الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجد الأكبر - جبتو مصرايم - هيروغلي عبراني (3) ‏

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2023 / 4 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نكمل حديثنا عن كتب التاريخ الهيروغليفي التي قام بتأليفها يهود متخفين في ثياب ‏قبطية ولغة هيروغليفية، لكن بدا أن كل إناءٍ ينضح بما فيه، ويتفاقم الأمر حينما ‏يتصاعد بخر البلاغة العربية من أفواه الكتبة المزورين دون أن يتمكنوا من إخفاء هويتهم ‏الجغرافية اليمنية أو هويتهم الدينية اليهودية أو هويتهم القومية العربية .. وما زلنا مع ‏مخطوطة " الجبتانا " لمؤلفها " مانيتون السمنودي" ‏

ففي موضع آخر ينقل لنا مؤلف الجبتانا معجزة إحياء الموتى، وهي تلك الواقعة التي ‏اختلف فيها بنو إسرائيل حول القاتل، فأمرهم الله أن يأتوا ببقرة ويذبحوها ويأتوا بذيلها ‏يضربوا به القتيل فترتد إليه روحه ويخبرهم عن قاتله. وبطبيعة الحال لم تكن هذه الواقعة ‏عادة من عادت الشعوب مثلاً إنما كانت معجزة تمت مرة منفردة بأمر إلهي، لكن المؤلف ‏يجعلها عادة مستمرة بين الكهنة في إيجبت القديمة، فيقول: قضى دان وساكبو و مِرِن ‏وبقية وفد العزاء المنفي يومين في عين شمس بعد انتهاء مراسم جنازة دبحِن وأثبت أنه قتيل في ‏نقس المكان الذي سبق أن قتل فيه موبي؛ حيث كان يتلصص ليرى أجساد النساء العاريات ‏وبالرغم من وجود جثة " دبحن" وتقدييم الكهنة لثور ذُبح. وأكل المبجلين لطعام الشهادة، ‏وضربهم الجثة ببقايا ذيل الثور. وعودة الكا والبا والحياة لـ دبحن إلا أن الكهنة قالوا إن ‏دبحن لم ينطق بشيء وعجز عن تحديد قاتله (وأثبت أنا مانيتون - أمرين يتعلقان بمثل هذه ‏الحالة: أحياناً يخشى الكهنة بأس القاتل فينكرون شهادة القتيل.. وأحياناً أخرى لا يكون ‏الكهنة مؤهلين لاستخدام التعاويز والسحر: وبالتالي يعجزون عن استدعاء الكا والبا فلا ‏يحصلون من القتيل على شهادة" . (الجبتانا - ص 203)‏

والغريب أن محقق الجبتانا يعلق على ذلك بقوله:" كان المجمع المقدس ومحكمة ‏تحوت مسئولين عن الجنايات وبخاصة القتل، وكان أهل القتيل يهبون المعبد ثوراً يأكل ‏منه الكهنة ويضربون ببعضه جثة القتيل فتعود إليها الروح وتخبر الكهنة بالقاتل... وأخذ ‏بنو إسرائيل ذلك عن المصريين (وقصّت ذلك صورة البقرة في القرآن الكريم)" ( الجبتانا - هامش ‏رقم 15 ص 214). بينما المنطق العقلي يقتضي القول مباشرة بأن مانيتون لو كان قال هذا ‏الكلام فيكون قد حكم على نفسه بالكذب والسفه في كل كلمة قالها في هذا ‏الكتاب، حتى أسماء المدن والأشخاص كلها كذب في كذب، لأنه مستحيل أن تكون ‏هناك عادة يعتادها الكهنة هي إحياء الموتى لسماع شهاداتهم، ولا حتى محاولة ذلك ‏بالشعوذة، لأن ذلك أمر مفروغ منه الميت لا يعود، ولن يعود إلا بمعجزة، ومن السخف القول بأن ‏كهنة المعبد اعتادوا ذلك، إنما المؤلف حاول الدمج بين تراث بني إسرائيل وتراث الجبتيين ‏القدماء فقط ليقول بأن بني إسرائيل أخذوها عادة عن الجبتيين القدماء أو كما قال المحقق ‏بالتمام والكمال، وكان هذا هو المطلوب وقد نجح اليهود... ‏

وظاهرة أخرى ينقلها المؤلف عن العهد القديم فيقول: مع أول أيام تحوت(توت) بدأت ‏مراسم إعادة دفن " دان" و"جبتو " في المقبرة الحجرية الجديدة في عين شمس .. أمر أوزير ‏باستخراج جثة دان من قبره في منف... وجثة جده " جبتو مصرايم " الذي هو من نسل الآلهة... ‏وأعيد تحنيط الجثتين.. وفي حقل جنائزي ضخم وبحضور ممثلين من كل المقاطعات ومن ‏معابد الشمال والجنوب وباشتراك جميع المبجلين والقواد والوجوه.. جرت - في البداية - مراسم ‏فتح الفم ثم مراسم الخلود في التابوت ومراسم تعريف الكا والبا بالجثة المحنطة.. وحمل ‏التابوت على زحافتين تجراهما الثيران.. وفي المقبرة الحجرية قام باورعا بتلقين دان قبل أن ‏يوارى في القبر فقال:" سوف تُشد لك " الصراطا " بين الجبلين في الغرب.. فلو كان قلبك مليئاً ‏بحب الناس فسوف يكون مصيرك بارادويس التي هي بيت النعمة ولو كان قلبك بعيداً عن ‏حب الناس فسوف يكون مصيرك "جي هنوم " التي هي وادي العذاب.. فل لتحوت وبقية الآلهة ‏المشرفين على المحكمة إنك تحب الناس وتحمل عنهم أحمالهم ولم تؤذ أحداً.." ( الجبتانا - ص 221)‏

وهنا نلاحظ أسطورة العبور على صراط بين الجنة والنار، ومن كانت سيئاته أكثر يقع ‏في النار –قبل الحساب- ومن كانت حسناته أكثير يتمكن من العبور.. وهذه أسطورة ‏توراتية انتقلت من العهد القديم إلى الجبتانا وليس العكس لأن الجبتيين القدماء كانوا ‏يعتقدون أن الإله يعقد محاكمة للميت وتقوم الإله باستخراج قلبه ووضعه على الميزان فإن ‏رجحت كفته يكون من أهل النعيم وإن كان العكس يكون من أهل العقاب، ولم يرد ‏على الجداريات أي إشارة لهذا الصراط لأنه منافي للعقل من أساسه، فكيف يقع إنسان في ‏العذاب قبل أن يُحاسب ! وقبل أن يصل إلى المحكمة !‏

وأما الخرافة الأغرب فهي عروس النيل؛ حيث يورد المؤلف خرافة ينشكح اليهود ‏بترويجها وهي" الاحتفال بعيد وفاء النيل"، يقول المؤلف: في نفس اليوم منتصف مسرى أقيم ‏الاحتفال السنوي بعيد " وفاء حابي" حيث قدمت القرابين والمحرقات على مذابح جميع المعابد ‏‏... واختار الكهنة الأميرة "نيت " ابنة " نفتي " (التي صاروا ينادونها نفتيس): حيث إن نيت لا تزال ‏بكراً لم تعرف الرجال واختاروها لإلقاء عروس النيل.. ركبت نيت سفينة الكهنة بعد أن ‏تطهرت في بيت التطهير المزدوج وركبت معها الضاربات بالدفوف وعازفات الناي.. وفي منتصف ‏المسافة بين الشاطئين قدّم الكهنة عروساً نحتت من خشب الجميز بملابسها الكتانية ‏الزاهية.. وما إن أوقف الكهنة عروس النيل على حافة السفينة حتى ضج المحتفلون على ‏الشاطئين وفي السفن والطوافات والأرماث بالهتاف والتهليل.. ثم تقدمت نيت .. وقبّلت عروس ‏النيل ودفعتها لتسقط في المياه الحمراء المتدفقة فازداد الهتاف والتهليل مختلطاً بدقات الطبول ‏والدفوف وترنيمات الكهنة المرتلين" ( الجبتانا " ص 231 )‏

وهذا مستحيل أن يكون طقساً اعتاده القدماء لأنه فعل غير إنساني، بل إنهم لو أقدموا ‏على فعل ذلك، فكيف قاموا بأعمال وسلوكيات جعلت العالم أجمع يصف حضارتهم بأنها " ‏فجر الضمير" ! ثم أن هذا لو حدث فلماذا لم يتم تدوينه على الجداريات والمعابد والمقابر؟! ‏فعلى مدار السنين بحث علماء الجبتيات واهتموا بدراسة الظاهرة خصوصاً بعد نجاح ‏شامبليون في فك رموز حجر رشيد ولم يجدوا في أي أثر مصري شيئاً عن حقيقة عروس النيل.‏‎ ‎‎.‎وكل ما وجدوه أن الجبتيين القدماء كانوا يحتفلون بعيد النيل بأن يلقوا فيه سمكة من ‏نوع الأطم فقط‎.‎‏ كما يحتفلون بعيد الربيع وعيد الأم في مارس كل عام. فمن كانوا ‏يتخذون العلم والمعرفة سبيلاً لرقيهم وحضارتهم لم يكونوا ليضحوا بحياة إنسان لمجرد ‏تقديمه قربان للآلهة. وما يثبت كذب المؤلف هو عبارة (التي صاروا ينادونها نفتيس) فهذه ‏العبارة تؤكد أنه كان يؤلف قصة في عصره عصر البطالمة لأن "نفتيس" هذه هي الصيغة ‏اليونانية لـ " نفتي". أي أن التأليف كان حياً ومعاصراً لزمانه. بينما هو أعاد الحدث زمانياً إلى ‏عصر " مينا نعرمر".‏

وهناك أدلة أخرى كثيرة على اقتباس الجبتانا من التوراة. نورد بعضها فيما يلي: ‏
‏1-‏ أن التوراة أسبق في الوجود من الجبتانا، بالإضافة إلى أنه تم تأليف الجبتانا خلال فترة تواجد ‏اليهود بالإسكندرية، وبالتزامن مع مشروع الترجمة، وتحديداً خلال فترة سيطرتهم على ‏مكتبة الإسكندرية.‏

‏2-‏ التناسخ التام في فكرة " شعب الله المختار "، حيث نجد مؤلف الجبتانا يقول: وسمعت صوت ‏قدوس الكون يهتف بي:" أيها الكاهن العارف بالأسرار.. أيها الكاتب الذي يكتب بكل ‏لسان.. شاءت إرادتي أن يكون هناك في الأرض نهر عظيم هو حابي أو النيل.. وحول ذلك النهر ‏ينمو شعب عظيم هم الجبتيون أبناء جبتو مصرايم... والجبتيون هم أقرب الشعوب إلى كما ‏أنهم أقرب إلى الدماء الإلهية.. ولهذا طرحوا عنهم حياة الغاب وصاروا يقودون جنس البشر في ‏مضمار الحضارة... ". بينما النص التوراتي الذي شكل الهوية الثقافية لمؤلف الجبتانا يقول: ‏فصعد إلى جبل الله فناداه الله في الجبل قائلاً... وأنا حملتكم على أجنحة النسور وجئت ‏بكم إليّ. فالآن إن سمعتم لصوتي وحفظتم عهدي تكونون لي ‏خاصة من بين جميع ‏الشعوب، فإن لي كل الأرض وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة) (خروج 19:‏‏2-‏‏6‏‎‏).. أي أن عملية إعادة استنساخ ذات الفكرة من التوراة إلى الجبتانا واضحة جداً.‏


‏3-‏ كلمة " الكروبيم:" التي وردت بالجبتانا في رحلة المعراج السماوي، هي كلمة عبرية ‏صرفة، ولا يوجد لها أي أثر في الهيروغليفية، ومقصود بها الملاك المجنح، وهي بصيغة الجمع ‏في العبرية صيغة الجمع العربية، والمقصود بها في نصوص التوراة‎ ‎ملائكة‎ ‎يرسلون من ‏قبل‎ ‎الله‎ ‎أو يقيمون في حضرته تعالى، أقامهم‎ ‎الله‎ ‎على أبواب جنة عدن عندما طرد أدم ‏وحواء‎ ‎منها (تك3: 24‏‎( ‎

‏4-‏ ‏"جنة عدن ": أوردت الجبتانا أسطورة بشأن النيل، حيث كان قدماء الجبتيون يعتقدون أن ‏هناك شادوف سماوي (شادوف الإله بتاح الذي أعطاه لحابي إله النيل) لنقل المياه من السماء إلى ‏البوابة الذهبية للنيل، فلم يكونوا يعرفوا منابع النيل، ولم يتم اكتشافها إلا في مطلع القرن ‏الثامن عشر. بينما الجبتانا أوردت ذات الفكرة بالصورة التي فهمها اليهود وبالعقيدة اليهودية، ‏حيث قالت الجبتانا أن الشادوف السماوي يعمل على نقل المياه من جنات عدن إلى إله النيل، ‏ويعلق على ذلك الدكتور علي الألفي(الجبتانا الهامش رقم 2 - ص 101 ) بأن كلمة " شادوفا كلمة ‏مصرية قديمة علم على أول آلة لنزح ونقل المياه وتعتمد على فكرة الروافع"، بينما جنات ‏عدن هذه باليمن جنوب غرب جزيرة العرب حيث الموطن العتيق لليهود، فما الصلة بين جنات ‏عدن والبوابة الذهبية للنيل! على اعتبار أن مانيتون آمن بجنات عدن وكفر بالديانة التي ‏تحدثت عنها! أليس ذلك دليلاً على أن اليهود هم من قاموا بصياغة هذه الأسطورة لدمج ‏الثقافات !‏

يُتبع ...‏

‏(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت ) ‌‎
‏ (رابط الكتاب على نيل وفرات):‏
‏ ‌‎ ‏https://tinyurl.com/25juux8h‏ ‌‎

‏(رابط الكتاب على أمازون) :‏
‏ ‏https://cutt.us/sxMIp‏ ‏

‏( رابط الكتاب على جوجل بلاي ):
https://cutt.us/KFw7C

‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA

‏#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنسا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!