الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انشطارُ واجهةِ الهرم... في عيد الحياة

فاطمة ناعوت

2023 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عامٌ جديد تتزامنُ فيه أعيادُنا الدينيةُ، الميلادية والهجرية، فنصومُ معًا، ونستقبلُ أعيادَنا الجميلةَ معًا، مسلمين ومسيحيين، ونرفعُ أكفَّنا بالدعاء لله تعالى أن يحفظَ لنا الوطنَ الغالي الذي يضعُنا جميعًا في قلبه. أسبوعٌ روحانيٌّ يمرُّ بمصرُ في الأيام الأواخر من شهر رمضان المعظم، أعاده اللهُ علينا ومصرُ في أعلى العُلا. أمس الأحد، كانت ذكرى "عيدُ القيامة المجيد" الذي احتفلنا بعشيته مع أشقائنا المسيحيين صباحًا في الكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة، ومساءً في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية مع قداسة البابا الأنبا تواضروس الثاني، الرجل الوطني المثقف الذي ألقى كلمة رائعة عن “العين الإيجابية”، وهي التي تبني المجتمعات، لأنها دائمة النظر إلى الأمام تحثُّ صاحبها على العمل والجِدّ والكدّ من أجل صناعة الخير، على عكس العين السلبية التي تفتّش عما يهدم ولا تتوقف عن تحطيم كل جميل وتعطيل كل بناء، وما أحوجنا في هذه المرحلة من إعادة بناء الوطن إلى تلك الروح الإيجابية البنّاءة التي لا تتوقف عن العطاء والإيثار حتى ننهض بهذا الوطن العزيز الذي أعطانا الكثير ويستحقُّ منّا ألا ندخر جهدًا من أجل حمايته من أعدائه المتربصين له يرومون هلاكه. واليومَ عيدُ "شمُّ النسيم" عيدُ الحياة وعيدُ الفرح بمعجزة الحياة. وخلال أيام قليلة يحلُّ "عيدُ الفطر المبارك"، أعاده اللهُ على الدنيا ومصرُ في رباط وعزّة وعلوّ بإذن الله تعالى.
على مدى أيام الشهر الكريم، أقام لنا أشقاؤنا مسيحيو مصر العديدَ من موائد الإفطار الرمضاني الطيبة، تلك التي نطلقُ عليها: “إفطارات المحبة”. في تلك الليالي الجميلة من كل عام نلتقي على الوطن والمحبة واللقمة الهنيّة لكي نعيد التوكيد على أننا شعبٌ قويٌّ غيرُ قابلٍ للتصدُّع عصيٌّ على الفُرقة والشتات، مهما حاول أعداءُ مصرَ أن يغرسوا بيننا بذور البُغضة السوداء والطائفية المُرّة. تذوب شتلاتُ الهالوك تحت أقدامنا الواثقة، وتتحلّل داخل طمي بلادنا الطيب، لتتحول إلى جذور محبة وتضامّ، وتنمو أشجارًا من الحب والوطنية تظلّل أرض مصرَ، الطيبة بأهلها الطيبين.
قبل خمسة آلاف عام، كان المصريون القَدامى يحتفلون بعيد"شم النسيم"، بإقامة مهرجان هائل، يحتشدون فيه قُبيل الغروب أمام الواجهة الشمالية للهرم الأكبر. ثم يَشخصون بعيونهم للأعلى نحو قرص الشمس البرتقاليّ الساحر وهو يميلُ بالتدريج غاربًا، مقتربًا من قمة الهرم؛ حتى يستقرّ قرصُ الشمسُ فوق قمّة الهرم؛ كأنما تُتوّجه بحجر كريم مُشعٍّ، في مشهدٍ أسطوريّ فادح الجمال. وهنا تحدث ظاهرةٌ فلكية مدهشة، حين يخترق أحدُ أشعة الشمس واجهةَ الهرم، فكأنما وترٌ قائمٌ يشطر المثلث نصفين، في مشهد هندسي طبيعي فريد، وحصريّ لا يحدث إلا في مصرَ، رصده عالمُ الفلك البريطاني "بركتور" عام ١٩٢٠ وصوّرَ لحظة انشطار واجهة الهرم، "مجازًا"، بشعاع الشمس.
"شمّ النسيم" أقدمُ مهرجان شعبيّ في التاريخ. ابتكره الجدُّ المصري القديم ليحتفل بالحياة، وعبقرية الخلق من العدم. فالمصريون القدامى كانوا أكثرَ شعوب الأرض حبًّا للحياة واحتفاءً بها. لهذا احتفلوا بالربيع؛ إذْ تتفتح الزهورُ لتعلن عن ميلاد جديد. مع شروق الشمس يبدءون احتفالَهم بتلوين البيض، وكأنما يلوّنون الحياةَ. فالبيضةُ رمزُ الحياة التي تُخرِجُ الحيَّ من الميّت؛ فيخرج الكتكوتَ من كهف قشريّ ميت، مثلما تخرجُ اليرقةُ من شرنقة الحرير، فتطيرُ وتملأ الفضاء حياةً وفرحًا.
"شم النسيم" حدوتة مصرية كبيرة، تؤكد أن المصريين أبناءُ الحياة، لا أبناء الموت. يهتفُ صوتُ مصر في “الجمهورية الجديدة” قائلا: "أحبّوا بعضَكم بعضًا وأحبّوا أرضكم الطيبة، وارفعوا رايتي عاليةً بين الأمم. قاتلُ أخيه فيكم، ليس مِنّي. فأنا لا أنجبُ المجرمين. نِيلي وطمي أرضي حلالٌ للطيبين حرامٌ على كلِّ خائن يكره استقراري وأمني. "مباركٌ شعبي مصر"، "ادخلوا مصرَ إن شاء اللهُ آمنين”. فكل مَن يدخل مصرَ آمنٌ. أنا الأرضُ التي ابتكرت فنونَ الحياة، وخصّتها بيوم فريد، توّجتُه أولَ الزمان.
تعلّم المصريُّ القديم أن يحدّد بداية السنة الشمسية باليوم الذي يتساوى فيه الليلُ والنهارُ طولا، وقت حلول الشمس في برج الحمل. كان الجدُّ المصريُّ يؤمن أن بداية خلق العالم كانت في ذلك اليوم الربيعي الفريد، ٢٥ برمهات. ولهذا اعتبره المصريون غُرّة الربيع وأول الزمان.
في "شم النسيم"، دعونا نتذكّر أن المصريين، على مرّ الزمان، هم أبناءُ ثقافة الحياة، لا الموت. ليس منّا من يهدم ويكسو الوجوهَ بالحَزَن. ليس مّنا مَن يُثكِّل الأمهاتِ ويُرمّل الزوجاتِ ويُيتّم الأطفالَ. ليس مِنّا من يحمل النصالَ ليقتل أبرياءَ مسالمين. ليس منّا من يُدثّر البيوتَ بثياب الحداد. مصرُ الجميلة نهضت من كبوتها التي غرسنا فيها المتطرفون والإرهابيون ولن تعود للانكسار أبدًا بإذن الله. تحيا مصر عظيمةً عاليةَ المقام، ومباركةٌ أعيادُنا كلُّها، وكلُّ عام والوطن حيٌّ بشرفائه.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله