الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البلاغالوجيا فلسفة البلاغة العلمية والأدبية

حسن عجمي

2023 / 4 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


البلاغالوجيا مشتقة من البلاغة و لوجيا بمعنى عِلم وبذلك البلاغالوجيا عِلم البلاغة الذي يدرس البلاغة علمياً من خلال تحليل البلاغة على أنها معادلة رياضية قابلة للاختبار. بالنسبة إلى البلاغالوجيا، البلاغة = بناء المعارف والمعاني الإنسانوية والعلمية × نجاح إيصالها بتعابير جمالية. هذه المعادلة علمية لأنه إن وجدت بلاغة بلا معارف ومعان ٍ إنسانوية وعلمية و بلا نجاح إيصالها و بلا صياغة جمالية فحينئذٍ هي معادلة كاذبة وبذلك من الممكن اختبارها ما يجعلها معادلة علمية. ولكن لا بلاغة بلا معارف ومعان ٍ إنسانوية وعلمية ونجاح في إيصالها إلى المتلقي بلغة جمالية تماماً كما تؤكِّد معادلة البلاغالوجيا.

إن لم يُعبِّر الخطاب عن المعارف والعلوم فحينئذٍ لا يطابق الواقع أي هو غير صادق وبذلك لا بلاغة فيه. و إن لم تكن معارف الخطاب ومعانيه إنسانوية كأن تعبِّر عن القِيَم الأخلاقية العالمية كالحرية والمساواة والسلام فحينئذٍ إما أنه لا منفعة فيه و إما أنه يتضمن دعوة إلى عدم احترام الحقوق الإنسانية وبذلك هو مصدر ضرر. و لا بلاغة فيما لا نفع فيه كما لا بلاغة في إنتاج الضرر. على ضوء هذه الاعتبارات، لا بدّ من تحليل البلاغة من خلال بناء المعارف والمعاني الإنسانوية والعلمية معاً كما تفعل معادلة البلاغالوجيا. ولكن البلاغة من أبلغ وبذلك البلاغة كامنة أيضاً في نجاح إيصال المعارف والمعاني الإنسانوية والعلمية إلى المتلقي فبلا نجاح إيصالها يفشل الخطاب فتزول البلاغة. و بلا جمالية التعبير يَسُود القبح فتزول البلاغة. من هنا، لا بدّ أيضاً من تحليل البلاغة من خلال نجاح إيصال المعارف والمعاني الإنسانوية والعلمية بتعابير جمالية. كل هذا يدلّ على صدق معادلة البلاغالوجيا القائلة بأنَّ البلاغة = بناء المعارف والمعاني الإنسانوية والعلمية × نجاح إيصالها بتعابير جمالية.

أما الجمال فيتضمن الانسجام كانسجام عناصر العمل الفني كما يتضمن إنتاج المتعة النفسية والنشوة الفكرية والمشاعرية. على هذا الأساس، تحليل البلاغة من خلال التعابير الجمالية، كما تفعل معادلة البلاغالوجيا، يضمن أن يكون الخطاب البليغ متضمناً للانسجام وإنتاج المتعة النفسية ونشوة الفكر والمشاعر فيكون بذلك مؤثِّراً إيجابياً في النفس فمصدراً للسعادة والبهجة. هكذا تنجح معادلة البلاغالوجيا في التعبير عن العناصر المتنوّعة ضمن الخطاب البليغ ما يعزِّز صدقها. و حين يعبِّر القول البليغ عن المعارف والمعاني الإنسانوية والعلمية بتعابير جمالية كاعتماده على الصُورة الشِّعرية يستدعي التفكير لاستنتاج تلك المعارف والمعاني المُبطَّنة في الصُورة الشِّعرية ما يجعله قولاً بليغاً حقاً فيما ينتج من فكر واستنتاج. هكذا القول البليغ قول فعّال فيما يستدعي من فكر وتفكير.

مثلٌ على البلاغة قول أينشتاين "الله لا يلعب بالنرد". فهذا القول بليغ لأنه يعبِّر عن نموذج علمي من خلال صورة جمالية تصوّر الله على أنه لا يلعب بالنرد. أما مفاد النموذج العلمي الذي يعبِّر عنه قول أينشتاين فهو أنَّ قوانين الكون حتمية و ليست احتمالية ما ينفي أن يلعب الله بالنرد المحكوم بالاحتمال. هكذا تكمن البلاغة في صياغة المعرفة العلمية بتعبير جمالي تماماً كما تتضمن ذلك معادلة البلاغالوجيا. أما قول ستيفن هوكنغ "الله لا يلعب بالنرد فقط بل يرميه أحياناً حيث لا نراه" فهو قول يتصف بالبلاغة أيضاً لأنه يعبِّر بصورة جمالية عن نظرية ميكانيكا الكمّ العلمية القائلة بأنَّ قوانين الكون احتمالية و ليست حتمية ولذلك الله يلعب فعلياً بالنرد.

أما مثلٌ على البلاغة الأدبية والإنسانوية فهو قول غاندي "العين بالعين و يصبح العالَم أعمى". هذا القول يعبِّر عن معرفة إنسانوية بصورة جمالية بفضل انسجامها و وضوح منطقها ما يجعله قولاً بليغاً من جراء أنَّ البلاغة كامنة أيضاً في بناء المعارف الإنسانوية كما تؤكِّد على ذلك معادلة البلاغالوجيا. أما المعرفة الإنسانوية التي يعبِّر عنها قول غاندي فهي أنه لا بدّ من سيادة التسامح والسلام و إلا زالت الحضارة الإنسانية. مثلٌ آخر على البلاغة الأدبية والإنسانوية هو ما صاغه إبن عربي بقوله "لقد صارَ قلبي قابلاً كلَّ صورةٍ / فمرعىً لغزلانٍ و ديرٌ لرهبانِ / و بيتٌ لأوثانٍ و كعبةُ طائفٍ / و ألواحُ توراةٍ و مصحفُ قرآنِ / أدينُ بدينِ الحُبِّ أنّى توجّهت / ركائبُهُ فالحُبُّ ديني و إيماني". في هذه الأبيات الشِّعرية يعبِّر إبن عربي بلغة جمالية عن الفكر الإنسانوي الداعي إلى محبة وقبول كلّ ما هو موجود من ظواهر طبيعية و بشر وأديان وثقافات ما يتضمن قبول الآخر وسيادة السلام مما يجعل هذه الأبيات الشِّعرية متصفة بالبلاغة بما تتضمن من معارف إنسانوية معبَّر عنها بصُوَر جمالية.

على ضوء كل هذه الاعتبارات، للبلاغة دور جوهري في التعبير عن العلوم والمعاني العلمية والإنسانوية ما يؤدي إلى نتيجة أنَّ البلاغة جزء أساسي في عملية صياغة أية نهضة حضارية مبنية على الفكر العلمي والإنسانوي. و هذا لأنَّ البلاغة بناء المعارف والمعاني الإنسانوية والعلمية بتعابير جمالية التي من دونها لا تُبنَى أية حضارة. فلا حضارة بلا علوم وآداب إنسانوية. و لا علوم وآداب إنسانوية بلا تعابير جمالية تعبِّر عن جمالية الكون والإنسان مما يعني أنه لا حضارة بلا بلاغة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مدير المخابرات الأمريكية يتوجه إلى الدوحة وهنية يؤكد حرص الم


.. ليفربول يستعيد انتصاراته بفوز عريض على توتنهام




.. دلالات استهداف جنود الاحتلال داخل موقع كرم أبو سالم غلاف غزة


.. مسارات الاحتجاجات الطلابية في التاريخ الأمريكي.. ما وزنها ال




.. بعد مقتل جنودها.. إسرائيل تغلق معبر كرم أبو سالم أمام المساع