الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع الجامعات العربية

فهد المضحكي

2023 / 4 / 15
التربية والتعليم والبحث العلمي


إن التعليم العالي يحتل أهمية كبيرة، فهو كما يقول أحد الأكاديميين: ضمان الأمن الوطني وأساس التطور والنهضة ومحور التغيير والتنوير وصحة البناء الاجتماعي والثقافي، ويسهم في تحقيق التنمية المستدامة. ولكن ولعدة أسباب ذاتية وغير ذاتية تراجع التعليم في الوطن العربي بشكل عام. ثمة تحديات كبيرة تواجه التعليم العالي في بلداننا العربية، من بينها كما يذكر الدكتور عادل عمر، عملية التمويل، فالقطاع الخاص ينظر إلى الاستثمار في التعليم العالي من زاوية تجارية بحتة، أي منطق الربح بغض النظر عن متغيرات مهمة، كالجودة وتمويل البحث العلمي ورعاية المتميزين والمتفوقين، أما الدولة ومع تزايد الأعداد الهائلة من الطلاب المقبلين على الجامعة فإنها إما تتنصل من دورها وتترك المجال للقطاع الخاص وإما أنها تتكفل بالموضوع دون احترام معايير الجودة الشاملة والنوعية، فالتعليم العالي أصبح يكلف الكثير، خاصة إذا تمت مراعاة الجودة والنوعية. فما تخصصه الدول العربية على التسليح يفوق بكثير ما يُخصص للتربية والتعليم والبحث العلمي، وما تخصصه الدول العربية قاطبة للبحث العلمي لا يتعدى الملياري دولار، وهو في حدود ما تخصصه جامعة هارفارد وميشجان الأمريكيتان للبحث العلمي. وهذا دليل آخر على أن الكلام على صناعة المعرفة يتطلب الكلام على شروط ومستلزمات هذه الصناعة، فالبحث العلمي يتطلب إمكانات مادية معتبرة، وباحثين وعلماء في مستوى عال وإدارة رشيدة وفعالة واستراتيجية واضحة المعالم وصناعات ومشاريع تنموية تتفاعل مع المشاريع البحثية وتمولها وتستخدمها في تطوير الأداء والنتائج وأهم من كل ما تقدم بيئة بحثية ومجتمع يقّدر العلم والمعرفة والبحث العلمي. في الوطن العربي نلاحظ أن بعض المعطيات غير متوفرة وإذا توفرت فالمشكل يكمن في التخطيط والإدارة والتنسيق. وتجدر الإشارة هنا إلى أن البحث العلمي هو ثقافة وسلوك وحضارة يجب أن يؤمن به المجتمع بمختلف شرائحه، خاصة صانع القرار. وهنا نلاحظ تناقضا آخر، وهو الفجوة التي توجد بين صناعة القرار والبحث العلمي في الوطن العربي.

ومن المشاكل التي تعاني منها الجامعات العربية هجرة العقول، حيث إن المتفوقين والمتميزين من الخريجين من الجامعات العربية يحصلون عادة على منح لمتابعة دراساتهم في الجامعات الغربية، فيلتحقوا بها وفي غالب الأحيان يتفوقون ويحصلون على منح أخرى وامتيازات، وفي آخر المطاف يستقرون في تلك الدول. ونظرًا لتوافر شروط البحث العلمي والمنافسة والجودة والتميز والتفوق، الأمر الذي لا يتوافر في البلد الأم. الأمر الذي يجعلهم يقررون البقاء في الغرب، وهكذا تخسر الدول العربية مئات، بل الآلاف من أحسن باحثيها وعلمائها ومفكريها في كل سنة. وهذا النزيف يعتبر خسارة كبيرة جدًا، لأن الدول العربية تخسر النخبة المتخرجة من جامعاتها وهذه النخبة هي التي من المفترض أن تقود الإبداع والابتكار والاختراع وصناعة المعرفة. التحدي الآخر الذي تواجهه مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي هو الفجوة بين مخرجات الجامعة وسوق العمل، ونلاحظ هنا أن نسبة البطالة في العالم العربي تقدر بـ15%، وهذا يعني أن هناك آلاف الخريجين ينهون دراستهم الجامعية ويجدون أنفسهم دون عمل وأن البعض يعمل في وظائف بعيدة كل البعد عما درس في الجامعة وعن مستوى تأهيله. وهذا يعطي انطباعًا عامًا بأن التعليم الجامعي لا جدوى من ورائه ويفضل الشباب التوجه نحو التعليم المهني أو العمل في سن مبكرة أو الهجرة... الخ. ومن المشكلات أيضًا التبعية والتقليد ومشكلة الازدواجية اللغوية والهوية، حيث إنه في غياب إنتاج المعرفة والإنتاج العلمي تعتمد الجامعات العربية على ما ينتجه الآخر وفق معاييره وقيمه ومبادئه وأهدافه. فالاعتماد علي الآخر وثقافة الاستهلاك والتقليد عوامل تؤدي إلى التبعية وذوبان الهوية الوطنية والثقافة الوطنية في طوفان العولمة التي لا ترحم. إصلاح التعليم العالي والبحث العلمي وصناعة المعرفة يحتاج إلى إجراءات تنظيمية وهيكلية ومعرفية جذرية، تتمثل في تغيير الذهنية وتطوير الإدارة وزيادة الميزانية بنسب عالية وإشراك القطاع الخاص في التمويل.

ومع كل هذا، لم يَخلُ هذا الواقع الذي تعيشه أغلبية الجامعات في عالمنا العربي من محاولات جادة للتصحيح وللتطور، بل المنافسة مع أرقى الجامعات العالمية. لكن وبرأي الكاتب السعودى محمد بن علي المحمود، وهو أكثر تعبيرًا عن الواقع، كان التركيز في كل هذه المحاولات - أو في أغلبيتها الساحقة على الأقل - منصبًا على الجوانب الثانوية: المنشآت الضخمة، وزيادة عدد الأساتذة، وزيادة عدد الطلاب... الخ على حين المعيار الحقيقي ليس في اتساع المساحات، ولا عظمة المباني، ولا كثرة أعضاء هيئة التدريس، ولا تكدس عشرات الألوف من الطلاب. المعيار الحقيقي يكمن في نوعية المقررات المعتمدة، وفي مستوى التواصل مع المستجد منها على مستوى العالم، وفي انتخاب نخبة متميزة من أعضاء هيئة التدريس، وفي الاستعانة بالبارزين في تخصصاتهم من كل دول العالم دونما حرج من أي نوع، وفي تكوين مراكز البحوث التابعة للجامعة، المتفاعل معها من جهة، ومع نظرياتها في العالم المتقدم من جهة أخري، بحيث تسهم بشكل واضح في إنتاج المعرفة وتعميمها ضمن نطاق الدوائر العلمية المتخصصة محليًا وعالميًا، ثم الدخول في تفاعل نشط مع المجتمع الذي تتموضع فيه؛ لتخلق به ومن خلاله حضورها المتميز الذي يجعلها رائدة الحراك التقدمي في أبعاده الثلاثة: الغيير والتطوير والتنوير. إن غياب الدور الطليعي والتنويري للجامعة هو أحد أهم الأسباب التي جعلت الجامعة تشكو من عزلتها الاجتماعية، وصدود الطلاب عنها فيما سوى متابعتهم المحدودة لمتطلبات الشهادة التي يطمحون إلبها للفوز بـ«وظيفة لُقمة العيش». فإحساس الفرد أن الجامعة لا تُعده إلا لهذا الدور المحدد، ولا تعتد به إلا لهذه الدور المحدد، جعله ينظر إليها في سياق هذا النطاق المحدود. إن علاقة الفرد بالجامعة علاقة تفاعلية تبادلية، هذه حقيقة ليست محل خلاف، ولكن لا شك أن البداية أو المبادرة الأولى تأتي - أو يفترض أن تأتي - من طرف الجامعات التي تمتلك الإمكانيات والخيارات وصلاحية اتخاذ القرارات. فمن واجباتها: إعداد الفرد على المستوى التقني الخاص لوظيفته /‏ مهنته التي سيشغلها؛ ليؤديها على الوجه الأكمل وفق أعلى مستويات الجدارة العالمية، وأعداده على المستوى الاجتماعي والوطني والثقافي والإنساني.

وباختصار، فإذا كان ثمة سبيل لرفع مستوى الجامعات العربية، فإنه وبحسب بعض الأكاديميين، لن يخرج عن ضرورة إطلاق الحريات الأكاديمية، وإدارة ملف الجامعات والمراكز البحثية بشكل أكاديمي وعلمي، وربط فلسفة التعليم بالمفهوم الشامل للتنمية الإنسانية، والمحافظة على الكفاءات والعقول، إضافة إلى استقلالية الجامعات ماديًا وإداريا، واعتماد ضوابط ومعايير واضحة للتعامل مع الأكاديميين والطلبة، استنادًا إلى الموضوعية والشفافية والقدرة والكفاءة. إن الجامعات العربية بشكل عام، باتت تواجه صعوبات كثيرة في عملية نقل العلم والمعرفة. وتتجسد في غياب الحرية الأكاديمية وسطوة جميع أنواع الرقابة.

ويعتقد ان من بين أبرز التحديات تحدى العولمة التربوية، كذلك البحث العلمي الذي يتناقض ويضمحل بشكل مستمر، حيث نجد انخفاض الإنتاج العلمي العربي مقارنة بالدول المتقدمة، لعل السبب يعود إلى ضعف التمويل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل