الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لست داعية ولا رجل دين بل محب لله 4

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 4 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أرجو بعد هذا الشرح الطويل والممل أن تعرفي الله الذي أمنت به، والذي أمن به الوجود كله مع أنه ينكر ذلك في الغالب، لكنه يتعامل معه بكل عقلانية كلما أدرك العقل مسئولية أن يقرر ذلك علنا، طبعا سأنتظر أجابتك وأنتظر إجابة صديقي أيضا، فكلانا لديه صورة ما عن الرب، سميها ما شئت إلحادية لا دينية وجودية مادية كما يقول صديقي ولكن في النهاية هذا واقع لا ينكر ولا أحد يستطيع أن يرى غيره حتى لو أمن بكل الأديان وخاض كل التجارب، لأنها جميعا تلتقي في حقيقة الدائرة المغلقة والنواة المركزية وباينهما من أفلاك (والله من ورائهم محيط)، الورائية هنا لا تعني الخلف بل تعني السبب الذي يمنعها من الإفلات من القوة والقدرة.
مرة أخرى تكتب لي السيدة بما لم يكن متوقعا منها أن ترد بهذه الحدة من التناقض العقيدي في داخلها البعيد، خاصة وأنه من خلال الحوار السابق فهمت أنها مما يعتبرون أنفسهم لا دينيين، بمعنى أن طبيعة تخصصها الدراسي الأكاديمي لا يشفع لها مع لا دينيتها من أن تتبنى قياسات مسبقة للحكم على موضوع بحثي، فهي مثلا تصف الناس البدائيين حسب تعبيرها على أنهم لا يفرقون بين الحلال والحرام، وإنما يحتكمون في التفريق بين المواضيع التي يجب أن تخضع لمحدد معياري على ما تولد عندهم من التجربة "معايير خاصة" مثل الصحي أو اللا صحي أو المفيد والمؤذي، فهي تعيد من خلال لا وعيها العميق التمسك بالدين السابق الذي كانت عليه قبل أن تتخلى عن هويته، والذي يسكن عقلها الباطني في الحكم على ما هو حلال وحرام كمعيار أصلي وليس الواقعي المعاش، فهي وإن كانت لا دينية في التعامل الواعي والمباشر، لكنها أيضا دينية وبعمق من خلال سلوكها الغير مراد اللا واعي المبطن في العقل البعيد، هذا طبعا ليس عيب فيها بل هو طبيعة بشرية نشترك فيها جميعا، وتظهر بوضوح في حالات التحولات الأنتقالية في الرؤى والعقائد، أو في مراحل تكوين الفكرة الجديدة عادة عندما لا نتمسك كليا بها ولم نتخلص كليا من القديمة.
الجواب الصادم منها يخص أفتراضها أني أبني كيان مثالي أعتباري على هيكل مادي وجودي، بمعنى أنه مع الإقرار بأن البنيان الوجودي المادي حقيقي وثابت وحدي وصارم لا يقبل التلاعب بقوانينه ومعادلاته، لكنه أيضا لا يصلح أن يكون قاعدة لموضوع أو قضية لا تشترك معه في الماهية والطبيعة، مثلا الأخلاق والأدب والمخيال الفن العقيدة الشعور الإنساني هذه مواضيع لا يمكن أن تخضع للجدلية المادية أو قوانين الوجود التي تتحكم بها المعادلات المنطقية، وبالتالي لا يمكن أن ننسب للطبيعة أو الوجود المادي دين، ونقول أن دينه أو ما يجب أن نجعل منه دين هو الإيمان بالقوانين الطبيعية الفيزياكميائية، وبالتالي لا بد أن نقر كواقعيين وجودين أن للمادة وجه أخر وتصرف ينبع ليس من ذاتيتها ولكن من أثر وجودها في الوجود، هذا الأعتراض ليس أعتراضا منطقيا فنحن نعرف مثلا أن الحركة الجوهرية داخل الماهية المادية لها وجه ظاهري مادي وهو ما يعرف بالزمن والطاقة الحركة "الأنتقال"، وهناك وجه لا مرئي يتمثل في توليد الطاقة المتحركة التي هي "الجاذبية" وهي وإن كانت مادية كطاقة لكنها جزء من أثر الحركة الأولى، في موضوع المادة ووجوديتها لا يمكن أن نفترض مطلقا أن نجد ما أشارت له صديقتي من مشاعر وأحاسيس وأفكار خارج وجود المادة هذا أولا، وثانيا تغير وتبدل وتنوع وأختلاف هذه المثاليات غير محوم بقاعدة منضبطة كما تتصور، فهي نتاج الواقع ونتاج الظروف المولدة والباعثة لها كمبدأ عام دون أن تربط الظروف والبواعث أصلا بقانون، بمعنى أن الوجود المنظم المحكم الصارم المحكوم بقوانين ومعادلات ينتج لنا وجه فوضوي غير منضبط يعتمد على اللا نظام، هذا الكلام قمة في الجهل وأساسه فكرة دينية ثابتة.
المادة في وجودها الطبيعي تتصرف بطريقة واحده في ظروف واحدة والنتائج عادة واحدة، المتحرك هنا ليست المادة ووجودها بل هو تفاعل حركة الخارج وما ينعكس بالتالي على شكل تصرف المادة، وبما أن الوجود في حركة دائمة والموقع متبدل متحرك فلا يمكن أن يكون أي أثر أو مؤثر متشابه تماما أو متطابق مع أثر أخر، إذا التنوع الذي يوصف بأنه مقالي غير منضبط ليس كذلك بل هو محكوم بقاعدة الحركة المتغير والنسبة بيم الموقع والحدث أو الوجود، بمعنى أفتراضي وهنا أشير بقوة لكلمة أفتراضي لو أن جزئيين من المادة أتحدا بالزمان والمكان والحال والموقع الكوني سيتأثران ويؤثران بشكل متطابق، هذا مع أستحالة منطقية أن يكون الجزئيين في مكان واحد في زمن واحد في حال واحد في فلك وجودي واحد إلا إذا كان واحد، هذا مبدأ الخرف والأختلاف وهو منطقي ومحكوم بالمعادلات، فالمثالية التي تنادي بها السيدة بيست مثالية خارج القانون الوجودي ولا تعني أنها وجه أخر للمادة بل هي أثر متغير بتغير الحال الوجودي للمادة في محيطها المتحرك.
الفكر الديني عموما يفصل بين المادة ووجودها من خلال الفصل بين الفعل والفاعل، فكل الحركة الوجودية عند العقل الديني مرتبطة لإرادة الله، وهو من يسيرها ويتحكم بها ليس عبر القوانين والمعادلات، وإنما عبلا الإشاءة والقدرة التي يختارها الله لعلمه السابق والبحث عن تجسيد لمفهوم التسخير الذي يربط به مصلحة البشر، وكمثال حي هذه مجموعة من النصوص للمثال والقياس فقك، فقد فسر حركة الطير مثلا بأن الله هو من يمسكها أن تقع ولا ينسبها للحركة الفيزيائية الطبيعية في التكوين الخلقي والتكيف الوجودي لها (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) الملك (19)، (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) الحج (65)، و (وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) المؤمنون (18)، هذه النصوص كمثال تفرز بين الفعل والفاعل على أن المادة لا يمكن لها أن تعمل طبيعيا من غير إرادة الله ليس في موضع القوانين والمعادلات، ولكن بناء على الظرفية المتعلقة بالقراء المراد بالإشاءة فقط، هذا الفرق بين أن تكون مثاليا وجوديا تنطلق من فهم موحد لحركة الوجود، وبين أن تكون متناقضا بين المادية التي تؤمن بها فاعلة بالقوانين والوجود وفي نفس الوقت تؤمن بمثالية خارقو منفصلة عن الوجود وكأنها تنبع من حالة أخرى لا علاقة لها لا بالوجود المادي وانفي المعادلاتية والقوننة.
الخلاصة التي كتبتها للسيدة تدور في فكرة هي (أن المادة الوجودية بشكلها المركزي الأول أو بشكلها الكلي العام والمطلق، لا يمكن أن تتصرف خارج النتائج المتوقعة من تطبيق القانون الشمولي العام تحت أي ظرف، ولا يمكن أن نتوقع أن تنتهي سلوكياتها في أشكال مختلفة إلا إذا تحركت، فالحركة هي عنوان التغير الوحيد، وبالتالي المعادلات الحاكمة هي التي تؤدي الى وحدة في شكل التصرف، وحدة محكومة بالانضباط، فالمثالية لو اعتبرناها نقيضا للمادية يعني ذلك حتمية إخراج القوانين والمعادلات من دائرة الأثر والمؤثر، والبناء على لا حاكمية للقانون وفوضى المعادلات، وهذا هو قريب للفهم الديني خارج منطقه الأشياء)، إذا لا يوجد في الوجود مفاهيم واحدة تتأرجح بين ماديتها الصرفة وجوهرها المثالي، إلا مفاهيم الإنسان المتدين خاصة أو المتأثر بالعقل الديني عن وجوده، فهو ليس قاطعا وجهة محددة فيها ولا جازم بيقين نهائي عن أي المسارات المنضبطة بقانون أو الخاضعة لمشيئة الله خارج القانون والتكوين الأول، لذا بقي يبحث عن أفضل صورة للتوازن بينهما فهو لا ينكر أن الوجود مادة تفعل بقوة وجودها التكويني، ولا يستغني عن قيم ومفاهيم مثالية يتعطش دوما لممارستها والأعتقاد بها على أنها منفصلة أيضا عن المادة، لذا كان هذا القلق هو سر تطوره وتطور المعرفة الباحثة عن أسرار هذا التوازن المتوهم..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حسن حماد: التدين إذا ارتبط بالتعصب يصبح كارثيا | #حديث_ال


.. فوق السلطة 395 - دولة إسلامية تمنع الحجاب؟




.. صلاة الغائب على أرواح الشهداء بغزة في المسجد الأقصى


.. -فرنسا، نحبها ولكننا نغادرها- - لماذا يترك فرنسيون مسلمون مت




.. 143-An-Nisa