الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفطروا بأمانٍ … فنحن نحمي الوطنَ!

فاطمة ناعوت

2023 / 4 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


[email protected]

ها قد دخلنا في العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم ونستعدُّ لاستقبال ليلة القدر المباركة ثم عيد الفطر المبارك، وكذلك دخل أشقاؤنا المسيحيون أسبوعَ الآلام ويستعدون لاستقبال عيد القيامة المجيد، أعاد اللهُ علينا أعيادَنا والبشرية في سلام ومصرُ وشعبُها "القويّ" في رباط لا تُفصَم عُروتُه الوُثقى. وقد استخدمتُ تعبير: "الشعب القوي" لأن الشعوبَ تقوى، ليس فقط بجيوشها القوية واقتصادها القوي، بل كذلك بثقافة شعبها وتضامّه ووحدته. فإذا أردتَ أن تُسقط دولةً، ليس عليك إلا أن تُفتّت أوصالَ شعبها وتُضعف عُرى روابطِه، فيتصدّعُ نسيجُ تلك الدولة، وتنهارُ من تلقاء ذاتها، دونما الحاجة إلى قنبلة نووية أو اجتياح عسكري. وهذا بالضبط ما حاوله أعداءُ مصر، من خارجها وداخلها، مئات المرات عن طريق غرس بذور الفتن وزرع هالوك الشقاق الطائفي في أرضنا الطيبة. لكن طميَ مصر الطاهر كان دومًا، وسوف يظلُّ، عصيًّا على إخصاب تلك البذور المسمومة، فتموتُ براعمُها في مهدها المظلم. لهذا أقولُ إن شعب مصرَ "قويٌّ"، لأنه عصيٌّ على التصدّع رغم المحاولات الحثيثة لنصال الإرهاب والتطرف الحادّة التي ضربت خصرَ مصرَ في لحظات كثيرة مضت، وحتى وقت قريب، لكن مصرَ بجيشها العظيم، وجهازها الأمني اليقظ، وشعبها "القوي الذكي" كانت تردُّ عنها تلك النصالَ إلى نحورِ أعدائها، وتقتل أفعى الشقاق كلما طلّت برأسها الملعون. آلافُ المواقف والوقائع تُدلّلُ على تلك الحقيقة التي لن تتغير أبدًا بإذن الله: "أننا شعبٌ قويٌّ متيٌن متماسكٌ لا تنفصمُ عُراه”. وقبل أن تنقضي أيامُ الشهر الفضيل دعوني أكتب لكم واحدةً من أجمل التغريدات التي قرأتُها على سوشيال ميديا خلال شهر رمضان الكريم.
كتب أحدُهم مازحًا تغريدةً مرحةً تقول: “لو أعداء مصر فكروا يحتلّوا مصر دون مقاومة، مش هايلاقوا أحسن من رمضان لحظة الفطار مع أذان المغرب.”، ويقصد بالطبع انشغالنا، نحن الشعب المصري بلحظة الإفطار الجميلة واجتماعنا على مائدة طعام واحدة في لحظة واحدة وخلو الشوارع من الناس تقريبًا. فجاء الردُّ المبهر على تلك التغريدة من المهندس/ “نجيب ساويرس"، الذي كتب يقول: “متقلقش، افطروا وانتو مطمئنين، احنا موجودين نحمي الوطن!". وتحت قشرة المرح المازح في التعليق، تكمنُ في العمق "الحدوتةُ المصرية الجميلة" التي تقول إن مصرَ دولةٌ قوية، ليس وحسب بجيشها وقيادتها، بل كذلك بشعبها الجميل الذي يثبتُ طوال الوقت في الأزمات والمحن إنه عصيٌّ على الشتات. حاولوا أن ترسموا في أذهانكم تلك الصورة الافتراضية التي رسمتها التغريدةُ والتعليقُ عليها. التغريدةُ رسمت صورة خيالية تصوّر لحظة اجتياح يغزو فيها العدوُّ أرضَنا، وهذا مستحيلٌ لأن جيشنا على الجبهات يقظٌ وفي قمة الجاهزية طوال الوقت، ثم جاء التعليقُ ليُكمل رسمَ الصورة الخيالية بأن ملايين المصريين المسيحيين يخرجون أفواجًا يدفعون الخطرَ عن مصر ويحمون ظهور أشقائهم المسلمين وهم يُصلّون المغرب في رمضان!
لكن الصورة الكاريكاتورية التي رسمتها التغريدةُ والتعليق، حدثت أصداءٌ حقيقيةٌ لها على أرض الواقع في عديد المواقف الصعبة التي مرّت بها مصرُ. فمستحيلُ أن ننسى لحظات ثوراتنا في الميادين والشوارع حين كنا نصلّي ويصنعُ أشقاؤنا المسيحيون دروعًا بشرية تحمي ظهورنا، ومستحيلٌ أن أنسى أنني كسرتُ صيامي على منصّة الاتحادية في رمضان ٢٠١٣ أثناء ثورة يونيو الشريفة على "تمرة" قدمتها لي صَبيةٌ مسيحيةٌ، ومستحيلٌ أن ننسى أن المسلمين الشرفاء أحاطوا بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية يحمونها حين حاول الإخوان الإرهابيون اجتياح المقر البابوي عام ٢٠١٢، ولن ننسى أن "قداسة البابا شنودة" رحمه الله بعد تلك الواقعة امتصَّ غضبةَ أبنائه المسيحيين بإلقاء عِظة واعية عنوانها: “اغفروا"، ربما لولاها لحدثت فتنةٌ طائفيةٌ مريرة، لا سمح الله بها، وحدث الشيء نفسُه في ثمانينات القرن الماضي حين لاحت في سماء مصر بوادرُ فتن طائفية إثر وقائع إرهابية افتعلها متطرفون لشق الصف المصري وزرع الشتات بين المسلمين والمسيحيين، فإذا بقداسة "البابا شنودة الثالث" يُلقي كلمة لأبنائه المسيحيين يقول فيها: (مثلما أنا مستعدٌّ لأن أبذل حياتى من أجل أي واحد منكم، فإنني مستعد لبذل حياتى من أجل أي مسلم فى هذا البلد. إن الحبَّ الذي فينا لا يعرفُ تعصّبًا ولا تفريقًا، فنحن إخوةٌ فى هذا الوطن. ونحن جميعًا مستعدون لبذل أنفسنا من أجل كلّ ذرة تراب في مصر. نحن لا نعرف سوى الحب). وليتَ المقالَ من مليون كلمة لأحكي مئات الوقائع التي كتبها التاريخُ تؤكدُ أننا شعبٌ قويٌّ عصيٌّ على التصدع. كلُّ عام والمصريون أقوياءُ باتحادهم.
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah