الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلم وحرية الارادة

ياسر جاسم قاسم
(Yaser Jasem Qasem)

2023 / 4 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


البحث مستل من كتاب العلاقة المحورية بين العلوم الانسانية والعلوم التطبيقية ... وهو محاضرة القيت في الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين في البصرة 2023
هل العلم ينفي حرية الارادة ، ام هو يدعمها ، ان هذه المفاهيم يتم تدارسها كثيرا في مجال العلاقة بين العلوم الانسانية والتطبيقية ف( العلم لا ينفي حرية الارادة ل كريستيان ليست استاذ الفلسفة والعلوم السياسية بكلية لندن للاقتصاد والذي له كتاب why free wil is real 2019 اذ يعد الكاتب العلمي sam harris وعالم الاحياء Jerry Coyne مجرد مثالين بارزين ، فحينما طرحت ايدج السؤال : ما الفكرة المرشحة للاحالة على التقاعد؟ تطوع كوين للاجابة (انها حرية الارادة) وكتب ما نقله كريستيان ليست " ان افكارنا وافعالنا هي مخرجات حاسوب مصنوع من لحم ودم(دماغنا) ولابد لحاسوب كهذا ان يمتثل لقوانين الفيزياء" كما ان للبيانات العظيمة المتدفقة تأثيرا على حرية الارادة وهذا ما طرحه /يوفال نوح هراري yuval noah harari في كتابه 21 درسا الصادر 2018 (ان من المرجح في عصر البيانات الضخمة ان تقدم حرية الارادة كنوع من الاسطورة وسيترتب على هذا الافتراض نتائج خطيرة لعل ابرزها ان الليبرالية قد تفقد مزاياها العملية) وهكذا وطبقا للشكيين skeptics في حرية الارادة ، فان الافعال الصادرة عن البشر ليست نتيجة لاختيارات واعية ، لكنها ناجمة عن عمليات فيزيائية في الدماغ والجسم ليس بأمكان الاشخاص، التحكم فيها ،( فالبشر حسب رؤيتهم مجرد آلات فيزيائية معقدة تتحدد وفقا لقوانين الطبيعة والظروف الفيزيائية المسبقة بالقدر نفسه، الذي تتحدد به محركات البخار ونظامنا الشمسي ) .
في ضوء هذا الكلام ، فان اي حديث عن حرية الارادة ما هو الا محض خيال وان الفرق الاسلامية المجبرة /الجبرية كانوا على حق في رؤيتهم ، ليس تماما بل بالامكان ان نعتبر ذلك وفق رؤى علمية متعددة سنغوص بها في هذا البحث ..... فمن الممكن ان تتحكم بارادة الانسان كائنات طفيلية ، فلا مجال لحرية الارادة والانسان اراداته ورؤاه تتعلق بالامعاء بالتحديد بأمر (المقوسة الغوندية toxoplasma gondii اذ لاحظ بيل سوليفان خلال ابحاثها لدى كلية الطب في جامعة اينديانا بالولايات المتحدة ، (ان بمقدور هذا الكائن الطفيلي وحيد الخلية ان يغير سلوك مضيفيه ، مثل الجرذان التي يكسبها شجاعة في مواجهة القطط ، والبشر الذين اظهرت بعض الدراسات ان بمقدور الكائن الطفيلي احداث تغييرات في شخصياتهم كزيادة التوتر والقلق ) فان كان احد يظن ان ذوقه الرفيع هو مهارة او قدرة من القدرات التي اكتسبها وامتلكها ، فعليه ان يراجع افكاره ذلك ان الموضوع انما هو نتاج لمورثات او جراثيم او البيئة ، فقد تكون المقوسة الغوندية هي التي تصيغ الذوات فتحدد لنا ما نحب وما نكره وما نميل اليه ونتجنبه، تقول بيل سلويفان( عندما رحت اتبحر في هذا الفرع من العلوم فوقعت على حقيقية مدهشة صادمة ، مفادها ان ثمة قوى بايلوجية خفية تحكم افعالنا وتصرفاتنا ما يعني انه لا سلطان لنا الا قليلا على اذواقنا الشخصية فانماط سلوكنا واختياراتنا تتاثر بتركيبتنا الوراثية وبعوامل كامنة في بيئتنا تؤثر في مورثاتنا ، وكذا بمورثات اخرى تقتحم نظم ابداننا بفعل عدد لا حصر له من الجراثيم التي تستوطن دواخلنا) ونحن وفق هذه الرؤية التي لا تخلو من الصواب كائنات روبوتية مسلوبة الارادة وواقعة تحت تاثير قوى لا حصر لها، وتسال بيل عن سبب كرهها لبعض الامور ومنها كرهها لتناول البروكلي وبعد البحث وجدت بيل سوليفان ما يلي/فقد لاحظ باحثون ان زهاء 25% من البشر قد كرهونه للسبب نفسه: وقد اطلق عليهم "المتذوقون الخارقون" اذ يمتلكون تنويعات في المورثات التي تنشئ مستقبلات البراعم الذوقية ومنها المورثة : tas2r38 المتخصصة في التعرف الى مواد مرة المذاق مثل ثيوريا الموجودة بنسبة عالية في البروكلي فالحمض النووي اذن قد يمنح نوعا من المستقبلات الذوقية يصنف مركبات ثيوريا مرة الى حد لا يطاق ولعلها وسيلة في الردع للحماية .
وينزاح الناس مع الاشكال البشرية الجميلة والوسيمة فيبدو ان شعورا فطريا متأصلا فينا تجاه السمات والخصال التي نعشقها في الشريك الاخر ، "اذ ينجذب اغلبنا الى ملامح من قبيل الفم المرسوم بدقة والعينين اللامعتين والشعر النضر الكثيف وتظهر دراسات ان الوسيمين والحسناوات اوفر حظا في الحصول على وظيفة وكسب كثير من المال والارتباط العاطفي، بل وجدت دراسات انهم يظفرون بالبراءة اكثر من الادانة في ساحات المحاكم ، ونبه الخبراء في علم النفس التطوري الى ان كل ما نفعل ينبع من اعماقنا ، من دافع غريزي يكمن في اللاوعي ويحثنا على البقاء على قيد الحياة والتناسل لاجل ان تتكاثر مورثاتنا او نمد يد العون لافراد اخرين (العائلة مثلا) ممن يحملون مورثات تماثل التي لدينا كما ان الكثير من الصفات كعلامات الصحة واللياقة التي ننجذب اليها هي مورثات تناسبنا وتستحق منا ان نرحب بها"تقول بيل سوليفان (( ان مورثاتنا تحدد من نكون وهنالك اكثر من نسخة منك تأصلت في تلك المورثات وما النسخة التي تراها الان في المرآة الا واحدة منها ، وهي تجسد تلك الاشياء الفريدة التي خبرتها وتعرضت لها منذ ميلادك، يدرس العلم الجديد المسمى علم التخلق المتوالي epigenetics مدى تاثير التغيرات الكيميائية التي تطرأ على الحمض النووي او مدى تاثير البروتينات على الحمض في نشاط المورثات ، يمكن للعوامل البيئية ان تعدل الحمض النووي عبر طرائق قد تؤثر في النمو والسلوك على نحو بالغ العمق، كما تبين حديثا ان الجراثيم المنتشرة في جسمك وتسمى (ميكروبيومات) قد تمثل عاملا بيئيا لايستهان به في التاثير بعدد كبير من الانماط السلوكية ، بداية من الشراهة وحتى الاكتئاب وايجازا يمكن القول "اننا مورثاتنا" ولكن من غير الممكن تقييم مورثاتنا خارج سياق بيئتنا ولك ان تتخيل ان المورثات مفاتيح الة بيانو وان البيئة عازف يداعبها بأنامله" ص12 م س وهنالك تجربة مهمة في اختيار الشريك تبين ان الاختيار يكون في كثير من الاحيان غير واعي وهي كالتالي:فقد طلب من السيدات المشاركات في التجربة تشمم اقمصة قطنية ارتداها رجال ، ومن ثم ترتيب افضلية تلك القمصان لديهن ، من الافضل الى الاسوأ وفقا للرائحة ، ووجد الباحثون ، انه كلما تشابهت مورثات الجهاز المناعي لدى رجل بعينه وامراة بعينها، وجدت هذه المرأة قميصه كريه الرائحة ، ولذلك تفسير وجيه غير مسبوق: في حال تشابه المورثات المناعية لدى الابوين فعندئذ لن يكون لدى الابناء مناعة كافية لمقاومة الامراض، وفي هذه الحالة استعانت المورثات بمستقبلات الرائحة لتكون وسيطا يمكنها من معرفة هل الحمض النووي للطرف الاخر مناسب او لا؟ وهكذا فان للحمض النووي دخل كذلك في التوجهات السياسية كذلك . فقد اكتشف العلماء سمات شخصية معينة ترتبط بتحديد هوية المرء السياسية ، اذ وبوجه عام يتصف الليبرالي بانه شخص منفتح العقل ، ومبدع، ويسعى نحو كل جديد ، فيما يميل الشخص المحافظ الى حب النظام ، والترتيب والى كل ماهو تقليدي مستقر وتبين ان التوائم المتطابقين الذين تمت تفرقتهم عند الولادة ، ونشأوا في بيئات مختلفة ، يمتلكون التوجهات السياسية نفسها رغم اختلافات التنشئة اي : ان الامر يتعلق بمكون وراثي مسؤول عن توجيه البوصلة السياسية وتلمح الدراسات الى ان التفاوت في المورثة المستقبلة ل الدوبامين d4 يؤثر في خياراتنا بشأن الانتخابات السياسية والدوبامين ناقل عصبي رئيس في الدماغ ، يرتبط بمركز المكافأة والمتعة ويتعلق بالتفاوت والتنوع في مورثة d4 بسمة البحث عن كل ماهو جديد وحب المخاطرة وهي انماط سلوك وثيقة الصلة بالليبراليين. هذه التجارب المهمة نقلا عن بول سوليفان ...
كما ويشير بول الى ان هناك اختلافا في ...مواضع بعينها بالدماغ بين شخص ليبرالي واخر محافظ ، ما يؤثر في طريقة تجاوب كل منهما في محفزات التوتر فحجم اللوزة الدماغية مركز الخوف في الدماغ لدى الشخص المحافظ اكبر ما يجعله يبدي ردود فعل فسيولوجية بدنية اكبر لدى رؤية او سماع ما لا يهوى ، وعند اخذ تلك العوامل مجتمعة بنظر الاعتبار فان الفوارق البيولوجية تفسر جزئيا اسباب صعوبة ان يقنع شخص ليبرالي اخر محافظ بآرائه والعكس صحيح، في هذه الحال ، انت هنا لا تفرض على الطرف الاخر تغيير رأيه فحسب ، بل ان يقاوم سمته البيولوجية تلك .
وتعلق بيل سوليفان بعد كل هذا الجدل باننا مورثاتنا وبأننا ننصاع لما يفرز ويعيش في امعائنا (( ان المسألة اكبر مما نتصور ، والحقيقة ان كل سلوك بشري بداية من الادمان مرورا بالانجذاب والقلق ، مرتبط باصل وراثي راسخ، لكن هذا لا يعني ان مصيرنا يقع بالكامل تحت رحمة الحمض النووي، لا ننسى ان الحمض النووي اسهم في تكوين الدماغ البشري ، بقدراته الهائلة ، التي اتاحت له سبر اغوار الحمض النووي ذاته، وفي ظل التقدم الذي تحرزه تقنيات التنقيح الوراثي اضحى الانسان اول كائن حي قادر على تعديل هندسته الوراثية واملائاته الوراثية ، لقد اثبت العلم انك لست ذلك الشخص الذي تظن ، ولقد اصبحت الان تعرف ان ذوقك وقراراتك وخياراتك ما هي الا انعكاس لتاثير مفرداتك الوراثية شديدة الخصوصية ، ورغم مرارة هذه الحقيقة ، الا ان في امتلاكنا هذا القدر من المعرفة قوة كبيرة ، فبعد ان عرفنا ان اساس سلوكنا يكمن في حمضنا النووي فانه سيكون بمقدورنا الشروع في تعديلها والتحكم في تأثيرها ، كما ان استيعاب فكرة انه ليس بيد غيرنا الا قليل من السيطرة على تصرفاتهم واختياراتهم وأذواقهم أمر يدعو الى مزيد من التعاطف والتراحم بين البشر ، وربما يسعنا بعد ان عرفنا اننا ابعد ما يكون عن السيطرة الكاملة على انفسنا ، ان نقاوم تلك الرغبة ، الملحة التي تدفعنا الى مدح غيرنا او قدحهم ، وان نسعى الى فهمهم واستيعابهم بدلا من ذلك))

ان الكثير من الناس قد تعترض على كلامنا هذا لكن الاثباتات العلمية من الممكن ان تقنعهم وهنا سنذهب مذهبا اخر في ارادة الانسان وكيف انها لا تسيرها الامعاء فحسب ، بل تسيرها امورا اخرى فمنذ (تجارب علم الاعصاب الشهيرة ، في ثمانينيات القرن العشرين ، توصل بنيامين ليبيت الى ان هناك اسبابا عصبيى ، بحتة هي التي تدفع الناس للقيام بالاعمال التطوعية ، لكن الشكيين يذهبون مذاهب صعبة في القبول ، فالانسان لديهم لا يتحمل مسؤولية ما يفعله شبيه بالانهيار الجليدي الذي ان حصل فسوف يؤذي الناس الا انه ليس فاعلا اخلاقيا قادرا على تحمل المسؤولية فوفقا لما يعتقده الشكيون فالضرر في كل من حالة البشر والانهيار الجليدي يكون ناجما عن العمليات الفيزياوية داخل كومة من الذرات والجزيئات )
لكن وان صحت هذه النظرية ، فان الاعتماد عليها كليا سيسمح لأي كان بالقيام بأعمال تضر الناس بحجة انه يتصرف وفق حتمية وليس ارادة واعية ، بالتالي فالمجرم لا يحمل مسؤولية فعلته ، وهذا خطأ مرفوض ، صحيح ان انظمة العدالة في اغلب دول العالم ليست صحيحة لكن بالوسع اصلاحها لكي تؤهل المجرمين وتعيد دمجهم في مجتمعاتهم بدلا من ايقاع اقسى العقوبات دون اصلاح يذكر ، فما ان تنتهي محكومية احدهم حتى يعود للمجتمع ويرتكب افظع مما ارتكبه في السابق والتخلي عن فكرة حرية الارادة حسب الشكيين ، من شأنه ان ينجم عنه تبعات اخرى تبعث على القلق بصرف النظر عن الامور المتعلقة باللوم والعتاب، وهنا يقول ايمانويل كانط(( علينا ان ننظر الى انفسنا على اننا احرار عندما نمارس التفكير العملي)) وهنا فان التسليم تماما بالجبر وليس بحرية الارادة يؤدي الى مشاكل كثيرة منها تناقض يحصل مع الفاعلية الكبيرة التي تحصل في اتخاذ القرار والاستجابة بذكاء لبيئات البشر ،ويفسر العلماء في هذه المجالات العلمية / علم النفس ، الانثروبولوجيا ،الاقتصاد، علم الاجتماع، تصرفات البشر من خلال تصوير الاشخاص بوصفهم فاعلين مختارين ينطلقون من معتقداتهم ورغباتهم واهدافهم وخططهم في تحديد الاجراءات ، التي يتعين عليهم اتخاذها وهنا فان العلم قد يواجه صعوبة في تفسير السلوك الانساني اذا لم يكن ينظر الى الاشخاص بوصفهم فاعلين فيما يتخذونه من قرارات . هكذا نحن نرى ان البشر يتمتعون بالفاعلية والقصدية والاختيار وانهم يواجهون خيارات ممكنة ومختلفة ، يقول كريستيان ليست(اذا اعتقدنا ان البشر مجرد آلات فيزيائية ، فاننا سنغفل الطبيعة القصدية الموجهة لتصرفاتهم ونستغرق في التفاصيل المادية ، فالامر سيبدو اشبه بمن يحاول تفسير تعاملات المستثمرين في السوق، او الخيارات الانتخابية للناخبين ، او الانشطة الثقافية الجماهيرية ، انطلاقا من منظور فيزياء الجزيئات ، فمن غير الممكن تفسير كل هذه الفعاليات والفاعليات عبر فيزياء الجزيئات ) هكذا نرى ان الفيزياء للجزيئات المتحكمة بالبشر ليست هي الفاعلة الوحيدة بل المحيط والبيئة والعقل الذي هو صنيعة الdna والذي شرح الية عمل الجينات هو قادر على التحكم بالتصرفات على الرغم مما عرضناه.
وفي مورد معرفي اخر نجد (روبرت بلومين) وهو عالم نفس ووراثة امريكي اشتهر بالابحاث التي اجراها على التوائم وفي مجال علم الوراثة السلوكي وهو استاذ علم الوراثة السلوكي في معهد الطب النفسي وعلم النفس والاعصاب في (كينغزكوليدج ،لندن) يتعرض على ان التجارب الحياتية مهمة للانسان لكنها لا تحدث فرقا يقول(تشكل الوراثة الاثر المنتظم الرئيس في حياتنا ، وبصورة متزايدة مع تقدمنا في السن لذلك فانها تشكل جزءا كبيرا من فهمنا لمن نكون ، تجاربنا مهمة جدا : علاقاتنا بشركائنا في الحياة ، وبأطفالنا وأصدقائنا ، ومهننا واهتماماتنا ، وهذه التجارب تجعل الحياة تستحق ان نعيشها وان نعطيها معنى ، كما يمكن للعلاقات ايضا ان تغير سلوكنا ، كمساعدتنا في التوقف عن التدخين او محاولة فقدان الوزن ويمكن ان تؤثر في اسلوب حياتنا بتشجيعنا على ممارسة الرياضة والذهاب الى الفعاليات الثقافية ، لكنها لاتغير من نحن نفسيا / شخصيتنا ،صحتنا العقلية وقدراتنا المعرفية ، وتجاربنا الحياتية مهمة ويمكن ان تؤثر فينا بعمق لكنها لا تحدث فرقا من حيث تكوين من نحن ) اذن نحن امام ثلاث مؤثرات كبرى ، بالدر جة الاولى : الوراثة، طبيعة التنشئة ، اهمية البيئة . ووجد بلومن من خلال تجاربه ان الاحداث التي تقاس قياسا موضوعيا مثل الطلاق تظهر تاثيرا وراثيا ، ويعد طلاق الاهل افضل متنبئ باحتمال طلاق ابنائهم عندما يكبرون، يقول عن هذا الموضوع بلومين( هذا التلازم في الطلاق بين الاباء والابناء يفسر بسهولة على انه بيئي ، لكنه ذو منشأ وراثي بالكامل)واثبت العلم الحديث ان الوراثة مسؤولة عن نحو نصف التلازمات بين التجارب الحياتية والسمات النفسية مثل التلازم بين التصورات عن الاحداث الحياتية والاكتئاب وهذا مثال اخر على طبيعة التنشئة . المسألة اذا ( ان التجارب الحياتية ليست مجرد احداث تحدث لنا بالمصادفة بوصفنا مراقبين سلبيين مع وجود كل اختلافاتنا النفسية الغنية وراثيا ، فاننا نختلف في نزعاتنا للتعرض للأحداث الحياتية وتلقي الدعم الاجتماعي، وتشير طبيعة التنشئة الى انموذج جديد من التجربة نتصور من خلالها ونفسر ونختار ، ونعدل ونخلق تجارب متلازمة ممع خصائصنا الوراثية .)البيئة غير المشتركة لها مضامين رئيسة على فهم السبب الذي يجعل التجارب الحياتية لاتحدث فرقا نفسيا ، ويشكل توريث التجارب الحياتية نحو 25% وهو ما يعني ان معظم الاختلافات الفردية في التجارب الحياتية ذات اصل بيئي ، غير ان هذه التأثيرات البيئية ليست مشتركة مع اخوتنا واخواتنا حتى لو كان هؤلاء الاخوة والاخوات توائمنا المتطابقة ، ولايمكن ان نعزو الفضل او نحمل المسؤولية لأهلنا على ما اصبحنا عليه، الا من خلال الجينات التي اعطونا اياها ، ولا يمكن لأحد ان يدعي الفضل او يتحمل المسؤولية ، لان هذه التأثيرات البيئية غير المشتركة غير منتظمة وغير مستقرة ، باستثناء القوة المنتظمة والمستقرة للجينات ، فان الاشياء الجية والسيئة تحدث لانها تحدث ففيما يتصل بتربية الاطفال فان التجارب العشوائية كما اسماها روبرت بلومين في التربية لاتهم كثيرا على المدى البعيد لان اثرها ليس طويل الامد (اذ اننا في النهاية نعود بصورة طبيعية الى مسارنا الوراثي الى الحد الذي تبدو فيه تجاربنا مشتركة ، منتظمة ، مستقرة ، فانها تعكس خصائصنا الوراثية واسباب هذه التلازمات وراثية وليست بيئية) باختصار فان (الاهل مهمون ، المدارس مهمة ، التجارب الحياتية مهمة ، لكنها لا تحدث فرقا في تكوين من نحن ، فالDNA هو الشيء الوحيد الذي يحدث فرقا منتظما كبيرا وهو مسؤول عن 50 في المائة من التباين في السمات النفسية ، اما ما تبقى فيعود الى التجارب البيئية العرضية التي لا تترك آثارا طويلة الامد. )
اذا الرسائل التي ينبغي ان تستخلص من هذه الاكتشافات هي : التسامح مع الآخرين ، ومع انفسنا ، فبدلا من تحميل المسؤولية لآخرين ولأنفسنا عن كوننا مكتئبين او بطيئي التعلم او ذوي وزن زائد ، علينا ان نعترف وان نحترم الاثر الهائل للوراثة ، في الاختلافات الفردية ، فالوراثة ، لاقوة الارادة هي التي تجعل بعض الناس اكثر عرضة لمشكلات مثل الاكتئاب ، واعاقات التعلم والسمنة ، كما ان الوراثة ايضا تزيد من الصعوبة التي يواجهها بعض الناس في تخفيف حدة مشكلاتهم ، فالنجاح والاخفاق واعادة الفضل وتحميل المسؤولية فيما يتعلق بالتغلب على المشكلات يجب ان تعاير مع نقاط القوة والضعف وراثيا .
ويذهب روبرت بلومين ابعد من ذلك ف تفسير السلوكيات الفردية التي تنعكس مجتمعيا ليجادل بأن فهم اهمية الوراثة والطبيعة العشوائية للتأثيرات البيئية يمكن ان يؤدي الى درجة اكبر من القبول بمن نحن وراثيا ، بل حتى الاستمتاع بذلك، وبدلا من السعي الى تحقيق نفس مثالية قد يكون من المستحيل تحقيقها ، قد يجدر بنا ان نحاول النظر الى نفسنا الوراثية وان نشعر بالارتياح داخل جلودنا علاوة على ذلك وكما راينا فاننا مع تقدمنا في السن ومع زيادة التاثيرات الوراثية ، نصبح من نحن اكثر فأكثر . وهنا فاننا امام مشكلة هل يعني ان ما ورثناه عبر الجينات من الصعب التغلب عليه وبالتالي نعيش تحت وطأته ... الجواب كلا. فالتوريث (يصف ماهو كائن، ولكنه لا يتنبأ بما ممكن ان يكون )، فتوريث الوزن لايعني انه ليس بوسعك ان تفعل شيئا حيال وزنك، كما ان التوريث لايعني ان علينا الاستسلام الى ميلنا الوراثي الى الاكتئاب او اعاقات التعلم او الادمان على الكحول ، فالجينات ليست قدرا وتستطيع ان تتغير ولكن التوريث يعني( ان بعض الناس اكثر عرضة لهذه المشكلات ويجدون صعوبة اكثر في التغلب عليها ) .

• وفي موضوع بذي صلة مع ما اوردناه في اعلاه نجد ان الروايات والقصص والشعر دعت الى تغيير الذات وعدم الاستسلام لما ورثناه من جينات وان لم تشر علنا لذلك. يقول توماس بالمر ( اذا لم تنجح في المرة الاولى ، حاول،حاول،حاول ، مرة أخرى) THOMAS PALMER اي لا تستسلم لقدرك/جيناتك.
اغنية من اغاني الطفولة الغربية اسمها INCY-WINCY SPIDER وهي تصف عنكبوتا صغيرا يتسلق صنبور الماء. وهي اوردها كما هي :
Incy wincy spider climbed up the waterspout, Down came the rain and washed the spider out, Out came the sun and dried up all the rain, So Incy wincy spider climbed up the spout again. Incy wincy spider climbed up the waterspout, Down came the rain and washed the spider out, Out came the sun and dried up all the rain, So Incy wincy spider climbed up the spout again.
وفحواها ان العنكبوت وينسي لم يستسلم لقدره في عدم قدرته تسلق فوهة صنبور الماء بل انه حاول مرارا وتكرارا بعد كل محاولة لم يستطع بها التسلق ، وهكذا هي الحياة ان تحاول .
ولدينا قصص الاطفال مثل ( المحرك الصغير الذي يستطيع) THE LITTLE ENGINE THAT COULD الى الحكايات الرمزية للكبار مثل ( روبرت ذا بروس ROBERT THE BRUCE )يراقب عنكبوتا يحاول بصورة مكررة بناء شبكته، يقول (روبرت بلومين) (لدينا كتب علم النفس الشعبية التي تدور رسائلها حول ان كل ما تحتاج اليه للنجاح هو شيء من الترياق على حد تعبير روبرت بلومين ، مثل قوة التفكير الايجابي او التمتع بعقلية النمو او المثابرة او عشرة الاف ساعة من التدريب.
، ان الوراثة هي القوة المنتظمة الرئيسة في الحياة ، هذا لايعني كما بينا سابقا ان الجينات قدر ، بل يعني انه من المنطقي اكثر عندما يكون ذلك ممكنا ان نسير في الاتجاه الذي تدفعنا فيه جيناتنا بدلا من محاولة السباحة عكس تيارها وكما قال دبليو سي فيلدز (اذا لم تنجح في البدء ، حاول ، حاول مرة اخرى ثم توقف هذا لان حماقة الاستمرار لن تنفعك بشيء) . وان الاثر الجيني هو اكبر الاثار المحركة على الانسان الا يقلل من اهميتها وان يعالج بواطن الخلل فيها ، والا فنحن جيناتنا وان كل تحركات البشر تنبع من مما يرثه من اهله واجداده وتنبع كذلك من اثر المياكروبيوم الداخلي لديه والذي قد يؤثر حتى على ذوقه واختياراته الشخصية وللبيئة تاثير قليل على الانسان حتى انه يكاد يذكر او لا يذكر فهو سيان وان القليل من الناس التي تسيطر على جيناتها المحرك الاساس لها وانها تنساق خلفها انسياقا اعمى حتى قيل :غلب الطبع التطبع.......!!!!!
مراجع البحث:
كريستيان ليست ، العلم لا ينفي حرية الارادة ، مجلة الثقافة العالمية ، يوليو / اغسطس/ 2021 ، الكويت ، العدد 204، ص165.
- بيل سولييفان ، قواعد العشق بلغة العلم، مقال منشور في مجلة ناشيونال جوغرافيك ، عدد سبتمبر /2019، العدد 108، ص 11.
- بيل سوليفان : استاذ الصيدلة وعلم الاحياء الدقيقة في كلية الطب – جامعة انديانا ، يدرس الامراض المعدية وعلم الوراثة ، نشر كلامه هذا في مجلة ناشيونال جيوغرافيك ، م س ، ص 14.
- ص 166 ، كريستيان ليست ، م س .
- روبرت بلومين، المخطط الوراثي ، كيف يجعلنا الDNA من نكون؟ ، ت : نايف الياسين، سلسلة عالم المعرفة ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب في دولة الكويت، يونيو 2022 ، 495.
- م س ، ص 130.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت


.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق




.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با