الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المراة العمل النقابي في فلسطين

سلامه ابو زعيتر

2023 / 4 / 13
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


تمثل المرأة المحرّك الخفي لازدهار وتقدم أي دولة، وتعدّ مساهماتها ومشاركاتها أحد مقاييس التطور والتحضر في المجتمع المدني، حيث تشير الدراسات الاقتصادية الحديثة إلى أن مستقبل الاقتصاد العالمي أصبح بشكل متزايد في يدّ النساء، فالمرأة والاقتصاد في تفاعل مستمر ومشاركة متواصلة، وأصبحت عنصر أساسي، ومشارك رئيسي في منظومة التنمية، فهي عنصر فعّال في القوة العاملة، ولها حضورها في كافة المجالات، برغم كل التحدّيات والمعوقات التي تواجهها في عالم العمل، إلا أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمتغيرات والمستجدات ساهمت في إحداث تحوّل جذري على أوضاع النساء بشكل عام والفلسطينيات بشكل خاص، وأصبحت قيمة اجتماعية واقتصادية لها سماتها وخصائصها ودورها الرئيسي في تعزيز رأس المال الاجتماعي.

جسّدت المرأة الفلسطينية على مدار تاريخ النضال الوطني الفلسطيني نموذجاً فريداً ومميزاً في العطاء والتضحية والفداء، ولعبت دوراً مهماً وفعالاً بجانب الرجل في مناهضة الاحتلال الصهيوني في كافة المحطات التاريخية وميادين المواجهة، فكانت الأم والاخت والمناضلة والأسيرة والجريحة والشهيدة، والمهنية والصحفية والكاتبة والعاملة...، عبر مراحل الكفاح والبناء الوطني، فأثرت خلال مسيرتها في شتى المجالات، وحققت بتحدّيها وإصرارها الدائم ذاتها، ونالت العديد من المكتسبات بالنضال والعمل الدؤوب، وهو ما يعتبر دليلاً على قوة إرادتها، وعمق فكرها وإيمانها بقدراتها وإمكانياتها ومهاراتها التي اكتسبتها بالتجربة والتعليم والخروج للعمل، فكانت ومازالت النموذج الأول للمرأة المناضلة والرائدة صاحبة المبادرات الخلاقة، والتي تسعى دائما للارتقاء بواقعها نحو الأفضل في كل مناحي الحياة من خلال تعزيز مشاركتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

يعتبر العمل النقابي في فلسطين أحد أشكال النضال الاجتماعي والمطلبي، متمثلاً بالنقابات العمالية والمهنية، وهي من أكبر مؤسسات المجتمع المدني الذي يشارك من خلالها أفراد المجتمع في صياغة هوياتهم السياسية والديمقراطية، ويعالجون قضاياهم ومصالحهم العامة والوطنية بحرية ومشاركة فعلية تضمنها الشرعية القانونية[1]، تتشكل النقابات من أجل الدفاع عن حقوق الأعضاء، وتلعب دوراً أساسياً في مواجهة كل أشكال الاستغلال والاستبداد، وتسعى للحفاظ على حقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتناضل من أجل تعزيز الحريات، وتوسيع مساحات المشاركة السياسية والاجتماعية للأعضاء، وخاصة النساء واللواتي يمثلن في المجتمع الفلسطيني النصف تقريباً، حيث تشير الإحصائيات بأن عدد الإناث في فلسطين بلغ2.7 مليون أنثى من مجموع السكان المقدر في منتصف عام 2023، وبنسبة بلغت حوالي 49%[2]، ويصعب الحديث عن مجتمع متطور ومتمدن قادر على تحقيق أهدافه، ونصفه معطل لا يشارك في عملية التنمية والبناء بشكل فعّال ضمن مؤسساته، وهنا تنبع أهمية مشاركة المرأة في التنظيم النقابي بما تمتلك من قوة التمثيل والقدرات المذهلة، وإمكانياتها على العمل والعطاء، والنضال من أجل تحقيق كينونتها، والدفاع عن مصالحها، كعضو فعّال وشريك في عملية النضال النقابي وحماية المصالح والمساهمة في الإصلاح الاجتماعي والتغيير الايجابي.

يتناول هذا المقال واقع المرأة في العمل النقابي، ومساهماتها في عمل النقابات بتنوعها وخاصةً النقابات العمالية وهي الأكثر انتشاراً، وذلك بالإجابة على التساؤل الرئيسي، ما واقع المرأة في العمل النقابي؟ وينبثق منه التساؤلات الفرعية التالية: ماهية العمل النقابي والنقابات العمالية والمهنية ودور المرأة فيها؟ ماهي مؤشرات مشاركة المرأة العاملة في سوق العمل؟ وهل تتيح النقابات العمالية الفرصة للنساء العاملات المشاركة في العمل النقابي؟ وماهي أبرز الإشكاليات والتحدّيات التي تواجه النساء بالعمل النقابي؟ وما هو التصّور المقترح لتعزيز مشاركة المرأة في العمل النقابي؟ وذلك بهدف الوقوف على مدى مساهمات المرأة في العمل النقابي، ورصد أسباب ضعف مشاركة النساء في العمل النقابي؛ لتقديم رؤية نقابية لتحفيز النساء على المشاركة في النشاط النقابي وتمكينهن من الوصول لصناعة القرار.

أولاً: ماهية العمل النقابي والنقابات العمالية والمهنية ودور المرأة العاملة فيها؟

يعتبر العمل النقابي وحرية تأسيس النقابات والانتماء لها من الحقوق الأساسية للإنسان التي نصّت عليها القوانين الدولية والعربية، وأكدتها القوانين المحلية الفلسطينية، والتي يشارك من خلالها الأعضاء في الدفاع عن مصالحهم والتقدم بها، وتحقيق تطلعاتهم وآمالهم في العمل اللائق والحياة الكريمة، وتمثل الحرية النقابية وحقّ التنظيم أحد المبادئ الهادفة إلى ممارسة العاملات والعمال حقّهم النقابي بحرية ودون تمييز، وإقامة النقابات والانضمام لها بحرية باختيارهم، وتعرف النقابات بأنها مؤسسات عامة يشكلها مجموعة من الأفراد الذين ينطبق عليهم شروط العضوية؛ لتقوم برعاية مصالحهم وتنظم أعمالهم وشئونهم، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والذمة المالية المستقلة ومنها نموذجين متعارف عليهما في العمل النقابي وهي النقابات المهنية والنقابات العمالية، وهي أجسام نقابية تمثيلية تعبر عن الأعضاء، وينظم عملها مرجعية قانونية.

وقد عرفت النقابات المهنية بأنها مؤسسة عامة تنشأ بقانون، وتتكون من جميع أبناء المهنة حملة الشهادات من ذوي التخصص الواحد الذين ينطبق عليهم شروط العضوية وينضمون إليها، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية، ويدير شئونها مجالس يتم اختيارهم من بين الأعضاء، بهدف تنظيم مزاولة المهنة، ورعاية مصالح الأعضاء، وتطوير السياسات المتعلقة بالمهنة والارتقاء بها، وتنظيم أعمال وشؤون الأعضاء، وإصدار التعليمات والقرارات الإدارية المتعلقة بالمهنة، ومنها ( نقابة الأطباء، ونقابة المحامين، نقابة الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين، ونقابة المهندسين، ونقابة التمريض، والمعلمين ....الخ) وفي حالة الفلسطينية ما زالت النقابات المهنية رغم ريادية بعضها في العمل النقابي الا أنها بحاجة لتطوير بنيتها القانونية وإصدار تشريع ينظم كل مهنة بقانون.

أما بالنقابات العمالية فهي تنظيم نقابي عمالي طوعي جماهيري قطاعي، يُشكّله العمال بشكل ديمقراطي، ضمن شروط عضوية تمثل العاملين في المهن المتماثلة والمتشابهة والمترابطة والمتكاملة ضمن النشاط الاقتصادي القطاعي، بهدف الدفاع عن مصالحهم وحقوقهم، وتحسين ظروفهم المعيشية وحفظ كرامتهم بالعمل اللائق، وتأمينهم من المخاطر، وتعزيز الحماية الاجتماعية لهم ولأسرهم، والمشاركة في تطوير السياسات الاجتماعية العمالية كشريك فعّال ومؤثر في النظام الاجتماعي بالمجتمع[3].

تمثل النقابات مظلة العمل النقابي بما تقوم به من مهام وأدوار نقابية لخدمة الأعضاء، ولقراءة واقع النساء في التنظيم النقابي، سنركز على النقابات العمالية كنموذج يسعى لتعزيز مشاركة المرأة في العمل النقابي من خلال برامجها النقابية والتنظيمية لتحقيق هذا الحقّ؛ حيث أن عضوية النساء العاملات ومشاركتها بالتنظيم النقابي ما تزال منخفضة ومتدنية، وهنا يجدر الإشارة أن عزوف النساء العاملات وعدم الاهتمام بالعمل النقابي والانتساب للنقابات العمالية، ويعود للعديد من الأسباب والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والضغوط الحياتية.

يشكل التنظيم النقابي مدخلاً لتعزيز دور ومكانة المرأة العاملة، وتوسيع مشاركتها الاجتماعية والنقابية، لتكون شريكاً فعالاً في الدفاع عن مصالحها وحقوقها، ووقف كل أشكال التمييز والانتهاكات لحقوقها في سوق العمل، وتغيير النظرة الدونية تجاهها في المجتمع، فتطوير الوعي حول التنظيم النقابي والمشاركة فيه يساهم في زيادة نسب العضوية، ويعزز الانتماء للنقابات العمالية، وينمي المشاركة في فعالياتها وأنشطتها، والتي مازالت محدودة لم ترتقِ لطموحات الحركة النقابية وتطلعاتها حول مشاركة النساء في التنظيم النقابي، فتشير الإحصائيات إلى تدني نسب العضوية في النقابات العمالية فهي لا تتعدى 20% في فلسطين بواقع 14.2% الضفة الغربية، مقابل 38.4% قطاع غزة، و17.8% ذكور مقابل 31.6% إناث[4]، وتشكل هذه الإحصائيات تحدي أمام النقابات العمالية، في ظلّ ما تواجه العاملات والعمال من إشكاليات وتحديات وتهديدات في سوق العمل، وذلك يعود للعديد من الأسباب المتعلقة بأوضاع النقابات العمالية وبرامجها، وأخرى مرتبطة بظروف النساء العاملات والاعباء والمسئوليات الملقاة على عاتقهن، مما يضعف المشاركة والانخراط بالعمل النقابي.

على الرغم من ما تواجهه النساء العاملات من انتهاكات واستغلال وتمييز في بيئة العمل، بالإضافة للمسئوليات العائلية والأسرية، والتي تؤكد الحاجة والضرورة للانتماء لعضوية النقابات العمالية بهدف الدفاع عن مصالحها وحماية حقوقها القانونية، لما تمثل النقابات من مدخل لزيادة وعيهن النقابي ومعرفتهن بحقوقهن وواجباتهن، وتعزيز قدرتهن في الدفاع عن حقوقهن، والمطالبة بتحسين أوضاعهن الاجتماعية والاقتصادية، لكن للأسف ما زالت نسب مشاركتهن وتفاعلهن مع الأنشطة النقابية ضعيفة ومحدودة، وتكاد تكون شكلية فنسب تمثيلها في قيادة النقابات لا تتجاوز نسبة 20%، على الرغم وجود قرارات لزيادة تمثيل المرأة بنظام الكوتا في كافة النقابات بنسبة لا تقل عن 30%، وهنا يُلاحظ بشكل عام، ضعف تمثيل المرأة في قيادة النقابات العمالية الفلسطينية.

هناك محاولات للنساء العاملات لفرض أجندة قضاياهن الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية كأولويات على العمل النقابي، لمناهضة كل أشكال العنف والتمييز المبني على النوع الاجتماعي بهدف تحقيق المساواة والعدالة في العمل والأجور، والحصول على الحقوق بالطرق القانونية أو النضال المطلبي عبر إدارة حملات الضغط والمناصرة بالتعاون مع المؤسسات الداعمة لقضايا المرأة العاملة، والنقابات العمالية، لكن هذه الفعاليات والأنشطة والبرامج تكاد تكون خجولة وضعيفة التأثير، الأمر الذي يحتاج لتعزيز نسب مشاركة النساء في العمل النقابي، وإعادة النظر في حجم تمثيلهن في المواقع القيادية والنقابية وتذليل كل العقبات التي تحول دون مشاركتهن النقابية، الامر الذي سيخدم في تحقيق مصالح المرأة العاملة، وتعزيز مكانتها النقابية والاجتماعية التي تسعى لها.

وهنا لابد من إيجاد الوسائل والآليات العملية والفعّالة لتوسيع قاعدة مشاركة النساء العاملات في التنظيم النقابي، وإعطاء الأولوية في التدخلات النقابية لمشاركة ودمج المرأة العاملة في كل هيئات العمل النقابي من القاعدة لقمة الهرم، وتعديل اللوائح والنظم بما يحقق فعالية في زيادة نسب مشاركتها ببنية وهيكلية النقابات العمالية الوطنية والعامة والفرعية واللجان النقابية، والتنظيم النقابي بشكل عام.

ثانياً: ما هي مؤشرات مشاركة المرأة العاملة الفلسطينية في سوق العمل؟

يشكل التعرف على حجم ونسب مشاركة المرأة العاملة في سوق العمل ومعدلات البطالة مدخلاً لفهم واقعهن، وانعكاس وتأثير ذلك على التنظيم النقابي، ارتباطاً بمدى حصولها على العمل اللائق والمناسب، وضمان مشاركتها في العمل بشكل فاعل وبدون تمييز على قاعدة العدالة وتكافؤ الفرص، بهدف تمكينها اقتصادياً واجتماعياً، فالمرأة العاملة تعاني من تحدّيات كبيرة في سوق العمل نتيجة ارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر، وعدم توازن قانون العرض والطلب، حيث تشير إحصائيات بأن نسب البطالة بين المشاركين في القوى العاملة (15 سنة فأكثر) بلغت حوالي 25٪ في الربع الثالث 2022، وهناك تفاوت في معدل البطالة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث بلغت 47٪ في قطاع غزة مقارنة بـ 13٪ في الضفة الغربية، ويقدر عدد العاطلين عن العمل حسب تعريف منظمة العمل الدولية حوالي 378 ألفاً في الربع الثالث 2022؛ بواقع 253 ألفاً في قطاع غزة، وحوالي 125 ألفاً في الضفة الغربية[5]، وهناك فروق في معدلات البطالة تبعاً لمتغير الجنس، فقد بلغ معدل البطالة بين النساء المشاركات في القوى العاملة حوالي 40% مقابل 20% بين الرجال حتى نهاية العام 2022، وبلغت نسبتها 48% بين الشباب (19-29 سنة) من حملة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى، بواقع 61% للإناث مقابل 34% للذكور[6]، ما زالت البطالة في صفوف النساء أعلى بكثير من البطالة في صفوف الرجال.

وقد بلغ عدد المشاركين في سوق العمل حوالي 1.151 مليون عامل في الربع الثالث 2022، بنسبة مشاركة تصل حوالي 46% في فلسطين، بنسبة مشاركة من قطاع غزة 42%، وفي الضفة الغربية 48%، حيث بلغت نسبة مشاركة الذكور في القوى العاملة حوالي 72%، مقابل 19% نسبة مشاركة الإناث [7]، وتكاد تكون هذه الإحصائيات والأرقام لمشاركة النساء في سوق العمل الفلسطيني هي النسبة الأدنى بين دول الإقليم والعالم، حيث يبلغ متوسط مشاركة المرأة العربية 28%، بينما يبلغ متوسط المشاركة العالمية 69%، وتأتي هذه النسبة المتدنية على الرغم من ارتفاع معدلات التعليم لصالح المرأة الفلسطينية[8]، وهذا يشكل تحدّي أمام زيادة نسب مشاركة النساء في العمل النقابي الذي يعتبر احتياج ومن الأولويات الواجب العمل عليها بقوة لما لها من أثر يشكل ضمانة لحماية حقوق العاملات والارتقاء بواقعهن وتنمية مهاراتهن وقدراتهن، فالتنظيم النقابي يشكل وسيلة لحشد الطاقات وتوحد الجهود والتعاون من أجل تحسين ظروف وشروط العمل وصولاً للعمل اللائق والكريم في عالم العمل .

ثالثاً: هل تتيح النقابات العمالية الفرصة للنساء العاملات للمشاركة في العمل النقابي؟

سجلت الحركة النقابية والعمالية عبر محطاتها التاريخية نماذجاً للنضال الوطني والاجتماعي، وما زالت تلعب دوراً فعالاً في عملية التحرر والبناء الوطني، وخاصةً في المشهد الحقوقي والسياسي في إدارة الصراع ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما وتعمل النقابات العمالية على حماية مصالح العاملات والعمال والدفاع عن حقوقهم وتعزيز الحريات والديمقراطية.

هناك تراجع نقابي في الوقت الراهن بسبب الظروف والمتغيرات، وخاصة ما يتعلق بمشاركة النساء العاملات في العمل النقابي والاستجابة بفعالية للبرامج والأنشطة النقابية، ويلاحظ ذلك بتدني نسبة العضوية بالرغم أن النقابات العمالية شكلت دائرة مختصة بالمرأة والنوع الاجتماعي تعمل لصالح قضايا النساء، وتهدف لدعم تواجدها في سوق العمل ورصد ومتابعة مشاكلها؛ لتقديم التدخلات المناسبة، وتحفيز مشاركتها النقابية، ودمجها بالعمل النقابي وصناعة القرار، وتشجيعها للانتساب إلي النقابات القطاعية حسب التصنيف النقابي والمهني لكل قطاع عمالي.

ما زالت معاناة المرأة العاملة في العمل مستمرة، والتمييز وعدم المساواة في العمل واضح، كما أن نسبة مشاركتها في المواقع القيادية للعمل النقابي ما زالت ضعيفة، حيث تتواجد النساء بتمثيل في الهيئات النقابية الوسيطة بنسب من 20%-30% على أحسن تقدير، أما المواقع القيادية المتقدمة محدودة، وتكاد لا توكل لها مهمات ريادية وذات تأثير، وهذا مقياس أخر لضعف دور النقابات العمالية تجاه الدفاع عن مصالح وحقوق النساء العاملات وإتاحة الفرصة لها للمشاركة بتقرير مصيرها النقابي.

أما بالنسبة لدور النقابات العمالية في التدريب والتوعية للنساء وهو ما يشكل مدخلاً فعالاً في زيادة نسبة مشاركتها النقابية، وخاصة ضمن البرامج التي تهدف لتعزز الوعي نحو الجندر، وتغيير النظرة تجاه المرأة كشريك اجتماعي، مما ينمي الفكر والوعي نحو مشاركة المرأة في العمل النقابي، لكن هذه الأنشطة التدريبية والتثقيفية محدودة ولا تكاد تتيح فرصة للنساء العاملات لتلقي التدريبات المناسبة وذلك بسبب ضعف وشح الإمكانيات، الأمر الذي ينعكس سلباً على فرص مشاركة النساء، ويحدّ من عمل النقابيات وقدرتهن على التواصل مع النساء العاملات في مواقع العمل لرفع مستوى وعيهن النقابي.

وأما حول إتاحة الفرصة للنساء النقابيات للمشاركة في المفاوضات الجماعية والحوار الاجتماعي كأحد الأشكال النضالية الهامة التي تحقق من خلالها النقابات مطالبها النقابية، وتجدر الإشارة هنا لأهمية المفاوضة الجماعية في علاج مشاكل النساء العاملات في بيئة العمل وحماية حقوقهن؛ وهذا يستدعى وجود كادر نقابي نسوي قادر على خوض المفاوضات الجماعية والإعداد والتحضير لها، وتقع هنا المسئولية على النقابات العمالية أن تدرب كادرها النسوي، وتشاركهن مع فريق التفاوض في كل مراحل عملية التفاوض، وصولاً لصياغة اتفاقيات العمل الجماعية، وللعلم حتى اللحظة لم تسجل أي قصص نجاح متكاملة في هذا المجال، ولم تقدم النقابات نموذجاً لاتفاقية عمل جماعية نتاج مفاوضات جماعية قادتها نساء نقابيات، وحققت نجحت في معالجة مشاكل النساء العاملات في علاقات العمل.

لا تزال مشاركة المرأة في النضال النقابي والمطلبي تجاه قضاياها ضعيفة، وذلك انعكاساً لضعف وتدني نسب مشاركتها في قيادة المواقع الأولى بالنقابات والاتحاد[9]، وهو ما يتناقض مع ما تدعو له النقابات العمالية المطالبة بالعدالة والإنصاف لزيادة نسب مشاركة المرأة في كل مناحي الحياة الاجتماعية، وإلغاء كافة أشكال التمييز، بينما في الواقع لا يطبق قيادات في النقابات ما يدعون له، في بياناتهم وتصريحاتهم، فما زالت الهيمنة الذكورية تسيطر على كافة مفاصل ومراكز القرار بالعمل النقابي، وهذا يدعو المرأة النقابية إلى أن تأخذ زمام المبادرة لتبني القضايا العمالية النسوية، وتسليط الضوء عليها ضمن برامج وفعل حقيقي، وحملات ضغط ومناصرة، فالتغيير يحتاج للنضال المستمر والطويل، فالكثير من القضايا تحتاج لوقفة جادة من النساء أنفسهن لتحسين واقعهن وتحقيق مطالبهن، وعلاج مشاكلهن وقضاياهن، وخاصةً التي تتعلق بالانتهاكات للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، والتعرض للاستغلال بكل أنواعه، والعنف والتحرش المبني على النوع الاجتماعي، وهناك موضوعات مهمة يمكن العمل عليها بقوة لصالح المرأة العاملة؛ كمشاركتها في المطالبة بتعديل قانون العمل من منظور النوع الاجتماعي، وإنشاء المؤسسات الاجتماعية الرعائية المساعدة كرياض الأطفال، ودور الحضانة في مواقع العمل أو بالقرب منها، ومراعاة خصوصية النساء في بيئة العمل، ولعب دوراً أكبر في المشاركة بالأنشطة والبرامج السياسية والاجتماعية والوطنية، والضغط لإنهاء الانقسام، ومقاطعة الاحتلال ومنتجاته، والمشاركة في كل الفعاليات النضالية الوطنية والمجتمعية بفعالية وتأثير وثقة بإمكانية إحداث التغيير المنشود لصالحها.

للوقوف على واقع النساء العاملات هناك حاجة لدراسة سوسيولوجيا النقابيات لمحاولة فهم تفاعلاتهن وسلوكهن الاجتماعي في العمل النقابي والأسري، والبيئة المحيطة بهن، ومعرفة طبيعة العلاقات والتفاعلات بين الأفراد والجماعات في مجتمعهن، والآثار والانعكاسات ودراستها بعقلانية، وتحديد آليات التدخل المناسبة، والتي تنسجم مع التطورات والتقنيات والمستجدات والاستفادة من الدروس والعبر، مع الإشارة لأهمية تطبيق معايير العدالة الاجتماعية والديمقراطية كمنهج للحياة النقابية، وتبني القيم الإيجابية والأخلاق المهنية، لبناء أسس وقواعد لتنظيم السلوك الإنساني في العمل النقابي وعلاقات الجماعة والأفراد، وتكمن قوة النقابات العمالية في استيفائها لأركانها الأساسية بالاستقلالية والديمقراطية والجماهيرية، والريادية والتقدمية والمدنية...، ولا يمكن أن ننكر أن أي عمل ناجح يجب أن يراعي في التنظيم أسس الديمقراطية والحكم الرشيد في إدارته، وتمثيل ومشاركة الفئات الاجتماعية خاصة النساء والشباب، وتبني مجموعة من القيم والمبادئ التي تحقق المواطنة، والشراكة وتقبل الآخر، وتعزز الحريات والمشاركة الديمقراطية، وحماية الحقوق والمبادئ الإنسانية، وصونها بما يحقق التنمية والاستدامة، ودمج النوع الاجتماعي في عالم العمل والتنظيم النقابي.

رابعاً: ما هي التحدّيات والاشكاليات التي تواجه النساء بالعمل النقابي؟

تعتبر مشاركة النساء العاملات في التنظيم النقابي متدنية قياساً مع حجم تواجدهن في عالم العمل، وما يواجهن من مشاكل واستغلال في بيئة العمل، الذي يؤكد حاجاتهن لجسم نقابي يدافع عنهن، وهذا يستدعي الوقوف على أبرز التحدّيات والمشاكل التي أضعفت مشاركتهن النقابية ومنها التالي:

- عدم وجود قانون موحد للتنظيم النقابي وتعدد المرجعيات القانونية للتنظيم النقابي بين شطري الوطن.

- غياب العملية الديمقراطية في الحياة النقابية، وعدم إجراء الانتخابات بشكل دوري، حد من مشاركة النساء العاملات في اختيار ممثليهم بحرية.

- ضعف النقابات العمالية من القيام بدورها ومهامها الحقيقية في النضال المطلبي الهادف لتحسين شروط وظروف العمل وصولاً للعمل اللائق، وتجويد الخدمات المقدمة للأعضاء، لعدم التجديد وغياب مبدأ المحاسبة والرقابة والمتابعة.

- وجود ضعف في القدرات والمهارات لدى قيادات النقابات النسوية على انتاج أفكار جديدة، وخلاقة لاستحداث البرامج والخطط قابلة للتطوير وتفعيل العمل النقابي النسوي.

- تراجع في فعاليات وأنشطة النقابات العمالية، بسبب تقييد الحرّيات النقابية، وعدم السماح للنقابات العمالية بالعمل بحرية نتيجة التجاذبات السياسية، التي تتزامن مع استمرار الانقسام السياسي وتأثيره على التنظيم النقابي.

- عدم مقدرة النقابات العمالية على تحقيق مكاسب جديدة لصالح قضايا العمل بسبب ضعف التأثير بفعالية في الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، برغم تزايد في حجم الانتهاكات والمشاكل الذي يتعرض لها العاملات في عالم العمل.

- قلة الموارد والإمكانيات، وشح التمويل لتغطية المصاريف والبرامج والأنشطة النقابية التي تستهدف النساء العاملات والدفاع عن مصالحهن.

- عدم توافر قاعدة للبيانات والمعلومات حول العاملات الأعضاء في النقابات العمالية، ونقص وتناقض في البيانات والمعلومات حول سوق العمل وخاصة العمل غير المنظم.

- غياب الاستراتيجيات والخطط والبرامج النقابية الهادفة لتعزيز مشاركة النساء العاملات في العمل النقابي، القادرة على استقطابهن للانتساب وتسديد العضوية.

- قلة الوعي لدى النساء العاملات بأهمية ودور النقابات العمالية في حماية مصالح الأعضاء، وقدرتها على الدفاع عن الحقوق، والتأثير لأحداث التغيير المنشود في عالم العمل وصولاً للعمل اللائق.

- عدم التزام القيادات النقابية باللوائح والأنظمة والصلاحيات الممنوحة للهيئات والمستويات النقابية، وخاصةً المتعلقة بمشاركة النساء النقابيات ونظام الكوتا.

- ضعف وقلة الأنشطة والبرامج النقابية التي تستهدف النساء العاملات وتنسجم مع ظروفهن واحتياجاتهن.

- زيادة الأعباء والمسئوليات على النساء العاملات في العمل والمنزل تنعكس سلباً على حجم مشاركاتهن النقابية.

- استمرار الانقسام السياسي ساهم في مزيد من التجاذبات والتدخلات الحزبية، ومحاولات فرض الوصاية والسطوة من التنظيمات على العمل النقابي.

- قلة عدد المتطوعات من النساء العاملات في العمل النقابي، واستمرار التعامل مع نفس الفئة المستهدفة في البرامج والأنشطة يحد من فرز قيادات نسوية جديدة.

- القلق والخوف من التعرض للتضييق والتهديد بالفصل من صاحب العمل لأسباب تتعلق بالانتساب والانتماء للنقابة والمشاركة في فعالياتها.

خامساً: التوصيات والتصور المقترح لتعزيز مشاركة المرأة في العمل النقابي.

ارتباطاً بالتحدّيات التي تواجهها المرأة في العمل النقابي بهدف معالجتها وتحويلها لفرص للتدخل والارتقاء بالعمل النقابي وتعزيز مشاركة النساء فيه يمكن العمل على التالي:

- إصدار قانون عصري وديمقراطي للنقابات العمالية موحد ويراعي الحرّيات والتعددية النقابية وينسجم مع المعايير الدولية والعربية.

- تمكين النساء العاملات من الوصول لمواقع صنع القرار في النقابات العمالية، وتنظيم التدخلات الفعّالة لتعزيز المساواة والعدالة الجندرية، والتعامل المتساوي والمتوازن مع النساء العاملات والنقابيات دون تمييز.

- العمل على تعزيز الديمقراطية النقابية، وإجراء انتخابات دورية في كافة النقابات العمالية لضخ دماء شابة جديدة، وضمان تمثيل المرأة العاملة بنسبة عادلة.

- تطوير الأنظمة واللوائح الداخلية النقابات العمالية، لإتاحة فرصة أكبر لتعزيز مشاركة النساء العاملات في العمل النقابي، وتفعيل نظام الكوتا النسوية مرحلياً بنسبة لا تقل عن 30%، وفي كافة كل المستويات والهيكل النقابي.

- تمثيل النساء العاملات في حضور الاجتماعات النقابية وتطوير آليات وأشكال الاتصال والتواصل الداخلية، والتنسيق بين الهيئات النقابية بسلاسة ومرونة، لإتاحة الفرصة لهن للمشاركة في صناعة القرار النقابي.

- إنشاء قاعدة للنظم والبيانات والمعلومات بتقنيات وتكنولوجيا حديثة، حول النساء العاملات في التنظيم النقابي، وتواجدها في سوق العمل وخاصة غير المنتظم، كمرصد نقابي.

- تطوير استراتيجيات وخطط التدريب والتثقيف النقابي، وعقد برامج تدريبية تستهدف النساء العاملات والقيادات النقابية النسوية؛ لتعزيز وعيهن على جميع الأصعدة النقابية والقانونية، والاجتماعية..الخ.

- تحسين وتجويد الخدمات النقابية والتنوع في البرامج التي تقدمها النقابات العمالية، وفق الاحتياجات والأولويات النسوية لزيادة استقطابهن نحو العمل النقابي.

- تَلمُس المشاكل والقضايا التي تخص النساء العاملات، وتبنيها كأولويات نضالية ومطلبية وإدارتها بفعالية لتحقيق تطلعات وآمال العاملات في سوق العمل.

- إنشاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية لمساعدة للنساء العاملات وتخفيف الأعباء عليهن مثل: مؤسسات رعاية الأمومة والطفولة والصحة، ورياض الأطفال، ودور الحضانة بحيث تسهل على الأمهات العاملات الوصول إليها.

- تعزيز الوعي المجتمع حول العمل النقابي، وأهميته للنساء العاملات لحماية مصالحهن، وتعزيز ثقافة المساواة والعدالة الجندرية في المجتمع لتقبل المرأة النقابية كشريك فاعل في عملية التنمية.

- تفعيل دور الإعلام النقابي والتواصل مع المؤسسات الإعلامية والمرئية والمقروءة، لتسليط الضوء حول قضايا النساء العاملات، وتوظيف وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة في عملية التوعية والتواصل النقابي والاجتماعي.

- إدارة حملات الضغط والتأثير والمناصرة لتحسين واقع النساء العاملات، وتعديل القوانين والتشريعات الاجتماعية العمالية وموائمتها مع الاتفاقيات والمعايير الدولية.

- رصد وحصر وتوثيق الانتهاكات والمشاكل في بيئة العمل التي تواجهها النساء العاملات ودراستها بشكل علمي ومنهجي، والبحث عن أفضل الطرق والسبل لمواجهتها، بالأساليب والأدوات والخطوات النضالية والقانونية لتحقيق الحماية والعدالة وإنصاف النساء العاملات في عالم العمل.

- الضغط والتأثير على الحكومة لتلعب دوراً أكبر في الرقابة، ومتابعة تطبيق وتنفيذ قانون العمل الفلسطيني في سوق العمل، وتفعيل باب العقوبات في حال وجود أي مخالفات ترتكب بحقّ العاملات والعمال.

- البحث عن مصادر لتمويل ودعم النقابات العمالية وبرامجها الثقافية والتدريبية، وتغطية تكاليف فعالياتها النضالية والمطلبية؛ والتشبيك والتواصل مع المؤسسات الداعمة وحشد دعم ومساندة للنقابات العمالية.

- تشجيع النساء العاملات على الانتساب للنقابات العمالية بوسائل وأساليب استقطاب وترغيب مقنعة، بهدف زيادة العضوي والانتشار النقابي.

- العمل على ضخّ دماء جديدة من الكوادر الشابة المؤمنة بالتغيير والنضال الاجتماعي والنقابي؛ لتقوية العمل النقابي وتعزيز دوره ووظيفته الثورية والنضالية.

أخيراً يمكن العمل في المرحلة القادمة لتعزيز مشاركة النساء في العمل النقابي في إطار خطوات عملية يمكن البناء عليها لوضع خطة تدخل فعّالة تناسب الواقع، وتنسجم مع التطلعات النقابية والأهداف المنشودة لزيادة تمثيلهن بشكل حقيقي في قيادة التنظيم النقابي، بنظام الكوتا كتمييز إيجابي، وتعديل الأنظمة واللوائح، وعقد الانتخابات في كافة المستويات والهيئات النقابية وضمان تمثيل النساء العاملات في كل المستويات النقابية، ويعد ذلك مدخلاً لتعزيز مشاركة المرأة العاملة في العمل النقابي وزيادة تمثيلها، على أن يتزامن مع ذلك تعزيز وبناء قدرات النقابات العمالية، وتقييم برامجها، وتحدد أولوياتها للتدخل فيما يتعلق بقضايا النساء العاملات بما يساهم في تنشيط وتفعيل دورها في حماية مصالح الأعضاء، وتعزيز الديمقراطية منهجاً وسلوكاً، وتحقيق العدالة والحماية الاجتماعية وصولاً للعمل اللائق والكريم، ومناهضة كل أشكال الاستغلال والتمييز والعنف المبني على النوع الاجتماعي في عالم العمل.

· باحث في الشئون النقابية





[1] الغد: النقابات والمجتمع المدني وشروط العمل السياسي الديمقراطي، موقع الكتروني https://alghad.com/

[2] الجهاز المركزي للإحصاء: د. علا عوض، تستعرض أوضاع المرأة الفلسطينية عشية يوم المرأة العالمي، 08/03/2023، موقع الكتروني https://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=4457



[3] سلامه أبو زعيتر: دور النقابات في الإصلاح السياسي، موقع امد الإعلامي الإلكتروني، https://www.amad.ps/ar/post/479031

[4] الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني: مسح القوى العاملة 2021، مرجع سابق، جدول 55، ص 105

[5] مركز الإحصاء الفلسطيني: الإحصاء الفلسطيني يعلن النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة، للربع الثالث دورة ( تموز – أيلول، 2022) موقع الكتروني https://www.pcbs.gov.ps/postar.aspx?lang=ar&ItemID=4354

[6] مركز الإحصاء الفلسطيني: . علا عوض، تستعرض أوضاع المرأة الفلسطينية عشية يوم المرأة العالمي، مرجع سابق.

[7] مرجع سابق.

[8] سلامه أبو زعيتر: تشغيل النساء من منظور جندري، ورقة حقائق حول تشغيل النساء 30 مارس 2017.

[9] بشير السيسي: نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، مقابلة شخصية، 15/10/2021، مقر الاتحاد – غزة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رجل إطفاء ينقذ امرأة عالقة من خطر الحريــ ــق


.. لوجينا صلاح.. مصرية تنافس على لقب ملكة جمال الكون وتتحدى الب




.. -هفرين السلام تسير على خطاها آلاف النساء-


.. ناشطات تدعين النساء للمشاركة في مراقبة الانتخابات البلدية




.. افتتاح اول فرع لمتجر جينا للأحذية النسائية بمجمع مراسي جالير