الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المارونية السياسية البطريركية والرهبانيات

الياس عفيف سليمان

2023 / 4 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المارونية السياسية
البطريركية والرهبانيات

الدكتور الياس عفيف سليمان
باحث ومتخصص بتاريخ الشرق الاوسط الحديث والمعاصر
متخرج من جامعة بار– ايلان

تشكل المارونية السياسية المفتاح الرئيسي لفهم تطور السياسة اللبنانية وواقعها. وصدرت دراسة
عن مركز السفير للمعلومات في بيروت تلقي الضوء على تاريخ المارونية السياسية من الفترة
الممتدة بين سنة 1840 وحتى نهاية عهد الرئيس سليمان فرنجية 1976.
واريد ان انوه بان الموارنة شيء والمارونية السياسية شيء اخر. المارونية السياسية هي تعاطي
بعض الموارنة بالسياسة من منطلق طائفي لتقوية موقفها تجاه التحديات. اما الموارنة فهم
مواطنون كغيرهم من المواطنين . تتمتع المارونية السياسية، أي الطائفية المارونية بإعجاب
خفي من جميع الطوائف الاخرى في لبنان لان المارونية السياسية هي الناطقة الجريئة باسم
الطوائف الاخرى.
احد اسرار قوة المارونية السياسية انها سخرت الدولة، ولكن الدولة لم تستطع ان تسخرها. بل
انها بالعكس بنت دولة خاصة بها بإصرارها من خلال افكار الحرية الليبيرالية والازدهار
والامتياز الحضاري على موضع & البعيد القريب& بالنسبة الى الدولة.
البطريركية الممثلة بالمارونية السياسية كانت الوجه الاكثر تماسكا واستمرارية فالواقع انه منذ
قيام لبنان الكبير 1920 عرفت بكركي عدة بطاركة وفي هذا المقال نركز على الفترة الممتدة
من حبرية البطريرك الياس بطرس الحويك وحتى حبرية البطريرك انطون بطرس خريش.
البطريرك الحويك كان الابرز في السلسلة، فقد مهد الى مجيء فرنسا الى لبنان. وهو الذي
شارك في صنع قرر توسيع حدود جبل لبنان. لكن البطريرك الحويك لم يكن تابعا للفرنسيين
بشكل مطلق فهو من قال & فرنسا كالشمس تضيء من بعيد وتحرق من قريب & وعندما وصل
الجنرال ساراي الى لبنان واراد ان يتعامل بعلمانية مع البطريركية، وقف البطريرك في وجه
فرنسا مدعوما من المسلمين بسبب الشعور الوطني.
اما البطريرك الثاني انطون بطرس عريضة فهو صاحب سجل ايجابي مع النزعة الوطنية في
لبنان. فبالإضافة الى موقفه عام 1941 في مؤتمر الطوائف وموقفه في العام 1943 في
معركة الاستقلال عادى الانتداب وشركائه واتصل بالوطنين السوريين حتى نادت الجماهير في

دمشق ووصفت رئيس الجمهورية تاج الدين الحسني بالعميل وهتفت للبطريرك الماروني &
الشيخ تاج عدو الله والبطريرك عريضة حبيب الله& .
اما البطريرك الثالث فهو البطريرك بولس بطرس المعوشي، كان تعيينه مباشرة من البابا وبه
بدأت سابقة اعتبرت اخر مظهر عملي واكمل مظهر من مظاهر عضوية المارونية في الكنيسة
الكاثوليكية العالمية. اتسمت بداية طريقه بعلاقة جيدة بالحركة الوطنية في لبنان حتى سمي
ولقب & بطريرك العرب& وهو اللقب الذي اطلقه فيصل الاول على بطريرك الارثوذكس الشهير
غريغوريوس حداد عندما دخلت قوات فيصل الى دمشق بعد هزيمة تركيا عام 1918.
عارض البطريرك المعوشي سياسة كميل شمعون خاصة احداث 1958 فقد هاجم الرأي
السياسي الاكثر رواجا بين الموارنة واعتبر سياسة الرئيس شمعون مصيبة على لبنان واكد
ضرورة وضع سياسة التعايش الاسلامي المسيحي فوق أي اعتبار اخر.
اعلن البطريرك المعوشي عداوته الصريحة لجمال عبد الناصر انطلاقا من توصية ارسلها اليه
ولم يعمل بها تتعلق بموضوع المدارس الكاثوليكية في مصر. في هذه الحادثة مغزى كبير هو
ان البطريرك ذهب في هذه التوصية الى ابعد موقع من مواقع التطرف السياسي الماروني اذ
تصرف على اساس حق المارونية في قيادة المسيحية في العالم العربي. كان البطريرك متصلبا
متمسكا برأيه رافضا كل فكر تقدمي داخل الكنيسة وخارجها. وبلغ به التصلب حد عدم الاخذ
بمقررات المجمع المسكوني عندما انفتح الفاتيكان ايام يوحنا الثالث والعشرين على الاديان
والافكار والقضايا الاجتماعية والوطنية وعندما اراد ان يجعل من الكنيسة املا للفقراء.
اما البطريرك انطون بطرس خريش فبوجه اللاعنف الذي اطل منه على القضية اللبنانية اثناء
السنتين الداميتين ابقى لكرسي البطريركية مكانتها المعنوية في صفوف اللبنانيين عموما، من
مسلمين ومسيحيين على حد سواء محاولا منع التقسيم والمواجهات. سافر البطريرك الى اوروبا
شاكيا على الفلسطينيين والعرب اجمعين فطلب حماية الموارنة ونفى صفة لبنان العربية.
بالرغم من ذلك لم يقطع البطاركة خط العلاقة مع المسلمين داخل لبنان ومع العرب ومع النزعة
الوطنية نفسها. كانوا يفضلون استمرارية هذه العلاقة وهذا الموقف هو بذاته احد المواقف
الاستراتيجية للمارونية السياسية، لان البطريرك في مفهوم المارونية السياسية هو بطريرك
لبنان واللبنانيين وليس بطريرك الموارنة فقط، كما ان الموارنة هم اللبنانيون. مع هذا فهمت
البطريركية ضرورة الاعتدال في موقف بكركي خشية فقدان رعايا سياسيين مسلمين داعمين
للمارونية السياسية وافكارها الاساسية.
اما الرهبان فهم اكبر قوة تعليمية في لبنان. فالراهب يعمل لمصلحة طائفته. وكان للرهبنة دور
كبير في ابقاء التوازن اللبناني لمصلحة الموارنة، واذا حدث خلل في التوازن يسرع ممثلو
الرهبانيات بلعب الدور الهام وهو الدور المالي باعتبار ثروات الاديرة الكبيرة ودور تعبوي
باعتبار قوة الرهبانيات كجهاز تعبوي له دور سياسي في العلاقات مع الفاتيكان ومع الكنائس
والرهبانيات الغربية. وقد انقرض عمليا الاقطاع الزراعي في لبنان وخصوصا في الجبل ولكن
بقيت الرهبانيات هي الاقطاعي الزراعي الوحيد تقريبا معطية الرمز الاوضح لحلف الاقطاع
والطائفية بكل تكاملها تكاملا يميز لبنان المصنوع على صورة المارونية السياسية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحوثيون يعلنون بدء تنفيذ -المرحلة الرابعة- من التصعيد ضد إس


.. تقارير: الحرب الإسرائيلية على غزة دمرت ربع الأراضي الزراعية




.. مصادر لبنانية: الرد اللبناني على المبادرة الفرنسية المعدّلة


.. مقررة أممية: هدف العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ البداية ت




.. شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على خان يونس