الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البَحثُ في إيمانُ - هيغلْ -

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2023 / 4 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



إجابَتي المُقتَضبة، على سؤالٍِ مَعرفي ، وجّههُ لي أحدِ الأصدقاء المُشتغلين بالفلسفة.
هلْ كانَ الفيلسوفُ الألمانيُ هيغلْ 1770 - 1831 يؤمنُ بإلهٍ , أمْ لا . ؟
في البدايةِ ، لابدّ لنا أنْ نتذكرَ معاً ، أنَ آراءَ هيغلْ ليستْ سهلةً الفهمِ ، وأنَ هناكَ العديدُ منْ الفروقِ الدقيقةِ والتعقيداتِ الإشكالية في نسقهِ الفلسفيِ ، الأمرُ الذي يجعلُ منْ العسيرِ على أيِ أحدٍ ، التسرعُ في تقديمِ إجابةٍ جازمةٍ على هذا السؤالِ . .
لذلك حسبَ تقديري ، فإنَ هذا الموضوعِ بالذاتِ ، سيبقى موضوعاً جدلياً ، خاضعاً لتفسيراتٍ مختلفةٍ بينَ الفلاسفةِ والباحثينَ . . ولن يكون بالإمكان الجزمُ بدقةِ تامةٍ ، عما إذا كانَ هيغلْ يؤمنُ باللهِ أوْ لا ،
بخاصة إذا ما عَرَفنا ، أنّ فلسفتهُ هي نسق فلسفي واسع ، ركزتْ على فهمِ شامل لعملياتِ وبنى التجربةِ الإنسانيةِ ككلٍ . .
كما اهتمَت بشكلٍ خاصٍ باستكشافِ طبيعةِ الوعيِ وتطورِ التاريخِ والثقافةِ . .
من خلال طرح أفكارُ معقدة وكتابات ضخمة ، تتعلقُ بالمنهجِ العلميِ والفلسفيِ للتفكيرِ والاستدلالِ، ولمْ تكنْ تتحدثُ بشكلٍ تفصيليٍ كبيرٍ عنْ القضايا الدينيةِ . . بما في ذلكَ كتابه " حياةِ يسوعْ " ، الذي قدّمته سابقاً ، وعلّقت عليه في مقالٍ منفصلٍ ، بيّنتُ فيه ، كيف انّ "هيغل" كتبهِ كـ فيلسوف وليسَ كـ رجلُ دينٍ ..
منْ هنا ، فإنَ إجابتي على هذا السؤالِ الإشكاليِ ، تقومَ على فهمي الشخصيِ ، الذي يرى أنَ مفهومَ اللهِ عند "هيغلْ" ، كان مختلفاً بعض الشيء .
- إذ لمْ يكنْ يرى الله كائناً علوياً ، أوْ ذاتاً مفارقةً للوجودِ والواقعِ إلى حدٍ كبيرٍ ، بلْ كانَ مفهوماً متأصلاً في الكونِ والتاريخِ ككلٍ..
- الله عنده هو الروح الكلّي ، الذي يتجلّى في تطور العالمِ والتاريخِ، منْ خلالِ عمليةٍ ديالكتيكيةٍ منْ الجمع بين المتناقضاتِ ، والصراعاتِ ، التي تؤدي في النهايةِ إلى شكلِ أعلى منْ الوحدةِ والموالفة أو الانسجام ثم تناقض ثم و . .
- بالنسبة لهيغل ، فإن العقل الكلي أو الروح المطلق (الله ) هو واقع شامل أو مطلق أو حقيقة مطلقة ، مُدرِكٌ لذاته والعالم من حوله..
- و هوَ - أي العقل الكلي بذاته - الهدفُ النهائيُ لهذا التطورِ ، و أنَ تطور التاريخَ البشريَ ما هوَ إلا تطورُ لا نهائي، سائرِ وفقاً لخطةِ ذاكَ العقلِ الكليِ ( اللهُ) .
- جدير بالذكر ، أنَ مفهومَ اللهِ عند فيلسوفنا " هيغلْ " يختلفُ عنهُ في المفاهيمِ الدينيةِ التقليديةِ السائدةِ من عدة مناحي ..
- فهو لمْ ينظرْ - مثلاً - إلى اللهِ ، كنظرة الأديان التقليدية إليه ، ( أي كـ ذاتٍ خالقة من عدم، مستقلة بذاتها .
- كما لم يعتبره أبداً ، كـ كائنٍ كلّي غائب ، أوْ إلهٍ له كيانٍ شخصيٍ ، أو أنهُ ذاتُ مفارقةٍ ومتعالٍ ، يقع خارج العالم ، و غيرُ قابلٍ للتحققِ عقلاً ..)
- بلْ على العكس منْ ذلكَ ، رأى أنَ اللهَ قوةً جوهريةً ، و روحاً حاضرةٍ في الكون. وآمن به بمثابة عمليةٍ process تظهرُ في العالمِ والتاريخِ ، تتطورَ جدلياً ، وتتغيرُ بمرورِ الوقتِ. .
- بمعنى أن مفهومُ هيغلْ عنْ اللهِ الفاعل المُتغيّر والمُتطوّر ، كان يرتكز على المبادئِ الفلسفيةِ للديالكتيكِ والتركيب ، وهذا بالطبع يُناقض - كما هو واضح - المفاهيمِ الدينيةِ التقليديةِ عنْ اللهِ ( كـ كائنٍ ثابتٍ محتجب، يُغيّر ولا يَتغيّر ..
قصارى القولِ :
كما فهمت ، لقد قدّم الفيلسوفٌ "هيغل" تفسيرِاً خاصاً عن الايمان بالله، وأعاد تعريفِ مفهومِ اللهِ بشكلٍ فريدٍ ، يختلفُ - في زعمي - اختلافاً جذرياً عنْ المفاهيمِ الدّينيةِ التقليديةِ للهِ ،
لكونهِ رآهُ - كما ذكرنا آنفاً - كعملية أوْ فكرةٍ تتجلى في التاريخِ والثقافةِ البشريةِ . .
وكـ إرادة ساميةٍ تتطورُ منْ خلالِ عمليةِ جدليةٍ تؤدي إلى التقدمِ والتغييرِ ، هدفها النهائيُ منْ هذا التطورِ الكشفِ عنْ حضورِ وتجلّي اللهِ ذاتهِ . .
- في النهايةِ : أنا أعتقدُ تماماً ، أنَّ هيغلْ كانَ يؤمنُ بإلهِ باروخ سبينوزا . .
وهو الله العقلُ الحيُ ، والروحُ الكلّيُ المطلقُ ، المبثوثَ في كلِ أرجاءٍ ومناحي وثنايا الوجودِ . .
هو عقلٌ فعالٌ يُوحّدنا . . في حينِ أنَّ الأديانَ والمذاهبَ أوْ الطوائفِ أو . . ما هيَ سوى منجزاتٍ تاريخية أوْ سبلٍ بدائيةٍ للفهمِ ، و طقوسٌ متراكمة - بلا أدنى شكِ - كانت -وما زالتْ - تُفرّقنا . .
zakariakurdi








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القضية الفلسطينية ليست منسية.. حركات طلابية في أمريكا وفرنسا


.. غزة: إسرائيل توافق على عبور شاحنات المساعدات من معبر إيريز




.. الشرطة الأمريكية تقتحم حرم جامعة كاليفورنيا لفض اعتصام مؤيد


.. الشرطة تقتحم.. وطلبة جامعة كاليفورنيا يرفضون فض الاعتصام الد




.. الملابس الذكية.. ماهي؟ وكيف تنقذ حياتنا؟| #الصباح