الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظومة الإنكماش و العصيان المدني

محمد حسين يونس

2023 / 4 / 20
المجتمع المدني


منذ تخرجي من الجامعة ..و إعتمادى علي نفسي لكسب تكاليف الحياة .. وأنا مهموم ببكرة .. لا أتوقف عن عمل الخطط لتأمين حياتي ماديا و مهنيا .. و إعادة التخطيط كلما تغيرت الظروف ..حالة من القلق تنعكس علي مسار حياتي .. و علاقاتي الأسرية .. و مسئولياتي .
و لكنني ما أن تجاوزت الثمانين و إعتزلت العمل .. بدأ هذا الحرص يقل تدريجيا .. و الإهتمام بالأخرين يتقلص ..لقد أصبحت ضيفا خفيفا علي الحياة منفصما عن المجتمع مستسلما للقدر..لا أخطط لأى شيء ..و لا أنتظر أى تغيير .. . لا أهتم بقضايا العالم حولي ..و لا حروبه ..أو وباءاته ..حتي يقولون له ((إلبس الكمامة أو تعالي خد تطعيم )).فأنزعج لتغيير نمط السكون في حياتي
لقد بهت ما كنت أهتم به في شبابي ..فالمتبق من العمر قليل .. و نهاية المشوار إقتربت ..والمسئولية إنحسرت ..و لا داعي للقلق مهما جرى حولك
فتوقفت عن تجديد رخصة القيادة .. و الباسبورت .. و قد لا أحتاج لتجديد البطاقة الشخصية لو حسن حظي و غادرت قبل إقتراب الموعد .
تخلصت من كل ما أملك عدا ملابسي .. و لم يعد لي حسابات في البنوك إلا ذلك الذى يستقبل معاشى الشهرى .. أذهب للحصول علية كما لو كنت مساقا لحتفي .( لامؤاخذة الناس هناك متتعاشرش ) .
لا يراودني أمل في تغييرقريب ..و لا أطيق التعامل مع موظفي الدولة .. أو الجيران أو حتي البواب أو المكوجي ..وعندما أسمع أن السد الإثيوبي قد يؤثر علي الحياة كما أعرفها .. أدير وجهي و أبني رايي للمجهول .. قائلا .. ((المفروض أن يهتموا بهذه المشكلة ))..فلم تعد تخصني .
العيش بدون إلتزامات مادية و معنوية . أو رؤية مستقبلية .. أو أمل و توجهات تعمل علي تحقيقها .. يجعل الحياة راكدة ..تنتظر تغيرات ما لتتحرك علي سطحها بعض الأمواج .. التي أرجو الا تكون توسونامي أو نوة
النسمات التي تحرك سطح بحيرة الحياة الراكدة..كل حين .. هي ماتشات كرة القدم الخاصة بالنادى الذى أشجعه (فقط ) لا أشاهد الفريق القومي أو أى فرق أجنبية أو مصرية أخرى .. أتحمل الإنفعال لمدة 90 دقيقة حتي تنتهي المباراة .. فاقول لنفسي مكنش له لازمة الإنفعال هكذا .دول ناس محترفة بتجرى علي أكل عيشها ..
هذه الماتشات المحدودة بمرور الوقت أصبحت تمثل مشكلة في حياة الكهل ..أود التخلص منها فقد فتحت نافذة علي فساد المجتمع الذى يدير المنظومه و ظلمه و تطرفه في المعاداة إلي أقصي درجات التدني .
كان في نيتي ..أن أكتب اليوم عن هذه المشكلة مدى تدهور أخلاق من ينظمون لعبة كرة القدم ( الإتحاد .. و الحكام .. و الإعلام ..و الرابطة ..و الوزير ) و من هم خلفهم يدعمونهم أو يحرضونهم علي التعصب متخفين .
و لكنني فضلت أن أقترب للموضوع بصورة أخرى فنقرأ سويا ما كتبه الدكتور جمال حمدان في الباب العاشر من كتاب ((شخصية مصر دراسة في عبقرية المكان )) بعنوان ((آفاق الزمان وأبعاد المكان )) فصله الثالث (( الاستمرارية والانقطاع )) فهو أكثر بلاغه و دقة و يصلح للتعبير عن رؤيتي رغم بعده عن رياضة كرة القدم .
((لاشيء يقينا ككلمة الفرعونية يلخص و يشخص مأساة مصر السياسية المستمرة بلا انقطاع طوال التاريخ والمجسدة بلا حياء في صميم حياتنا المعاصرة
فلقد صارت هذه الكلمة التعسة (السيئة السمعة )علما علي الطغيان المصرى البشع البغيض في كل مراحله حتي وإن إختفت التسميات والمسميات أو تطورت الاشكال والشكليات .
فالسلاطين و المماليك في العصور الوسطي هم كما أوشك المقريزى أن يضعها فراعنة ولكن مسلمون ، مثلما كان الفراعنة أنفسهم أباطرة وقياصرة وأكاسرة ولكن مصريون هذا بينما عد محمد علي بعد ذلك آخر المماليك العظام وأول الفراعنة الجدد .
إن الفرعونية بوضوح مطلق الآن هي لاشك أبرز مثلما هي أسوأ مظاهر الاستمرارية في كيان مصر .
أما العلاقة بين الحاكم والمحكوم فهي تقليديا علاقة قهر و مقت و إكراه وكره، استبداد وحقد ،بينما العلاقة بين الحكومة والشعب هي الريبة والعداوة المتبادلة بكل التفاهم الصامت إن لم تكن الأولي العدو الطبيعي للثاني في نظر البعض .
بالمثل ، فإذا لم تكن مصر –لحسن الحظ – لم تعرف ( طبقة حاكمة ) وراثية علي غرار سلالات الارستقراطيات الأوروبية فإنها - لسوء الحظ أكثر- عرفت غالبا (العصابة الحاكمة)، ولا نقول الحثالة الحاكمة .. بمعني عصبة مغتصبة تستمد شرعيتها من القوة غير الشرعية ومن هنا فلنثن
كانت مصر الطبيعية حديقة لا غابة ..فقد كانت علي العكس بشريا غابة لا حديقة .. وإن كانت زراعيا مزرعة لا مرعي .. فقد كانت سياسيا مرعي لا مزرعة للاسف.. بالتالي فكثيرا ما كانت مصر الي حد بعيد حكومة بلا شعب سياسيا .. وشعب بلا حكومة اقتصاديا . ))
اللة يا أستاذ .. نذكر القارئ أن هذا الكتاب الذى نقتبس منه طبع من أربعين سنة عام 1983
((وهذا ما يصل بنا فى النهاية الى ذروة النظام ـ وذروة المأساة أيضا . لقد كانت مصر أبدا هى حاكمها ، وحاكمها هو أكبر أعدائها ، وأحيانا شر أبنائها .
وهو على أى حال يتصرف على أنه ( صاحب مصر ) ، ( ولى النعم ) ، أو الوصي على الشعب القاصر الذى هو ( عبيد إحساناته )
وظيفته أن يحكم ووظيفة الشعب أن يُحكـَم ، وأن الشعب الأمين هو شعب آمين ، والمصرى الوطنى الطيب هو وحده المصرى التابع الخاضع ، إن لم يعتقد حقا أن المصرى لا يكون مصريا إلا إذا كان عبدا أو كاد .!
والحقيقة أن حاكم مصر طول تاريخها الماضى إن لم يكن ينظر غالبا الى الوطن كضيعته الخاصة والى الشعب كقطيع ، فقد كان على أحسن تقدير يتبنى فكرة الراعى الصالح والرعية التوابع
أى فكرة الأبوة وألابوية العتيقة.Paternalism الطيبة أو القاسية بحسب الأحوال، وبحيث كان الحكم المطلق أشبه عمليا بالحكم الرومانتيكى
والدولة الفردية أقرب فى الواقع الى الدولة الشخصية Personal State .
وبالمقابل أو فى الاتجاه المضاد، ولكن للمزيد من الأسف والأسى أيضا ، فإن مصر المحافظة أبدا المفرطة الاعتدال جدا والتى لا تؤمن بالطفرة ولكن بالتدريج الوليد أساسا ، لم تعرف الثورة الشعبية بالكاد ولكن الانقلاب العسكرى فقط وذلك منذ الفراعنة والمماليك حتى اليوم بلا استثناء ولا إختلاف )).
(( وهكذا بقدر ما كانت مصر تقليديا ومن البداية الى النهاية شعبا غير محارب جدا أو الى حد بعيد فى الخارج ، كانت مجتمعا مدنيا يحكمه العسكريون كأمر عادى فى الداخل
وبالتالى كانت وظيفة الجيش الحكم أكثر من الحرب .. ووظيفة الشعب التبعية أكثر من الحكم ، وفى ظل هذا الوضع الشاذ المقلوب كثيرا ما كان الحكم الغاصب يحل مشكلة الأخطار الخارجية والغزو بالحل السياسى وأخطار الحكم الداخلية بالحل العسكرى
أى كان يمارس الحل السياسى مع الأعداء والغزاة فى الخارج والحل العسكرى مع الشعب فى الداخل، فكانت دولة الطغيان كقاعدة عامة إستسلامية أمام الغزاة بوليسية على الشعب. ))
الراجل ده عبقرى .. بلاكورة بلا نيلة تأملوا في البلوى اللي إنتم فيها .
عن برتولت برخت ((لا تتشبث بالموجه.. التي تتكسر علي قدميك.. طالما وقفت في الماء فسوف تتكسر عليهما امواج جديدة ))... نعم .. لهذا سأغادر الماء و أتوقف عن متابعة أى نشاط .. لتكتمل منظومة الإنكماش والعصيان المدني . . الله يغمهم البعدا خلوا حياتنا متتعاش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هو شكلها
عدلي جندي ( 2023 / 4 / 21 - 21:55 )
مش مصر بس
الشرق كله تحت وصاية تحالف جهنمي يطلقون عليه بسم الله أو اتكلنا ع الله أو مراعاة الله او الله ح يحاسبني أو خليك مع الله أو الحل هو الله أو الثوابت أو الخ الخ مع الفارق فيما تمنحه الأرض من ثروات تسد عين المواطن في الدول غنية الموارد قليلة التعداد
إنه الإنبطاح وده اللي بفكر أبحث فيه أهو حاجة أتسلى بيها وقت فراغي
تحية .. عيد سعيد عليكم وأحبابكم أستاذ محمد


2 - جاري مستر نيلسون
ماجدة منصور ( 2023 / 4 / 22 - 06:14 )
يبلغ من العمر 92 عاما

مهنته: وزير سابق

يعمل حاليا بقطع الأعشاب لسكان المنطقة

هوايته: ركوب البسكليت و لعب التنس

ثروته: أوصى بها كاملة لدور العجزة

أحلامه: أن يزور مصر و الأهرامات

خططه المستقبلية: أنه قد وعد 500 شخص من أصدقاءه و جيرانه( و منهم أنا) بحضور عيد ميلاده ال 100
أجره عن قطع الأعشاب: يتقاضى بالساعة 65 دولار
و أزيدك من الشعر بيتا..فإن مستر نيلسون لديه صديقة منذ 40 عاما و يتبادلان الحب مع بعضهما بعضا و يرقصان مرة كل شهر0
في السنة الفائته سألته عن سر حيويته فقال لي: : لا سر في حيويتي سوى أني متصالح مع نفسي و مبادئي و محيطي و لا أصدر أحكاما على بني البشر0
تعيش و تكتب فجنابك شاهد هام على عدة عصور قد عايشتها بنفسك و لديك مقدرة فذة على الكتابة الأنيقة ...فلم لا تعتبر الكتابة ( كفعل شفاء ؟؟؟)
دمت بود0


3 - الرياضة فالرياضة والموسيقى فالموسيقى
ليندا كبرييل ( 2023 / 4 / 22 - 11:09 )
الأستاذ محمد حسين يونس المحترم
محبة وسلاما
كل عام وحضرتك مع العائلة الكريمة بخير
وأستغل المناسبة لأهنّئ الأستاذة الفاضلة ماجدة منصور والأستاذ الفاضل عدلي جندي والقراء الكرام متمنية لكم أياما سعيدة

والله يا أستاذنا أنا من الأصل لا اهتمام لي بالسياسة وكنت أمرّ على الأخبار مرور الكرام ودون الاهتمام بالتفاصيل
ومنذ فترة حتى مرور الكرام امتنعتُ عنه عن سابق إصرار وتصميم، كأني قرأت أن هناك انقلابا في السودان وأن السعودية صارت صديقة لسوريا
ما أعرفه الآن ألتقطه من العناوين العريضة فلا أعيرها إلا نظرة والسلام
ماذا أفعل إذاً؟ أنا من هواة مشاهدة المباريات الرياضية الرياضة بكل أنواعها إلا العنيف منها كالمصارعة والملاكمة مباريات كرة القدم الأوروبية ممتعة جدا،وستقام بطولة العالم في الألعاب المائيةكالسباحة والغطس هذا الصيف أنتظرها بفارغ الصبر
يعني تبقى الرياضة وسماع الموسيقى أفضل بمليارات المرات من أي حدث سياسي
على الأقل تخرج بشعور ممتع أنك قضيت وقتا مبهجا
بلا سياسة وكوابيسها وألعابهم البهلوانية
رياضة وموسيقى وقراءة الروايات أحلى ما في الوجود
أتمنى لك أياما طيبة ودمت لنا صديقا وناصحا ومعلماً

وشكرا

اخر الافلام

.. ميقاتي: نرفض أن يتحول لبنان إلى وطن بديل ونطالب بمعالجة ملف


.. شاهد: اشتباكات واعتقالات.. الشرطة تحتشد قرب مخيم احتجاج مؤيد




.. رغم أوامر الفض والاعتقالات.. اتساع رقعة احتجاجات الجامعات ال


.. بريطانيا تبدأ احتجاز المهاجرين تمهيداً لترحيلهم إلى رواندا




.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة