الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلف بين الإخوان واليسار..يوسف البدري نموذج

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2023 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هذا المقال ليس تعميما على كل اليسار بل لكشف فئة منهم تسترت برداء اليسار والعلمانية لمحاربة الحداثة والمدنية والعلم، وأنهم كانوا أقرب للجماعات الإسلامية بشكل منهجي (فكريا وتنظيميا)

مين فاكر الشيخ يوسف البدري، هذا أشهر سباب وشتام من الشيوخ في حقبة مبارك، وكان مكلفا برفع الدعاوى القضائية على الفنانين والمثقفين وسجن الكتاب والمبدعين..

كان مشهورا (بالشيخ الداعية) لكن ما لم يُقال والمسكوت عنه في سيرة البدري سأطرحه هنا في هذا المقال ببضعة نقاط متصلة..

أولا: يوسف البدري كان عضوا بحزب الأحرار في الثمانينات، ونجح على قائمة الحزب في تحالف مع حزب العمل والإخوان المسلمين سنة 1987م

ثانيا: يوسف البدري كان إخوانيا وفق محمد الطويل مؤلف كتاب (الإخوان في البرلمان) صـ 56 وكتب عن جهود يوسف البدري في خدمة الإخوان في المجلس وقضيتهم الأساسية في حكم مصر..

ثالثا: التحالف الذي جمع (الأحرار + العمل + الإخوان) في برلمان 87 كان مؤثرا جدا، ويعد هو الإحياءة الكبرى التي خدمت صحوة الإخوان والوهابية بالعصر الحديث، حيث نتج عنها تصعيد كثير من قيادات ورموز الإخوان لحكم الدولة والمؤسسات الذي من بينهم يوسف البدري نفسه الذي تقلد عدة مناصب بعد فوز التحالف البرلماني، من بينها عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ومناصب أخرى في نشاط إخوان الخارج بباكستان والسعودية والإمارات والكويت..وغيرهم..

رابعا: معظم قيادات وعناصر أحزاب (العمل والأحرار) وقتها كانوا إخوان مسلمين أصلا من بينهم "إبراهيم شكري" نفسه زعيم حزب العمل، لكن سياسة الإخوان حينها كانت تهدف لاختراق الدولة بعدة مسميات تحقيقا لمبدأ (اللامركزية) الذي نادى به يوسف القرضاوي لخداع الدولة المصرية ومؤسساتها..(المصدر كتاب : الإخوان في البرلمان لمحمد الطويل)

خامسا: يوسف البدري وابراهيم شكري كانوا مؤثرين في صياغة وتطبيق عدة قوانين تهدف لتطبيق الشريعة الإسلامية من بينها قوانين في التجارة والسياحة وغيرها ، أسفرت عن منع بيع الخمور للعامة وخارج الفنادق ، وقيود على استيرادها في زمن السادات، ومنذ إصدار هذه القوانين تأثرت التجارة المصرية والسياحة بشدة وبدأت أعداد السياح في تراجع وفقدت مصر أعداد كبيرة سياحية لصالح دول أخرى كالمغرب وتونس وسوريا ولبنان وتركيا..(نفس المصدر)

سادسا: عمل يوسف البدري مع الإخوان في تغيير خريطة برامج التلفزيون خصوصا في رمضان، بتأخير الفوازير والمسلسلات لما بعد صلاة التراويح، وبرفع جلسات البرلمان لأداء الصلوات الخمسة في مواعيدها..وأصبح هذا الهدف عام لكل عناصر الكتلة من أحرار وعمل، أي أن عناصر اليسار المصري في هذين الحزبين كانوا إسلاميين فكريا وتنظيميا بالواقع وليسوا ليبراليين مدنيين كما كان يُشاع..

سابعا: الغريب أن اللواء "زكي بدر" وزير الداخلية وقتها لم يعترض على كل مشاريع تطبيق الشريعة من الكتلة الإخوانية البرلمانية، بل اعترف بها ، وأنها سوف تساعده على هذا الهدف، ولعل ثورة زكي بدر على هذا التحالف لاحقا نظرا لشعوره بالخديعة أو أنهم طلبوا منه مطالب أخرى غير لائقة أو غير واقعية أدت لأن يشتمهم جميعا ويسبهم بألفاظ نابية مشهورة..مما يدل على ضعف إدراك هذا الوزير ومحدودية ثقافته الذي كان ينشط حينها (فرج فودة + يوسف إدريس + فؤاد زكريا)..وغيرهم للتحذير من خطورة هذا التحالف البرلماني على مدنية مصر وهويتها..

ثامنا: الدكتور "صوفي أبو طالب" رئيس مجلس الشعب ورئيس الجمهورية الأسبق كان إخوانيا أيضا، وتم تصعيده في زمن السادات بالاتفاق مع الإخوان ضد الشيوعيين، وهو الذي أشرف على جلسات تطبيق الشريعة المشهورة منذ عام 1978 حتى عام 1982 وهي الأربع سنوات العجاف التي تغيرت فيها كثيرا من قوانين مصر المدنية، بما فيها الدستور، وأصدر فيها صوفي أبو طالب قرارات بتشكيل لجان لتطبيق الشريعة تعمل على صياغة قوانين إسلامية تحل محل القوانين الوضعية الحالية..

تاسعا: نجح يوسف البدري وصوفي أبو طالب وإبراهيم شكري مع كافة عناصر الإخوان والعمل والأحرار ومعظم اليسار المصري – عدا حزب التجمع – في إقناع البرلمان بتطبيق الشريعة، وتم التفاهم على 635 مادة في قانون العقوبات من بينها (الحدود والتعزيرات) التي تتضمن قتل المرتد والرجم والجلد ..وغيرها باعتبارها قوانين إسلامية مفقودة يجب تطبيقها لتحل محل القوانين الفرنسية التي جاءت لمصر في زمن الخديوي بالقرن 19 (نفس المصدر)

عاشرا: لكن مبارك وبفعل الأحداث الدولية والضغط الخارجي خشى من تطبيق الشريعة بهذا الشكل، فظل يماطل ويؤجل بدعوى الخوف من تداعيات الحرب الأهلية اللبنانية 1975- 1990 التي كانت تمثل طابعا طائفيا ضد المسيحيين، ومن تجرية جعفر النميري بالسودان التي أدت لتفكيك الدولة على أساس طائفي، ومن تداعيات حرب العراق وإيران التي قد تخدم الإسلاميين ويتم تصدير الثورة الإسلامية إذا جرى تطبيق هذه المواد بحذافيرها، ومن تداعيات حرب أفغانستان أيضا التي كان ينشط فيها الإسلاميون، فاتخذ قراره بتعطيل هذا التطبيق عدة سنوات لوضوح الرؤية..

حادي عشر: جاء عاميّ 1989 و 1990 ليحسم مبارك قراره بعدم التطبيق والتنصل تماما من توجيهات البرلمان ، نظرا لأن هذين العامين شهدا ما يلي:
1- عدوان العراق على الكويت واشتعال حرب الخليج الثانية
2- اغتيال رفعت المحجوب رئيس البرلمان
3- نهاية حرب أفغانستان وبدء سقوط الاتحاد السوفيتي
4- سقوط السوفييت وصعود أمريكا أدى لضعف اليسار المصري وبالتالي لم يعد مبارك مجبرا للالتزام بتوجيهاته وكتلته في البرلمان
5- نهاية حرب العراق وإيران
6- نهاية الحرب الأهلية اللبنانية

ثاني عشر: كانت نتيجة ذلك أن ضعف اليسار المصري والناصريين بسقوط السوفييت وهزيمة صدام حسين، وتحجيم إسلاميين لبنان وإيران باتفاقية سلام منها محاصصة في لبنان وعدم اعتداء على العراق ودول الخليج

ثالث عشر: استعان مبارك بتحالف ثنائي مع (أمريكا ودول الخليج) لحمايته من الإسلاميين واليسار، وظل على هذا الوضع حتى سقوطه عام 2011 وهو العام الذي بدأ اليسار والإسلاميين مرة أخرى في النشاط وحكموا الدولة بالفعل وكانت مصر على مقربة من تطبيق الشريعة والقضاء تماما على مدنية الدولة لولا تدخل الجيش في يونيو 2013 الذي أعاد الوضع الذي كان عليه مبارك في أعقاب عام 1990

رابع عشر وأخير: ظل يوسف البدري والإخوان ومعظم عناصر الأحرار والعمل ينشطون في الإعلام بعد سقوطهم عام 1990 ليستفيدوا من المواد التي زرعوها في القوانين بدعوى الشريعة بالثمانينات، فكانت أكبر حركة قهر فكري للإبداع والفنون وسجن للمثقفين وتغريمهم في المحاكم بتاريخ مصر الحديث، والغريب أن الدولة كانت تستعين بيوسف البدري رغم توجهاته الإخوانية في الحديث باسم الأزهر والدعوة بالإعلام هذا الزمن..وهذا له سياق آخر يجري الحديث عنه قريبا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي