الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في اليوم العالميّ للتوحّد … قطوفٌ من عُمَر

فاطمة ناعوت

2023 / 4 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في اليوم العالميّ للتوحّد … قطوفٌ من "عمر"

[email protected]

٢ أبريل، "اليوم العالمي للتوعية بمرض التوحد"، الذي يُطلق عليه "طيف التوحّد" Autism Spectrum Disorder نظرًا لاتساع مِظّلته وتباين أعراضه من متوحد إلى آخر، مثلما يتّسعُ طيفُ الألوان ليضمّ ما لا حصر له من ألوان. وبهذه المناسبة، ولأنني أمٌّ لصبيٍّ متوّحد جميل اسمه "عُمَر"، سوف أقتطفُ لكم قطوفًا من كتاب أصدرتُه حديثًا: "عُمَر… من الشرنقة إلى الطيران"، والذي أحكي فيه تجرتي مع ابني منذ دخل "طيف التوحد" في الثالثة من عمره، وحتى اليوم الذي قرّر فيه "كسر الشرنقة" والطيران خارجها نحو المجتمع. علّكم تعرفون أن المتوحدين، خصوصًا أبناء طيف "أسبرجر" Asperger مثل نجلي، يتمتعون بمواهب مدهشة في الرسم والرياضيات والحسابات المعقدة والموسيقى وغيرها، رغم أنهم قد لا يقدرون على بناء جملة حوارية واحدة مع الناس. من بين تلك المواهب، موهبة "تحديد الأماكن" كأنهم GPS بشريّ، ويتمتع ابني بتلك الموهبة. دعوني أحكي لكم شيئًا من طرائفها.
يتمتعُ ابني "عمر"، منذ طفولته، بموهبة الشعور الممتاز والدقيق بالاتجاهات. وله موقفان لا أنساهما حدثا في طفولته. كنا في مول ضخم بمدينة "الرياض"، وفي لحظة زحام اختفى الصغير "عمر" وبحثنا عنه في كل مكان والرعبُ يفترسنا! فهو طفل "متوحد" دون الرابعة، ولا يتكلم، ولن يستطيع أن يحكي لمن يجده معلومات عنّا! بعد البحث في جميع محال المول، ركضنا إلى الجراج لنستقلّ سيارتنا إلى قسم الشرطة، فوجدنا الجميل "عمر" يقفُ جوار سيارتنا في انتظارنا! فقد أدرك بذكائه الفطري أن "السيارة" هي النقطة التي لابد أن نلتقي عندها مهما طال الوقت. ولا تسألني: كيف حدد مكانَ سيارتنا في جراج ضخم متعدد الطوابق به آلاف السيارات؟! إنها موهبةُ المتوحدين العباقرة! تكرر الموقفُ في القاهرة. كنتُ في "خان الخليلي" مع مجموعة من صديقاتي الأديبات الأجنبيات لأشتري لهن هدايا من أيقونات حضارتنا المصرية. وكان معي طفلاي: “مازن" و"عمر". وفي لحظة اختفى "عمر"، وركضتُ في جميع المحال كالمجنونة، ثم سقطتُّ مغشيًّا عليّ من الرعب، وجاءني في سَكرة الغيبوبة صوتُ طفلي الأكبر "مازن"، وكان في السابعة ربما، وهو يهزُّنيّ قائلا: (يا ماما يا ماماااا فوقي! أكيد "عمر" راح عند العربية. هو عارف اننا لازم نروح للعربية. ) ولكن السيارة في "جراج الأزهر" أمام مستشفى "الحسين الجامعي" الذي يبعد عن "خان الخليلي" بالحسين الشريف مسافة نصف ساعة سيرًا على الأقدام، عطفًا على حتمية عبور طريق حاشد بالسيارات المُسرعة، فكيف لطفل صغير أن يفعل هذا؟! رحتُ أركضُ كالمجنونة نحو بارك السيارات البعيد، وبالفعل وجدتُ حبيبي "عمر" واقفًا جوار سيارتي، يبتسم في هدوء! وأرجو ألا يظنُّ القارئ العزيز أنني أمٌّ مهملة تُضيّع أطفالها! ففي الواقع أنني دائمًا متهمة بأنني أمارسُ على أطفالي ضغطًا يُسمى "Over Protection” أو فرط الرعاية لأطفالي والخوف المبالغ فيه، عليهم. لكن "عمر" قادرٌ على "الذوبان" في لحظة دون أن تشعر! وأهدتني صديقةٌ هولندية سوارًا بحبل يوضع في معصم الطفل ليصل الأم بطفلها بسوار آخر في معصمها، يستخدمونه في أوروبا كثيرًا. لكنني رفضتُ استخدامه؛ لأن ابني "إنسان" ناضجٌ وذكي، وليس "شيئًا" يُربطُ في حبل! الفكرة هنا هي عبقرية "عمر" منذ طفولته في الإحساس بالمكان وتحديد الاتجاهات، والقدرة على استنتاج طريقة تفكيرنا، حين يفتقدنا، فيتوجه مباشرة إلى "المكان الهدف" الذي لابد أن نصل إليه.
وعلى ذكر المكان، لابد أن أذكر شيئًا عجيبًا يفعله "عمر" بسبب اختلاف منظوره للعالم عن منظورنا نحن. غرفة المكتب في بيتي، كانت غرفة عادية لها بابٌ على الطُرقة، لكنني أزلتُ الحائطَ الفاصل بينها وبين قاعة المعيشة، لكي أتواصلَ مع أسرتي وأنا في مكتبي أكتب. وصرنا ندخل غرفةَ المكتب ونخرج من تلك الفتحة الواسعة Arch بين المكتب والمعيشة، بعدما صارت غرفة المكتب امتدادًا لقاعة المعيشة بعد إزالة الحائط. بالنسبة لـ"عمر" كأن الحائطَ لم يُزل. فهو لا يدخل غرفة المكتب إلا من "بابها" القديم. مهما كان متعجلا، ولو كان واقفًا جوار فتحة الحائط في غرفة المعيشة، مستحيلٌ أن يدخل غرفة المكتب منها، بل يتوجه إلى الطرقة ويقطع طولها ثم يدخل من الباب "الرسمي" للغرفة، كما صممه المهندس المعماري. هكذا ميكانيزم عمل عقول "متلازمة أسبرجر" أبناء "فرط النظام". وعن هذا الميكانيزم العجيب مئاتُ القصص الطريفة حكيتُ بعضَها في الكتاب، ولديّ المزيد لكتب قادمة بإذن الله.
ولا أنسى أن أشكر الكيميائي الحيوي: “رامز سعد" المصري الكندي الذي قام بتحليل خصلة من شَعر "عمر" لمعرفة "المعادن الثقيلة" في جسمه، تلك التي تخلصنا منها بنظام غذائي صحي متوازن والحمد لله. المتوحدون "مختلفون"، وليسوا مرضى.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحيات كثيره للمحروس عمرولوالدته الام الفذه الرائعه
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 4 / 5 - 18:06 )
اذا كتب لي وجئت من تورونتو لزيارة القاهره -بناء على الحاح صديقي جميل العراقي الذي اتواصل معه منذ اكثر من 60عاما منذ ايام دراستنا في وارشو الجميلة الطيبة-ويحلف جميل -الذي يسكن القاهره منذ اكثر من 5سنوات بان مصر واهلها حلوين طيبين والقاهره غنية بالمؤسسات الثقافية وحتى جوها معتدل فليس في القاهرة حر العراق ولا برودة كندا وعندها سنتفتش عنك استاذه فاطمه لايصالنا للحلو عمر لنسلم عليه ونقدم له -شدة-ورد جوري بغدادي احمر-تحياتي والامل ان نسمع كل الاخبار الجيده عن عمر وصحته وانتصاره الدائم على التوحد

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah