الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علينا أن نكون أكثر تواضعا وموضوعية وحكمة!

راكان علي
Adel Ahmed

2023 / 4 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


لو جاءنا أحد من منتمي عصور القدامة لأنكر علينا أخلاق عصرنا التي نعدها نحن "قمة الإنسانية" ولاعتبرها غاية "الانحلال والهمجية"، ولو عاد أحد منتمي عصرنا هذا لعصور القدامة لأنكر عليهم الكثير من قيم وأخلاق عصرهم التي يعدونها هم "قمة الإنسانية والتحضر". هذا المثال من شأنه إيضاح سبب اختلاف الشرائع الدينية، وضرورة، بل وحتمية تقدمها وتجددها حسب احتياجات العصر وتقدم وعي وفهم الإنسانية. وهذا أيضا يجعلنا نستوعب [بغض النظر عن قبولنا أو رفضنا] لكثير من أحكام وقيم وأخلاق وممارسات عصور القدامة التي نعتبرها اليوم في غاية "الوحشية والإجرام". ومع أنه قد يكون في تلك العصور القديمة أشخاص أكثر تقدمية ورفضا لبعض تلك الأخلاق، فكذلك يوجد اليوم من يرفض قيم عصرنا مُفضّلا العودة والتمسك بقيم وممارسات عصور القدامة حيث البدائية في الوعي والمدارك والأفهام.

نفهم من كل هذا ضرورة عدم الحكم على قيم وممارسات الأمس بقيم ومعايير اليوم، وعدم المُغَالاة في ادّعاء الإنسانية والتقدم والحقيقة، وأن لا ننسى أننا سنكون في نظر من سيأتون بعدنا كما هم أناس عصور القدامة والبدائية في نظرنا اليوم. وينبغي تذكر هذه الحقيقة التي يتهرب منها البعض والتي تقرّ بأنه: لو كنّا نحن سكّان تلك العصور التي ننتقدها ونلعنها وبنفس الظروف والسياقات المكانية والزمانية والنفسية والعقلية المصاحبة لهم، لفعلنا مثلهم وربما أفظع منهم، فالتواضع والموضوعية والابتعاد عن إصدار الأحكام وتوزيعها على البشر، في غاية الأهمية وعلامة الحكمة والمسؤولية.

الأديان ساهمت بشكل لا يخفى على أحد في تقدم وعي البشرية، وسواء اعترفنا بذلك أو أنكرناه فإنه لن يغير من تلك الحقيقة شيئا. ومهما اعتبرنا شرائع تلك الأديان "وحشية وهمجية" تبعا لمعايير وقيم عصرنا اليوم، إلا أنها كانت بالنسبة لعصرها قفزة نوعية في وعي ومدارك البشرية، وتدخل الله عبر رسالاته قديمها وحديثها كان له بالغ الأثر في وصولنا لما نحن فيه اليوم من وعي وفهم ومدارك أكثر رقيا من تلك التي كانت لدى بشر عالم القدامة.

أقول هذا لكي يتأنى البعض وخاصة [اللادينيين والملحدين ومن شابههم] الذين يزايدون على من كان يعيش في أزمان القدامة والبدائية، ويوزّعون أحكامهم عليهم بناء على معايير وظروف ونفسية هذا العصر الذي يعيشون فيه. ورغم أني أتفق معهم في ضرورة عدم فرض قيم الأمس على عالم اليوم، إلا إني أرفض، بل وأقرف من مزايداتهم واستعلائهم على أناس عاشوا قبل آلاف السنين ضمن ظروف وسياقات ونفسيات ومدارك وأفهام مختلفة تماما عما نحن فيه وعليه اليوم، وتصويرهم كما لو أنهم كانوا شياطين محضة بينما نحن في غاية الملائكية والطهورية.

لقد شدّتني تعاليم ورؤية الدين البهائي الذي أسسه حضرة بهاء الله، والذي بدأ في الانتشار وحظي بالقبول لدى الكثيرين حتى وصل عدد معتنقيه لأكثر من 8 مليون إنسان حول العالم. ما أود إيصاله هنا هي الرؤية الحكيمة التي جاءت بها البهائية حيث ترى أن دين الله واحد غير أن تمثلاته وشرائعه وحلقاته جاءت طبقا لاحتياجات كل عصر، وأن احتياجات اليوم غير الأمس واحتياجات الغد غير اليوم، وإقرارها بأن الله واحد وأن فيضه الرحماني لن ينقطع، وكما جاء بالرسل السابقين بما يتناسب مع احتياجات عصورهم وبما يتضمن دفع الوعي وترقيته ولو بشكل تدريجي، فإن البهائية تقرّ بأنها لن تكون آخر الفيوضات الإلهية، وسيأتي بعد ما لا يقل عن الـ1000 عام من تأسيسها حلقة جديدة من دين الله لتناسب احتياجات البشر في العصور اللاحقة. طبعا هذا بالإضافة لمبادئ البهائية الراقية كاتحاد البشر وتنوعهم ودعوتها للسلام العالمي وقبول الاختلاف وجعله عنصر إثراء بدل أن يكون سببا للتعصب والاحتراب.

ما ينبغي علينا إدراكه اليوم هو أن نكون أكثر تواضعا وموضوعية وحكمة، وأن نعي أهمية الدين في حياة الكائن البشرية، وأن لا نزايد على عوالم الأمس بمعايير عالم اليوم الذي ما كنا وصلنا له لولا ما تعلمناه من الأمس. ولا يُفهم من كلامي هنا قبول قيم الأمس وفرضها على عالم اليوم، وإنما فهمها واستيعابها ضمن سياقاتها وأن ما جاء للأمس ليس لزاما أن يكون صالحا لعالم اليوم، ونفس الأمر مع عوالم الغد، ولعلي أختم بما تفضل به حضرة بهاء الله:
” في كل عصر أوجاع وفي كل رأس أهواء داء اليوم له دواء وداء الغد له دواء آخر".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم


.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا




.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت