الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكِتَاب الفيروسي - مِن الدِّيكْتاتوريَّة إِلى الدِّيمقْراطيَّة -

زكريا كردي
باحث في الفلسفة

(Zakaria Kurdi)

2023 / 4 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - - ----------
فِي بِداية عَاصِفة مَا يُسمَّى بِالرَّبيع العرَبيِّ ، كان - وَرُبمَا مازال - مِن الصَّعْب على أحد إِقنَاع أحد مَا ، بِأنَّ مَا يَحدُث فِي الشَّرْق اَلْأَوسط ، لَيْس مَحْض صُدفَة ، وأنَّ الأمْر بِرمَّته ، هُو تَنفِيذ لِمخطَّط دولي مُحكَم ، وَضْع مِن قَبْل دَوائِر مُتَخصصَة ، وأصْحَاب قرارَات نَافِذة ، مِن أَجْل مَصالِح قُوًى سِياسِيَّة عَالمِية ، لََا عَلاقَة لَهَا بِهموم الإنْسان المقْموع بِالْفَقْر والْفساد - أو حُرِّيَّات هذَا المواطن المسْحوق بالجهل أو ذاك .
مَا عَزَّز فِكْرتي تِلْك ، هُو قِراءَتي مُؤَخراً لِكتابٍ ذائع الصيت ، اعتبر من أهم الكتب المؤثرة عالمياً ، و المعنون " مِن الدِّيكْتاتوريَّة إِلى الدِّيمقْراطيَّة " لِلعالم السياسي الأمريكي " Gene Sharp (1928 – 2018) .
فِي هذَا الكتَاب الضخم ، اَلذِي يَصعُب تلْخيصه ، يُؤكِّد Sharp أنَّ أُسلُوب اللَّاعنْف فِي العمل السِّياسيِّ ، لَيْس اِسْتراتيجيَّة سَلبِية ، كمَا يَظُن البعْض ، بل هُو شَكْل قَوِي وَفَعال ، وَرُبمَا مِن أهمِّ أَشكَال التَّغْيير والْمقاومة لِلْأنْظمة السِّياسيَّة القائمة ، حَيْث يُمْكِنه تَعبِئة مَجمُوعة أَكبَر مِن النَّاس بِفعَّاليَّة وَسهُولة أَكثَر بِكثير مِن المقاومة المسلَّحة المعهودة .
اَلتِي لَم تُعَد - حسب رَأيِه - تُنَاسِب أَسالِيب السَّيْطرة الحديثة على حُكْم المجْتمعات والتَّحكُّم بِالدُّول ، كمَا أَنهَا غالبًا مَا تُؤدِّي إِلى اَلمزِيد مِن اَلعُنف والْوفيات والْإصابات .
وَمِن أَجْل إِقنَاع القارئ بِوجْهة نَظرِه تِلْك اِسْتخْدم sharp أَمثِلة مِن التَّاريخ والْأحْداث الأخيرة لِدَعم حُجَجه ، مُوَضحا كَيْف يُمْكِن أن تَكُون المقاومة اللَّاعنْفيَّة وَسِيلَة فَعَّالة لِلْإطاحة بِالْأنْظمة السِّياسيَّة القائمة .
لكن كيْ تَنجَح هَذِه الحركات اللَّاعنْفيَّة ، لَابُد أن تَتَمتَّع بِخصائص ، مِثْل بِنَاء تَحالُف خَارجِي عريض مِن الدَّعْم المنظم ، وَتنفِيذ الأعْمال المخطَّطة بِدقَّة ، ووضْع أَهدَاف اِسْتراتيجيَّة ، وتجنُّب الاسْتفْزاز والْعنْف المباشر ، واسْتخْدام سَطوَة وَسائِل الإعْلام لِنَشر الرِّسالة ، والظُّهور بِمظْهر اَلضحِية المثاليَّة ، لِاكْتساب التَّعاطف والتَّأْييد مِن قَبْل الجماهير .
بَعْد ذَلِك ، يقدم Gene Sharp في كتابه ، نموذَجًا فِكْريًّا مُتكاملا ، لخطَّة عمل مُفَصلَة ، تَكُون دليلاً مُفَصلا لِلنُّشطاء - أو ما يسموا بالثوار - السِّياسيِّين ، شارحًا لَهُم بِالتَّفْصيل ، سُبُل المقاومة ضِدَّ السُّلطات الحاكمة ، وأفانين القيَام بِالشَّغب المدَنيِّ ، بِالْإضافة إِلى كُلِّ التَّكْتيكات العمليَّة الفعَّالة ، اَلتِي مِن شأْنهَا أنَّ تَضعضُع المجْتمعات المسْتقرَّة ، وتنْجح فِي حَشْد الجمْهور لِلاحْتجاج ، والتَّمرُّد على النِّظَام السِّياسيِّ ،
بِمَا فِي ذَلِك اِفتِعال الاحْتجاجات ، واصْطناع الإضْرابات وبدْء المقاطعات ، وَتكوين المظاهرات الخلبيَّة ، وَكيفِية قِيادة شُؤُون العصْيان المدَنيِّ بِالْكامل . و .. و , , الخ
بِمعْنى أَنَّه ، رَسْم في هذا الكتاب، وبإسهاب ، كُلِّ خُطوات التَّخْطيط والتَّنْفيذ لِلْأعْمال اللَّاعنْفيَّة فِي المجْتمعات غَيْر اَلحُرة ، اَلتِي يُمْكِن للنَّاس اِتِّخاذهَا سبيلا ناجعًا ، لِلْإطاحة بِالْأنْظمة السِّياسيَّة القائمة ، وبالتَّالي تَمهِيد اَلطرِيق تمامًا ، لِلتَّحَرُّر مِن سَطوَة تلك الأنْظمة الشُّموليَّة ، والْمساعدة فِي اِنبِلاج أَنوَار الدِّيمقْراطيَّة ، حسب مَنظُوره . .
حسب تَقدِير أَغلَب المحلِّلين الاسْتراتيجيِّين ، وكثير مِن المفكِّرين السِّياسيِّين فِي العالم ، يَعتَبِر كِتَاب Gene Sharp بِمثابة المنْهاج التَّثْقيفيِّ الأسَاس ، اَلذِي يَقِف وَرَاء سُعَار وحراك كُلِّ مَا يُسمَّى بِالثَّوْرات الملوَّنة في العالم ،
بما فيها اِضْطرابات مَا يُسمَّى ب اَلربِيع العرَبيُّ ، اَلذِي بدأ فِي عام 2010 ، وَظهَر على الشعوب العربية فَجأَة ، ليدهش وعيهم ويشحن أفهامهم ووجدانهم ، عَبْر وسائل الإعْلام العالميِّ اَلمُؤثر ك ( الجزيرة وَغَيرهَا ) من خلال بث سِلْسلة مِن الاحْتجاجات العفْويَّة المتلاحقة ، والانْتفاضات اللَّاعنْفيَّة ، غير المألوفة ، فِي اَلعدِيد مِن البلْدان فِي الشَّرْق اَلْأَوسط وَشَمال إِفْريقيَا .
كذلك يرَى كثيرون ، أنَّ أَغلَب مدبري تلك الحركات الاحْتجاجيَّة ، ومنسقي الْأيْديولوجيَّات القوْميَّة والدِّينيَّة الأصوليَّة ، اِعْتمَدوا عليْه ،
وَعلَى رأْسهَا التَّنْظيم العالميِّ لِلْإخْوان المسْلمين ، اَلذِي سعى أَكثَر مِن مَرَّة - ومازَال - سواء مِن خِلَال شِتَاء اَلعُنف المسلح ، أو ربيع مُؤَامرَة اللَّاعنْف ، إِلى تَدمِير الدُّول الوطنيَّة ، بِهَدف وحيد ، ألا وهو ، تَغيِير الأنْظمة القائمة ، والْوصول إِلى سُدَّة اَلحُكم ، وَمِن ثمَّ قِيادة مصير الشُّعوب وَفْق مَنهجِها وَفهمِها الدِّينيِّ الأصوليِّ .
ويضيف أُولئك المحلِّلين أنَّ هَذِه الحركات الأصوليَّة وتوجُّهاتهَا فِي التَّغْيير ، تمَّ دَعمُها مِن قَبْل قِيادَات الحزْب الدِّيمقْراطيِّ الأمْريكيِّ ، وبعْض قُوَى اليسَار اَلدوْلِي فِي الغرْب ، لِكوْنِهَا تُمثِّل لَديهِم ، أَدَاة مِثالِيَّة مِطْواعة ، نَحْو تَحقِيق شَكْل اللِّيبْراليَّة الحديثة، اَلتِي يسْعوْن إِلى تَعمِيم قِيمهَا، فِي كُلِّ أَرجَاء العالم .
قُصَارَى القوْل :
بلا شك ، كتاب "من الديكتاتورية إلى الديمقراطية" هُو جُهْد نَفسِي اِجْتماعيٌّ مُذْهِل ، وَبحَث فكري سِياسيٌّ هامٌّ لِلْغاية ، أثر و ساهم في تغيير كثير من مناطق العالم ، ولَا لَوْم - فِي تقْديري - على أيِّ دَائِرة قَرَار أو دَولَة أو جِهة، اِسْتطاعتْ بِدهائهَا وفطنتها ، تَوظِيف هذَا الفكْر الثاقب و الجبَّار ، من أجل تَحقِيق مصالحهَا السِّياسيَّة أو الاقْتصاديَّة ..
لِأنَّ السِّياسة - كمَا أَفهَم - هِي فِعْل وليْس رَدَّة فِعْل ، كمَا أنَّ فِي عَالِم السِّياسة الصَّارم ، لََا يُوجَد مَكَان لِلْفرَاغ أو لِلصُّدف ، إِنَّما هُنَاك مَكَان لِهَدف مَدرُوس بِعناية ، ورسْم ضَيِّق لِردود الأفْعال المتوقَّعة ، على كُلِّ مَا يُمْكِن أن يَأتِي مِن فِعْل وَعمَل .
فِي النِّهاية أَقُول لِمن ثار عن جَهْل فِي شرْقنَا المكْلوم :
لَيْس بِالضَّرورة أن يَكُون المرْء خائنًا ، كيْ يَهدِم وَطنُه ، أو يَضُر بِمجْتمعه ، إِذ يَكفِي أن يَكُون جاهلا أو غبيًّا . وعنْدَهَا سَيكُون الأدَاة المثاليَّة، اَلتِي يسْتخْدمهَا الآخرون ، لِفعْل كُلِّ ذَلِك وأكْثر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة