الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جبل قاسيون

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 4 / 19
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الإنسان حيوان قاتل
٣ دمشق .. مسرح الجريمة
عدتُ إلى دمشق بعد الموت
أحملُ قاسيون
أعيدهُ إليها
مقبلاً يديها
فهذه الأرضُ التي تحدها السماءُ والصحراء
والبحر والسماء
طاردني أمواتها وأغلقوا علي باب القبر
وحاصروا دمشق.
ومما هو جدير بالإشارة إليه فيما يخص أسطورة قابيل وهابيل، التي تعتبر كحدث تاريخي داخل المنظومة الفكرية الدينية، هو وجود أسطورة أخرى تساندها وتعيش على هامشها وما تزال حية في الخيال الشعبي. وربما ليس بالصدفة أن المغارة التي يعتقد أن قابيل ارتكب فيها جريمته، تقع حسب الأسطورة الثانية قرب دمشق، التي تدور فيها منذ ما يزيد عن العشر سنوات حرب طاحنة بين " أبناء آدم " سقط ضحيتها حتى اليوم عشرات الآلاف من الضحايا ومئات الآلاف من المهجرين الذين تركوا بيوتهم وأرضهم هربا من الموت، وتنتظر من لحظة لأخرى آلاف الأطنان من القنابل الأمريكية والفرنسية والروسية تتساقط عليها من السماء. ففي شمال دمشق يقع جبل قاسيون الذي يعتبر أحد أماكن التنزه والترفيه الرئيسية لسكان المدينة، قبل أن تتحول هذه المدينة إلى أنقاض وخرائب ومقابر، وحيث تقع بعض أحياء دمشق مثل حي المهاجرين، وحي ركن الدين، حي أبورمانة والشيخ محي الدين وغيره.. قاسيون، جبل يعتبر امتداداً جغرافياً للسلاسل الجبلية السورية الغربية، ترتفع قمته إلى حوالي 1,150 متراً عن سطح البحر. كانت توجد على قمتة محطة لتقوية البث الإذاعي والتلفزيوني، كما تم بناء نصب الجندي المجهول على سفح الجبل من الجهة الجنوبية الغربية، كما تنتشر المتنزهات والمطاعم والمقاهي والاطلالات الجميلة التي تشرف على مدينة دمشق وما يحيط بها، ويمكن الإستمتاع بمشاهدة المدينة الممتدة على مساحة عدة كيلومترات بحقولها وحدائقها ومبانيها وأحيائها القديمة والحديثة. وقد شيدت عليه العديد من الإستراحات وأماكن الراحة والإستجمام، وتم غرس العديد من الأشجار والحدائق العامة. ويعتبر جبل قاسيون مكانا رمزيا يحوطه نوع من التقديس، ليس فقط عند سكان دمشق وإنما في مخيلة العديد من الأدباء والشعراء من أمثال عبدالوهاب البياتي، الذي أوصى أن يدفن قرب ضريح محي الدين ابن عربي المتوفي في دمشق 1240م والمدفون في جبل قاسيون. يقول البياتي في "قصائد حب على بوابات العالم السبع":
أحمل قاسيون
تفاحة أقضمها
وصورة أضمها
تحت قميص الصوف
من يوقف النزيف؟
فقاسيون بالنسبة للبياتي، رمز حي لدمشق وتاريخها وجغرافيتها الروحية، وتساؤل البياتي ما زال قائما وشامخا كجبل قاسيون، ويفتح من جديد ملف الجريمة الذي لم يقفل أبدا، ويفتح الجرح الذي لم يكف عن النزيف. فجبل قاسيون هوشاهد على حيوية الخيال الشعبي واتصاله المباشر والغير منقطع مع الأساطير الدينية، وشاهدا على استمرار النزيف، فأحيط هذا الجبل بالأساطير ككل الأماكن المقدسة المنسوبة إلى الانبياء والقديسين وأصحاب الكرامات. ففي سفحه الأدنى يوجد مكان يقال أنه مسكن آدم، وفي مكان آخر يوجد "كهف جبريل" والذي جاءت فيه الملائكة إلى آدم تواسيه في فقدان إبنه المحبوب هابيل، وفي الجانب الشرقيّ مولد إبراهيم، وفي الغرب المرتفع الذي لجأ إليه عيسى وأمه مريم وقربه كان مسكن حنّة أم مريم. كما يحتوي أحد أهم المعالم الأثرية، مغارة الدم أو ما يسمى مقام الأربعين. ففي أعلى إحدى قمم الجبل جامع صغير يرتاده العديد من الزوار ويحجّون إليه في بعض المواسم لزيارته والتبرك به لشفاء ما ينتابهم من أمراض جسدية وروحية، وزيارة ما يسمى "مغارة الدم" أو مغارة الأربعين، والتي تقع في منطقة جبلية وعرة ويصعب الوصول إليها. وفي زاوية من هذه المغارة فتحة تمثل ما يشبه فماً كبيراً مفتوحا، ويخيل للزائر أنه يرى اللسان والأضراس والأسنان وسقف الفم، وأمام هذا التجويف على الأرض صخرة عليها خط أحمر بلون الدم، وفي سقف المغارة شق صغير يتساقط منه الماء في حوض صغير، يستعمله الزوار للتبرك إعتقادا أن هذا الماء يشفي من الأمراض وآلام الحياة. وتقول الأسطورة، عندما قتل قابيل أخاه هابيل في هذا الكهف بجبل قاسيون، بكى الجبل لهول الجريمة وبقيت دموعه تتقاطر، وفتح الجبل فمه ليبتلع القاتل، وفي رواية آخرى أن الجبل شهق من هول ما رأى وبقي فمه مفتوحا إلى اليوم، ويوجد في جانب المغارة عدة أحجارمتفاوتة الأحجام، أحدها يقال أنه سلاح الجريمة. إن التوقف طويلا أمام هذه الخرافة الدينية، ليس الهدف منه تحليلها أوالخوض في مناقشات لا طائل ورائها من ناحية تاريخيتها من عدمه، فهي أسطورة مثل بقية الأساطير، الهدف منها قولبة الفكر الإنساني وتثبيت الضوابط الأخلاقية للمجتمع وتثبيت هيمنة الطبقة الدينية وسلطانها على رقاب البشر. وهي لا تعيننا في شئ لمعرفة الدوافع التي أدت بقابيل إلى قتل هابيل، ما عدا السيناريو الردئ المعروف والذي يشبه إلى حد بعيد سيناريوهات هوليوود: الغيرة والحقد والتنافس على السلطة أو على جسد المحبوبة وقلبها وانتصار الخير على الشر في الدقائق الأخيرة للفيلم. ورغم أن هذه الأسطورة تدعي توثيق الجريمة الأولى في تاريخ البشرية، لأنها أختارت مسرح الجريمة وزمانها، الأرض، وليس عليها سوى آدم وحواء وأبنائهما، أي بداية الخليقة حسب السيناريو الإلهي، إلا أن القصة بأكملها مقتبسة من قصص سابقة زمنيا على تاريخ فبركة قصة قابيل وهابيل. ونعني هنا الأسطورة الفرعونية إيزيس وأوزيريس، والتي تتشابه إلى حد كبير مع الأسطورة التوراتية التي تبناها النص القرآني فيما بعد وإن لم يذكر التفاصيل ولا الأسماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيارة الرئيس الصيني لفرنسا.. هل تجذب بكين الدول الأوروبية بع


.. الدخول الإسرائيلي لمعبر رفح.. ما تداعيات الخطوة على محادثات 




.. ماثيو ميلر للجزيرة: إسرائيل لديها هدف شرعي بمنع حماس من السي


.. استهداف مراكز للإيواء.. شهيد ومصابون في قصف مدرسة تابعة للأو




.. خارج الصندوق | محور صلاح الدين.. تصعيد جديد في حرب غزة