الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليسَ بعيداً عنْ خدرِ العَواطفِ . .

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2023 / 4 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- - - - - - - - - - - - - - ----
لعلَّ تجربةَ فقدانِ أحدِ الأحباءِ ، هيَ منْ أكثرِ التجاربِ الوجدانيةِ تحدياً لوعيِ وأحاسيسِ الإنسانِ . حيثُ تنفجر في أعماقه براكين مرعبة من الشعورُ بالارتباكِ والضياعِ أو التشتت الذهني، و قد يصل الحال لدى بعضنا إلى حد الانهيارِ الكلي عندَ مواجهتة لهكذا حدثَ جلل مزلزل .
ربّما بسببَ مخالفتهِ لمنطقِ الطبيعةِ العامِ ، أو اعتياد الفهم على موتِ الأقدمِ وجوداً والأكبرُ سناً ، يعتبر فقدانُ أحدنا لطفلهِ - بلا شكٍ - منْ أكثرِ التجاربِ المُحزنةِ ، التي يمرُ بها الوالدانِ على الإطلاق. بلْ لعلها أكثر الخطوبُ أذىً ، وأشدّها إيلاماً وأسفاً في النفس .
وذلك بما تسببه هذه الفاجعة ، منْ مشاعرِ الصدمةِ و الحزنِ و الغضبِ ، والشعورِ بالذنبِ وتبكيت الضمير ، بالإضافةِ إلى الشعورِ العارم بالعجزِ وفقدانِ السيطرةِ على توابعِ الأمورِ ونواصي الحياة.
في تحليلٍ موضوعي عامٍ ، ودونُ الوقوعِ في خدرِ العواطفِ .
أنْ تفقدَ إنسانا عزيزا حبيبا كانَ أمُ قريبا ، ستشعرُ بكلِ تأكيدٍ ، وكانَ جزءا منْ وعيكَ قدْ ماتَ بالفعلِ أيضا ، وذهبَ بعيدا عنكَ ، معَ منْ تحبُ . الأكيدَ أنهُ ليسَ منْ السهلِ على هذا الإنسانِ المفجوعِ ، العودةُ إلى مسارِ حياتهِ الطبيعةِ ، أوْ مثابرةٍ حياتهُ العاديةُ كما كانَ منْ قبلٌ ، دونُ أنْ ينوءَ تحتَ ذكرياتٍ متدفقةٍ وعمرٍ ماضٍ ، وربما أسفٌ متعاظمٌ ، على ضياعِ ثوانٍ أوْ ساعاتِ أوْ هدرِ أيامٍ ، هربتْ منهُ وضاعتْ في سرابِ العمرِ ، دونُ استغلالها جيدا في اللقاءِ معَ ذاكَ الشخصِ الفقيدِ . وقدْ يكونُ الحدثُ أكثرَ صعوبةٍ ومرارةٍ ، إذا ما كانَ الإنسانُ المفجوعُ عاطفيا بعضَ الشيِ أوْ كانَ المفقودَ لهُ مكانةٌ كبيرةٌ في حياتهِ ،
بالطبعِ منْ المستحيلِ أنْ نتوقعَ منْ أيِ أحدِ النسيانِ إثرَ قترة محددةً أوْ نقررَ متىْ يمكنهُ المضيُ قدما في حياتهِ الطبيعيةِ ولوْ ظاهريا .
لأنهُ منْ المهمِ - في تقديري - أنْ تأخذَ الذاتُ الملوعة تلكَ ، وقتا للحزنِ والتعاملِ معَ فيوضُ مشاعر الحزنِ المتتاليةِ ، بكلِ أناةٍ وفهمٍ .
مؤكد هناكَ طرقٌ مختلفةٌ ، للتخفيفِ عنْ النفسِ الملوعة ، تعتمدَ بالضرورةِ على احتياجاتِ كلِ منا ، وتفضيلاتهُ الشخصيةُ ، وما إلى ذلكَ.
بعضنا يجدُ نوعا منْ الراحةِ في مشاركةِ مشاعرهِ معَ الآخرينَ ، بينما يفضلُ بعضٌ آخرُ ، أنْ يكونَ بمفردهِ تماماً ، وأنْ يخلوَ بنفسهِ ، كيْ يتفكرَ بروية بما جرى حولهُ ، بعيدا عنْ صخبِ الحياةِ وسلوانِ المجتمعِ .
في وقتٍ يجدُ بعضُ الناسِ العزاءِ في ممارسةِ الطقوس الروحية ، أو القيام بالأنشطةِ الإبداعيةِ مثلٍ الكتابةِ أوْ الرسمِ أوْ الاستماعِ الموسيقى...
في تقديري ، الأهمَ في ذلكَ كلهُ ، هوَ ألا يقسوَ المرءُ على نفسهِ ، وألا يحاولَ أنْ يفعلَ الكثيرُ منْ أفعالِ إجهادِ الوعيِ في وقتٍ واحدٍ .
وانْ يدركُ جيدا ، بأنَ الحزنَ هوَ عمليةُ مشاعرِ شخصيةٍ إنسانيةٍ معقدةٍ ، وان استحكام العادة منها و التمكن من تخفيف حدتها قدْ يستغرقُ وقتا طويلاً ، وربما العمر كله .
ولا اظن أن هناكَ طريقةٌ صحيحةٌ أوْ خاطئةٍ أوْ وصفة سلوك حتميةٍ للتعاملِ معها . ، لذلكَ على كلِ شخصِ منا أ أنْ يفعلها بطريقتهِ الخاصةِ وبالسرعةِ والطريقةِ التي تناسبهُ. .
لذلكَ أرى ، علينا التحلّي بالصبرِ معَ ذواتنا المرهقةِ ، وأخذَ الوقتِ الكافي للعيش على أمل التعافي ، ومحاولةُ العثورِ فيمنْ حولنا ، من نفوس وأرواح جميلة ، على الدعمِ النفسي ، والرعايةِ الانسانية ، التي نحتاجهما بشدة للوقوفِ مرةً أخرى .
فالحزنُ والسعادةُ - كما يبدوان لي أحياناً - هما أمرانِ لا يتجلّيانِ بعمقٍِ إلا بالمشاركةِ والاجتماعِ .
قصارى القولِ : لربما الحقْ وقفَ إلى جانبِ منْ قالَ يوماً :
أنَ الإنسانَ في المدرسةِ يدرسُ ويفهمُ ثمَ يدخلُ الامتحانُ ، أما في الحياةِ فالإنسانُ يدخلُ الامتحانُ منذُ اللحظةِ الأولى ، ثمَ أخيراً ، قدْ يفهمُ الدرسُ منها ، وكثيرٌ قد لا يفعلُ بالطبعِ .
القولُ أخيراً ، إنهُ مهما قلنا أوْ تساءلنا أو تمنطقنا ، في فهمِ وتحليلِ هذا النوعَ منْ مشاعرِ الحزنِ لدى الإنسانِ،
سيجيبنا الشاعرُ " إيليا أبو ماضي " قائلاً :
كلُ ما في الأرضِ منْ فلسفةٍ . . لا يُعزّي فاقداً عمنْ فقدَ .
zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية