الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعلانات التوظيف الأكاديمي: هل تفتقر الجامعات العربية إلى الشفافية والمصداقية؟

راقي نجم الدين

2023 / 4 / 6
التربية والتعليم والبحث العلمي


لطالما كان يُنظر إلى العالم الأكاديمي على أنه مكان يتم فيه تقدير التميز ومكافأته. هذا يرجع إلى حد كبير إلى فكرة الجدارة، حيث يتم الحكم على الأفراد بناءً إلى قدراتهم وإنجازاتهم بدلاً من خلفيتهم الاجتماعية أو صلاتهم الشخصية. من المتوقع أن يكرس الأكاديميون أنفسهم لمجال دراستهم، ومتابعة المعرفة وتطوير حدود الفهم البشري. في مقابل جهودهم، تتم مكافأتهم بمناصب أكاديمية وتمويل وفرص للتقدم الوظيفي. يُنظر إلى هذا النظام على أنه وسيلة لضمان مَنِح أفضل وأذكى الأفراد الفرصة للمساهمة في الحياة الفكرية والثقافية للمجتمع. ومع ذلك، هناك انتقادات لعمليات التوظيف في العديد من الجامعات العربية تلقي بظلال من الشك على فكرة الجدارة في العالم الأكاديمي.
تتحمل الجامعات، كمؤسسات للتعليم العالي، مسؤولية ضمان أن تكون عملية التوظيف عادلة وشفافة. ومع ذلك، في كثير من الحالات، ليس هذا هو واقع الحال. شهدت المنطقة العربية، على وجه الخصوص، اتجاهاً حيث لا تُعد إعلانات الوظائف الجامعية على المواقع الرسمية أكثر من مجرد إجراء شكلي لتلبية متطلبات الجودة "اسقاطُ فرض"، مع عدم وجود نية حقيقية لتوظيف أي شخص. ينتشر هذا بشكل خاص بين الجامعات ذات المكانة المنخفضة التي تحاول محاكاة نظيراتها الأكثر شهرة. في هذا المقال، سوف نستكشف قضية قيام الجامعات بالإعلان عن فرص عمل وهمية وآثار هذه الممارسة. من خلال التجارب والملاحظة الشخصية، سوف نلقي الضوء على عدم مصداقية الجامعات في المنطقة والحاجة إلى عملية توظيف أكثر عدالة وشفافية.
لنأخذ، على سبيل المثال، جامعة العين في أبو ظبي، وجامعة زايد وغيرها، كلها أعلنت عن وظائف شاغرة وهمية. جامعة الشارقة ليست استثناءً، حيث يمكن للمرشحين التقدم لوظيفة والحصول على رقم التتبع، لكن حالة الطلب تظل كما هي إلى أجل غير مسمى.
في الجامعات الأخرى، يُطلب من المتقدمين إنشاء حساب على الموقع الرسمي وملء استمارات التقديم للوظائف المعلن عنها. ومع ذلك، في كثير من الحالات، تُترك الطلبات دون متابعة لسنوات، كما هو الحال في جامعات مثل جامعة عجمان، وجامعة زايد، وجامعة الإمارات العربية المتحدة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة للتواصل مع الموارد البشرية أو عميد الكلية، إلا أنه لا يوجد في كثير من الأحيان أي رد أو تفسير. هذا الافتقار إلى الوضوح والتواصل يمثل مشكلة منتشرة في المنطقة، وليس من الواضح ما إذا كان رؤساء الجامعات أو عمداء الكليات على علم بالمشكلات الموجودة على مواقعهم الإلكترونية أو إذا كانوا يراقبونها بانتظام.
الوضع أسوأ في البحرين، وتحديداً في "الجامعة الملكية للبنات"، حيث يتم استدعاء الأساتذة لإجراء مقابلات عبر سكايب، وبعد شهور من الانتظار، يتلقون رسالة بريد إلكتروني تدعي قبولهم. ومع ذلك، بمجرد أن يوقع الأستاذ العقد ويرسله مع المستندات المطلوبة، يُقابل بالصمت ويتم تجاهله!
علاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى أن جامعات عدة في قطر لا توظف أساتذة عرب، باستثناء بعض مجالات التخصص مثل القانون واللغة العربية. على الرغم من هذه الحقيقة، لا يتم الكشف عن هذه المعلومات في كثير من الأحيان في إعلانات الوظائف، مما يؤدي إلى الارتباك والإحباط بين الباحثين عن عمل الذين قد لا يكونون على دراية بممارسة التوظيف هذه.
هناك العديد من الأسباب التي تجعل الجامعات تعلن عن وظائف وهمية. بالنسبة للبعض، قد يكون ذلك بسبب الخلاف الداخلي بين لجنة التوظيف، في حين أن البعض الآخر قد يفتقر إلى ثقافة العمل أو يتردد في تعيين أساتذة جدد بسبب مخاوف مالية. تميل هذه الجامعات إلى توظيف عدد قليل من الأساتذة فقط لتعظيم أرباحها، حيث يوجد في بعض الكليات أربعة أو خمسة أساتذة فقط يقومون بالتدريس بعبء دراسي ثقيل جداً.
لا يمكن التأكد من أصالة كل وظيفة منشورة على موقع الجامعة، وللأسف، غالباً ما يتم تعيين أساتذة جدد من خلال نظام التوصية. هذا يعني أن الأستاذ الحالي قد يوصي بأستاذ آخر، وتقوم الجامعة بتعيينهم دون التفكير في المرشحين الآخرين. أما بالنسبة للأساتذة الأكبر سناً، فهم يميلون إلى البقاء حتى بلوغهم سن التقاعد القانوني، والجامعات لا تعين أساتذة جدد إلا في حالة وجود وظيفة شاغرة بسبب النقل أو التقاعد.
بالإضافة إلى النقاط السابقة، تجدر الإشارة إلى أن هذه المشكلة لا تقتصر على الجامعات العربية. إنها قضية عالمية ابتليت بها العديد من المؤسسات الأكاديمية. لقد رأيت بلداناً تنشر فيها الجامعات بشكل روتيني وظائف غير موجودة، كحيلة تسويقية لخلق الانطباع بأن لديها مجتمعاً أكاديمياً مزدهراً. هذه الممارسة مضللة وتقوض مصداقية المؤسسات الأكاديمية.
عامل آخر يُسهم في نظام التوظيف غير النزيه هذا هو أنه ليس من السهل على الكليات تقييم المتقدمين للوظائف على أساس الجدارة وحدها، حيث قد يكون من الصعب تحديد الجدارة أو قياسها. هذا يخلق بيئة يمكن أن تلعب فيها المحسوبية والعوامل الأخرى غير الجدارة.
إن الافتقار إلى النزاهة في عملية التوظيف ليس مجرد مسألة أخلاقية. يريد موظفو التوظيف منا احترام وقتهم ولكنهم ليسوا على استعداد لاحترام وقتنا. إنها ليست مجرد مضيعة كبيرة للوقت؛ انها إساءة، بل إنها ضحك على الذقون. تلك مشكلة يجب معالجتها من قبل المؤسسات الأكاديمية وواضعي السياسات والهيئات التنظيمية. إن مصداقية الجامعات على المحك، ويجب استعادة نزاهة عملية التوظيف لضمان تعيين أفضل المرشحين على أساس الجدارة وحدها.
في الختام، فإن موضوع النزاهة في الإعلانات الوظيفية على مواقع الجامعات العربية له تداعيات بعيدة المدى. فهو لا يضيع وقت وجهد الباحثين عن عمل فحسب، بل إنه يقوض الثقة أيضاً بين الأكاديميين. عندما تفشل الجامعات في الحفاظ على المبادئ الأساسية للعدالة والشفافية في عمليات التوظيف الخاصة بها، فإنها ترسل رسالة مفادها أن المناصب الأكاديمية لا تُمنح على أساس الجدارة بل على المحسوبية أو عوامل أخرى خارجة عن سيطرة مقدم الطلب. يمكن أن يؤدي هذا إلى انعدام الثقة بين الزملاء والشعور بالإحباط وخيبة الأمل من المهنة الأكاديمية.
إذا كنت أكاديمياً تبحث عن وظيفة في إحدى الجامعات العربية، فمن المهم أن تبذل قصارى جهدك وأن تبحث في الجامعة بدقة. ابحث عن معلومات حول سمعة الجامعة وممارسات التوظيف السابقة وخبرات الأكاديميين الآخرين الذين عملوا هناك، يمكن الاستعانة بموقع (غلاس دور) Glassdoor وهو موقع أمريكي متخصص بمراجعة الشركات، بما في ذلك الجامعات، على الرغم من ان تقييمات الجامعات العربية على الموقع أقل بكثير من نظيراتها الاجنبية. بالإضافة إلى ذلك، تواصل مع الزملاء والأساتذة في مجال عملك لاكتساب نظرة ثاقبة ونصائح حول عملية التوظيف في جامعات مختلفة. أخيراً، كن مستعداً لطرح الأسئلة والدفاع عن نفسك أثناء عملية التوظيف للتأكد من أنه يتم تقييمك على أساس الجدارة والمؤهلات الخاصة بك. في النهاية، من مصلحة الجامعات ضمان أن تكون عمليات التوظيف عادلة وشفافة وقائمة على الجدارة وحدها. لن يساعد ذلك في بناء الثقة بين الأكاديميين فحسب، بل سيعزز أيضاً جودة التعليم والبحث الذي يتم إجراؤه في هذه المؤسسات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي