الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإسلام الموازي وتكفير أهل الكتاب

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2023 / 4 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تكفير المسيحيين واليهود مسألة تُراثية تندرج ضمن الدين الموازي التكفيري ولا علاقة له بالإسلام، لأن القرآن لم يكفرهم. إذ ظل يخاطبهم على طول الكتاب وعرضه: "يا أهل الكتاب". ولا ينزع عنهم الإيمان. بل يعتبرهم أحيانا شديدي الإيمان. بدليل قوله تعالى: "يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم"، والغلوّ في الدين هو التشدد في الإيمان. يعني الحب المفرط لله. وهذا يتناقض مع الكفر.
يعني تكفير أهل الكتاب من البداية، من خلال استنطاق اللغة، يظهر أنه افتراء ظالم ودخيل على القرآن.

فمن أين تسرب تكفير أهل الكتاب؟
ومن أين تسرّب الحقد والكراهية وواجب قتل غير المسلمين حتى أصبح أمرًا ثابتا من ثوابت العقيدة؟

تسرّب ذلك من فهم أهل التراث الخاطئ لبعض الآيات، من أهمها:
١/ الآية 72 من المائدة:
"لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم..."
٢/ الآية 22 من سورة المجادلة:
"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادُّون من حادّ الله ورسوله· ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم. أولئك كَتَبَ في قلوبهم الإيمان. وأيّدهم بروح منه. ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها. رضي الله عنهم ورضوا عنه. أولئك حزب الله. ألا إنّ حزب الله هم المفلحون"..

١/ بخصوص الآية 72 من سورة المائدة، الفهم بسيط جدا. والقرآن بوضوحه وفصاحته ودقة لفظه يقول: لقد كفر [الذين قالوا]، يعني (استثناء) هؤلاء الذين قالوا فقط. فلو كان يقصد أهل الكتاب جميعا، لقال بوضوح: "لقد كفر أهل الكتاب". أو "لقد كفر أهل الكتاب الذين قالوا..."

٢/ أما بخصوص الآية 22 من سورة المجادلة:
"[لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يُوادُّون من حادّ الله ورسوله· ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم]. [أولئك كَتَبَ في قلوبهم الإيمان. وأيّدهم بروح منه. ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار، خالدين فيها. رضي الله عنهم ورضوا عنه. أولئك حزب الله. ألا إنّ حزب الله هم المفلحون"].

كل كتب التراث فسّرت الآية على أن المقصودين بالمخاطبة (قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر) هم المسلمين. وهذا غير صحيح. إذ الآية في السياق التاريخي المعلوم، لا تتحدث عن المسلمين. بل عن أهل الكتاب الذين ناصروا (الفرس المشركين) ضد الروم (أهل كتاب) مثلما تحالفوا مع "كفار قريش" (الوثنيين) ضد الرسول وجماعته (الموحدين).

فما هو الدليل على أن المخاطب به في الآية هم اليهود وليسوا المسلمين؟
كما هو معلوم فإن منهج الشيخ الطاهر بن عاشور في التفسير يقوم على الدراية والرواية. والركيزة الاولى في باب الرواية، هي تفسير القرآن بالقرآن.
وبالعودة إلى الآية 14 من نفس السورة (المجادلة)، نقرأ قوله تعالى: "ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم [ما هم منكم ولا منهم] ويحلفون على الكذب وهم يعلمون".

الله سبحانه وتعالى هنا يُخبِر النّبي عن يهود المدينة (أهل الكتاب) الذين تعاهد معهم بميثاق، فانقلبوا على عهدهم، وتحالفوا مع كفّار قريش (الوثنيين)، أي غير الموحّدين، الذين لا يشتركون في شيء لا مع المسلمين ولا مع أهل الكتاب [ما هم منكم ولا منهم]. وحين سألهم الرسول: هل نكثتم العهد وتحالفتم مع قريش؟ حلفوا بأن ذلك لم يحدث. وهم كاذبون.

إذن الآية 14 تُفسّر الآية 22 التي ستأتي بعدها في نفس السياق. ف"الذين تولّوا قوما غضب الله عليهم" في الآية 14 (تحالفوا مع قريش ضد الرسول محمد وجماعته) هم أنفسهم أهل الكتاب الذين "يّوادّون من حادّ الله ورسوله" في الآية 22. (أهل الكتاب المتعاونون مع الفرس ضد الروم).

الشيخ الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير، بعد الانتهاء من الشرح اللغوي، يضع الآية في سياقها التاريخي، فيقول "كان المشركون يحبون أن ينتصر أهل فارس على الرّوم لأنهم وإياهم أهل أوثان. والغلَب الذي ذكر في الآية (غُلبت الروم في أدنى الارض) هو انهزام الرّوم في الحرب التي جرت بينهم وبين الفرس سنة 615 م. وذلك أن بن هرمز ملكَ الفرس غزا الرّوم في بلاد الشام وفلسطين، وهي من البلاد الواقعة تحت حكم هِرقل قيْصر الروم، فاستولى على أنطاكية ثم دمشق وكانت هزيمة الرّوم في أطراف بلاد الشام المحاذية لبلاد العرب (أدنى الارض). ففرح المشركون من أهل مكة بانتصار الفرس. فيما حزن المسلمون [لأن الروم أهل كتاب مثلهم]. ولما أظهرت قريش التطاول على المسلمين بذلك، أنزل الله هذه السورة مقتا لهم وتبشيرا للمسلمين بأن الله سينصر الروم على الفرس: "... غُلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غَلَبهم سيغلِبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد [ويومئذ يفرح المؤمنون..."] (سورة الروم)
(انتهى رأي الشيخ الطاهر بن عاشور).

يعني لمّا المسلمون يفرحون لانتصار أهل الكتاب على الفرس عبدة النار؟
أليس هذا الفرح لانتصارهم يُسقط واجب كرههم وعدائهم وتفكيرهم؟

وبكل الأحوال، وهذا ما يعنينا هنا، الآية 22 من سورة المجادلة التي بنى عليها الأوّلون تكفير المسيحيين واليهود، لا تتكلم عن المسلمين أصلا. فلا هم "من وادّوا" ولا هم "من حادّ الله ورسوله". ولعلّ هذا الفهم الخاطئ للمُخاطِب، هو الذي شوّه فهم الآية، وأدّى إلى تكفير أهل الكتاب بالعموم ودون تمييز في الزمان ولا في المكان.

ولابد من الإشارة إلى تفصيل مهم جدا، وهو أنّ سورة المجادلة مدنيَّة بالإجماع، وهي من المفصل. أي من لِبَاب القرآن، الخالية من المنسوخ. نؤكّد على هذا حتى لا يطلع علينا أحد الأتباع ليقول لنا "هذه آية منسوخة"!

آية أخرى من عدة آيات، تُبيّن بوضوح أن كلّ ما ورد في كتب التّراث من تكفير لغير المسلمين هو نقيض للقرآن وكارثة على الإسلام.
"وما أرسلناك (((إلا))) رحمة للعالمين"
يعني رحمة لكلّ الناس بلا استثناء. فلا يُعقل أن يكون الرسول مبعوثا للتكفير.
ف"إلا" هنا استثناء يفيد الحصر. أي الرحمة لجميع الناس والأجناس هي سبب الرسالة وغايتها.

أيضا، أنظر الوُضوح:
"لا ينهاكم الله عن الذين [لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم] أن تبرُّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" (الممتحنة)
يعني باستثناء هؤلاء الذين اعتدوا عليكم وأعلنوا عليكم الحرب. وأخرجوكم من دياركم، بقية خلق الله جميعا، مطلوب منكم برّهم ومعاملتهم معاملة حسنة.

ثمّ، الآية الأكثر وضوحا، والتي تُسفّه كلّ التكفيريين: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ((إلا الذين ظلموا)) منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون"*.
(*) ونحنُ له مسلمون: تعني ونحن له خاضعون بالطاعة، مذعنون.
وباستثناء الذين ظلموا. وهم معلومون عند النبي. إذ يقول له: يا محمد باستثناء هؤلاء الذين ظلموك حين نكثوا العهد، أو أولائك الذين هاجموا بيتك (فلان وفلان وعلّان)، بقيّة اليهود والمسيحيين جادلهم بألطف المجادلة.

ومن أكثر الآيات وضوحا أيضا (35، 36، 37 سورة البقرة): "وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين * قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون * فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق [فسيكفيكهم الله] وهو السميع العليم.
فسيكفيكهم الله: يعني الله وحده الذي سيتولى أمرهم. أما أنت يا محمد فلا دخل لك.

السؤال الجوهري: هل المقصود هي الجماعة المخصوصة حصرا، أم جميع أهل الكتاب؟
طبعا هي جماعة معينة وُجدت في مكان معيّن وزمان معين واعتدت على نحو معين على جماعة أخرى معيّنة. لأنه من باب العبث والجنون وتشويه الدين أن نُصدّق بأن المسيحي المولود في سيريلانكا سنة 1970 ميلادي مشمول بالتفكير بسبب جُرمٍ قام به مسيحي آخر وُلد في الشّام سنة 605 ميلادي.

طبعا أوّل ردّ هنا. سيقول قائل: "وهل أنت تفهم أكثر من أهل التراث؟"
طبعًا، نحن نفهم أفضل منهم آلاف المرّات، لأننا نمتلك من أدوات الفهم ما لم يتوفر لهم في القرن الثاني للهجرة. ولم يكن هنالك دراسة الدين المقارن، ولا انتربولوجيا دينية، ولا لسانيّات. ثم يا أخي القرآن مكتوب باللغة العربية الفصحى التي نقرؤها ونكتبها ونفهم سياقاتها وارتباطاتها بالثقافة والتاريخ والجغرافيا أكثر منهم.

أنظروا مثلا هذا الشيخ في الصورة المصاحبة ماذا يقول. والحال أن المعنى واضح جدا [الذين كفروا من أهل الكتاب] دون غيرهم. و"من" هنا واضح أنها تفيد التبعيض. ولا تفيد ابتداء الغاية، ولا التعليل، ولا البدل، ولا الفصل، ولا الغاية، ولا التنصيص على العموم، ولا توكيد العموم. وهذا كل ما يمكن ل(من) أن تفيده في كل قواميس اللغة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت