الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تَجَلّى محبة الله للأنسان على خشبة الصليب

نافع شابو

2023 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


جاء في نشيد اشعيا النبي عن المسيح الآتي :
"مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولًا. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ." (إش 53: 1-12".
يمكن ان تتخيّل الناس على جبل الجلجلة (في اورشليم) ساعة صلب يسوع المسيح. لا شكّ ، في الأساس هذا كلام عن شخص بريء عُذِّبَ ، والكنيسة قرأت آلام يسوع ومجده من خلال هذا النشيد ، فأعطتهُ معناهُ الكامل، ولاسيّما على مستوى الشفاعة وحمل خطايا العالم .
من كان يُمكن أن يُصدّق بأن الله يمكن أن يختار ليُخلّص العالم بعبدٍ متواضع متألّم وليس بملكٍ مجيد؟ فهذه الفكرة على النقيض من الكبرياء البشرية والطرق العالمية ولكن الله يعمل بطرق لايمكن أن نتوقّعها ، فقوة المسيح تجلّت في الأتضاع والألم، وها هو رجل الأحزان ، مُحتقر، مرفوض من قبل المحيطين به ، ولا زال الى يومنا هذا مُحتقرا ومرفوضا من قبل الكثيرين . اليوم لا زال العالم لم يتغيّر من قيمِهِ فما زال العبد المتألم (اشعيا 53) مكروها .
في سر الأفخارستية والتأمل في هذا السر سنستطيع الغوص في محبة الرب يسوع لنا بلا حدود حتى أنه بذل نفسه وسفك دمه ليصير لنا قربانا وخبزا نأكله ليتّحد معنا الى الأبد . إنَّ الخبز والخمر تذكار مستمر لآلام وذبيحة المسيح من أجلنا .
من وسط ألآلام يولد الفرح والرجاء، من صرخة الطفل عند الولادة تخرج الحياة ، من موت حبة الحنطة في ألأرض نحصل على الثمار لمواصلة الحياة . من وجع الألم لمشرط الطبيب يتم شفاء المريض .
يسوع المسيح كمّلَ جميع النبواة ، فحياته وموته هي في الصلب ، خُطَّة الله لخلاص البشرية . أسبوع ألآلام لايمكن أن نفصلها عن أحد القيامة ، وعلينا أن لانتوقَّف عند صرخة ألآلام بل أن نتجاوز الى فرح القيامة ، لأنَّ ملكوت الله دُشِّنت بشكل علني على الصليب ، وهكذا يوحنا البشير يصوِّر المسيح على الصليب كالملك على عُرشه"يوحنا 19 : 19 ". كان الصليب رمز الذُلِّ والهوان ، والخُذلان والأحتقار والأستهزاء والتعييرات ، وأداة اللعنة ، والعار، والخسران "اشعيا 53 : 3 ". ولكن يسوع المسيح حوّل هذا الرمز، رمز الصليب ، عند اليهود والرومان ، الى رمز الأنتصار والخلاص والغفران والعطاء ، ورمز التألُّم لأقرار الحق والبر والسلام ، ورمز بذل الذات والتضحية من أجل الآخرين ، وهو رمز المحبة والرجاء والحياة ، بقهر الموت بالموت وتحرير الأنسان من عبودية الشر والخطيئة . يسوع المسيح حمل خطايانا التي ترمز الى الشر "الحيّة القديمة" وسمّرها على خشبة الصليب . وهو يقول لنا : " وكما رفع موسى الحيّة في البريِّة فكذلك يجب ان يُرفع ابن الأنسان لينال كُلِّ من يؤمن به الحياة ألأبدية "يوحنا 3 : 14 ، 15 ". لقد أوضح الربّ يسوع المسيح ، أنَّهُ كما أنَّ بني إسرائيل شفوا من إصابتهم عندما نظروا الى "الحية النحاسية" المرفوعة على العمود . هكذا يمكن الآن أن يخلص جميع المؤمنين من مرض الخطيئة ، بالنظر الى موت يسوع المسيح على الصليب ، فأننا سنخلص من لدغة الخطيئة القاتلة وذلك برفع أنظارنا الى يسوع المصلوب ، مؤمنين أنّهُ المخلِّص الذي بدمه أزال خطيئتنا ، وسحق الموت بموته على الصليب . نعم الألم بحدِّ ذاته هو شر، ولكن يسوع المسيح حوَّل الألم بالحب الذي في قلبه فصار الصليب شعار المسيح ، والله أنزل القصاص بالمسيح بدلا من البشرية جمعاع . يسوع المسيح لم يذهب الى الموت مذلولا وخاضعا ، فهو، في الحقيقة ، أقوى من الموت وهو القائل :" ...والآب يُحبُّني لأنّي أُضحّي بحياتي حتّى أستردُّها . ما من أحدٍ ينتَزع حياتي ، بل أنا أُضحّي بها راضيا " يوحنا 10 17 ، 18 ". ولكن ، كما يقول بولس الرسول :" ما اعتبر مساواتَهُ لله غنيمة ، بل أخلى ذاتَهُ وأتَّخذ صورة العبد صار شبيها بالبشر وظهر في صورة ألأنسان ، تواضع، أطاع حتى الموت ، الموت على الصَّليب " فيلبي 2 : 6 ، 7 ".
إنّ آلام المسيح لم تكن فقط آلاما جسدية بسبب الجلد واللطم وحمل الصليب الثقيل والأشواك التي كانت تغرس في رأسه ، وطعنة الرمح في جنبه ، ولم تكن آلام المسيح ايضا بسبب التعييرات والبصاق والأستهزاء به من قبل صالبيه فقط ، بل كانت أشد الآلام هي ثقل حمل خطايا البشرية جميعا ، فهو ، كما قال عنهُ ، يوحنا المعمذان : " هو حَمل الله الحامل خطايا العالم ". فكانَّ آلام يسوع المسيح هي آلام البشرية كُلّها ، فحيثما يتألم أيُّ آنسان في الأرض ، فيسوع المسيح يتألم معه .
إنَّ يسوع المسيح في آلامه يهزُّ مشاعرنا ويصدمنا لكي يصحوا ضميرنا فنعود اليه ونغوص في عمق سر آلامه ونعترف بما قام به من التضحية وتحمّله آلاماً رهيبة. فقد خاضَ يسوع صِراعا عنيفا، نفسيا وروحيا، حتى تصبّب عرقا كقطرات الدم"لوقا 22:44 " من اجل خلاصنا . إنّ آلام يسوع المسيح من أجل البشرية هي أهم مراحل حياة الرب يسوع المسيح معنا في هذه الأرض ، فهي مرحلة تتويج لمحبة الله لنا ، لأنّ المُحِب يجب أن يتألم من أجل مُحبيّهِ ، هذه المحبَّة المضحيّة ، حتى الموت ، هي لكي نعرف عظم هذه المحبة الغير المشروطة ، حتى التضحية بالذات، لأنّ المحبة الحقيقية ، هي بذل الذات من أجل المحبوب : " هكذا أحبَّ الله العالم حتّى وهب أبنه ألأوحد ، فلا يهلك كُلِّ من يؤمن به ، بل تكون له الحياة الأبدية "يوحنا3 :16 ". وهكذا الجلجثّة ترمز الى قمة المحبّة التي قهر يسوع المسيح الموت بموته على الصليب :" لأنَّ المحبة أقوى من الموت " نشيد ألأناشيد ". كانت آلام المسيح رهيبة ، لقد ذاق الكأس المر وصُلب على الصليب بعد عذاب رهيب فواجه موتا شنيعا ، ولكنه أطاع أبيه السماوي حتى النهاية . لقد كان صراع يسوع في الجسمانية محطّة حاسمة في تحقيق المسيح لبنوّته الأزلية ، عبر البشرية الترابية المائتة التي إتّخذها: " وتعلَّم الطاعة ، وهو الأبن ، بما لقي من الألم "عبرانيين 5 : 8 " .
" فمن خلال آلام يسوع المسيح إبن الله الوحيد ، يؤكِّد لنا الله تضامنه معنا في آلامنا ومأساتنا في هذه الأرض، فبموت الأبن بطريقة شنيعة على خشبة الصليب ، جعل آلامنا طريقا الى المجد . فكما طلب الرب يسوع المسيح من أبيه السماوي أن يمجِّده في درب الآلام ، هكذا أصبح الصليب مجدا للأنسانية :"رؤيا 3 : 21 "من غَلَبَ أُعطيه أن يجلس معي على عُرشي ، كما غلبتُ أنا فجلستُ مع أبي على عُرشهِ " . المسيح هو الملك المتألم المُدان والمصلوب ، لكنَّهُ أخذ لعنتنا " حمل عاهاتنا وتحمَّل أوجاعنا ، حسبناهُ مُصابا مضروبا من الله ومنكوبا وهو مجروح لأجل معاصينا ، مسحوق لأجل خطايانا، سلاما أعَدَّه لنا، وبجراحهِ شُفينا"اشعيا 53 : 4 -5 ".
يقول كوستي بندلي في كتابه "الله والشر والمصير " :
" الأنسان كثيرا ما يسيء فهم مقاصد الله فيتصوّر أنَّ الله عدو لهُ يتعمّد حجب السعادة عنه لتحجيمه وإذلاله وتعذيبهِ ، وأنَّه إنّما يفعل ذلك ليستأثر لذاته بالسعادة وألأقتدار . هكذا تَغيب عن الأنسان صورة الأله الحقيقي وتُستبدل بتلك الصورة المشوّهة التي يسقطها على ألألوهية ".... لقد شارك ، يسوع المسيح ، البشرية تماما في مأساتهم ولكنه لم يشاركهم في الخطيئة التي تقودهم الى هذه المأساة"....وقد بلغت هذه المسيرة تمامها وذروتها على الصليب . فقد اختبر يسوع ، في ساعات الظلمة تلك ، أكثر ممّا في أيِّ وقت مضى ، أختبر في جسده الذي كان يعاني سكرات موت رهيب وفي نفسه المكتنفة بمشاعرالعزلة والفشل ، تمايز اللهه الجذري عن تصوّرات البشر وأمانيهم ، وقد تُرجم ذلك بشعور مرير بالتخلي ألألهي :"إلهي ، إلهي لماذا تركتني "متى 27 : 46 " .
يسوع المسيح افتدانا من لعنة الناموس ، اذ صار لعنة لأجلنا "غلاطية 3 : 13 – 14 ". وعندما مات المسيح على الصليب تمزَّق حجاب الهيكل ، وترك الله ذلك المكان ولم يعد يسكن في هيكل مصنوع بأيدي بشرية "أعمال 17 : 24 " . لقد إنتهى النظام الديني الخاص بالهيكل ، وترك الهيكل واورشليم "خرابا" (اذ دمرها الرومان سنة 70 م ". كما تنبأ في لوقا 13 :35 ".
الهيكل (الذي كان يرمز الى إستمرار العهد القديم )، أستُبدِل بالعهد الجديد "عبرانيين 8 :13 " عهد سكن الله مع المؤمنين وفيهم "عمانوئيل"(أي الله معنا). تمزُّق حجاب الهيكل يرمز الى أنّ في العهد الجديد لم يعد هناك حاجز بين الله والأنسان فقد تفتَّحت القبور وبدأ الزمن الجديد (العهد الجديد) ، حيث خلعنا عنا الأنسان القديم لنلبس الأنسان الجديد ، الخليقة الجديدة . الخطيئة كانت السبب لوجود هذا الحاجز (بين القدس وقدس الأقداس في الهيكل في العهد القديم ) لأن البشرية كانوا غير لائقين للدخول الى محضر الله . ولكن شكراً للرب يسوع المسيح لأنّهُ بموته على الصليب ، أزال الحاجز بين الله والأنسان ، ويمكننا الآن التقدم اليه بثقة وبجرأة "عبرانيين 4 : 14 -16 ". فنكرِّز به مصلوبا ونفتخر بالصليب الذي هو رمز حكمة الله ومحبة الله لخلاص البشرية . فلنفتخر ، مع بولس الرسول ، بالصليب عندما يقول : "أمّا أنا فلن أٌفاخر الاّ بصليب ربِّنا يسوع المسيح ، به صار العالم مصلوبا بالنسبة إليَّ الرب يسوع المسيح على الألم و الموت "أشعيا 53 : 12 "، بل هناك شهادة الرسل"يوحنا21 : 24 "في العهد الجديد وتاريخ الكنيسة المسيحية “أعمال 1 :2 " ، واختبارات المؤمنين في حياتهم ، مئات بل الاف الاختبارات للمؤمنين والقديسين الذين غيّر يسوع المسيح حياتهم الى الأبد علما بأنّهم كانوا متألمين ومضطهدين ، ولا زال المسيح الحي يعمل المعجزات في حياة الكثيرين .
كثيرون من غير المسيحيين (وحتى من المسيحيين) لا يفهمون أن طريق المجد والأنصار على الموت لا يمر الا من خلال الآلام ، كما أنّ هناك من الناس من يقول لماذا لم يتدخّل الله لإنقاذ ابنه يسوع المسيح من الصليب . "ما أغباكُما وأبطأكُما عن الأيمان بكل ما قاله الأنبياء! أما كان يجب على المسيح أن يعاني هذه الآلام فيدخل في مجده؟ "لوقا 24 : 25 ، 26 .
حتى تلاميذ المسيح بعد أن عاشوا أحداث آلام المسيح وصلبه وموته قبل القيامة ،أصابهم الأحباط والحزن واليأس ، والسبب لأنّ الناس كانوا وما زالوا ينشغلون بالسلطة السياسية والقوة العسكرية والأمجاد الفانية بينما القيم السماوية (في مملكة الله) هي عكس ذلك تماما فالأخير يصبح أوّلا والحياة تنبع من الموت (حبة الحنطة لن تاتي بثمرٍ جيّد الا بعد أن تموت في الأرض). ويا للأسف فمازال هناك من الناس الذين يهزأون بالمسيحيين لأيمانهم ، ولكن مما يشجع المؤمنين ، أنّ الرب يسوع نفسه تعرّض للهزء الفظيع مثل أيِّ إنسان ."غلاطية 6 :14 " .

تنبأ الشيخ سمعان بآلام أُمّنا مريم العذراء عندما قال " وأمّا أنتِ ، فسيفُ الأحزان سينفُذ في قلبِكِ “لوقا 2 : 35 " . الناس لن يكونوا على الحياد من الرب يسوع المسيح ، فإمّا أن يرفضوه بشدّة أو أن يقبلوه بفرح . ولكن مريم العذراء ستحزن للرفض العام الذي سيلاقيه إبنها من قبل هذا العالم . نحن جميعنا خطاة وكُلُّنا لعبنا دورا في صلب يسوع وموته . ولكن الخبر السار هو أنَّ الله رحيم ، وسيغفر لنا ويُعطينا بإبنه حياة جديدة عندما نتوب ونؤمن به مخلصا وربا وملكا على قلوبنا .
لقد تألّم يسوع المسيح من أجلنا ، حاملا خطايانا ، ليجعلنا مقبولين عند الله ، فبماذا نبرّر انكارنا لهذه المحبة الفائقة ؟ لماذا لا يزال هناك من الناس الذين يُريدون أن يحجبوا نور المسيح في حياتهم ؟ لماذا هذا الرفض الغير المبرر؟ لماذا يكره ويَضطهِد العالم المسيحيين كما يخبرنا الكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة في كُلِّ زمان ومكان ؟ . لماذا العالم كلّه ( ممثللا برجال الدين اليهود والساسة الرومانيين أيّام المسيح وحتى في أيّامنا هذه) ، اتفق ضدّ المسيح ؟
إنها أسئلة مطروحة عبر التاريخ وليس هناك جواب لها سوى أنّ هذا العالم يخضع لسلطة الشيطان .وهذا العالم يعيش في ظلام الموت ، أمّا يسوع فهو جاء نورا للعالم ليكشف الظلام الذي يعيش فيه هذا العالم ، ولا يريد العالم أن يأتي الى المسيح لانّ الشيطان قد أغوى الكثيرين واستعبدهم ، وحق المسيح يدين أعمال هذا العالم الشريرة .
كان هناك أعتقاد عام في فكر اليهود وحضارتهم انّ المُصيبة أو الكارثة أو المرض او الألم هي نتيجة لخطيئة كبرى مُعيّنة . أمّا الرب يسوع المسيح استخدم معاناة الناس وآلامهم لترسيخ الأيمان وليُمجد الله، فنحن نعيش في عالم ساقط وأحيانا كثيرة يتألم الأبرياء. وهكذا قد لا تكون معاناتنا عقاباً ، بل مُجرّد آثار لجروحات المعركة بين أظهار ولائنا لله .
سارتر وكامو وغيرغراد وغيرهم من الفلاسفة الوجوديين قالوا : أنَّ الحياة لامعنى لها طالما هناك الألم والموت ، وقد كتبَ ، الكاتب الأمريكي " أرنست همنغواي" كتاب بعنوان "لا جديد تحت الشمس " مُستمدا عنوانه هذا من سفر الجامعة "لاشئ تحت الشمس كل شئ باطل " . وكان الفلاسفة اليونان (الأبوقراطيين ) يقولون طالما الحياة قصيرة فعلينا أن نأكل ونشرب ونتمتع بهذه الحياة لان كل شئ زائل . هكذا اليونانيون في زمن الرسول بولس كانوا يطلبون الحكمة واليهود يطلبون الآيات ، لكن لم يختبروا هؤلاء كُلِّهم أنَّ من خلال صرخة الآلام ومن قلب الصليب نكتشف الله ،كما اكتشفه قائد المائة وهو يصلب يسوع المسيح حيث قال : " حقا كان هذا ابن الله"متي 27 : 54" .إنَّ الموت على الصليب هو آخر الانحدار الذي وصل اليه يسوع المسيح ،لأنّ الله رفعه وأعطاه اسماً هو فوق كل الأسماء :"تواضع ، أطاع حتّى الموت ، الموت على الصليب . فرفعه الله أعطاه اسما فوق كُلِّ اسمٍ" فيلبي 2 : 8 ". لأنَّنا متألمين أراد المسيح أن يشاركنا في آلامنا ويتألم معنا . عرف يسوع المسيح آلام الآخرين فأنفتح عليهم .
درب الصليب يمثل لنا طريق آلام البشرية كُلّها التي تأنُّ وتتالم بسبب انفصالها عن الله نتيجة الخطيئة. يسوع المسيح جاء الى هذه الأرض وقدّم نفسه مثالا للتضحية وبذل الذات ليساعدنا ويضع كتفه على كتفنا ويقول لنا هيا معا لأن نصل الى المجد القادم الى الهدف الأسمى الى ما وراء الآلام الى القيامة والحياة الأبدية . يسوع المسيح يعلِّمنا أنّ بآلامنا نجمع كلِّ العالم المتألّم ، وبآلامنا نعطي دروس المحبة للأنسانية . فنحن المؤمنين نكرز بيسوع المسيح مصلوبا ونفتخر بالصليب رمز المحبة والوفاء والخلاص .
إنّ صرخة مُخلصنا يسوع المسيح على خشبة الصليب وهو في قمة الآلام :"إلهي إلهي لماذا تركتني؟" (مت27: 46)
إنّها صرخة الضيق لا صرخة اليأس ، وفيها يتوجَّه يسوع الى الله بصلاة واثقة ، وإستعداد لحمل البشارة ، هي صرخة كلِّ المتروكين وكلِّ المهمّشين والمقهورين والمضطهدين والمظلومين والمشردين والمهجّرين والمتألمين لاسباب كثيرة ، وهي صرخة كل الذين تركوا أوطانهم وارضهم وأفترقوا عن أحبائهم وأعزائهم وأهلهم . انّها صرخة الذين طُعِنوا من الخلف بسبب الخيانة والغدر.
يسوع المسيح سلّم روحه بين يدي الآب السماوي:" يا أبي ، في يديك أستودع روحي " لوقا 23 : 46 ".نعم صلّى يسوع صلاة الأبناء(أبّا) قبل ان يخلدوا الى النوم بإنتظار النهوض في الصباح، كما فعل يسوع في صباح الأحد ، فظهر للنسوة . ونحن أيضا علينا أن نسلّم حياتنا بين يدي أبينا السماوي فهو يعرف أكثر مما نعرفه . يسوع المسيح أختار بأرادته الحُرّة أن يطيع أبيه السماوي حتى لو قادته الطاعة الى ألألم والموت "عبرانيين 5 : 8 " ، وبمشاركته لنا في ألآلام ، شاركنا في خبرتنا البشرية مشاركة تامة . وهو قادر أن يُقدِّم خلاصا أبديا لمن يطيعه .وهو يجاوب على سؤال الغير المؤمنين: "أين الله ونحنُ نعاني من الآلام؟" الجواب كما يقول اللاهوتي "يورغن مولتمان " :" إنَّ فكرة الله يتألَّم هي ليست فقط قلب الأيمان المسيحي وإنّما هي المفهوم الفريد للأيمان المسيحي".
قد يظن الكثيرون أنّ المحبة تتناقض مع الموت ! الا أنّ هؤلاء الناس لا يعرفون المحبّة الحقيقية ، لأنَّ المحبة تتضمّن في الغالب التضحية والألم لانّ المحبّة هي عطاء ، ويسوع المسيح لم يأتي الى العالم ليكسب جاها أو سلطة سياسية ، كماهو تفكير الكثيرين من الناس ، لأنَّه وهو يُحاكم في محكمة الأشرار قال : " مملكتي ليست من هذا العالم" ، لكنه جاء ليتألّم ويموت حتى نحيا نحن، كما جاء في الرسالة الى العبرانيين "عبرانيين 2 : 9، 10 " . انّ يسوع المسيح لم يحمل على خشبة الصليب خطيئة العالم ليسمّرها على الخشبة فقط ، بل حمّل آلام البشرية وأخذ اللعنة لكي يمحي لعنة الخطيئة لنصبح برّ الله .هكذا تمَّم يسوع المسيح عمل الله الخلاصي للبشرية :" تمّ كُلِّ شيءٍ "يوحنا 19 : 30 ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با


.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط




.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع


.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية




.. منظمات إسلامية ترفض -ازدواجية الشرطة الأسترالية-