الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل عام ونحن متسامحون

جوزيف بشارة

2006 / 10 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كل عام وأنتم بخير. هذه الأيام يحتفل المسلمون حول العالم بعيد الفطر بعد ان انقضى شهر الصوم. هذا العيد يحتفل به المسلمون في شتى أنحاء العالم بمختلف طوائفهم وشيعهم وألوانهم وأعراقهم وأجناسهم. وعلى الرغم من الاختلافات الطائفية الشديدة بين أتباع المذاهب المختلفة، وعلى الرغم من الفروقات الفكرية والعقيدية الكبيرة بين المسلمين العلمانيين المنفتحين والمسلمين المتدينين الملتزمين والمسلمين المتزمتين المتطرفين، إلا أنهم جميعاً سنة وشيعة، علمانيون وملتزمون ومتطرفون يحتفلون بهذا العيد في نفس التوقيت وربما بنفس التقاليد والصلوات. وربما كان الشيء الوحيد الذي يربط بين كل هؤلاء وأولئك هو الإيمان بالإسلام ورسوله، وفيما عدا ذلك فهناك اختلافات جذرية بشأن وسائل ومفاهيم الإيمان وكيفية ممارسة الإسلام في الحياة العملية.

لا شك في أنه من المستحيل وضع فرق المسلمين في قالب أو إطار واحد بسبب الاختلافات الفكرية والمذهبية والعقيدية الجوهرية التي تفصل بين كل فريق، بل ويجب القول أنه من الظلم وضع المسلمين المستنيرين في صف واحد مع المتطرفين والإرهابيين الذين يكفرون ما عداهم ممن لم ينتم لمجموعاتهم الظلامية. ومن الإنصاف القول بأن المستنيرين من المسلمين يعدون نماذج رائعة في التسامح والاعتدال والانفتاح على الأخر والاندماج في المجتمات التي يعيشون بها والإسهام في الحضارة الإنسانية وهي الصفات التي يفتقد إليها للأسف المتطرفون والإرهابيون ونسبة لا بأس بها من المسلمين المتزمتين والمتشددين والتكفيريين في شتى بقاع الأرض.

إذا كنا نتمنى للجميع الخير بمناسبة عيد الفطر، فإننا نشدد على أن للخير مقومات وشروط من أهمها التسامح مع النفس والأخر والمجتمع والحياة. فلا يمكن للمرء أن ينعم بالخير إذا ما امتلأ قلبه بالحقد والكراهية لمن يختلف معه في الرأي و الرؤية والتفكير والعقيدة. ولا يمكن للفرد أن يكون بخير إذا ما أراد أن يقتلع الأخر من جذوره. ولا يمكن للإنسان أن يحيا بخير إذا ما تملك منه الفكر التكفيري المتزمت والهدام القائم على الأحادية السلبية المناهضة للتعددية الإيجابية والرافضة للاعتراف بحقوق الأخر.

وإذا كانت مباديء التسامح والاعتدال والانفتاح على الأخر تعد من أهم مقومات الخير الذي نرجو لشعوبنا ومجتمعاتنا وعالمنا أن ينعم به، فهل يريد أناس مثل محمود أحمدينجاد وحسن نصرالله ومحمد مهدي عاكف وأسامة بن لادن وغيرهم من المتشددين والمتطرفين والإرهابيين الخير للعالم أو لشعوبهم المسلمة أو للشعوب غير المسلمة؟ هذا ما لا أظنه. فالخير الذي يريده أولئك المتشددين والمتطرفين والإرهابيين يشبه في مفعوله سم الأفاعي، وهو يختلف تمام الاختلاف عن الخير الذي نتفق مع المسلمين المعتدلين بشأنه. خير أولئك ينطوي على الحقد والشر والكراهية والحرب والدم. وخير أولئك يعني أحادية الفكر والعقيدة، والتخلص من الأخر. وخير أولئك لا يعرف إلا التطرف والتشدد والتزمت والسلفية والقيود. وخير أولئك يهدف إلى إلغاء العقل والعلم والحضارة.

لعل الأمثلة على الخير الشرير الذي يريده لنا أولئك المتطرفين عديدة ومتنوعة وتأتي من معظم البلدان العربية والإسلامية. فالخير الذي يريده تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين للعراق يكون عبر تمزيق هذا البلد، وسفك دماء مئات الألاف من الأبرياء من مواطنيه، وطرد مسيحييه من وطنهم. والخير الذي يبغاه تنظيم حزب الله في لبنان للمواطنين اللبنانيين يجيء عن طريق إغراقهم في نزاعات داخلية طائفية وحروب خارجية تهدر أمكانات لبنان وتضعف اقتصاده. والخير الذي تتمناه جماعة الإخوان المسلمين في مصر والعديد من البلدان الإسلامية للشعوب يقوم على قمع الحريات، وتكفير المفكرين والكتاب والعلماء، وبث الكراهية نحو أتباع الديانات الأخرى. والخير الذي يعنيه نظام الملالي للشعب الإيراني وسائله هي الانغلاق والتطرف والمخاطرة بمستقبل ومقدرات إيران.

إن الخير الذي نريده ونتمناه للمسلمين وغير المسلمين في عيد الفطر هو الخير القائم على مباديء التسامح والاعتدال والحرية والانفتاح والتعقل والتقدم والسلام والمساواة. إنه الخير الذي يجعل من كتاب ومفكرين منفتحين مثل القرآني الوقور الدكتور أحمد صبحي منصور، والليبرالي الدكتور شاكر النابلسي، والمفكرة الرائعة الدكتورة وفاء سلطان، والعبقري العفيف الأخضر، والشجاع هاني نقشبندي، و الرائع أشرف عبد القادر يتبنون مناهج فكرية قائمة على العقل والاعتدال والتسامح، وهو الخير الذي يدفع كتاب ومفكرين مثلهم للدفاع قضايا إنسانية مريرة مثل قضية الحريات العامة، وقضية الإرهاب المتأسلم، وقضية اضطهاد الأقليات المسيحية في الدول العربية والإسلامية دون حساسية أو خوف من إرهاب المتأسلمين.

الخير الذي نريده ونتمناه هذا اليوم هو الخير الذي يجعل من القائمين على موقع ليبرالي حر مثل موقعنا هذا، ومعظمهم من المسلمين الأحرار، يحرصون بدأب على توعية القراء العرب والمسلمين بالفكر الحر المتسامح نحو شركاء الوطن والإنسانية. وأخيراً إنه أيضاً الخير الذي يجعل من عالم بارز مثل الدكتور أحمد زويل يتواصل مع الأخر في الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق المزيد من الاكتشافات العلمية التي تعود بالمصلحة على البشرية جمعاء وتقودها إلى الأمام من دون أن يلتفت إلى دعاوى تكفير الأمريكيين التي يصدرها المتطرفون بصورة مستمرة. تحية قلبية لكل هؤلاء وغيرهم من المسلمين المنفتحين في عيد الفطر.

كل عام ونحن جميعاً متسامحون، معتدلون، عقلانيون، مسالمون، متساوون، منفتحون وأحرار...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت


.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان




.. حديث السوشال | فتوى فتح هاتف الميت تثير جدلاً بالكويت.. وحشر


.. حديث السوشال | فتوى تثير الجدل في الكويت حول استخدام إصبع أو




.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا