرا لكونه من الجنس الحيواني في الأصل وتطور من خلال العقل لينفصل إلى جنس مستقل متميزا عن الطبيعة الحيوانية بقدرته على التحكم بوجوده وإدراك ذاته التي بحاجة للتطوير، هذا التحول لم يترك في الإنسان طبائع تتقاطع مع طبيعته الأولى ومنها حبه للصراع أو ميله الدائم للصراع، فالوجود الحياتي عنده عبارة عن سلسلة من الصراعات المستمرة التي لا تنتهي بدأ من الصراع من أجل البقاء وأنتهاء بالصراع من أجل الجنة، هذه الطبيعية التي نكاد نستكشفها بشكل واضح في الأزمات والظروف الغير مواتية، تبين لنا أن الأصل الحيواني في الإنسان غالب على المعرفة وعلى الإدراك وعلى التطور مهما حاول الإنسان أن يتكيف مع الواقع بالأستفادة من التعقل ومن المعرفة والتجربة التاريخية، لذا كثيرا ما كنت أردد (أن ضع الإنسان أمام خيارات مأزومة سرعان ما يظهر الطبع القديم فيه إن لم ينجح عنده العقل بأن يفتح أبوابه المغلقة سريعا)، هذه المقدمة أسوقها في تناولي لموضوع الصراعات الفكرية أو الأيديولوجيات المتصارعة وأثرها على السلام الإنساني العام.
ومن هنا فأنا أجزم بالمقدمة أن كل فكر أو أيديولوجية تقوم على مبدأ أعتماد الصراع أساسا للبقاء، وتجعله محورا فلسفيا في تفكيرها على أنه الخيار التمامي الكمالي الذي لا مفر منه، لا بد أن أين يكون مصدرها أو ذات جذور من التفكير المؤسس التلمودي، الصراع للصراع منهج وأسلوب حيواني سبعي إقصائي وليس طريقة عقلانية لفهم حركة الوجود، النظرية الكونية التي يعتمدها العقل الراشد خاص والديني المسالم تقوم على مبدأ المنافسة من أجل المشاركة، ومن جلال وجود الأضداد والتناقض الذي يعتبر قضية أساسية في التكوين الوجودي والتكييف المستهدف للتطور، ولا تقوم على مبدأ تحويل الوجود إلى قطب منتصر وقطب خاضع له نتائج صراع إقصائي، بل لا بد من وجود القطبية النوعية كحتمية منطقية للديمومة والرقي.
فكل الصراع الطبقي أو الصراع الديني وحتى الصراعات البينية التي تقدم على أنها حتميات تاريخية ناتجة عن طبيعة الواقع وواقع الحياة العامة بتفاصيلها الكثيرة، هي في الحقيقة والمراد منها أصلا تحريض فكري على نسف العلاقة الديناميكية التي تسير الوجود وتضمن الحفاظ على سيرورته المتصاعدة من خلال المنافسة الطبيعية اللازمة، إذا الصراع لأجل مبدأ الصراع بهدف تمكين جهة واحدة من التحكم والسيطرة على مجريات الوجود الكوني أو حتى المحدود بمديات الصراع، ومن ثم يصار لاحقا إلى التحكم بالوجود من خلال ما يعرف بالعقل الكوني المرتبط بمفهوم شعب الله المختار، هو خيار أيديولوجي مبني على تزاحم الأنا المريضة بالعظمة، مع الأخر المختلف أو الذي ينظر له بالدونية أو عدم الأحقية بالتزاحم أو المنافسة، وهي من مبدئيات الروح الأنتقامية لمجموعة من البشر تظن أن الوجود لها ومسخر لخدمتها بما فيه البشر.
قد يعترض البعض على ما ذكرت ويذكرني بالتناقض الذي جاء في الكلام، فمرة أذكر أن الصراع طبيعية حيوانية متأصلة بالبشر ولا يمكننا التخلص منها، في مكان أخر أذكر أن الصراع من أجل الصراع هم فعل مختار ومراد من مجوعة من البشر، هذا التناقض قد يهدم الفكرة ويجعلها عرضة للكثير من تاى علميو، الحقيقة التنازع والصراع فعلا طبع بشري طبيعي وهذا لا خلاف عليه، ولكن وهنا جوهر القضية هذا الصراع مشروط بتوفر عوامله المحركة أولا، ثم اوفر البيئة الحاضنة والمشجعة عليه ثانيا، وأحيرا وثالثا الفائدة من الصراع ومحركاته، أي البحث عما بعد الصراع، لو نظرنا وعلى الأقل بعيدا عن التاريخ ودققنا في الصراعات الحالية أسبابها مبرراتها عواملها المصنعة "الحراك الخفي" الذي يشعل الصراع، سينكشف لنا أن التناقض لم يكن موجود أصلا، التفرقة ضرورية إذا بين الصراع الطبيعي المرتبط بعوامله الذاتية نتيجة أشتداد المزاحمة وقوة التنافس اللا مسيطر عليه، وبين الصراع المختار والمراد لعلاته البعيدة المتضمنة واحدة من مظاهر القوة (المال أو السلطة أو كلاهما).
من المعضلات الأساسية التي واجهها الوجود الإنساني كنتيجة لواقعية وطبيعية روح الصراع والتكوين الذاتي له، أنه أيضا بشكل أو بأخر يميل إلى السلام والأمان والبحث عنهم لأنهما يجعلان من وجوده سهلا ومتاحا، هذا التناقض واحد من دوافع التطور والنمو المعرفي ويشكل حدوث أحدهما تجربة وقيمة مضافة للثراء الفكري عنده، لكنه وأقول أيضا أنه لم يحاول أن يؤطر السلام كخيار أولي ورئيسي وأساسي ويجعل منه القاعدة الأوجب، لا سيما أن خيار الصراع وإن كان في بعض الحالات شكل توعا من الحلول السريعة والتي تنهي إشكال وجودي وليس غالبا، إلا أنه خيار مكلف ومؤذي ويجرح إنسانية الإنسان حتى المنتصر ويترك ندوبا كبيره في ضميره، فضروريات السلام وبالتجربة تتقدم على كل مبررات الصراع ودوافعه، ومع ذلك لا يتردد أن يشعل في كل مرة هذا التنازع خاصة إذا كان دمويا وقاسيا، ليصل إلى مرحلة لاحقة أن يدفع ثمن السلام بأضعاف قيمته الحقيقة عندما كان متاحا أن لا يخوضه منذ البداية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -سأهزم دونالد ترامب مجددا في 2020-.. زلة لسان جديدة لبايدن |


.. في أول مقابلة بعد المناظرة.. بايدن: -واجهتني ليلة سيئة-




.. فوز مسعود بزشكيان بانتخابات الرئاسة الإيرانية بنحو 55% من أص


.. القسام تنفذ غارة على مقر قيادة عمليات لجيش الاحتلال بمدينة ر




.. -أرض فلسطين بتفتخر بشعبها-.. غارات الاحتلال لا تزال تحصد أرو