الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النكبة ومؤرخوها

حسام ابو النصر

2023 / 4 / 20
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


بعد كل هذه السنوات الطويلة، ما زال الأحياء الناجون يستذكرون نكبتهم، وملامح بيوتهم وتجاعيد أحيائهم، وما بقيَ من أشجارهم وشقائهم، الحنين ما زال يئن في داخلهم، كلما ازدادت العقود بُعداً عن المأساة، ازداد الخوف من النسيان، ويُعَوِّلون على ما يورِّثونه من ذاكرةٍ لأبناءهم وأحفادهم، فبعد صدمة عام 1948 بدأ الفلسطينيون يستجمعون أشلاء ذكرياتهم المشتتة، في أقطار العالم، ويرتبون ذاكرتهم، قبل أن تغزوهم الذاكرة الإلكترونية، وبعد سنوات الخيبة بدأ المؤرخون الفلسطينيون يسنون أقلامهم ويستجمعون حكايا النسيان، خوفاً من اجتياح رواية الاحتلال، ومحاولات الإحلال الفكري الثقافي، ما بعد الإحلال الاستعماري، والرهان على موت الذاكرة الفلسطينية.

 

في كل عام تحل الذكرى السوداء محملةً بمئات المقالات والإصدرات، في مجموعها تلملم آهات المهجّرين، وألمهم المستمر، كجرحٍ غائرٍ لا يندمل، ولِما لا! حين ينهض شيوخها على صوت مكانٍ مختلف، وعلى لون سماءٍ لا يألفها. لقد كتب كثيرٌ من الكتاب عن النكبة وكلٌّ أرّخَ لها من زاويته، وحين نستذكرها نستذكر أهم من كتبوا عنها وكرسوا حياتهم لذلك، وأذكر منهم د. سلمان أبو ستة الذي كتب عنها وعن القرى المدمرة وأصدر موسوعات في ذلك اتُّخِذَت مرجعاً، وكان أهمها "حق العودة مقدس وممكن" 2001، و"طريق العودة" 2007، وسجل النكبة 1948، صدر عام 2000، وغيرها من المراجع والخرائط الهامة.

 

وفي وقتٍ مبكرٍ كتب قسطنطين زريق كتابه "معنى النكبة مجدداً" وكان أول من استعمل مصطلح النكبة، أما وليد الخالدي أصدر أهم مرجع بعنوان "كي لا ننسى" القرى المدمرة وكتاب "قبل الشتات"، وتميز بكثافة إصداراته خصوصاً باللغة الإنجليزية، عِلماً بأنه أحد مؤسسي مؤسسة الدراسات الفلسطينية، فيما كتب عبد القادر ياسين من المؤرخين الذين عايشوا النكبة كتاباً بعنوان "الإفلات من فخ النكبة" عام 2000، إضافةً لكتاباته الغزيرة عن فترة الثلاثينات والتاريخ المعاصر.

 

أما بيان نويهض الحوت أصدرت مذكرات عجاج نويهض بعنوان "ستون عاماً مع القافلة العربية" وكتبت مقالاً مهماً في مجلة الدراسات الفلسطينية بعنوان المؤرخون الفلسطينيون والنكبة، إضافةً لمؤلفاتها الأخرى، فيما تناولت المذكرات الشخصية لمحمد دروزة وعارف العارف الذي اشتهر بلقب مؤرخ النكبة، وقد ترك أهم الإصدارات للمكتبة الفلسطينية والعربية عن مدن فلسطين وتاريخها أهمها كتاب "النكبة والفردوس المفقود"، في حين كتب مصطفى الدباغ موسوعته "بلادنا فلسطين" قبل التهجير وخلال خروجه القسري عبر البحر فَقَدَ المخطوطات الخاصة بالموسوعة مما اضطره لإعادة كتابتها بعد النكبة وهنا تكشَّفَت له حقائق جديدة.

 

وجاءت مذكرات بهجت أبو غربية من النكبة إلى الانتفاضة، وأرَّخَت للحقبة مابين 1948 حتى 2000، وقد صدر لأكرم حجازي كتاب "الجذور الاجتماعية للنكبة" وتناول السياق الاجتماعي والاقتصادي أيضاً، وضمن سلسلة مؤسسة الدراسات الفلسطينية صدر لأمل جمال وسماح بصول كتاب "النكبة الفلسطينيية في الحيز العام الإسرائيلي" وتناول الرواية الأخرى للنكبة، وأيضاً د.عبد الوهاب الكيالي أرَّخَ لتاريخ فلسطين الحديث وتناول النكبة.

 

وقد كتب إيلان بابيه "التطهير العرقي في فلسطين" وأيضاً الكاتب روجيه جارودي الذي تناول مخططات ما قبل النكبة، فيما صدر في السنوات الأخيرة كتاب "بطاقة ملكية لغيش عميت" عن تاريخ النهب العدوان، وكتب يائير لورون "المحرقة - الانبعاث – النكبة"، فيما كتب عادل مناع كتابه نكبة وبقاء وحكاية الفلسطينيين، كما جاء كتاب حيفا لجوني منصور ليؤرخ لما قبل النكبة، وتحدث في لقاءات مختلفة عن مصطلح النكبة بدايته وتطور مفهومه. وشفيق الغبرة كتب "النكبة ونشوء الشتات في الكويت".

 

وتحدث نبيل شعت في مذكراته بعنوان "حياتي من النكبة الى الثورة" عن تلك الفترة، فيما جاءت النكبة في كثيرٍ من الروايات والأشعار تحمل معاني وقصص التهجير والشتات، إلا أن كل ما جاء لم يمنع من إعادة تأريخ النكبة بشكل جديد واعتماد التاريخ الشفوي كعِلمٍ من العلوم الحديثة في عملية التأريخ استُعمِلَ في الغرب منذ القرن الماضي رغم أن العرب والمسلمين استعملوه منذ فجر الإسلام، ولكن تجدَّدَ بعد أحداث الحرب العالمية وأحداث القرن العشرين ليعتمد على روايات الناجين والمعاصرين للأحداث، واتباع أسلوب المقابلات واللقاءات، خاصةً مع جيل النكبة الذي بقيَ على قيد الحياة وما زالوا يُصارعون عوامل الزمن ويحاربون النسيان، ويخرجون من التاريخ التقليدي وإحصائيات وأرقام النكبة من تدمير 530 قرية و120 ألف شهيد، وتهجير 750 ألف لاجئ أصبحوا الآن 5 ملايين في الشتات، لتتجاوز عملية التأريخ ذلك، وتتناول النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للنكبة ومفهومها والتي ألقت بظلالها السوداء على القضية الفلسطينية حتى يومنا هذا، ولم تفارق مخيلة الفلسطينيين منذ 72 عاماً خاصةً بوجود الاحتلال القائم والذي يذكرنا سلوكه اليومي بأحداث النكبة، لتتفجر نكبات متتالية في محاولة يائسة، لنسيان النكبة الأصلية، فيما تبقى هناك الكثير من الصناديق السوداء للنكبة تتكشف مع الزمن، خاصةً لدى الأرشيف الإسرائيلي الذي لم يُفرِج عن الكثير منها، خيوطها تُسْتَجْمَع شيئاً فشيئاً ممن بقوا على قيد الحياة من جيل النكبة.

 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر مصرية: وفد حركة حماس سيعود للقاهرة الثلاثاء لاستكمال ا


.. جامعة إدنبرة في اسكتلندا تنضم إلى قائمة الجامعات البريطانية




.. نتنياهو: لا يمكن لأي ضغط دولي أن يمنع إسرائيل من الدفاع عن ن


.. مسيرة في إسطنبول للمطالبة بإيقاف الحرب الإسرائيلية على غزة و




.. أخبار الساعة | حماس تؤكد عدم التنازل عن انسحاب إسرائيل الكام