الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجماعية والفردانية

كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي

(Kamal Ghobrial)

2023 / 4 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعض الحيوانات تنزع للسير في جماعات. كالأغنام والأبقار والفيلة. وينزع بعضها للسير فرادى. كالأسود والنمور والفهود. هي الطبيعة البيولوچية التي تختلف باختلاف فصائل الحيوانات.
ولدى الإنسان كلا النزوعين معاً. الجماعية والفردانية.
فنحن نعرف مقولة الفيلسوف چان پول سارتر "الجحيم هو الآخر"، وهذا صحيح. لكن صحيح أيضاً أن "النعيم هو الآخر". واجتماع هذين النقيضين في شخصية الإنسان، هو الذي جعل المجتمعات الإنسانية تختلف هذا الاختلاف الهائل عن التجمعات الحيوانية.
فشخصية الإنسان تنمو وتتطور منفردة نعم. لكن تطورها الأكبر والأوسع من تفاعلها مع الآخر. ومع المجتمع ككل، بظروفه ومشاكله باختلاف أنواعها.
الفردانية لدى الإنسان أنتجت التخصص المهني. الذي أوجد التبادل والاعتماد المتبادل داخل التجمعات الإنسانية. ما شكل الرابطة التي تحفظ للجماعة ترابطها. والذي يعادل رغبة الإنسان في الانفراد. وهذا ما يصنع الفارق بين مفهومي "تجمع" و"مجتمع". حيث "التجمعات" مجرد تجاور أفراد لا يعتمد أحدها على الآخر في وجوده وحياته.
لكن الفرق بين مجتمع إنساني وآخر، يصنعه الفارق بين أفراده في المعادلة البيولوچية للأفراد، والناتجة عن اختلافات چينية وهرمونية. والتي تحدد نسبة نزوعه للتجمع، إلى نسبة نزوعه للفردانية.
فالنزوع للتجمع يذهب للخنوع للقيادة المجتمعية والالتزام الصارم بعادات وتقاليد، غالباً ما يتم إضفاء القداسة عليها. فيما النزوع للفردانية يوجد التميز والتمرد باختلاف صوره. حيث نجد لدى الأفراد الرغبة والقدرة على الابتكار والتجديد.
وإذا نظرنا لتأثير العقائد الدينية. سنجد في العقائد الإبراهيمية، المسيحية الأرثوذكسية والسلفية الإسلامية تضخم النزعة الجماعية، وتكاد تسحق الفردانية. فيما نجد البروتستانتية تذهب للإعلاء من شأن الفردانية. وبين النقيضين نجد الكاثوليكية والإسلام غير السلفي.
أمر المجتمعات إذن إن كان جموداً وتخلفاً حضارياً، أم تطوراً دائماً. رهن بالدرجة الأولى (بالإضافة لعوامل أخرى عديدة) بما يمكن تسميته "روح الشعب". والتي تشكل ملامحها تلك المعادلة البيولوجية، المشكلة بواسطة اختلاف نسب مزيج نزوع عموم أفرادها لكل من الجماعية والفردانية.
نستطيع أن نرصد شعوباً تكاد تختفي فيها الروح الفردية. وتكاد تكون أشبه بقطيع من الأنعام.
لكن في العالم المتقدم لا تختفي الروح الجماعية مقابل الفردانية. وإلا لتبددت هذه المجتمعات. لكن ما يحدث هو توازن صحي بين كلا النزعتين، الجماعية والفردية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثقافة القطيع تجلب المصائب
لبيب سلطان ( 2023 / 4 / 11 - 00:38 )
استاذنا العزيز
في كتابه الشهير - سيكولوجيا الجمهور- يذكر غوستاف لوبان ان الايديولوجيا التي تخاطب وتدغدع مشاعر الجمهورتسيطر على عقولهم وتخلق منهم قطيعا يفقد فيه كلا منهم كل صفاته الفردية سواء الجينية او المكتسبةاجتماعيا او دينيا كما تشيرون وتنصهر الفردية في روح الجماعة وتظهر ثقافة جديدة جمعية قطعانية يمكن قيادتهاكالعميان حتى الى ممارسة القتل مثلا واكثر الاعمال العدوانية لايمارسها الفرد لوحده عادة ان كان غير مجرما ويفسر القتل وروح الاعتداء للجمهور القطيعي المؤدلج انه يتم تحت تخدير هذه الثقافة والوعي الجمعي الذي تخلقه الايديولوجيا..وسواء في المانيا النازية او الثورة الثقافية لماو تسي تونغ او في العراق مثلا عام 1963 يقوم شبابا بالعتداء حتى على كهول من مدرسيهم ومعلميهم وجيرانهم وحتى يضربونهم ..وبعد فترة اي بعد زوال التاثير الجمعي كان هؤلاء يخجلون من اعمالهم
وحتى في الظروف الطبيعية تجد عدوانيتهم مع من يختلف معهم بالرأي فينهمرون بالسب والشتم ..حيث يغيب العقل الفرداني للمؤدلج ويخضع لثقافة القطيع ولقائد القطيع ولمقولة القطيع المؤدلجة
بغض النظر ماتكون عليه
شكرا لكمةعلى مقالتكم


2 - كلما ازداد تحضر المجتمع ازداد تميز الفرد
منير كريم ( 2023 / 4 / 11 - 08:56 )
تحية للحضور الكريم
موضوع شيق ومفيد
كلما ازداد تحضر المجتمع ازداد تميز الفرد عن المجموع
ولهذا كانت الديمقراطية الليبرالية التي تنطلق من الحقوق الفردية ناجحة جدا في المجتمعات الاكثر تحضرا
وعلى النقيض فالنظريات الجماعية عشعشت في البلدان المتاخرة حضاريا وانتجت النظريات الجماعية التي تعطي الاولوية للجماعة على الفرد انتجت نظما شمولية مطلقة كالنظم الدينية والشيوعية والفاشية والقومية
شكرا

اخر الافلام

.. البابا فرانسيس يستقبل زيلينسكي في الفاتيكان لمناقشة سبل السل


.. قوات الاحتلال تعتدي على مصلين حاولوا الوصول إلى المسجد الأقص




.. أسوياء مع مصطفى حسني - نفسي فداك يا رسول الله ..وتعرض أبو بك


.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها




.. 92-Al-Aanaam